الحصاد المر
ما ذكر مؤرخ قط انتشار الأمراض الجنسية، إلا وذكر التحلل من القيم العليا، وتغير النظرة إلى الجنس، وتوجه الناس نحو المادة، وغياب الفضيلة من المجتمع، ولمثل هذا كان يدعو فرويد بقوله : " إن الإنسان لا يحقق ذاته بغير الإشباع الجنسي.. وكل قيد من دين، أو أخلاق، أو تقاليد هو قيد باطل، وهو كبت غير مشروع ".
ولمثل هذا تعمل الحركة الصهيونية، حيث تقول بروتوكولاتها:" يجب أن نعمل لتنهار الأخلاق في كل مكان، فتسهل سيطرتنا.. إن فرويد منا، وسيظل يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس، كي لا يبقى في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر هو إرضاء غرائزه الجنسية، وعندئذ تنهار أخلاقه ".
وبالفعل انهارت أخلاقه، وأثمرت جنوناً جنسياً محموماً، وثورة جنسية عارمة، تؤججها الأزياء، وأدوات والتجميل والكتب الخليعة والمجلات الهابطة، والأفلام الداعرة، تظلل كل ذلك الحرية الشخصية.
أما الأدب والفن والإذاعة والسينما والتلفاز، والصحافة بما لها من قوة الدعوة، ومغريات العرض والتسويق، فجلها أدوات هدّامة، شعارها الجنس، ومادتها المرأة، بإغرءاتها التي لا يكاد يخلو منها إعلان أو لقطة !!
فسد الشباب، وأنهارت أخلاقهم، وتلاشت بنظرهم قيمة الفضيلة، وتحرروها من كل دين وعرف وتقليد، حتى أصبح اللواط والسحاق، والممارسات الجماعية للجنس ونوادي الشذوذ والعراة، وعلب الليل والأفلام الجنسية، والصور الخليعة، و.. الخ كل هذا بات السمة المميزة للمجتمعات البشرية في أنحاء الأرض. كل هذا جاء حصيلة أوضاع وقيم عقائدية وفكرية، ونظريات وضعية مخطط لها .. ولم تكن وليدة الصدفة!!
والنتيجة .. مشاكل كثيرة، تحل بالإنسان، ينوء بحملها، ويئن من وطأتها، مما كسبت يداه، وهو يلج القرن الجديد، ومن هذه المشاكل ما أعلنته منظمة الصحة العالمية، من أنها تواجه مشكلة صحية عالمية، يتفاقم خطرها يوماً بعد يوم، تتمثل في الأمراض الجنسية، التي قفزت إلى رأس قائمة الأمراض المعدية.
هذه المشكلة الجديدة، التي فرضت نفسها على العالم، رغم الرؤوس النووية والأقمار الصناعية.. والتقدم التكنولوجي المذهل، والحضارة المادية التي يتفيأ ظلالها الإنسان، تهدد مصيره وتفسد عليه عيشه، وتصيبه في الصميم، وتنكبه في زهرة شبابه، فهي مشكلة مخيفة، تعكس آثارها وأبعادها إلى الفرد والدولة، على الفرد بآثارها الجسمانية المادية والنفسية، وعلى الدولة بأبعادها الاقتصادية والأخلاقية والاجتماعية.
ورغم هذا التقدم الطبي العظيم، الذي نسمع عنه في العالم، إلا أن الأمراض الجنسية لا زالت بازدياد من حيث النوع، ومن حيث أعداد المصابين، ورقم توفر الدواء لبعضها، وعدم وجوده لبعضها الآخر، إلا أن الإصابات بتصاعد مستمر، وخاصة فيما يخص آخر هذه الأمراض ظهوراً وهو " الإيدز " الذي لم يزد عمره المعروف عن عقدين من الزمن.
هذا المرض الذي أحدث رعباً وفزعاً كبيرين عند ظهوره، وخاصة وأنه كان يقتل المصابين أمام سمع وبصر الأطباء، وفي عواصم الطب في العالم، وليس باستطاعتهم تقديم شيء لإنقاذهم.
