بتـــــاريخ : 11/20/2008 9:31:09 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1332 0


    رســــــالـة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : مســعود بوبو | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :
    قصة رســــــالـة مســعود بوبو

    كتب إلى من يحبها يقول: لايا منى.. لا أيتها الغالية، أنا ما ودعتك ولا كان مطر.. كان هاجس قديم يضيِّق المسافة بين البيت والطريق العام، وكان شيء ما محتبساً، وبين جدولين متقابلين جف ماؤهما كان صمت وانتظار.. ولكن المسافة غيبت كلينا في وريدها... وبعدها كانت القرى تخرج من قلبي مغتسلة بالفجر النديان.. وإلى قلبي -طوال الطريق- كانت تلتجيء حاملة ظل عينيك الأنيستين الوديعتين.‏

    لا يا منى... لا تقولي خرج من القرية عصفوراً مقروراً لا يعرف أين يتجه... إن رائحة الأرض واحدة من الجبهة حتى عتبة بيتكم، وكذا القضية... وإن الموت واحداً كالحب. وكما تعلمنا... لا، أنا ماسحبت من يديك يدي، ولا رفعت عنك عيني، وأنت كهذا الوطن، ما سكن لحظة واحدة إلا في القلب والذاكرة..‏

    أجلس وحيداً في بعض الأماسي، أستعيد تلك الحالات الخانقة من الاحتقان النفسي، من الخواء والخمول، والانتظار... كان ذلك كله كمقيل سقيم لقرية مغمى عليها، وفي كل مساء تمعن في بياتها الشتوي، وأنا كنت أحس أنني تحولت شيئاً فشيئاً إلى مضغة في حلق ليلها الطويل، لا يبتلعني، ولا يلفظني... وعندما اخترت طريقي الجديد ملأني شعور حميم بالارتياح والخلاص.‏

    إن تاريخنا يامنى ليس مجموعة من الأخبار والمناسبات، وليس "ألبوماً" للصور نجلس لتأبينها أو للاحتفاء بها بين الحين والحين في السهرات، وما ينبغي له أن يكون كذلك.. أن يكون تكراراً ومعاودة وقصاً لأخبار الأجداد والسلف بدعوى الأمانة والمحافظة على حبل السرة دافئاً موصولاً، إنه إبداع يتجاوز الماضي ومافيه، وانتقاء واختيار، وإلا كنا مجرد طاقات وعائية له تستوعب، وتستطيب السرد والتكرار. عندما أنظر الآن إلى الخلف، مستعيداً مسافة حياتي السابقة.. عندها لا أتساءل حائراً في ما إذا كنت مضيعاً، أو كانت قناعتي مجموعة من التراجعات المبدئية، أو مجموعة من التعديلات الإيجابية لمسار لم يكن أصلاً صالحاً.. لقد اخترت طريقي من غير اندفاع عاطفي، ولكنني أرتضيه الآن من غير تراجع...‏

    لا يامنى، لا أنا لن أبني أمة من على هذه التلال التي ألفتني وبدأت تلوذ بي وتترقب... ولا أدّعي أنني سأحقق معجزة متميزة.. ولكنني لبنة من تراب هذه الأرض، لبنة خير لها أن تأخذ مكانها في صرح تاريخنا بدلاً من أن تكون حجراً تنتظر أن يفتتها تعاقب الريح والقيظ والمطر وهي مرمية خلف وجوه المدن...‏

    أنت لحياتك معنى لأنك تفعلين شيئاً ما... تسقين شجرة، تعلمين بنات القرية، ترعين أباك، تمسحين دمعة طفل.. وكان لامعنى لحياتي.. كنت كأنني أفتقد الأرض التي أمتلكها الآن..‏

    هل أطلت عليك؟ حسناً، سأرجئ الحديث إلى رسالة أخرى.. ولكن... إن المساء الآن يحمل رفاً من الطيور الرمادية المجهدة، ويمضي... فإن ألمت بك أحسني وفادتها.. لقد تأملتها طويلاً، وهي ترتحل حزينة نحو الشمال.. وتكتبني قصيدة المساء إليك تحية متجددة.. حجلاً برياً يخفق جناحاه بأغنية جائية من مطر بعيد... تبحث عن مهوى لها فوق سفوح السنديان

    كلمات مفتاحية  :
    قصة رســــــالـة مســعود بوبو

    تعليقات الزوار ()