وتتم في خلايا الجسم نوعان من الانقسام أحدهماالانقسام المتساوي أي انقسام الخلية غير المباشر، وهو يتم في جميع خلايا الجسم، ولا يحصل أي تغيير في عدد الكروموسومات في الخلايا نتيجة هذا الانقسام ،كما لا يحصل أي تغيير أو تشويه في الخلايا الجديدة حيث تكون كلها متشابهة. ومن المفيد هنا الإشارة إلى نقطة معينة : فلو كانت الخلايا التناسلية تنقسم بهذا الشكل لما كان من الممكن أن يبقى نسل الإنسان إنساناً، لأن مجيء 46 كروموسوماً، مما يتسبب في تخريب بنية الطفل تماماً. غير أن التصميم المدهش الموجود في أجسامنا يحول دون ذلك، لأن للانقسام الذي يحدث في أثناء تكوين الخلايا التناسلية ( والذي يسمى : " الانقسام التناسلي " أو " الانقسام المنصف " ) كيفية مختلفة . ففي هذا الانقسام ينزل عدد الكروموسومات في الخلايا التناسلية من 46 كروموسوماً
يظهر في هذه الصورة الكيفية التي يتم من خلالها تكون النطاف
إلى 23 كروموسوماً . ولا تعد الخلايا التناسلية خلايا ناضجة إلا بعد إكمال هذه الانقسامات، فهناك آلية خاصة في جسم الرجل وفي جسم المرأة تكمل إنضاج هذه الخلايا التناسلية ثم تعدها لرحلة صعبة . فالخلايا التي ينتجها النظام التناسلي عند الرجل تكون مهيأة تماماً للخلايا التي ينتجها النظام التناسلي عند المرأة مع أن هذين النظامين يختلفان عن بعضهما البعض من وجوه عديدة ولا علم لأحدهما عن الآخر .
سنتناول تفصيلات هذا الموضوع في الصفحات القادمة، غير أن هنا نقطة هامة يجب الالتفات إليها، فمن اللحظة الأولى التي تبدأ فيها الخلايا التناسلية بالانقسام تتحرك ضمن سيطرة ورقابة معينة بعيداً عن أي تسيب أو عشوائية . فالخلايا تقوم بالانقسامات الضرورية وتكون قد حصلت على الأعداد المناسبة للكروموسومات، أي لا يوجد هنا أي تغير في سلسلة الأحداث والفعاليات ولا أي نقص ،فكل الأعضاء وكل الخلايا التي تكون هذه الأعضاء وكل الأجزاء التي تكون هذه الخلايا تعمل بانسجام وتوافق دقيقين، وبالاضافة إلى هذا فإن جزيئات الهرمونات والإنزيمات ( التي تعلب دوراً مهماً في تحقيق وتنفيذ الفعاليات المختلفة في الجسم ) والذرات ( التي تشكل وتكون هذه الجزيئات ) تعمل بوساطة منظومة دقيقة متى تبدأ بفعالياتها وأي تأثير يجب إجراؤه في أي عضو . ولا شك أن وجود مثل هذا التناغم والانسجام بين الخلايا والإنزيمات والهرمونات، وبالاختصار بين أجزاء الجسم وأقسامه، أمر يدعو إلى التأمل وإلى التفكير .
إن قيام جزيئات والذرات المكونة لها بوضع تصميم معين، والتصرف حسب هذا التصميم وقيام بعضها بإصدار الأوامر وأتباع بعضها الآخر لهذه الأوامر وفهمها لها وتطبيقها حرفياً .....