هذا المرض الذي يفتك بجسم المصاب شيئاً فشيئاً، حتى تضيق عليه الدنيا بما رحبت، بل تضيق عليه نفسه التي بين جنبيه، ويتمنى الانتحار، حتى يفر مما هو فيه، وقد قالها أحدهم : " إننا نموت ألف مرة في الأذى النفسي، قبل أن توارى أجسادنا التراب"، لهذا يتعاطف كثير من الأطباء والممرضين معهم، ويتجاوبون مع توسلات المصابين، لإعطائهم بعض الأدوية، لقتلهم بدعوى الرحمة بهم، للتخلص من شدة الألم الجسمي والنفسي (1).
" .. أنا بانتظار القدر، إنه يدق بابي استمع إلى صوته في أعماقي، لم أكن أود أن أتعذب هكذا.. ومن خلال هذا المرض اللعين ـ الإيدز ـ سرطان العصر.. ورغم ابتسامات الكثيرين.. وتهنئتي بالتماثل للشفاء.. إلا أنني على موعد مع القدر.. إنه يدق بابي .. اللحظات الأخيرة .. كلمات نطق بها أحد مرضى الإيدز قبيل موته، إنه روك هدسون، الذي تربع عرش السينما، فلم يكن ينقصه مال ولا شهرة، قالها وهو على فراش الموت، بعد أن هدّته آلام الإيدز.
هذا المرض ـ الإيدز ـ يتلف جهاز المناعة، فيصبح جسم المريض مستباحاً للجراثيم الانتهازية، تنهشه من كل جانب، فلا يعرف من أين يشكو، ولا مما يشكو، ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت!!
التهابات بلعومية، وأخرى صدرية حادة تكاد تخنقه، فيصبح مزرقاً لدرجة الاختناق، وأخرى معوية تسبب له اسهالات شديدة، لا تتجاوب مع الأدوية، فتسبب فقداناً لسوائل الجسم، وتؤدي إلى ما يشبه الجفاف، ونقصان حاد في الوزن، وسرطانات جلدية، وأخرى ليمفاوية، تقضي على البقية الباقية من جهاز المناعة.
والنتيجة .. شكوى من كل جانب، وتلف في كل جهاز، وهزال رهيب وجسم متهتك، ونفسية منهارة، وجراثيم بالمليارات تسرع وتمرح، وتعيث فساداً وهدماً في جسم المريض، دون اعتراض أو مقاومة من قوات جهاز المناعة التي انهارات، وبالتالي هلاك محقق لا محالة.
هذه هي النهاية الحتمية، لكل من يتجاوز حدود الفطرة البشرية، في تصريف الشهوة الجنسية إلى الشذوذ والزنا، وهذه نهاية طبيعية لمن يستعجل الأمر قبل أوانه، وفي غير مكانه، نهاية خاسرة فلا متاع في الدنيا، ولا أمل في الآخرة!!
وقصة ( جون ) الشاب الإنجليزي الذي كان يمارس الشذوذ، هي قصة واقعية من بين ملايين القصص، تعكس بصدق بعض معاناة مرضى الإيدز، كما تعرض كيفية تشخيصه ومعالجته ثم تطورات المرض وأعراضه وما استلزم ذلك من احتياطات دقيقة وعناية مركزة، وخدمات طبية متقدمة، ثم النتيجة المحتومة رغم كل الاحتياطات والتكاليف الباهظة، وقد أستقيت تفاصيلها بدقة، ساعة فساعة، ويوماً فيوم، من السجل الطبي لهذا المريض.
وهذه القصة نسوقها لشبابنا، وشاباتنا، علهم يتعضون ويبتعدون عن مزالق الشذوذ، ومستنقعات الرذيلة، فالسعيد من اتعظ بغيره، واتبع داعي الخير، وأبعد نفسه عن هواها، لأن الشذوذ والزنا مدعاة لغضب الله، ومجلبة لعقوبته.
