بتـــــاريخ : 2/3/2009 6:45:54 PM
الفــــــــئة
  • الصحــــــــــــة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 939 0


    موقف العلم والإسلام من تحديد نسل الأمة

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : الدكتور محمود ناظم | المصدر : www.55a.net

    كلمات مفتاحية  :

    لقد أثار التزايد السكاني الهائل مخاوف الاقتصاديين والمفكرين على مستقبل الأجيال المتعاقبة، وأثار قلقهم حول إمكانية تأمين الغذاء والسكن والحياة الكريمة لها، فانبعثت منهم فكرة تدعو إلى تحديد النسل، ليبقى عدد السكان متلائماً مع الإمكانيات . 

    ولقد عرفت قديماً محاولات الإنسان لتحديد نسله، بإتباع بعض الطرق المانعة لحصول الحمل أو المجهضة له، ونفذت تلك الطرق لغايات مختلفة من قبل فريق من الناس.
    أما الدعوة إلى تحديد النسل على نطاق واسع في مجتمع أو دولة ما، فقد بدأ في أوربا في أواخر القرن الثامن عشر الميلادي، وكان أول من دعا إليها في أنجلترة القسيس مالتوس   Malthus الذي نشر مقالاً سنة 1798م تحت عنوان (تزايد السكان وتأثيره في تقدم المجتمع في المستقبل )، وكان مالتوس يرمي إلى منع الحمل بالوسائل الأخلاقية مثل الرهبنة وتأخير الزواج، وذلك حتى لا يزداد السكان بشكل يؤثر على معدل الدخل القومي للفرد[1].
    ثم قام كتاب من أوربا وأمريكا بالدعوة إلى تحديد النسل لأغراض اقتصادية حتى عمت الدعوة أرجاء العالم، فدعا إلهيا أناس من البلاد العربية والإسلامية أيضاً حتى أضحت دعوة عالمية.
    ولقد انشرح كثير من الناس لفكرة تحديد النسل، منهم لظرفه ووضعه الخاصين، ومنهم لما تحمله من مظاهر اليسر وتخفيف الأعباء والتكاليف عن الزوجين وإمكانية رعاية النسل القليل بشكل أفضل.
    إن تحديد النسل بشكل إفرادي ولظروف اضطرارية أو محرجة خاصة بأصحابها، يدعى تنظيم النسل أو تنظيم الأسرة ولا يعني رقماً معيناً من الذرية لأسرة المجتمع، مهما كانت إمكانيات الأسرة [2] وسأفرد له بحثاً خاصاً مبيناً فيه الدافع المقبول طباً وشرعاً . أما الدوافع المرفوضة فسأبينها في هذا المقال، مع بيان مثالب حركة تحدي النسل .
    الإنجاب هدف رئيسي :
    يهدف وجود الغريزة الجنسية إلى غاية التناسل وبقاء النوع، أما الرغبة الجنسية المنبعثة عن تلك الغريزية وكذلك اللذة المرافقة لإروائها، فإنهما وسيلتان مشوقتان على تحقيق المقصود من وضع تلك الغريزة . ولا بد للتناسل من ضوابط تقي المجتمع من الفوضى الجنسية ومساوئها الخلقية وتحدد المسئولين عن حضانة الذرية ورعايتها وتربيتها، ولذا شرع الزواج . فللزوج هدفان رئيسيان : أولهما إرواء الميل الجنسي بطريقة مشروعة، وثانيهما هو الذرية التي تحقق بقاء النوع الإنساني واستمرار الأسرة ونماء الأمة وبقاءها.
    هذه الحقائق التي يقررها علماء النفس والاجتماع، أشار إليها الإسلام بتعاليمه السامية، وأدرك ذلك علماؤه الأعلام . ومن جميل ما قيل في ذلك ما كتبه قديماً أشهر عالم نفس مسلم، وهو حجة الإسلام الإمام الغزالي رحمه الله تعالى، وذلك في تعداد فوائد النكاح، فقال : الفائدة الأولى الولد، وهو الأصل وله وضع النكاح، والمقصود بقاء النسل ألا يخلو العالم عن جنس الإنس، وإنما الشهوة خلقت باعثة مستحثة كالموكل بالفحل في أخراج البذر، وبالأنثى في التمكين من الحرث تلطفاً بهما في السياق إلى اقتناص الولد بسبب الواقع، كالتلطف في بث الحب الذي يشتهيه السياق إلى الشبكة وكانت القدرة الأزلية غير قاصرة عن اختراع الأشخاص ابتداء من غير حراثة وازدواج، ولكن الحكمة اقتضت ترتيب المسببات على الأسباب، مع الاستغناء عنها إظهار للقدرة وإتماماً لعجائب الصنعة وتحقيقاً لما سبقت به المشيئة وحقت به الكمة وجرى به القلم[3].