كل هذا أمر خارق لا يمكن ظهوره مصادفة، كما أن تحقق هذا الأمر في أجساد مليارات الناس الذين عاشوا حتى الآن والذين يعيشون حالياً وتحقق هذا الانسجام والتلاؤم دون نقص أو قصور يزيد من درجة خارقية هذا الأمر . ولا شك أنه من الواضح أن المصادفات العشوائية لا يمكن أن تقوم بمنح الخلايا الصغيرة ( التي لا ترى بالعين المجردة والتي تتألف منها أجسامنا ) ومنح الهرمونات والإنزيمات التي تنتج هذه الخلايا كل هذه الصفات والخواص، لأن هذا الأمر يحتاج إلى عقل وإدراك وشعور خارق وغير اعتيادي . وغني عن البيان فإن كل مرحلة من مراحل النظم الرائعة التي تعمل في جسم الإنسان وكل جزء من أجزاء هذه النظم يحتاج في حركته وفعاليته إلى قدرة عقل لا مثيل له يتجاوز حدود المدارك البشرية .
هذا العقل والعلم النهائي يعود إلى الله تعالى خالق الكون بأجمعه وبكل تفصيلاته الدقيقة والله تعالى يقرر لنا في كتابه العظيم أنه لا خالق سواه :
(اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255).
الجيش الخاص المتوجه نحو الهدف
تصور جيشاً ضخماً مؤلفاً من ملايين الجنود، جيش يتقدم نحو هدف ولا يبالي بطول الطريق ولا بالعقبات الكبيرة أمامه ولا بالمخاطر المميتة التي تواجهه في تقدمه هذا، وليكن طول الطريق الذي يجب قطعه يزيد بمئات الآلآف من المرات على حجم أفراده، لا شك أن مثل هذا الجيش اللجب يحتاج ـ وهو في هذا الطريق الصعب أمامه ـ إلى مساعدين وإلى أدوات وإلى تجهيزات إضافية . هذا الجيش الذي يبلغ تعداده 300 مليون حيوان منوي في القذفة الواحدة وليس في جسم الرجل حيث يبلغ حجم السائل 3.5 مل وكل مل يحتوي من 50 إلى 100 حيوان منوي ،وأفراد هذا الجيش هم " النطف " أو (الحوينات ) أي الحيوانات المنوية ) .
يبلغ طول كل حوين واحداً بالمئة من المليمتر الواحد، وهو يضطر لقطع طريق طويل للوصول إلى هدفه، أي إلى البويضة .
تستطيع ألف نطفة من بين 300 مليون نطفة النجاح في الوصول إلى البويضة، ومن هذا الألف تنجح نطفة واحدة فقط في كسب مباراة السباق هذه فتقوم بإخصاب البويضة وقبل بدء النطف في الاشتراك في هذا السباق تعبر مراحل النضوج من خلال سفرة طويلة في الأعضاء التناسلية للرجل، مع وجود مساعدين عديدين لها وهي تعبر مراحل النضوج هذه .
مراحل تكوين النطف :
من أجل إخصاب البويضة يتم تهيئة ما بين مئتين وثلاثمئة مليون خلية تقريباً من الحُوينات وهذا العدد الكبير يلفت الانتباه، ولكن له سبباً مهماً، فكما سنبين لاحقاً بالتفصيل، فإن عدداً كبيراً من هذه الحُوينات الداخلة إلى جسم الأم يموت في الطريق، والعدد الذي ينجح يحول دون خطر فشل إخصاب البويضة .
يتم إنتاج أفراد هذا الجيش الكبير من الحُوينات في عضو تناسلي في الرجال وهو الخصية، غير أن هذه النطف المخلوقة في الخصيتين، والتي تمر بمراحل نمو عديدة يجب أن تكون مصانة من الحرارة الزائدة، أي يجب أن يكون موضع إنتاجها بارداً نوعاً ما . وحرارة جسم الإنسان الاعتيادية تبلغ 37 درجة مئوية . وهي حرارة تهلك هذه النطف وتقضي عليها، لذا لا تستطيع هذه النطف العيش داخل جسم الإنسان .