جون والإيدز قصة من الواقع
(جون) شاب في مقتبل العمر، يسكن في قرية صغيرة قرب مدينة مانشستر (بريطانيا)، له شقيقتان متزوجتان، ولا زال والده على قيد الحياة، ورغم أن جون، قد أمضى عمره الذي لم يزد على الثالثة والثلاثين في صحة جيدة، إلا أنه كان يعاني من حساسية خاصة، ضد مساحيق الغسيل، كما كان شاذاً جنسياً، حيث كانت له علاقات جنسية خاصة مع مجموعة من أصدقائه.
وفي السنتين لأخيرتين من عمره، بدأت تظهر عليه علامات مرض الإيدز نقص كريات الدعم الحمراء والبيضاء والصفائح الدموية ثم إنهاك عام، تعرض ليلي، نقص في الوزن، هجمات متكررة من الانتانات الفطرية الانتهازية، في الفم والحلق، وكذلك التهابات صدرية متكررة، كما ظهرت عليه ثآليل الأعضاء الجنسية (2).
وقد لاحظ وجود بقع حمراء على بطنه، ثم أصيب بالتهاب حاد في صدره، عولج من الالتهاب، لكن البقع ازدادت عدداً، وتقاربت شكلاً، حيث أصبحت بيضوية الشكل وفي تشرين الأول من عامه الثالث والثلاثين، انتشرت هذه البقع على منطقة الصدر والبطن والأنف، وكانت غير مؤلمة، ولا تستدعي الحكة، فحوّله طبيبه المعالج إلى أختصاصي باطنية، فحوّله هذا إلى أخصاصي جلدية وتناسلية، حيث تم أخذ خزعة من هذه البقع لفحصها، ثم ألحقت بثانية فتبين أن هذه البقع لمرض سرطاني، يُصيب الجلد في هذا العمر عند مرضى الإيدز، يسمى ( كابوسي ساركوما) (3)وبعدها حُوِّل إلى أخصاصي في علم المناعة، لفحصه بخصوص الإيدز فوجد أنه مصاب به.
في الأسبوع الأول من ثبوت الإصابة، أدخل (جون) مستشفى مونسال ( وهو مستشفى خاص بالأمراض المعدية في مدينة مانشستر)، ووضع في غرفة خاصة لعزله، وبعد الفحوصات (الروتينية) كُتب على إضبارته المعلومات التالية:
الحرارة (37.3مْ) النبض (112) ، التنفس (22) الضغط (110/90) كانت البثور والبقع السرطانية قد غطت جزءاً كبيراً من جسمه، كما غطت لسانه طبقة بيضاء مع وجود تقرحات في فمه نتيجة الالتهابات الانتهازية الفطرية التي سببتها له جرثومة الكانديديا (4).
خصص للممرضات ملابس واقية، وطلب إليهن خلعها في مكان خاص، بعد الخروج من غرفة (جون) مباشرة، كما منع أي طبيب أو ممرضة، في جسمه جروح أو خدوش أو التهابات، من ا لدخول في غرفته كما مُنعت الممرضات الحوامل الدخل أيضاً، أما أغطية سريره وكل ما كان يستعمل داخل غرفته مثل الشاش والقطن وحافظات الإبر والحقن وغيرها، فكانت توضع في أكياس خاصة وتُغلق بإحكام وتُتلف، زمان في الغرفة صينية (وعاء خاص) يحوي جهازاً صغيراً لفحص الأذن، وآخر لفحص العيون، وسماعة وميزان حرارة ومطهرات وغيره، مما يحتاجه الطبيب لفحص (جون) فقط حيث يُمنع استعمالها لأي مريض آخر، كما كان فيها حاويات صغيرة لجمع البول والبراز حيث تُستعمل لمرة واحدة ثم تُتُلف.
جلس (جون) في غرفته وحيداً، كان متعاوناً، هادئاً قليل الطلبات.. لم يُترك وحيداً لمدة طويلة بل كانت الممرضات يقضين معه بعض الوقت بالتناوب لتخفيف مُصابه ووحدته وقد وُضع له برنامج لقياس حرارته، ونبضه وتنفسه كل أربع ساعات ولتسجيل مرات طعامه وبوله وبرازه بانتظام.
