-إمّا أنا وإمّا هو... إما أنا وإما هو...
سألها وقد احمرّت عيناه: من هو؟ وماذا فعل؟.
لم يسمع منها جواباً، بل ظلّت تردد كاسطوانة مشروخة: أنا أو هو، أنا... أو.. هو...
وتهاوت على الكرسي لاهثة.
اقترب منها وقال:
-هدّئي من ثورة غضبك يا آنسة، وقولي.. ماحدث.
قالت وهي ترتجف:
-غبي.. هذه فهمناها. بليد... صفة ليست غريبة عنه وعن أمثاله. أما أن يكون وقحاً ويتطاول عليّ وأمام الطلاب، فهذا أمر لا يجوز السكوت عنه أبداً.
وأضافت موجهة حديثها للمدير:
-أنتم أفسدتم الطلاب يا أستاذ، باسم التربية الحديثة وأصول التدريس ومنع الضرب. هذه ليست لنا ولا لطلابنا، المذنب يجب أن يعاقب.. هذا هو العدل.
أحس المدير أن أمراً خطيراً قد حدث. وإلا فما بال هذه المدرّسة التي عرفها هادئة وقورة صبورة، تخرج عن طورها، وتثور ثائرتها، وتجعل من طالب صغير نداً لها!! فقال:
-من قال إني مع التربية الحديثة دائماً! اهدئي وثقي أنه سينال العقاب المناسب حتى يستقيم أمره ويعرف أن الله حق.
تلبّد وجهه واستدعاه، وحمل بيده اليمنى عصا غليظة، وباليسرى خرطوماً يستعمله أحياناً في معاقبة المخالفين والكسالى.
دخل الطالب رافع الرأس، غير آبه بالعيون التي تحاصره من كل جانب فقالت بغضب: هذا هو.. هذا هو. وهمّت أن تهجم عليه، فقال المدير لها: اهدئي ياآنسة.
أشار لها بيده، ثم صرخ به: تقدّم.. اقترب.
دنا بخطى هادئة، فتريث المدير ونظر إليه نظرة فاحصة. كان ممتلئ الجسم، يميل إلى السمنة، يكاد الدم أن يطفر من وجنتيه، ابن نعمة، أو ابن رجل حديث النعمة، كما يبدو من هيئته وثيابه.
وقبل أن يرفع العصا، سأله: مااسمك؟
جفل المدير، وتبدلت قسمات وجهه عندما لفظ الطالب اسمه وكنيته. ووقع في حيرة من أمره.
سمع نقرات خفيفة على الباب، ثم دخل طالب ثان، من عامة الطلاب الذين قذفتهم إليه الحارات الشعبية.. أرسلته معلمته لأنه نسي الوظيفة.
نقل المدير بصره بينهما، وقال بلطف للأول:
-انظر يابني. هل تعلم ماهي عقوبة من يخالف النظام؟
قلب الطالب شفتيه ولم ينطق بكلمة وكأن الأمر لايعنيه.
أضاف قائلاً:
-أصفعه هكذا.
وهوى بكفه على وجه الثاني الذي فوجئ بما لم يكن يتوقع.
-وهل تعرف عقوبة من يتطاول على الآنسة؟
-....
-أضربه بالعصا.. هكذا.
تلقى الثاني الضربة بيده، وقال باكياً:
-أستاذ... هو من تطاول وليس أنا.
صرخ المدير غاضباً: وتجرؤ على الرد ياكلب؟! خذ هذه، وهذه.
ضربه بالخرطوم والعصا، وصرخ به: أنت مطرود، ولن تدخل المدرسة إلا بعد أن يأتي ولي أمرك.
ثم التفت إلى الأول وقال له بلطف مشيراً إلى الثاني:
-هل رأيت؟! هذا جزاء المخالفين والمتطاولين. والآن.. اعتذر من مدرّستك وعد إلى صفك