وميزة الخصيتين أنهما موجودتان خارج الجسم، وقد هيأ الله تعالى تصميماً خاصاً لجسم الرجل ليكون أفضل بيئة لإنتاج هذه النطف .
تتكون الخصية من شبكة من القنوات، وبفضل هذه القنوات التي تملك مساحة واسعة نسبياً يمكن إنتاج الحُوينات بسرعة وخزنها بسهولة . ويمكن معرفة الحكمة من ضرورة الإنتاج السريع وخزن الإنتاج عندما نعلم أن العدد المطلوب لإخصاب بويضة واحدة يتراوح بين مئتين وثلاثمئة مليون نطفة .
وإذا نظرنا إلى الخصيتين اللتين تعدان بمثابة مصانع نرى أن عدد هذه القنوات يبلغ ألف قناة تقريباً، ومجموع أطوالها يبلغ 500 متر تقريباً، تدعى هذه القنوات الصغيرة بالقنوات المنوية، ويبلغ الطول التقريبي لكل قناة خمسين سنتمتراً، وتوجد فيها الخلايا التي تقوم بصنع الحوينات.[1]
تقع الخلايا الصانعة للنطف في جدار القنوات أو الأنابيب المنوية، وتتعرض هذه الخلايا التي تبدأ بالتكاثر إلى نوعين من الانقسام : انقسام من النوع الفتيلي ( الاعتيادي ) وانقسام من النوع المنصف ( وقد ذكرناهما سابقاً ) . وكما ذكرنا في السابق فمن الضروري أن ينزل عدد الكروموسومات الموروثة من الأب (قبل عملية الإخصاب ) إلى 23 كروموسوماً، أي إلى النصف، لذا يجب وقوع انقسام من النوع المنصف في خلايا النطف .
تنشأ نيتجة هذه الانقسامات أربع خلايا ندعوها باسم " سبيرماتايد "( spermatid ) غير ان هذه الخلايا لا تملك قابلية الاخصاب . ولكي تكتسب هذه الخلايا ( وهي خلايا كروية الشكل تملك 23 كروموسوماً ) قابلية الإخصاب فإنها تحتاج إلى عمليات تغيير جديدة .
لقد أخذت هذه الحاجات المهمة بعين الأعتبار في النظام التناسلي للذكر، لذا وضعت مجموعة من الخلايا المساعدة لتطوير خلايا " سرتولي " ( sertoili cell) في المكان المناسب . وبعد أسبوع أو أسبوعين من الانقسام تقوم هذه الخلايا المساعدة ( واسمها " خلايا سارتولي " وهي تحيط بخلايا " سبارماتيد " بإعطاء شكل جيدد وقوام جديد لخلايا " سبارماتيد " وفي نهاية مراحل هذا الانقسام تزود النطفة بالتراكيب التي تجعلها نطفة بحق، ومنها الذيل والنواة واكروزوم ( Acrosom)المملوء بالإنزيمات في القسم الرأسي للنطفة
تتحقق جميع علميات إعطاء الشكل والقوام الجديد في الخلايا الموجودة في القنوات، وهذا التي تملك أذرعاً طويلة ( وهي امتدادات سايتوبلازمية ) كبيرة نوعاً ما .