وكان يُجاب على أسئلته بكل صراحة ووضوح، حيث كان يسأل بين الفينة والأخرى عن هذا المرض الجديد ما سببه؟؟ وما علاجه ؟؟ وكيف يمكن التخلص منه ؟؟ وهل يعقل أن الشذوذ ينقله؟؟؟
وعند إجراء الفحوصات لدمه وُجد أن عدد الكريات الدم البيضاء(3900)ْ والهيموغلوبين (4، 13) وقد كان يُفحص باستمرار لمراقبة تطور أي من الالتهابات الانتهازية، التي يمكن أن تبدأ في أي وقت ونظراً للسعال الجاف الذي بدأ عنده، تم تصوير صدره شعاعياً، كما صورت كل البثور السرطانية المنتشرة على جلده وفي فمه.
ومع نهاية الأسبوع الأول من ثبوت التشخيص بدأت عليه حرارة خفيفة، بشكل مستمر فأعيد تصوير صدره كما أخذت له عينة من النخاع الشوكي وخزعة لفحصها وبعدها أصبح يُعاني من صعوبة في التنفس، وبدأ لونه يميل إلى الزرقة، لذا رُكَّب له الأوكسجين لمساعدته، وبدأ الوهن يزداد في جسمه، واصبح يعاني من صعوبة في البلع، وشعور بالحاجة للتقيؤ وعدم قدرة على الكلام دون سعال، ومع أن الأطباء والممرضات كانوا يُهونون عليه، إلا أن عُسر الازدراد، والسعال كانا بازدياد شيئاً فشيئاً، فأعطي علاجاً خاصاً بالتهاب الصدر الحاد، كما أعطي باراسيتامول للتخلص من الصداع، الذي أصابه بعد أخذ عينة من النخاع الشوكي.
كانت شكواه من الشعور بالتقيؤ مستمرة، وقد تقيأ عدة مرات، من جراء علاج التهاب الرئتين، الذي كان يتناوله بواسطة الفم، فتم تحويله إلى الوريد مع بعض السوائل التي كانت تعطى له باستمرار، مع المراقبة الحثيثة لاكتشاف أية بداية لالتهاب انتهازي، ومع هذا، أصيب بالطفيل الذي يسبب التهاب الرئة الحاد(Pneumocysit carinii) ومع نهاية الأسبوع الثاني قل شعوره بالتقيؤ كما أصبح التنفس عنده أسهل، ورغم استمرار السعال الجاف، إلا أن حرارته كانت 38م، وفي اليوم التالي، بدأ يشكو من الإمساك فأعطى علاجاً لذلك، ثم بدأ يشكو في اليوم الثالث من صداع شديد عند الوقوف، أما عند الاضطجاع فيزول كلياً، واستمرت حرارته 38م، وصاحب ذلك احمرار على خديه وحاجبه الأيمن وكان سرعة تنفسه قد ازدادت فا‘طي سوائل أكثر، وتراجعت كريات الدم البيضاء إلى (3500).
في نهاية الأسبوع الثالث، أصبح يتقيأ بعد تناول الحليب والشوكولاته، وبدأ يشكو من الإمساك، فأعطي تحاميل ملينة، لكن أثرها كان خفيفاً، فأستأذن أن يأخذ نوعاً آخر من الملين، كان يستعمله في السابق، كما أعطي علاجاً خاصاً للفطريات (نيستاتين) أربع مرات يومياً بعد الأكل، كما أعطي بخاخاً للتنفس (فنتولين) أربع مرات كذلك، وبقي (جون) طريح الفراش طوال يومه، وأخذ الوهن منه كل مأخذ، كما غطى الطفح الجلدي الوجه والجبهة، كما كان التبول قليلاً، ولذا وضع تحت المراقبة، وزيدت له السوائل اللازمة بدقة، وعند الاستحمام الخفيف الذي رُتّب له، وجدت عدة مناطق متحجرة، وغير مؤلمة على مقعدته، عللها الطبيب المعالج بأنها ناتجة عن كثرة النوع والإضطجاع وفي اليوم الثاني بدأ يشعر بصعوبة في التنفس، لذلك أعيد له الأكسجين (35%) كان يحتاج للأكسجين كل وقته، وكان سعاله مستمراً دون تحسن حتى أصبح تنفسه طبيعياً وبعد معاينة الصور الشعاعية التي أخذت لصدره تبين وجود التهابات في الرئتين دون معرفة سبب ذلك، كانت حرارته (38مْ) وعدد كريات الدم البيضاء(2600)، ورغم أنه لا يتناول إلا الطعام الخفيف، إلا أنه استمر في الشكوى من عسر الازدراد.