    وأيا من الهدفين قصد كل من الزوجين في المناسبة الجنسية، فإن له أجراً أي سواء نوى إعفاء نفسه وزوجه بضبط الغريزة الجنسية في مجال الحلال أو ابتغى النسل الصالح الذي يخلفه ويزيد في تعداد أمة الإسلام .
    ففي نية إرواء وضبط الغريزة الجنسية في مجال الحلال، قال الرسول عليه الصلاة والسلام : " وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أرجر؟ قال : أرأيتم لو وضعها في حرام أكان عليه وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " [4]
    ولقد نبه الله تعالى المؤمنين إلى غاية الإنجاب عند إرواء الميل الجنسي، وذلك في الآية التي أرباح فيها المعاشرة الزوجية ليلة الصيام، فقال سبحانه : (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ
    تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُون) [5]
    أي أقتصدوا ما قدره ما قدره من الولد بسبب المناسبة . قال القرطبي : قال ابن عباس ومجاهد والحكم وابن عيينة وعكرمة والحسن والسدي والربيع والضحاك : معناه وابتغوا الولد، يدل عليه أنه عقيب قوله : " فالآن باشروهن " ثم ذكر القرطبي أقوالاً أخرى [6] .
    وقال الفخر الرازي : ذكروا في الآية وجوهاً (أحدها ) : وابتغوا ما كتب الله لكم من الولد بالمباشرة، أي لا تباشروا لقضاء الشهوة وحدها، ولكن لابتغاء ما وضع الله له النكاح من التناسل، قال عليه السلام : (تناكحوا تناسلوا تكثروا ) .
    (ثانياً) : نهى عن العزل وقد رويت الأخبار في كراهية ذلك .
    (ثالثاً ) : أن يكون المعنى ابتغوا المحل الذي كتب الله لكم وحلله دون ما لم يكتب لكم من المحل المحرم، ونظيره قوله تعالى: فأتوهنّ من حيث أمركم الله .
    (ورابعاً ): أن هذا تأكيد تقديره فالآن باشروهنّ وابتغوا هذه المباشرة التي كتبها الله لكم بعد أن كانت محرمة عليكم .
    ثم ذكر الرازي أقوالاً أربعة أخرى . فالقرطبي والرازي جعلا القول بابتغاء التناسل والولد في مطلع الأقوال .
    وأشار الله تعالى إلى غاية التناسل أيضاً في قوله : " نِسَآؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُواْ حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُواْ لأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّكُم مُّلاَقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِين"[7]
    ففي قوله تعالى : " حرث لكم " تشبيه فالنساء مزرع ومنبت للولد، وفي تفسير قوله تعالى : " وقدموا لأنفسكم " أقوال .
    قال القرطبي : أي قدموا ما ينفعكم غداً، فحذف المفعول وقد صرح به في قوله تعالى : " وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله، فالمعنى قدّموا لأنفسكم الطاعة والعمل الصالح، وقيل ابتغاء الولد والنسل، لأن الولد خير الدنيا والآخرة، فقد يكون شفيعاً وجنة . ثم ذكر القرطبي أقوالاً أخرى .
    أم الرازي فقد قال في تفسير " قدموا لأنفسكم " : أي لا تكونوا في قيد قضاء الشهوة، بل كونوا في قيد تقديم الطاعة أهـ .
    ولقد مدح الله تعالى أولياءه المؤمنين بسؤال الزوجة والذرية الصالحة فقال سبحانه : " والذين يقولون : ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين وأجعلنا للمتقين إماماً " .
    وحكم الإسلام بأن الولد الصالح سبب من أسباب تجدد الثواب واستمراه للأبواب بعد وفاتهما، فقال الرسول عليه السلام : " إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " [8] .
    أضف إلى ذلك أن الإنسان يجد غالباً في ذريته، من يعطف عليه ويعينه في مرضه وهرمه .
     
    نماء الأمة بنماء أسرها :
    كل أمة لا تزيد مواليدها على وفياتها أو تساوي فيهما، تكون أمة فاشلة في الحياة محكومة بالفناء والاضمحلال، لأن كل كارثة تصيبها من حرب أو قحط أو جائحة وباء أو ما شابه تظهر إفلاسها، وتؤخرها في مضمار الحياة، أو توردها الهلاك عاجلاً أو آجلاً .