وتقوم خلايا " سرتولي" باحتضان خلايا " سايتوبلازم " بقوة بواسطة أذرعها وتغمرها ضمن ساريتوبلازمها، وهكذا يتم تأمين غذائها طوال فترة نموها وتطورها كما تضعها تحت رقابتها الدائمة[3]
لا شك أن معجزة كبيرة تكمن في هذه العمليات التي قدمنا معلومات موجزة جداً عنها، فالنطف التي تديم نسل الإنسان وخلايا " سارتولي " تتركب جميعها من البروتينات ومن الأحماض الأمينية .و الآن لنفكر : أليس من الإعجاز قيام خلايا " ستارتولي " التي لا تملك لا عقلاً ولا شعوراً ولا دماغاً بوقف نفسها لتحقيق هذه الوظيفة ومثل هذا الهدف ؟ إن تحقيق هذا الحدث دليل واضح على أنها منقادة لذي عقل وإرادة ثم إن وجود هذه الخلايا في الموضع المناسب تماماً ( أي في القنوات المنوية التي تتطور فيها لنطف ) وتمتعها بالمواصفات والخواص المناسب تماماً ( أي في القنوات المنوية التي تتطور فيها النطف ) وتمتها بالمواصفات والخواص المطلوبة تماماً ( مثلاً كونها بحجم أكبر من خلايا (سبارماتيد) دليل واحد من ملايين الأدلة على كمال تصميم جسم الإنسان، فقد وزع الله تعالى خلايا جسم الإنسان (البالغ عددها مئة تريليون خلية تقريباً) كلاً في مكانها المناسب وأعطى كل واحد منها الصفات والخواص الضرورية لعلمها ولوظيفتها وألهمها كيفية القيام بمهامها وبأعمالها . وهو يخبرنا بهذا في القرآن الكريم فيقول :
(إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). (هود:56).
نظام مترابط الأجزاء
ذكرنا في الصفحات السابقة دور خلايا " سارتولي " في تحويل خلايا " سبارماتيد " إلى الحُوينات . فما التأثير المادي الذي يحفز هذه الخلايا للحركة ويكفل تغذية خلايا " سبارماتيد " والسيطرة على نموها كهدف وكوظيفة لها ؟
إن العامل المؤثر والذي يساعد على قيام هذه الخلايا بوظائفها هو هرمون يدعى " فوليكل ستيميوليتنج " ( وسمه المختصر FSH)وهو أختصار لعبارة ( Follicle Stimulating Hormone).
فهذا الهرمون الذي يتم إفرازه من الغدة النخامية يقوم بتنبيه خلايا سارتولي، وفي حالة عدم إنتاج هذا الهرمون أو عدم وصوله إلى المكان المخصص فلا يمك إنتاج وتوليد هذا الهرمون أوعدم وصوله إلى المكان المخصص فلا يمكن إنتاج وتوليد الحُوينات .وعندما تتلقى خلايا " سارتولي " هذا التنبيه والتحفيز تقوم بإفراز هرمون ضروري لتوليد الحُوينات هو هرمون الإستروجين .
وهناك نوع آخر من الخلايا تلعب دوراً مؤثراً في نمو الحُوينات وتطورها وهي خلايا " لايدج " الموجودة بين القنوات المنوية، ومهمة هذه الخلايا هي القيام بإفراز هرمون آخر يساعد على تطوير وتنمية النطف، وهو هرمون LHالذي يتم إفرازه من نسيج الغدة النخامية والذي ينبه خلايا " لايدج " فتقوم بتوليد هرمون التستسترون " وهو أهم هرمون في مجال تنمية الأعضاء التناسلية وتنمية مختلف الغدد في هذه الأعضاء وفي ظهور صفت الرجولة وفي توليد الحُوينات .
ولخلايا " سارتولي " مهمات أخرى مثل توليد وإنتاج البروتين، ويقوم هذا البروتين بنقل هرمون الإستروجين وهرمون التستسرون إلى السائل الموجود في القنوات المنوية
.
نشاهد هنا مراحل نمو الحيامن في القنوات المنوية وتوجد الخلايا الجرثومية الذكرية حول جدران القنوات المنوية وبانقسام هذه الخلايا تتحول إلى خلايا تسمى (سيرماتيد ) وفي نهاية المراحل يتكون رأس وذنب الحيمن ) وبعد أنتهاء هذه العمليات المعقدة يتم نمو الحيمن الذي يحمل جميع المعلومات المتعلقة بذلك الشخص .
ولخلايا " لايدج " وظيفة ثانية، فهي تمد خلايا النطف بحاجتها من الطاقة الضرورية من سكر الفركتوز (سنتناول في الفصول القادمة أهمية هذا الموضوع ) .
