بتـــــاريخ : 11/22/2008 9:29:55 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1137 0


    موت هوغو

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : محمد عادل عبد الخالق | المصدر : www.awu-dam.org

    كلمات مفتاحية  :

    حدثت هذه القصة منذ سنتين فقط. ففي اليوم الأخير من مهمتي الرسمية في لندن، فكرت في قضاء الساعات القليلة المتبقية لي، قبل الانتقال إلى المطار، في قاعة الاستقبال الرئيسية في الفندق الذي أنزل فيه. ففي مثل تلك القاعات يمكنك أن ترى شريحة واسعة من المجتمع المحلي، إذ أنها تستقبل الناس عموماً فضلاً عن النزلاء. وما إن دخلت تلك القاعة الواسعة التي كانت تغص بالناس، حتى استقر بصري على سيدة تجلس إلى طاولتها وحيدة والدموع تنهمر من عينيها. كانت في حدود الثلاثين، بشرتها بيضاء كالحليب، وعيناها الخضروان واسعتان كمرج قد بلله الندى للتو. كل ما في وجهها ساحر، الفم القرمزي، الوجنتان الورديتان، الأنف الصغير المستقيم، أما الشعر الأشقر فأشبه بتاج ذهبي. كانت أنيقة بدون تكلف، فاتنة بدون مكياج. خمنت مباشرة أنها إنكليزية. جلست إلى طاولة قبالتها وعيناي لا تفارقان عينيها. لم تلاحظ نظراتي، كانت ذاهلة عما حولها، تستغرقها عذابات مضنية. وجالت في ذهني تساؤلات عديدة: هل تعرض أحد أطفالها لحادث مروع؟ هل فقدت على نحو مفاجئ أباً، أماً أو أخاً؟ هل اكتشفت حديثاً خيانة زوجها؟ وإلا فلماذا كل هذه الدموع المدرارة؟ وقد أثار دهشتي أن الآخرين، رغم قربهم منها، كانوا مشغولين عنها، غير آبهين لدموعها. سيطرت عليّ رغبة ملحة في مواساتها، فلغتي الإنكليزية تساعدني على القيام بهذه المهمة، ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟؟ بعد مرور بعض الوقت، بدأت أفكر جدياً بالانتقال إلى طاولتها، وماذا يكلفني ذلك؟ سؤال صغير وينتهي الأمر، فإن وافقت تم لي ما أردت، وإن رفضت عدتُ إلى طاولتي وأنا راضٍ أني قد حاولت.‏

    نهضت بهدوء وثقة، وقد شجعني أنها لم تنتبه إلى جلوسي إلى الطاولة المقابلة لها. وقفتُ أمامها ثم قلتُ بصوت خفيض: هل تمانعين في الجلوس معك؟‏

    -لا، لا أمانع، يمكنك الجلوس.‏

    بعد فترة قصيرة نظرت إليّ نظرة متفحصة، ثم قالت بلهجة واثقة:‏

    -أنت غريب، أنت لست إنكليزياً بالتأكيد.‏

    -نعم أنا لست إنكليزياً، أنا عربي.‏

    لم تجب ولم تعلق بل عادت إلى ذهولها، قلتُ لها بعد أن فكرت ملياً في سؤالي التالي الذي قد يكون مفتاحاً لبدء حديث طويل:‏

    -هل تعرفين لماذا أردتُ الجلوس معك؟‏

    -لا، لا أعرف، ولا يهمني كثيراً أن أعرف.‏

    تجاهلتُ القسم الثاني من ردها، وأردفت قائلاً:‏

    -أردتُ في الواقع أن أواسيكِ، أن أخفف عنك أحزانكِ، فدموعك تشي بمصاب أليم.‏

    -أشكر مشاعرك الرقيقة، هذا لطف منك.‏

    انتهزت فرصة تجاوبها فسألتها على الفور.‏

    -هل فقدت عزيزاً عليك يستحق كل هذا الحزن؟‏

    مرت فترة صمت ثقيلة، كانت عيناها لا تستقران على شيء محدد، ثم حدقت في وجهي وقالت بصوت تحاصره ذكريات مؤلمة:‏

    -نعم فقدتُ هوغو، خمس سنوات ونحن نعيش معاً في بيت واحد، لم نفترق ولو ليوم واحد، يستقبلني عند عودتي من العمل بشوق جارف، يشاركني كل زياراتي، ولا ينام قط إذا أحس أني قلقة أو مريضة.‏

    توقفت بعد أن طفرت الدموع من عينيها، ثم تابعت وهي تغالب نوبة انفعال مفاجئة:‏

    -منذ شهور قليلة أصيب بمرض عضال، استشرت عدة أخصائيين، أجمع الكل على ضرورة القيام بعمل جراحي. صمتت، ثم بدأت تمسح دموعها، وبعد لحظات أردفت:‏

    -منذ ثلاثة أيام أُجريت له العملية الجراحية، البارحة مساءً فارق الحياة.‏

    تغير لون وجهها، وتهدج صوتها، وامتدت يدها نحو محفظتها، وكأنها تبحث عن غصن يحميها من الغرق، ثم قالت لي وهي تهم بالمغادرة:‏

    -شكراً على اهتمامك.‏

    قلتُ لها وأنا أودعها:‏

    -سامحيني إذا أثرتُ شجونك، عزائي أنكِ لا بد وقد خلفت طفلاً من هوغو.‏

    نظرت إليّ باستغراب شديد ثم قالت:‏

    -لقد أخطأت الفهم، هوغو ليس إنساناً، إنه كلب.‏

    غمرني شعور بالحرج الشديد، وانتصب أمامي سؤال ملحاح: لماذا أخطأتُ الفهم رغم أني استوعبتُ كل كلمة من كلماتها؟؟‏

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()