بتـــــاريخ : 11/19/2008 6:57:31 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1147 0


    الفأرة والذهب

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : أحمد زياد محبّك | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    يحكّى أن ثلاث أخوات فقيرات، ماتت أمهن، فلم تترك لهن سوى المغزل، فكن يغزلن عليه القطن، من أجل أن يعشن، وكن يرسلن كل يوم أختهن الصغرى إلى السوق، لبيع ماغزلن من قطن وشراء مايحتجن من طعام.

    وذات يوم ذهبت الصغرى إلى السوق، كعادتها، فرأت فيه فارة في قفص، يعرضها رجل للبيع، فأعجبت بها، وبخفة حركاتها، وزقزقتها، فاشترتها بثمن ما باعت من قطن، وحملتها إلى البيت فرحة بها، ولكنها فوجئت بأختيها تعنفانها في شرائها الفارة، وتغلظان لها في القول ثم تقدمان على طردها من البيت.‏

    فخرجت حزينة باكية، تحمل القفص، وفيه فارتها، تنط وتزقزق فسارت على غير هدى، لا تعرف إلى أين تلجأ، فقادتها خطاها إلى قبر أمها، فقعدت في جواره، وراحت تتأمل الفارة، وماهي إلا برهة، حتى أخذتها سنة من النوم، فأغفت، ولما نهضت، وجدت فارتها قد وضعت قطعتين معدنيتين، فحملتهما، وراحت تتأملهما، ولا تعرف ماتفعل بهما؟‏

    وبينما هي على هذه الحالة، مر بها رجل يحمل على رأسه طبقاً فيه زبيب، ينادي لبيعه، فلما رأته، عرضت عليه القطعتين، ورجته أن يعطيها بهما قليلاً من الزبيب، فلما رأى الرجل القطعتين فرح بهما، فتلقفهما، وناولها الطبق كله، ثم لما عرف أمرها، خلع عباءته، وغطاها بها، ووعدها أن يأتيها بخيمة تنصبها على قبر أمها، لتنام فيها، واعتذر لها لعدم قدرته على إيوائها، لأنه مثلها مشرد، ليس له بيت.‏

    ولماكان اليوم التالي وضعت الفارة قطعتين أخريين، فأعطتهما الفتاة للرجل، فجاءها بطعام وشراب وكساء وفراش، صار دأب الرجل، يمر بها كل يوم، مساء، فيأخذ القطعتين، اللتين تضعهما الفارة، ويزود الفتاة بكل ماتحتاجه، وهي لا تعلم أن القطعتين المعدنيتين، هما ليرتان ذهبيتان.‏

    وذات يوم مرّ موكب ابن السلطان بالمقبرة، فرأى الخيمة منصوبة فيها، فعجب لأمرها، وأرسل الجند لاستطلاعها، فعاد إليه بالفتاة والفارة، فلما سألها عن أمرها، حكت له حكايتها كاملة، وعرضت عليه القطعتين، فأخذهما منها، ومضى يتأملها، غير مصدق، ثم عرض عليها أن يصحبها إلى قصره، لتقيم عنده، فترددت في أوّل الأمر، ثم قبلت.‏

    وفي القصر، أفرد لها ابن السلطان جناحاً، وخصها بالخدم، يسهرون على راحتها، ويوفرون لها أسباب العيش الهنيء، واستمرت فارتها تضع لها كل يوم قطعتين من الذهب، يأخذهما ابن السلطان.‏

    وكانت الحالة قد تردّت بأختيها، فباعتا المغزل، وأكلتا بثمنه أياماً، ثم اضطرتا إلى سؤال الناس لقمة العيش، فكانتا تطوفان في الطرقات تطلبان من الناس العطاء، وتعودان إلى البيت، في المساء، لتجتمعا بعد تشرد، وتقتسما ما التقطتا.‏

    وذات يوم كانت الصغرى في نافذة القصر، تتفرج على البلد والناس، وتتذكر شقيقتيها، رأت بائسة فقيرة، تتجول بين الناس، وتمد يدها بالسؤال، فراحت تتأملها، حتى إذا دنت من القصر، عرفت فيها أختها، فأسرعت إلى الخدم تأمرهم بإحضارها.‏

    ولما دخلت عليها أختها، رقت لحالها، وحزنت لما صارت إليه، فأعطتها بعض الثياب، وحثتها على المضي لإحضار أختها، كي تقيما معها، في جناحها بالقصر.‏

    ولما حضرت أختاها، وشاهدتا ماتنعم به أختهما من عزة ورفاهية، داخلهما الحسد، وعشش في قلبيهما البغض للفارة، والحقد على أختهما، التي نالها من الحظ، بسبب الفأرة، مالم ينلهما، فأضمرتا لها الأذى، ولكنهما أظهرتا الحب والوداد.‏