وكما رأينا فإن النظام الهرموني يقوم بعمله في النظام التتناسلي ضمن تنظيم دقيق كدقة كدقة عمله في المناطق الأخرى من الجسم، فكل هرمون يعرف مضمون الرسالة التي يحملها أي هرمون آخر ويقوم بما يجب عليه القيام به، فمثلاً نرى أن الغدد النخامية الموجودة في الدماغ تعرف أنه قد آن الأوان المناسب فتقوم بإرسال الأوامر إلى مختلف الخلايا الموجودة في الخصية، وتحيط الأنسجة والأعضاء علماً بما يجب عليها جميعاً عمله . وهناك منطقة في الدماغ اسمها " الهايبوتولاموس " تقوم بتحفيز الغدة النخامية للحركة والنشاط .
إن المرحلة الأولى من تكون الإنسان ونشأته مرتبطة بهذه المعلومات المنقولة بواسطة الهرمونات ثم العمل بموجبها ؟ وكيف تنتجح في فهم البنية الكيمياوية لبعضها البعض ؟ وكيف ومن أين تستطيع معرفة كيفية التأثير على هذه البنى ؟ لا شك أن قيام خلايا " سارتولي " وخلايا " لايدج " بالتعاون من أجل إنتاج الحُوينات وتكوينها، وقيامها بنشاطات معينة حسب أوامر الغدة النخامية البعيدة والمختلفة عنها، هذا كله أمر لا يمكن تفسيره بالمصادفات . ومن المستحيل اكتساب الهرمونات مثل هذه الخواص نتيجة المصادفات المتعاقبة ضمن شريط زمني لأن وقوع أي خلل في أي حلقة من حلقات هذا النظام سيؤدي إلى خلل النظام بأكمله . فمثلاً إذا لم تفهم خلايا " سارتولي " الأوامر التي أرسلتها الغدة النخامية بواسطة هرمون FSHولم تقوم بإفراز مادة الإستروجين يصبح إنتاج الحُوينات مستحيلاً، وإذا لم تقم خلايا " لايدج " بإنجاز وظيفة توفير الفركتوز أو لم توفره بشكل كاف فإن الحُوينات ـ على الرغم من نضوجها من جميع النواحي ـ لن تجد الغذاء الضروري لها عند انتقالها إلى رحم الأم وسوف تموت أو تعجز عن إخصاب البويضة لفشلها في الوصول إليها .
هذا الأمر يرينا حقيقة واضحة، وهي أن الله تعالى الذي يؤسس العلاقات بين الأعضاء وبين الخلايا وهو الذي يلهم الغدة النخامية والهايبوتولاموس وخلايا لايدج وسارتولي وكل عنصر أو عضو يساهم في تكوين الحوينات، ويجعل هذه الغدد والخلايا والأعضاء يفهم أحدها لغة الآخر، فكل شيء يتحقق بأمره سبحانه وتعالى .
البنى والتراكيب الأخرى المساعدة للنطف في بلوغ هدفها :
تكتسب خلايا الحُوينات ( الناضجة نوعاً ما ) قابلية الحركة وقابلية الإخصاب في جزء من أجزاء النظام التناسلي يدعى " قناة ابيديدمس " (Epididymis )وترتبط قناة ابيديدمس بشكل رخو مع القسم الخارجي للخصية، وهي منحنية وطولها نحو ستة أمتار وقطره حوالي ملم واحد . ويخزن قسم من الحُوينات ( قبل شروعها في رحلتها ) في هذه القناة لفترة من الوقت . وترتبط هذه القناة بقناة تدعى " القناة الدافقة "حيث تخزن الحُوينات في هذه القناة مدة طويلة دون أن تفقد قدرتها على الإخصاب، وعندما يحين الوقت تقذف هذه الحُوينات إلى جسد المرأة وتبدأ برحلتها الطويلة للقاء البويضية وإخصابها . [4]
غير أن النطف تحتاج إلى مساعدين آخرين يعاونونها للبدء في عملية الإخصاب ولتوفير حاجاتها في رحلتها الشاقة . وكذلك لبقائها حية .