كان أقاربه قلقين عليه عند زيارتهم له هذه المرة، وقابلوا الطبيب المعالج، وفي الأسبوع الرابع صورت معدته شعاعياً فوجدت طبيعية، فأعتقد الطبيب أن سبب عسر الابتلاع ناتج عن الالتهاب الذي تحدثه جرثومة الكانديديا في الحلق، كانت إبرة المغذي (الجلوكوز) قد تحركت قليلاً فأزالها الطبيب وأعطاه (Nystatin) على شكل سائل مع فلواوكساسلين، كل ست ساعات بواسطة الوريد، كما أعطي (1000) ملغم من (Pentamadine)، بالعضل مرتين يومياً، للقضاء على التهاب الرئتين، وكان لهذا العلاج الأخير مضاعفات جانبية عليه، منها الهبوط المفاجئ في الضغط، ودقات القلب فوضع تحت المراقبة المركزة إذ كان يقاس ضغطه ونبضه كل ربع ساعة لمدة ساعة، ثم كل نصف ساعة، وقد اشتد عليه السرطان، فأعطي (258) ملغم اتوبوسايدز (Etoposides) يومياً ثلاثة أيام.
وفي الليل حصلت له صعوبة شديدة في التنفس، فوضع له الأكسجين، وفتحت النوافذ والأبواب، واستدعي الطيب على عجل، وكان يختنق، ولما وصل الطبيب زاد الأكسجين في الغرفة، وأمر به أن يبقى باستمرار، وفي اليوم التالي كان (جون) يبدو أقل اختناقاً وزرقة ما كان عليه، رغم ازدياد السعال الجاف، وقد عزلت بكتيريا من البلغم الذي كان يخرج منه، ونتيجة للإيدز وبعض علاجات السرطان (Cytotoxic Drugs) فقد ازدادت درجة نقصان المناعة عنده، فكثفت المراقبة، وازدادت احتياطات الممرضات قبل وبعد الخروج من عنده، كلبس القفازات والكمامات والملابس الخاصة، وحتى لا يحصل أي التهاب، فقد كان يقدم له الطعام والشراب ساخناً لضمان خلوه من الجراثيم، كما منعت عنه الأطعمة غبر المطبوخة كالجبنة وغيرها، كما كانت المنطقة التي سيأخذ بها الحقنة تنظف جيداً باستعمال (2%) بنتا دين، وتغطى بقطعة شاش معقمة لمدة (15) دقيقة، وفي صباح اليوم الثاني، كان (جون) لازال منهكاً، إلا أنه أحسن من الليلة الماضية، وكان دمه يفحص كاملاً، بمعدل مرتين في الأسبوع، وكانت الكرات البيضاء تهبط تدريجياً، فقد كانت 1400خلية /مليمتر مكعب من الدم.
ومع نهاية الشهر الأول تحسن (جون) نتيجة الاستعمال المستمر لعلاج الفطريات، وقد حُول للمعالجة الحكمية، لممارسة تمارين خاصة بالصدر، وكان لها آثار جيدة، وأمر الطبيب بإحضاره حالما ترتفع درجة حرارته لزراعة دمه، ونتيجة لتحسنه، أزيل الأوكسجين، ولكنه بعد سويعات بدأ بالأختناق، والميل إلى الزرقة، فأعيد له الأكسجين كما كان، وأعطاه الطبيب (500) ملغم من المضاد الحيوي فانكومايسين (Vancomycin) مع واحد غرام نيومايسين (Neomycin) بواسطة الفم كل ست ساعات، وفي اليوم التالي، أصبح جون لا يستطيع التنفس، مع الشكوى من حدوث تقلصات عضلية في صدره ومقعدته، وكتفيه، ورغم ذلك أصر الطبيب على مواصلة علاجه بنفس الحقن، وسرعان ما تخلص من الانقباضات العضلية، وأصبح التنفس أسهل من ذي قبل، علل الأطباء ذلك أنه كان نتيجة لعلاج السرطان، ونتيجة للحقن الخاصة بالتهاب الرئتين، ومع هذا التحسن، كان عدد كريات الدم البيضاء في اليوم التالي (1300)، والهيموجلوبين (3، 10) وقد استمر هذا التحسن طوال أسبوع، وانعكس إيجابياً على صحته بشكل عام، وعلى البقع السرطانية بشكل خاص، وكذل على صدره والبلغم الذي نقص كثيراً.