    ومرت عليهما أيام كانتا تنعمان فيها بما تغدقه عليهما الأخت من خيرات، وبما ترفل به ثلاثتهن من نعيم، ولكنهما كانتا تتحينان الفرص، كي تغدرا بها، وذات يوم سافر ابن السلطان إلى بلد قريب في زيارة قصيرة، فاغتنمت الأختان الفرصة، واقترحتا عليها أن يذهبن إلى الحمام، فوافقت.‏

    ومضت الأخوات إلى الحمام، فأمضين فيه وقتاً، ثم ادّعت إحدى الأختين أنها نسيت في البيت شيئاً، وأن عليها أن تذهب لإحضاره، فخرجت من الحمام، وأسرعت إلى القصر، ثم عمدت إلى الفأرة، فخنقتها، ثم رجعت إلى الحمام.‏

    ولما خرجت الأخوات من الحمام، ورجعن إلى القصر، أسرعت الصغرى إلى الفارة تطمئن عليها، فوجدتها مخنوقة، فعرفت على الفور أن أختها هي التي قامت بخنقها، فحزنت، وبكت بكاءً مراً، وعمدت إلى ركن في حديقة القصر، فحفرت فيه حفرة، دفنت فيه الفارة، والتقطت من الأرض غصناً يابساً، فغرسته فوق قبرها علامة، حتى يرجع ابن السلطان، فيراها.‏

    ولبثت بضعة أيام تكظم غيظها، وتخفي حزنها أمام أختيها، حتى رجع ابن السلطان، فأخبرته بما كان، فزود أختيها بالمال والثياب، وطلب منهما أن تغادرا القصر، على أن تزورا أختهما حين ترغبان.‏

    وأخذت الأخت بعد ذهابهما تزور كل يوم قبر فارتها وتبكيها بدموغ غزيرة، وذات يوم فوجئت بالغصن اليابس الذي غرسته فوق القبر، علامة، قد بزغت فيه براعم صغيرة، وماهي إلا بضعة أيام حتى أورق الغصن وأزهر، ففرحت به فرحاً، ودعت ابن السلطان إلى زيارته ومشاهدته، فلبى دعوتها، ولما رأى الغصن، أعجب به الإعجاب كله، وبينما هو يتأمله، هبت نسمة خفيفة، فتمايل الغصن، وسقطت منه بضع زهرات، التقطها ابن السلطان، فإذا هي لؤلؤ ومرجان، فأخذ يقلبها، ويتأمل فيها، فرحاً، وهنأ الصغرى بما تحظى به.‏

    ومنذئذ أخذ ابن السلطان يزور الغصن كل يوم، وقت الأصيل، فيقعد أمامه بعض الوقت، ويمضي في تأمله، مستروحاً بأطيب النسمات، والفتاة تطوف بين يديه وتقدم له أشهى الفواكه، وأطيب الشراب، حتى إذا هم بالقيام، دنت من الغصن، وعطفت على أعواده وأزهاره، تداعبها بيدها، وتقول لها:‏

    هرّي لولو ومرجان‏

    حتى يفرح ابن السلطان‏

    ويميل الغصن، فتتساقط بضع زهرات، يلتقطها ابن السلطان، فإذا هي لؤلؤ ومرجان.‏

    وهكذا عادت الفرحة إلى قلب الصغرى، وسعدت بوفاء فارتها لها، وارتفعت مكانتها عند ابن السلطان، فقربها منه، فهنئت برغد الأيام، ولكنها ذكرت ثانية أختيها ورقت لحالهما، وتمنت لو تستطيع الوصول إليهما، وظلت ترسل الخدم في السؤال عنهما أياماً، ولكنها لم تفلح في العثور عليهما.‏

    ولكن ذات يوم فوجئت بإحدى أختيها، تزورها، فرحبت بها، وفرحت لزيارتها، فأكرمت وفادتها، وقدمت لها الطعام والثياب، وسألتها عن أختها، فأخبرتها أنها مريضة، لا تستطيع الحراك، وبالغت في وصف مرضها، فتألمت لحالها، وأغدقت عليها مما عندها، ثانية، من طعام وشراب، ثم رافقتها إلى الباب تودعها، وقبل أن تخرج الأخت سألتها إن كانت ماتزال تزور قبر الفارة، كل يوم، وتبكيها، كعادتها، وكانت تسخر منها، فلم تنتبه إلى قصدها، ومضت تحدثها عن الغصن الذي غرسته فوق قبرها، وعن أزهاره، وبما يتساقط منه كل يوم، من لؤلؤ ومرجان، ودعتها إلى رؤيته، فوعدتها أن يكون ذلك في زيارة أخرى.‏

    وأخذت الأخت تتردد عليها بين الحين والحين، فتظهر لها الحب والوداد، وإن كانت تضمر لها الحسد والبغض، وكانت الصغرى تستقبلها وتفرح بها، وفي كل يوم تصحبها إلى الغصن لتزوره، وتراه، ولما زارتها الأخت التي كانت مريضة، على زعم الأخت الثانية، فرحت بها، وأكرمتها وكانت هي التي خنقت الفارة، فلما دعتها إلى زيارة الغصن ورؤيته، ترددت، ثم قبلت، ومضت، ولما مثلت أمامه، أخذ منها الحقد كل مأخذ، وودت لو تقلعه، ولكنها صبرت نفسها.‏