أحد المعاونين لها في رحلتها الطويلة هو غدة البروستات . والثاني هو الغدد الإفرازية في الأكياس المنوية الموجودة على طرفي البروستات . وتبدأ هذه الغدد بوظيفتها هذه حالما تنتهي عملية إنتاج النطف، وتقوم بإنتاج سائل خاص يرافق النطف في رحلتها .
يرافق هذا السائل الذي تفرزه البروستات النطف حالما تبدأ برحلتها، وهو يحتوي على أيونات السيترات والكالسيوم والفوسفات، وعلى إنزيم " فيبرونوليزين " ( وهو إنزيم للتخثر " إن الأعضاء التناسلية لدى المرأة تحتوي على خليط كثيف من الحوامض التي تمنع تكاثر البكتريات، ولخليط الحوامض هذا إضافة إلى كونه عائقاُ أمام حرية النطف تأثير مميت ومهلك للنطف، غير أن للسائل الذي تفرزه البروستات تأثيراً مهدئاً وبفضله تستطيع النطف السباحة بسهولة متوجهة نحو البويضة[5].
لنتوقف الآن قليلاً للتفكر والتأمل : إن غدة البروستات الموجودة في النظام التناسلي للرجل تتصرف وكأنها تعرف طبيعة البيئة الموجودة في جسد المرأة، أي أن غدة البروستات تعلم أن النطف سوف تصادف في خلال رحلتها بيئة حامضية وتعلم أن النطف لا تستطيع العيش في تلك البيئة . وفوق هذا فهي تعرف كيفية درء هذه المخاطر، لذا تقوم بإنتاج السائل الضروري لوقاية هذه النطف . لا شك أن معجزة كبيرة يتم تحقيقها هنا، فليس في الإمكان القول بأن غدة إفرازية في جسد الرجل على علم ببنية أخرى وبجسد آخر لا علاقة لها به، وأنها تتخذ بنفسها وبقرارها الخاص جميع الاحتياطيات والتدابير اللازمة . فكروا معي ! إن الإنسان المدرك العاقل وصاحب الشعور والوعي والذي يملك حواس البصر والسمع والذي يستطيع اتخاذ التدابير وحل المشاكل ومعالجة الصعوبات لا يستطيع تخمين الأخطار التي سيواجهها في بيئة يجهلها ولا يعلم ظروفها، فلا يستطيع القيام بالتخمين الصحيح لأخذ التدابير اللازمة لمواجهة هذه الأخطار، ولكن غدة البروستات ( وهي كتلة من اللحم مؤلفة من خلايا ) تستطيع إنجاز مثل هذا النجاح .
وكما هو واضح فإن من العبث الادعاء بأن غدة البروستات هي التي اتخذت قرارها في هذا الشأن وهي التي نفذت هذا القرار، فالله تعالى هو الذي ألهم هذه الغدة القيام بمثل هذه الوظيفة لأنه يعرف كل صغيرة وكبيرة عن جسد الرجل وعن جسد المرأة، لأنه هو الذي خلقهما .
وبالإضافة إلى ذلك فإن غدة البروستات ليست الغدة الوحيدة في جسد الرجل التي تفرز مواد حيوية لمساعدة النطف في رحلتها، لأن السائل الذي تفرزه الأكياس المنوية ( الموجودة بجوار غدة البروستات ) سائل مهم لا يمكن للنطف الاستغناء عنه في رحلتها الطويلة ويحتوي هذا السائل على كميات كبيرة من الفركتوز وغيرها من المواد الغذائية وعلى كمية كبيرة من " البوستاجلاندين" (prostaglandin ) و" الفيبرونوجين " .