    ومن البديهي أن كثرة النسل أو النشء لا تكون مضمونة محققة إلا بالزواج الشرعي النظامي، الذي يشعر فيه الزوجان بالمسؤولية تجاه نسلهما فلابد من تشجيع الزواج وتذليل عقباته وتسهيل الحياة الكريمة للأسرة الناشئة، وذلك لتخطي الأمة بثمرات الزواج الحية التي تحفظ للأسرة الاستمرارية وللأمة البقاء .
    وأقل حد لمقدار ثمرات الزواج الخلائف يجب ألا ينقص عن الثلاث: أثنتان مهما لتكون زوج جديدة يخلف السلف الزائل، وثمرة ثالثة للطوارئ وما زاد على ذلك عدة للوفر والنماء[9].
    وإذا أخذنا بالحسبان أن بعض الأسر عقيمة، وأن بعضها يتوقف إنجابها عند طفل واحد أو اثنين بدون قصد منها، وإن أمتنا بمجموع أقطارها بحاجة للنماء وزيادة السكان لغاية اقتصادية وعسكرية، فإن الإشاعة بأن إنجاب طفلين أو ثلاثة أطفال يكفي، تقليداً لما اعتاده الناس في بعض الدول الأوربية، ضارة بمستقبل أمتنا، لأن تحديد النسل بهذا الشكل سيؤدي بها إلى الضمور والارتكاس.
    ومن أجل نماء الأمة أيضاً حض الإسلام على الزواج وابتغاء الولد وكثرة النسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" يا معشر الشباب، من أستطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " [10].
    وقال عليه السلام : " من أحب فطرتي فليستن بسنتي ومن سنتي النكاح "[11].
    ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتنع المسلم عن النكاح بغير عذر بحجة الزهد والانقطاع لعبادة الله تعالى وهو التبتل نهياً شديداً ويقول : " تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة " [12].
    وشجع الإسلام إنكاح غير المتزوجين ولو كانوا فقراء، قال الله تعالى : " وَأَنكِحُوا الْأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [13].
    ومما يساعده على العفة الصيام، كما أشار إلى ذلك الحديث الشريف . ففي تشجيع القرآن على تزويج الفقراء تشجيع لتزايد الأسر وكثرة الإنجاب ونماء الأمة .
    ولقد أوضحت موقف الإسلام من الإنجاب، وأضيف هنا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يقدم الرجل بغير عذر على الزواج بامرأة عرفت بأنها عاقر وليس لديه زوجة ولود، فعن معقل بن يسار قال : (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أصبت امرأة ذات جمال، وإنها لا تلد أفأتزوجها فنهاه، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فنهاه وقال : "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم "[14] ).
     
    تفنيد مزاعم دعاة التحديد :
    يزخر دعاة التحديد حركتهم بذكر حجج ودعايات لا تثبت تجاه المساوئ التي تنتج عن حركتهم . ويبرر محددو النسل سلوكهم بدوافع وغايات مختلفة منها المقبول ومنها المردود أما المزاعم المفندة فهي :
    1.    خطر المجاعة والضائقة الاقتصادية بتزايد السكان .
    2.    الخوف من العجز عن الإنفاق اللائق بالمستقبل المؤمل للنسل .
    3.    خروج الزوجة للعمل
    4.    دعوى الحب الحر
             أ‌-         خطر المجاعة والضائقة الاقتصادية بتزايد السكان :
    يدعي أنصار حركة تحديد النسل أنهم إذا لم يقوموا بتنظيم الزيادة في عدد السكان، فإن خطر المجاعة سيهدد العالم، وسيكثر العاطلون عن العمل ويقل الدخل الفردي.
    إن هذه النظرة منهم كانت قاصرة، لأنهم نظروا على ازدياد السكان ولم ينظروا على احتمالات ازدياد الموارد الاقتصادية وإلى إمكانية تقدم وسائل الإنتاج وتطور الاكتشافات والاختراعات لصالح الإنسان . فلقد عاش الإنسان على سطح الأرض آلاف السنين، لم ينتبه خلالها إلى كنوز الذهب الأسود التي كان يعيش فوقها، ولم ينتبه على ظاهرة الزمان.