وبشكل مفاجئ أصيب جون بانتكاس حاد، ففي الأسبوع الأول من الشهر الثاني لمعالجته، بدأت تظهر عليه علامات غريبة، فقد بح صوته، ورافق ذلك شرود في ذهنه، ولا مبالاة مع تجاهل للكثير من الأسئلة، وأصبح يتمتم وشكله أقرب ما يكون للمخمور، ثم دخل في شبه غيبوبة، وقد تبين أن سبب هذا هو هبوط شديد في سكر الدم، فأعطى (50) مللتر من محلول سكري، في الوريد وزادت الرقابة على البول والحرارة والنبض والتنفس، وفي صباح اليوم التالي كان يتصرف بغرابة أكثر، وأصيب ثانية بنقص شديد في سكر الدم، فأعطي في الحال محلول سكري لمعادلة ذلك، وتبين أن سببه هو علاج بنتاميدين (Pentamadine) فأوقف فوراً، وكذلك المضادات الحيوية التي كان يأخذها، وأعطى بدلاً منها، غراماً واحداً سفتازادين (Ceftazadine) مع (80) ملغم من جنتامايسين (Gentamicin) كل ثماني ساعات في العضل.
وفي نهاية الأسبوع الأول من الشهر الثاني، أصيب (جون) بحساسية عامة في جميع أجزاء جسمه، ثم تبعها ارتفاع الحرارة (39ْم) ثم زيادة في البلغم، مع تغيير في اللون (أخضر)، وكانت كريات الدم البيضاء (780) فقط، أما الهيموجلوبين فقد كان (2، 8)غرام، وفي الأيام القليلة التي تبعت ذلك كانت الحرارة تتحسن قليلاً علماً أنه أعطي ثلاث وحدات من الدم، وكان تحت المراقبة الحثيثة وفي نهاية الأسبوع الثاني من الشهر الثاني، كان الهيموجلوبين (6، 9)، وكريات الدم البيضاء (1200)، وكانت حالته ما بين مد وجزر ولما كانت له رغبة في أن يحتفل بعيد ميلاده برفقة أصحابه، فقد سمح له الطبيب بمغادرة المستشفى، شريطة أن يعتني به زملاؤه عناية فائقة، ورغم الكميات الكبيرة من العلاجات الفعالة، والمراقبة الحثيثة المستمرة، إلا أن الانتانات الانتهازية كانت له بالمرصاد، فبعد أن أحتفل بعيد ميلاده الرابع والثلاثين، كان الموت الأسود بإنتظاره، فمات مزرقاً مختنقاً نتيجة التهاب الرئة الحاد لتطوى صفحة من صفحات العذاب التي عاشها (جون).
وبعد..
هذا الشاب في عنفوان قوته، في العقد الثالث من عمره، في زهرة شبابه.. الأصل أن لا يعرف المرض في هذا السن.. إلا أن الشذوذ قلب حياته رأساً على عقب.. فتارة يزرق ويكاد يختنق، وأخرى لا يستطيع الازدراد.. أو يصاب بسعال جاف وحاد.. ثم حمى وإلتهابات صدرية أو معوية متكررة، يأتيه الألم من كل جانب وما هو بميت .
فتارة الأكسجين على الأنف، وأخرى حقن في العضل أو سائل في الوريد .. وثالثة الأثافي علاجات سرطانية، آلامها لا تقل عن المرض ذاته.. حتى ضاقت على جون نفسه التي بين جنبيه، وإنهارت قواه وانهدت، حتى أصبح لا يقوى على خدمة نفسه.