يقوم الفركتوز والمواد الغذائية الأخرى بتغذية النطف منذ دخولها إلى جسد المرأة وحتى قيامها بإخصاب البويضة، وتقوم مادة " البروستاكلاندين " الموجودة في هذا السائل بمساعدة النطف من زوايا أخرى في الوصل إلى البويضة . فإحدى وظائف هذه المادة هي الدخول في تفاعل مع الغشاء المخاطي الموجود في قناة الرحم لتوفير جو صالح لحركة النطف، أما وظيفتها الثانية فهي تأمين تقلص الرحم وقناة فالوب في اتجاه معاكس لتسهيل حركة النطف .
وهنا تظهر أمامنا حالة إعجازية مهمة، فالسائل الذي تفرزه غدة البروستات لا يعرف فقط جسد الرجل الذي يتم إنتاجه فيه بل أيضاً بنية جسد المرأة بشكل دقيق وتفصيلي، فهو يعرف مسبقاً أن تقلص قنوات فالوب في رحم المرأة يساعد حركة النطف ويسهلها، لذلك فإنه، وبنظرة حكيمة ومستقبلية يضيف مادة " البروستاكلاندين " الكيماوية إلى جسد المرأة ولنتصور ـ للحظة ـ أننا طلبنا من أحد الكيميائيين تنفيذ هذه المهمة، فكيف كان سيتصرف ؟
كان سيقوم أولاً بفحص النطفة وتركيبها والبحث عن كيفية تحقيق الإخصاب وعن الظروف التي تحتاجها عملية الإخصاب هذه إلخ .
ثم كان سيقوم بفحص جسد المرأة وهرموناتها والبويضة وقناة فالوب التي تنقل البويضة إلى الرحم، ثم سيفحص الرحم وأنسجته ونظام الأعصاب الموجودة فيه لمعرفة كيفية تحقيق عملية التقلص فيه، ثم سيحاول الاستفادة من درسته ومن تجاربه التي استمرت عدة سنوات للعثور على المادة التي تملك مثل هذا التأثير، ثم سيقوم بإجراء التجارب والبحث في الكتب للوصول إلى النسب الصحيحة لاتحاد هذه المواد .
يحتاج الإنسان صاحب العقل والشعور إلى مثل هذه الدراسة الشاقة التي تحتاج إلى وقت طويل وجهد كبير للوصول إلى بعض النجاح في هذا الأمر، أما الذي يقوم حقيقة ـ بمثل هذا الإنتاج فليس عالم كيمياء صرف سنوات عديدة من عمره في هذا المجال ليصبح مختصاً فيه، بل هي أعضاء وأنسجة تتألف من جزيئات وذرات لا تملك شعوراً أو إدراكاً لذلك لا يمكننا القول بأنها تملك عقلاً ومعرفة تفوق عقل ومعرفة الكيميائين أو أنها تعمل كل هذا بإرادتها . لا شك أن هذا السائل المنتج في النظام التناسلي للرجل والمصمم لتوجيه النظام التناسلي لدى المرأة ( وكذلك الخلايا المكونة له)، كل هذا مخلوق ـ لا شك ـ من قبل الله تعالى.
من الواضح استحالة تكون وتشكل هذه الأنظمة المترابطة بعضها مع البعض الآخر نتيجة المصادفات . وكل إنسان له شيء من عقل ومن إنصاف سيدرك فوراً بأن هذه الحوادث الخارقة التي تحدث حالياً ( والتي حدثت سابقاً ) في أجساد المليارات من الناس أثر ونتيجة لعلم ولقدرة لا نهائيتين، فيكون لله تعالى وحده صاحب هذا العلم وهذه القدرة .
قال تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّةٍ وَهُوَ عَلَى جَمْعِهِمْ إِذَا يَشَاءُ قَدِيرٌ) الشورى:29