    وكم من نعم خفية قد يكشف الله سبحانه وتعالى لنا عنها، حتى نراها ونستفيد منها في المستقبل، وهي الآن ليست في حسابنا، قال تعالى : " وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُون".[15]
    ولذلك يجب ألا تسيطر النظرة التشاؤمية الضيقة على عقول المفكرين لأنهم في مثل هذه الأمور يصدرون الأحكام دون توفر الأدلة الكافية " [16] .
    هل يزعمون أن عقول علماء البشر قد تبدلت أو أن نعم الله الباطنة قد نفدت، فلن يكتشف الإنسان بعد اليوم نعماً جديدة أو أرزاقاً حديثة حتى يبتغي دعاة التحديد أن تكن حركتهم عالمية .
    فليذكروا أن في العالم محاولات علمية عديدة جادة لاكتساب الطاقة من مصادر حديثة مختلفة، ولاستصلاح الأراضي وتحسين الزراعة واستثمار خيرات الأرض وانتشار الصناعة وتحسين القائم منها، وتشجيع الاختصاصيين في مجال الاكتشاف والاختراع لكان ذلك أفضل للأمة وأجدى لها .
          ب‌-      الخوف من العجز عن الانفاق اللائق بالمستقبل المؤمل للنسل :
    يتخوف بعضهم من العجز المالي عن الإنفاق على الأولاد ـ إذا كثروا ـ لأمد طويل يمتد حتى التخرج من الجامعات، ثم التوظف أو القيام بمهن علمية ذات دخل جيد.
    هذا الدافع يفكر به غالباً ذوو الدخل المحدود ولو كان جيداً نسبياً، وتفكر به الطبقة المتوسطة حتى والغني أيضاً، تفكر به عقب الزواج أو عقب إنجاب ولد أو ولدين أو ثلاثة، فتسعى إلى تنظيم النسل بالمباعدة بين الحمول، أو تتجه أيضاً إلى تحديد النسل عند عدد ترتئيه.
    يمتنع الأبوان عن الإنجاب مخافة ألا يستطيعا إتمام الخطط والمشاريع التي يفكران بها من أجل مستقبل أولادهما، مع أنهما ليسا متأكدين أن الله تعالى لن يفتح عليهما أبواباً من الرزق، وليس متيقنين أن كل ولد من أولادهما سيكون ذا استعداد فكري وأهلية وسلوك رصين، للسير باستمرار في الطريق الذي يرسمانه له، للوصول إلى البغية التي يحلمان بها، وليسا بضامنين بقاءها حياً حتى بلوغ تلك البغية . فمن الخطأ أن يحددا نسلهما من أجل أماني غير يقينية الحدوث، فلكل إنسان استعداده وإمكانيات، فليستبق كل منا أوجه الخير ضمن وجهته واختصاصه وإمكانياته، وليراع ذلك في تربية ذريته منمياً فيهم الاستعدادات الطبية، قال تعالى: ( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ أَيْنَ مَا تَكُونُواْ يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعًا إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير). [17]
     
          ت‌-      خروج الزوجة للعمل :
    إن توظيف الزوجة ونزولها إلى العمل، هو أحد دواعي تحديد النسل في أوربة لأن الزوجين يعملان خارج البيت ولا يستطيعان أن يقوما برعاية أولاد عديدين، وتربيتهم وإعدادهم إعداداً كاملاً ليكونوا أعضاء صالحين في المجتمع . فأرادا في أوربا أن يحددا نسلهما، ليجدوا بذلك مسؤوليتهما وأتعابهما .
    ثم إن المرأة في أوربة تعمل وتتوظف، رغبة منها في مضاهاة الرجل بعد أن طالبت بسماوتهم، وتأميناً لمورد لها بعد أن سادت الأنانية في مجتمعهم وأكتفى كثير من الشباب بإرواء شهواتهم بغير الزواج المشروع، ولم يعد يهتم الرجل برعاية المحتاجين من أقربه، أما في المجتمعات الإسلامية فإن عقيدة المسلم والقانون يلزمانه بالإنفاق على أقاربه المعوزين .
    إن خروج المرأة إلى العمل يؤدي إلى مساوئ[18] وهي :
             أ‌-         القصور في تربية الناشئ:
    لأن الحنان شرط رئيسي لا غنى عنه أبداً، من أجل نمو الطفل وتطوره النفسي والعقلي والجسدي، لأن حب الأم وحنانها لا يماثلها أي حب أو حنان .