والإنسان عادة يعيش بمشاعر ساعته.. فإن كان صعبة مريرة، شعر وكأنه لم يذق في حياته نعيماً قط.. فكيف إذا كان كل ذلك بسبب خروجه على الفطرة وبمحض إرادته.. ولا شك أن الأمر يكون أصعب عندما يتذكر أنه كان يمكن تجنبه .. فيندم حتى يقتله الندم ولات حين مندم..
والسعيد من اتعظ بغيره ولم يتبع نفسه هواها.
حقائق وأرقام
· لم يحظ مرض في السابق بإهتمام العالم أجمع، وعلى كافة المستويات الرسمية والشعبية والمحافل العلمية، كالذي حظي به مرض الإيدز.
· تؤكد الحقائق الملموسة أنه لا علاج لهذا المرض، وأن العلماء حتى الآن لم يكون بمقدورهم تطوير مصل واق منه، رغم كل الأبحاث والإعلانات، التي تظهر بين الفينة والأخرى في وسائل الإعلام المختلفة.
· الإصابات بهذا المرض بإزدياد مستمر ومذهل، رغم الجهود الجبارة التي بذلت وتبذل على المستوى العالمي، من قبل منظمة الصحة العالمية، وعلى المستوى الإقليمي من قبل الدول المختلفة، ولا زالت إفريقيا في المقدمة، يليها دول أوروبا الشرقية وجنوب شرق آسيا، فهي الأكثر تسارعاً وازدياداً في عدد الإصابات.
· فعدد الذين يصابون بفيروس الإيدز أحد عشر شخصاً في الدقيقة الواحدة، وهذا يعني أن عدد المصابين الجدد يزداد يومياً (16000) (ستة عشر ألفاً) تقريباً على مستوى العالم، منهم حوالي عشرة آلاف إصابة يومية في جنوب الصحراء الأفريقية، ومن يجد منهم علاجاً سيعمل لحوالي عشرة سنوات .. إلا أنهم سيموتون قبل وصولهم سن التقاعد.
· تقدر منظمة العمل الدولية، أكل موظف مصاب بالإيدز، سيخسر 15 سنة من حياته العملية.
· عدد الذين اصيبوا بالفيروس عام 2005م فقط هو ستة ملايين شخص.
· مات بسبب الإيدز عام 2005م أكثر من ثلاثة ملايين إنسان.
|
شكل توضيحي لهيكل فيروس الإيدز
|
· عدد الذين قضوا نحبهم بسبب هذا المرض في العالم للآن 28 مليون إنسان.
· خمسون في المئة (50%) من المصابين تتراوح أعمارهم بين (15_24 ) عاماً.
· عدد الإصابات اليومية في نيويورك وحدها ثلاث وتسعون(93) إصابة، كما جاء في إحدى نشرات مركز مراقبة الأوبئة في أمريكا.
· خمس عشر مليون طفل يتيم بسبب الإيدز حتى الآن في العالم.
· يقتل الإيدز يومياً ثمانية آلاف شخص، منهم خمسة آلاف وخمسمائة إنسان جنوب الصحراء الأفريقية.
· ثلاث وأربعون (43) مليوناً عدد المصابين الأحياء المعلن عنهم رسمياً، غير أن بعض العلماء يشككون في صحة هذا الرقم، بسبب نقص التقارير والإحصاءات في كثير من دلو العالم.
· يوجد 6 مليون مريض بالإيدز بحاجة ماسة جداً إلى العلاج.
· تبلغ تكلفة علاج المريض الواحد بالإيدز في أمريكا 100ألف دولار.
· العلاجات المتوفرة مكلفة جداً، وهي لتخفيف سرعة تكاثر الفيروس داخل جسم المصاب، وبالتالي وقف تدهور حالته، ولكن لا تساعد على الشفاء من المرض.
· 11% من ذريات فيروس الإيدز المعروفة مقاومة للعلاجات المتوفرة حيث لا تتأثر بها وتبقى على سرعتها في التكاثر داخل الجسم.
