بتـــــاريخ : 11/17/2008 9:22:06 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1158 0


    الحلم الأخير

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : د. محمود موعد | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    حين عُرض على ليلى موضوع الزواج بأبي ماجد، الذي تجاوز الثمانين من عمره، جافاها النوم لليالٍ متوالية. واجهت نفسها في المرآة بصراحة لاحدود لها. تأملت جمالها الطاغي، الذي أصبح مضرب المثل في الحيّ كله، هذا الجمال الذي صدّت عنه عشرات الطامعين وبينهم خطّاب ذوو مكانة وشباب. ولكن قلبها لم يتفتح لواحد فيهم. كانت تريد شيئاً آخر. كانت تريد إنساناً يملأ عليها حياتها، تحبّه وتطمئن إليه، ينسيها زوجها الراحل. ولم تجد بين الذين تعرّضوا لها أو تقدموا لخطبتها من يحرك قلبها. وانتظرت طويلاً ترعى ولديها، وتجد سلوتها في خدمتهما ومتابعتهما في كل صغيرة وكبيرة. وعاشت معهما حياة قاسية في البيت الصغير، وبالمورد الشحيح. وهاهي ذي تقترب من الأربعين، يتآكلها خوف دائم من هذا الزمن المتسارع الذي لايتوقف وهي في وحدة قاتلة، وحرمان من متع ترى أنها من حقها وحق أولادها. فكثيرات من حولها ممن هنّ أقل جمالاً منها بمالا يقاس وجدن أزواجاً، وحباً، ومالاً كثيراً دون أدنى جهد. وهن يعشن، كما تراهن، سعيدات في البيوت الواسعة، والسيارات الفارهة، ومنهن من تقضي العطل في الساحل، أو في المصايف، أو حتى في أوربا. بينما تزورّ عنها الحياة وهي الجميلة الذكية بكل ما تحمل من مباهج وراحة بال. وانتظرت طويلاً ولم يسق لها الحظ ماتنتظر: الحبّ والمال!‏

    واستعادت ليلى كلّ ماقالته المرأة الوسيطة عن أبي ماجد، الذي ماتت زوجته، إلى عهد قريب، دون أن يرزق منها ولداً، ويحتاج إلى إمرأة تعنى بشؤونه، فليس له من أحد في هذه الدنيا وهو صاحب العقارات والمخازن والمزارع والأموال التي لاتأكلها النيران.‏

    وتذكر ليلى كيف اقتربت منها المرأة تهمس في أذنها على الرغم من أنهما كانتا وحيدتين ولا ثالث لهما: «اسمعي مني، هذه فرصة لاتعوض، أمواله كلها ستصبح تحت قدميك، وأقدام أولادك، سنة أو سنتان على الأكثر ويأخذ صاحب الأمانة أمانته، وعندها تعيشين ملكة. لقد تسرب إلى علمي أنه يعاني من قلبه، وأنه لن يعيش طويلاً. عشرات من النساء يقبلن به ممن هنّ أصغر منك. فلا تترددي. اسمعي مني تري ليلة القدر والسعد. أمامك مدّة أسبوع للتفكير لاأكثر».‏

    وفكرت ليلى طويلاً، فكرت في ليالي الأرق حتى أتعبها التفكير ودائماً كان يداعب خيالها مستقبل ولديها اللذين سيكف عنهما الحرمان إلى الأبد، وتنفتح أمامهما مجالات للسفر والتعلم في أرقى جامعات العالم. داعب خيالها البيت الفسيح، تدخله الشمس من كل جانب، ويلعب فيه الهواء طَوال النهار، والفيلا الرائعة في المصايف. داعبت خيالها السيارة الفارهة التي حلمت بها منذ كانت تلميذة في المدرسة. داعبت خيالها الفساتين المستوردة من كل الألوان و«الموضات» ومعاطف الفراء، واشهر الحلاقين في البلد، وحياة الصالونات الباذخة والسهرات في الأماكن الراقية، ومخالطة عليّة القوم. داعبت خيالها الرحلات إلى بلدان العالم الجميلة، والعودة منها بأجمل الهدايا وأغلاها ثمناً. وطاف في خيالها كل النساء اللواتي تعرفهن واللواتي سيقتلهن الحسد والغيرة منها.‏

    ولكن ما كان يعكّر عليها صفو هذه الأحلام هو الغرفة التي ستنغلق عليها وعليه، والسرير الواحد الذي سيضمهما معاً، وأنفاسه وروائحه وشخيره و... فتنتفض وتقرر الرفض، ويأخذها نوم متقطع قصير على هذا القرار. وما إن يطلع عليها الصباح حتى يعود الصراع إلى أعماقها من جديد، وتبدأ معركة لاهوادة فيها.‏

    وفوجئت ليلى بنفسها، حين عادت المرأة الوسيطة بعد اسبوع، تقول بتسليم ذليل: موافقة!‏

    مع أنها كانت اتخذت في ليلة الأرق الأخيرة قرارها الحاسم بالرفض.‏

    واحسّت ليلى حين نطقت بهذه الكلمة، أن ليلى أخرى هي التي نطقت بها وليست هي، فانساقت وراء هذه المرأة، وليكن مايكون.‏

    ولم تشعر ليلى حين أعلن زواجها بأبي ماجد بما كانت تنتظره من سعادة وأحلام قزحيّة، فكاد يقتلها الندم، وتمنّت أن تعود على أعقابها، ولكن هيهات! ولاتدري كيف جاءتها الفكرة بعد السكرة أن كل ماتنتظره، من سعادة وأحلام مؤجل حتى إشعار آخر، حتى يقبل الموت، وينجز فعلته، ويصبح كل شيء لها، فتصبح حرّة كالفراشة، وعندها تعانق الآفاق الطليقة؛ فتنهل من المتع بكلّ ألوانها كما تشاء.‏

    وحين أقبل الموت، وأنجز فعلته مع أبي ماجد، وبعد انقضاء أيّام العدة، وجدت ليلى أن ليلى التي تعرفها قد ماتت منذ أن نطقت بكلمة: موافقة.‏

    وجدت أن العقارات والمزارع والسيارات والأموال والفساتين والرحلات لم تعد تعني لها شيئاً. ولم يعد لها من همّ في السنين التاليات سوى رعاية ولديها فلعلهما يحققّان بعض الذي أخفقت هي في تحقيقه!.‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()