          ب‌-      ميوعة الأخلاق :
    وذلك بكثرة المخالطات لمن هبّ ودرج من الرجال، الأمر الذي يفقد المرأة فضيلة جوهرية في عنصر جمالها هي الحياء والخفر، ومن ثم يتسلط عليها ذئاب البشر من طلاب المتعة الدنيا .
          ت‌-      فقدان الزوج لعنصر السكينة النفسية :
    حيث يرجع إلى بيته فلا يجد الإبتسامة المتهللة والأذن الصاغية تستمع إليه وهو يشكو ما ناله من العمل والتعب كي تحثه وتثبته، وإذا به يجد بدلاً من ذلك شكوى أشد وإرهاقاً أعظم فيزداد ألماً وإرهاقاً .
          ث‌-      تأثر الناحية الاقتصادية :
    يقوم اختيار العامل في عرف الاقتصاد على أساس وفرة إنتاجه وطاقته للقيام بالعمل، وهذا العنصر يختل في تشغيل المرأة اختلالاً ظاهراً، فالمرأة تتعرض في كل شهر للطمث، ومعظم النساء يصبن بعسرات طمث أو بتوتر عصبي متقدم عليه، وذلك مما يغير في مزاجهن ونفسيتهن، ويضعف مقدرتهن في ذلك الظروف . ثم إنهن يتعرضن لتفرة نم الضعف في زمن الحمل فالوضع فالنفاس .
    فهل من مصلحة الاقتصاد تعطيل المرأة عن وظيفتها الحيوية العظمى، كي تصبح خارج بيتها عاملاً مبتور الطاقة، تنافس الرجل في ميادين العمل التي لا تحتاج إليها، فتسد على الشباب الطريق وتعطل فريقاً منهم عن العمل أهـ .
           ج‌-       دعوى الحب الحر :
    يريد فريق من الرجال والنساء أن يتمتعوا بالملذات ويشبعوا نهمهم الجنسي، دون أن يصبح الرجل أباً يتحمل أعباء الأولاد، ودون أن تتحمل المرأة مضض الحمل وآلام الولادة وهمّ الحضانة والتربية . تبنى تلك الرغبات كتاب متفلسفون هدامون منحرفون زيفوا الحقائق، وقالوا بما أسموه (الحب الحر ) يقول شامغور (الإنكليزي) : إذا لم نصدر إلا عن تفكير حر، فأجيبوني أي رجل يقبل بملء اختياره أن يكون اباً ويتحمل أعباء الأولاد طول حياته، وأي امرأة لقاء اختلاج بضع دقائق ترضى أن تتحمل مضض مرض يطول سنة كاملة ثم هماً يدوم مدى الحياة أهـ .
    هذه الفلسفة التي تنادي بالحب الحر تعطي المرأة حرية الرضا بالأمومة وتنادي :يجب أن تساوي المرأة الرجل في كل شيء حتى في إشباع نهمها الجنسي . فكما أن الرجل لا يخشى حملاً ولا أولاداً فهي أيضاً مثله ...
    إن الحب الحر وحرية الرضا بالأمومة، يقودان مباشرة على تعاطي (موانع الحمل ) بصورة واسعة، ويقودان بصورة غير مباشرة إذا فشلت هذه الموانع إلى الإجهاض . فاستعمال موانع الحمل واللجوء إلى الإجهاض ـ كما يقول الكتاب الذاهبون هذا المذهب ـ حقان طبيعيان للمرأة، بل هما أقدس حقوقها .
    إن في تلك الرغبات والدعاوى بعداً عن النظر إلى أهداف الحياة، وإلى حقوق الوطن أو المجتمع الوطن أو المجتمع على المواطن، لقاء ما ينعم به من خيرات الوطن وثمرات الحياة الاجتماعية وإن فيها بعداً عن مثل الدين والأخلاق .
    إن حرية الإنسان في استعماله حقاً من حقوقه، يجب ألا تتعدى حقوق الآخرين وحريتهم، فحرية الإنسان تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين .
    فليس الإنسان، ذكراً كان أم أنثى، حراً في جميع تصرفاته ولو آلت إلى ضرر اجتماعي طالما أنه عضو في مجتمع وجزء من أمة .
    فكما أنه يستفيد من الحياة الاجتماعية فعليه أن يقدم لها، وكما أن له حقوقاً فعليه واجبات . ولا يجوز أن تكون النظرة الشخصية الأنانية حائلاً دون تقبل الواجبات والحقوق التي تمليها سلامة المجتمع وتماسك كيانه .