    ومرة زارت الأختان شقيقتهما الصغرى، ثم قصد ثلاثتهن الغصن للفرجة عليه، فغافلت إحدى الأختين شقيقتهما، على حين شغلتها، الأخرى بأمر ما، ثم عمدت إلى قليل من الملح، كانت تحمله تحت ثوبها، فرشته فوق الغصن، ثم ودعت الأختان شقيقتهما، وخرجتا، وهما تعدانها بأن تزوراها باستمرار.‏

    ولما كان أصيل ذلك اليوم نزل ابن السلطان، كعادته، إلى حديقة القصر، ليتأمل الغصن، وإذا به يفاجأ بالفتاة أمام الغصن تبكي، وتلطم خديها، فدنا منها، وضمها إلى صدره، وأخذ يواسيها، ثم أخبرها أن الجاني لن يفلت من العقاب، ولما سألها فيمن تشك، أكدت له أنها لا تشك في غير أختيها، ولكنها تأسف إذ لا تعرف أين هما؟ ولا أين تقيمان؟ فأكد لها أنه قادر على إحضارهما على الفور، فقد شك فيهما من قبل، وأرسل وراءهما أحد الجند، ليتعرف موضع إقامتهما، وأنه ليعرفه، ثم سألها إن كانت توافق على عقابهما، فأجابت أن نعم.‏

    وفي اليوم التالي مثلت الشقيقتان أمام ابن السلطان، وإلى جانبه كانت تقعد أختهما الصغرى، فتميزتا من الغيظ وودتا لو شقت الأرض وابتلعتهما، ولما سألهما ابن السلطان عن سبب فعلتهما، أنكرتا أول الأمر، ثم لم تلبثا أن أقرتا، واعترفتا بما تحملانه لأختهما من بغض وحسد، فلما سمعت الصغرى كلامهما حزنت أشد الحزن، وخرجت وقد تركتهما لابن السلطان، يوقع بهما مايشاء من عقاب.‏

    وعندئذٍ أمر ابن السلطان بتعطيش الخيول وتجويع الكلاب، ثلاثة أيام، ثم عمد إلى الأختين فربط كل واحدة بذيل فرس، وأطلق الفرسين يجران الأختين، ثم أطلق في أثريهما الكلاب.‏

    ورجع إلى الصغرى، فأعلن خطبته لها، فأعدت، وجهزت، ثم أقيمت الأفراح، فتزوجها، وغدت أميرة القصر، وعاشت مع ابن السلطان في هناءة وسرور.‏

    تعليق:‏

    تدل الحكاية على فقر العامة وسوء حالهم وجهلهم وتعلقهم بالأوهام والأحلام لحلّ مشكلاتهم، كما تدل على توهمهم الخلاص متحققاً في الحظ أو السحر، وهو خلاص لا يتحقق في النهاية إلا بفضل قوة كبيرة تتمثل في الملك القادر على فعل كل شيء، ويظل قصر الملك وأسلوب العيش فيه هو النمط المتصورللخلاص المنشود.‏

    ويزداد الأمر سوءاً حين يغيب الوعي، فيكون الحسد والبغض، فيكيد الأخ لأخيه، وتنقم الأخت على أختها، ومرجع ذلك إلى توهم الخلاص في الحظ ومساعدة الملك، وليس في الكدح والعمل الجاد وتحدي قوى الظلم والاستبداد.‏

    إن الأخت الصغرى تحقق خلاصها الفردي المحدود بفضل مصادفة سحرية غريبة، متمثلة في الفأرة التي تضع كل يوم ليرتين ذهبيتين، وبمساعدة مباشرة من الملك، لا لأجل الأخت الصغرى نفسها، وإنما لأجل الليرتين الذهبيتين اللتين تضعهما الفأرة.‏

    ولذلك يبدو طبيعياً كيد الأختين لأختهما الصغرى وحسدهما، فهما تكدّان، وتعملان، وتتعبان في غزل القطن، ولا تحققان خلاصهما، بسبب مجتمع ظالم، لا يقدر الجهد ولا العمل.‏

    إن الحكاية تؤكد حلم العامة بعيش القصور، كما تؤكد غياب وعيهم، وتوهمهم أن لا خلاص إلا بالحظ، أو السحر، وبتدخل الملك نفسه.‏

    ومهما يكن من أمر، فالحكاية جميلة، وهي تدلّ على خيال واسع، ولعل أجمل مافيها الفأرة التي تضع ليرتين ذهبيتين، وتحولها بعد خنقها إلى شجيرة تثمر اللؤلؤ والمرجان، وتبدو هذه الفأرة رمزاً للحظ أو السحر.‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()