وذات يوم تقدم إلى خطبتها شاب أعلن عن استعداده لدفع مايعدل وزنها ذهباً، على شرط أن يأذن له أبوها باصطحابها إلى بلده، فهو غريب، وألا يسأل بعدئذ عن ابنته أبداً، فوافق الأب ودفع الشاب مايعدل وزن البنت ذهباً، ثم ارتحل بها إلى بلده.
وتم الزواج من غير احتفال ولا زوار ولا مهنئين، وأقامت الزوجة في بيت زوجها هانئة مسرورة بما يوفره لها زوجها من أسباب الراحة والنعيم، وكان يخرج كل يوم إلى عمله في الصباح، يقفل الباب عليها، ولا يرجع حتى المساء، وكانا لا يزورهما أحد، ولا يزوران أحد.
ومرت الأيام، فحملت الزوجة، وتتابعت الشعور، فوضعت ولداً،وهي في الدار وحدها، من غير أن يعينها أحد، أو تشرف عليها قابلة، فتكفلت بكل شيء بنفسها، ثم رجع زوجها في المساء من عمله، فرأى الطفل الوليد، فحمله وخرج به، ثم رجع من غيره، فسألته الزوجة عن طفلها، فأجابها بأنه قد باعه، ثم أكد لها أنه سيبيع كل ولد تضعه، حتى يسترد الثمن الذي دفعه فيها، فغصت الزوجة بدموعها، ولم تجب بشيء.
ومرت الأيام، وتلتها الشهور، وإذا الزوجة قد حملت ثانية، ثم وضعت طفلاً ثانياً، ففعل الزوج مافعله من قبل بالولد الأول.
ومرت شهور أخرى، حملت فيها الزوجة مرة ثالثة، ثم وضعت بنتاً تشبهها في حسنها وجمالها، ودخل عليها الزوج، فتوسلت إليه زوجته أن يترك الطفلة لها كي تأنس بها وتتسلى، ولكن الزوج لم يبال بها، فحمل الطفلة وخرج بها، ثم رجع من غيرها، ليخبرها بأنه قد باعها أيضاً.
وغصت الزوجة بدمعها، ولم تجب بشيء، ولكنها قررت أن تمنع نفسها من الحمل، حتى لا يكون مصير الأولاد الآخرين مصير من سبق، وظلت على هذه الحالة من الصبر والصمت، يخرج زوجها كل يوم في الصباح، فيقفل عليها، ولا يرجع حتى المساء، لا تزور ولا تزار، ولا ترى أحداً، ولا يراها أحد.
ومرت الشهور تلتها السنون والأعوام، إذا زوجها يخبرها ذات يوم بضيقه بها، وعزمه على الزواج من غيرها، متذرعاً بعدم حملها، مؤكداً حاجته إلى الولد، فأكدت له الزوجة موافقتها على كل مايراه، فطلب منها أن تبحث عن زوجة تليق به، فأجابته بأنها لم تخرج من البيت قط، ولا تعرف أحداً، ثم أشارت عليه أن يختار هو الفتاة التي تروق له، ثم وعدته أن تقوم بدورها في إتمام الخطبة والسعي في أمور الزواج.
وبعد بضعة أيام رجع إليها الزوج باكراً، فطلب منها أن تخرج معه، فخرجت، فدلها على بيت، وطلب منها أن تزور أهله، وتخطب ابنتهم، وأوصاها أن توافق على مايطلبون من أمور.
ودخلت الزوجة إلى البيت الذي دلها عليه، فاستقبلتها فيه بعض النسوة، فأخبرتهن بأنها جاءت تخطب إليهن ابنتهن، تريدها لزوجها، فبرزت لها فتاة دون الخامسة عشرة من عمرها، ذات حسن وجمال، خفق لها قلبها، ودهشت لمرآها دهشاً عظيماً، ثم سألت الأهل عن طلباتهم وشروطهم، وأكدت لهم استعداد زوجها للوفاء بكل مايطلبون.
وسارت الأمور على مايرام، فتمت الخطبة، وحان موعد الزفاف، والزوجة تسعى في ذلك كله، وتساعد زوجها، صابرة صامتة، لا تبدي انزعاجاً ولا قلقاً ولا غضباً.
وفي ليلة الزفاف أُحضِرَت العروس في أبهى زينتها، وكان يصحبها أخواها، وهما يفوقانها في الحسن والبهاء، وطلب الزوج من زوجته أن تنهض لاستقبال عروسه وأخويها، وأن تقودهم إلى مخدعه، فنهضت الزوجة، فاستقبلت العروس وأخويها، وقادتهم جميعاً إلى مخدع زوجها، ثم تركتهم وهمت بالرجوع، وإذا زوجها يدخل عليها ويطلب منها البقاء، ليقدم لها العروس معرفاً بها، بوصفها ابنتها، ويقدم لها شقيقي العروس بوصفهما ولديها.
وعانقت الأم ابنتها، العروس، وضمت إليها ولديها، ثم ضم الزوج إليه زوجته وأولاده، وشكر للزوجة صبرها، وبارك فيها وأكد لها أنها تستحق أن يدفع فيها مايعادل وزنها ذهباً.
تعليق:
تؤكد الحكاية قيمة الصبر، فهو المعيار الوحيد الذي تقوّم به المرأة، ولكنه معيار صعب وقاس جداً، ويدلّ على مدى مايلحق المرأة من حيف وظلم لتؤكد جدارتها بأن تكون زوجة، والرجل وحده هو الذي يطلب منها تلك الجدارة، وهو الذي يمتحنها، في هذا دلالة واضحة على ظلم المجتمع للمرأة.
وتدل الحكاية على دور التربية وأهميتها في إعداد الفتاة لتكون امرأة المستقبل، كما تدل على أن القيمة العليا هي للإنسان، ولا يمكن أن يعدله شيء، حتى الذهب نفسه، وقد تمّ اختياره هنا لأنّه أغلى المعادن وأكثرها ندرة ولثباته وعدم تحوّله.
وواضح لجوء الحكاية إلى المبالغة والافتعال، لتخلق الأثر النفسي والتربوي، وهي موجهة على الأغلب للفتيات لتعلمهن الصبر وتعدّهن للمستقبل