     
    النتائج السيئة لحركة تحديد النسل :
    1.    إمكانية ضعف الأسرة أو انقراضها:
    هل يضمن الذي لا يريد أن يزيد أولاده عن طفلين مثلاً أن يتوفى هذان الطفلان، أو أن يصاب بعاهة أو أن يصابا بعاهة أو أن يكونا غير صالحين في مجتمعنا، ولا ينفع عندئذ عض الأصابع بالندم . ولقد تقدمت أهمية الإنجاب .
    2.     كثرة وقائع الطلاق:
    إن زهد الزوجين بالإنجاب واكتفاءهما بالملذات، يعرض الرابطة الزوجية للتفكك بالطلاق حتى في الخصومات الصغيرة، وذلك لسهولة الانفصال وفقدان أو ضعف أقوى رابطة تربط بين الزوجين وهي رابطة الأطفال.
    يقول تالكون بارسن بعد أن قدم في هذا الشأن الأرقام الواضحة : إن وقائع الطلاق إنما تحصل أكثر ما تحصل في السنوات الأولى بعد الزواج أو بين الأزواج الذين لا تكون لهم ذرية
    [19] .
    3.     ضعف الأمة اقتصادياً :
    حيث تنخفض نسبة المواليد فتقل نسبة الشبان إلى المسنين والشباب هم عنصر الإنتاج وعليهم يبنى الأمل . أما المسنون العجائز فأغلبهم مستهلكون ولا يرجى منهم الإنتاج خصوصاً بعد تقدم السن .
    ولذا فإن قلة المواليد تقود حتماً إلى التدهور الاقتصادي وخاصة إذا كانت خيرات البلاد بحاجة إلى المزيد من العاملين ودعم اقتصاد الأمة .
    إن تحديد النسل إذا عمّ مجتمعاً ما، فإنه يقوض بنيان الجماعة التي يتفشى بين أفرادها ويجعلها دون منافسيها في كل شيء .
    4.       ضعف الأمة عسكرياً :
    وذلك لتدني عدد السكان بانخفاض نسبة المواليد إلى الوفيات، ولانخفاض نسبة الشباب إلى المسنين ..
    والمسنون غالباً أقل حماسة وصلابة وقوة وعزيمة وصموداً في وجه الأخطار والشدائد وتجاه المخاطر التي تحف الوطن .
    أما الشباب فهم غالباً أكثر جرأة وحماسة واندفاعاً في بذل النفوس والمهج في سبيل مبدأ من المبادئ النبيلة .
    يقول الكتاب الشهير أميل فاكه: " إن شعباً غير ولود إذا جاور شعوباً ولودة، أو أقل ولادة منه فقط، يكون عرضة لاستيلائهم لا محالة " .
    ويقول الرئيس روزفلت : " إن أمة لا يريد رجالها الحرب ولا تريد نساؤها الحمل هي أمة قد أصيبت في صميم قلبها " [20].
    نحن أمة شاء المستعمر أن يغتصبوا من أوسط بقاعها بقعة بقعة اصطنعوا فيها دولة هي رأس حربة لهم، من سياستها التوسع. فيكفينا الجهاد في سبيل الله تعالى طريقاً لتحديد نسلنا، فلا نغفل عن هذا فننقص مواليدنا وننقص شبابنا الذين هم حماة ديننا ووطننا[21] .
    5.      ضمور الأمة وزوال كيانها :
    إن تحديد النسل إذا عمَّ مجتمعاً ما، أو شعباً أو أمة، فإنه سيؤدي بها إلى الضمور والانتكاس أو الفناء بانخفاض نسبة المواليد إلى الوفيات . ويعجل لها ذلك تعرضها لحرب أو إصابتها بقحط أو جائحة وباء كما تقدم .
    يقول المؤرخ سوروكن في كتابه (الثورة الجنسية في أمريكة ) صفحة 78ـ 79: " إن من قانون الفطرة أن الأمة إذا لبت نداء الشهوات النفسية وانقطعت إلى التشرد والجنس، فإنها تغفل عن إنجاب الذرية وتحسب أن الأطفال يشكلون عقبة في سبيل حريتها ولذاتها ورخائها الاقتصادي، وهذا السلوك ـ أي تحديد النسل ـ المعادي للفطرة، يرغب العاكفين على عبودية الشهوات الجنسية إلى استخدام الوسائل المتنوعة لمنع الحمل وإسقاط الجنين، ويكون نتيجة ذلك انحطاط الأمة وتناقضها، وهكذا هو الانتحار .. "
    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()