· ظهرت ذريات جديدة من فيروس الإيدز في مناطق جغرافية مختلفة لأسباب معظمها غير معروف علمياً.
· مع أن القارة الأفريقية لا زالت في المقدمة من حيث عدد الإصابات إلا أن الأعداد تتزايد بسرعة في روسيا، وجنوب شرق آسيا، بين صفوف الشباب، ليس فقط في المناطق السياحية، ولكن حيث وُجد البغاء والشذوذ والفقر والجهل.
· كل وحدات الدعم تخضع للفحص المخبري، لإثبات خلوها من الفيروس، قبل إستعمالها، ولذلك لم يعد الدم سبباً مهماً في نشر الفيروس.
· كان المتوقع أن تنخفض عدد الإصابات بعد السيطرة على دور والتبرع بالأعضاء وما شابه ذلك.. إلا أن المفاجأة كانت ازدياد الإصابات يوماً عن يوم، لذلك أدرج هذا المرض مع سلسلة الأمراض المنقولة جنسياً لأن الزنا والشذوذ هما السبب في نشره.
· التثقيف والتوعية بكل الوسائل هو السلاح الوحيد لمنظمة الصحة العالمية، في مكافحتها للإيدز على مستوى العالم أجمع .. مع ضرورة التركيز على تثقيف صغار السن (10ـ 24) عاماً لأنهم في مرحلة تطوير السلوك.
· أعلنت منظمة الصحة العالمية، أن منطقة الشرق الأوسط فيها 510.000إصابة بفيروس الإيدز، ورغم أنها أقل نسبياً من غيرها بسبب الإلتزام الديني وتحريم الزنا والشذوذ، إلا أن الإخفاء سيضاعف الوباء.. والمنطقة مهددة كغيرها، إذا لم يقم كل بمسؤولياته تجاه مكافحة هذا الوباء، بالتثقيف والتوعية وأخذ الإحتياطات اللازمة، والممكنة لنصح المصابين، وإحسان التعامل معهم ومع أسرهم.
· أنا على يقين بأن العلماء ـ عاجلاً أو آجلاً ـ سيكتشفون علاجاً قاتلاً لفيروس الإيدز مصداقاً لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء، برأ بإذن الله عز وجل " رواه مسلم. لكن اكتشاف العلاج وحده لن يوقف المرض أو يحد من انتشاره، بدليل وجود أمراض جنسية كثيرة، علاجاتها متوفرة وبكثرة، إلا أنها بازدياد مستمر خاصة بين صفوف الشباب.
· العلاج الحقيقي والجذري الذي يحد من انتشار الإيدز والأمراض المنقولة جنسياً، ويعمل على مكافحتها يكمن في حُسن تربية الأجيال، وتنشئتهم حسب التعاليم السماوية، التي تُحرِّم كل الوسائل المؤدية لانتشار هذه الأمراض، المتمثلة بالزنا والشذوذ والمخدرات.
· قال الله تبارك وتعالى : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلاً) الإسراء 32.
· قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كيف أنتم إذا وقعت فيكم خمس، وأعوذ بالله أن تكون فيكم أو تدركوهن، ما ظهرت الفاحشة (الزنا) في قوم قط، يعمل بها فيهم علانية، إلا ظهر فيهم الطاعون (الوباء)والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم.. " رواه الحاكم.
· وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أكثر من أربعة عشر قرناً من الزمان: " إذا استحلت أمتي خمس فعليهم الدمار، إذا ظهر التلاعن وشربوا الخمر، ولبسوا الحرير، واتخذوا القينات، واكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء) رواه البيهقي.
· وبعد أليس اكتفاء الرجال بالرجال، والنساء بالنساء الذي أصبح مباحاً بحكم القانون في دول غربية كثيرة، هو الشذوذ بعينه؟؟ ألم يثمر ذلك للبشرية أمراضاً لم تكن في السابق؟؟
اليس الإيدز مرضاً جديداً لم يتجاوز عمره خمس وعشرون خريفاً؟؟
مصدر الصورة العلمية : موقع الموسوعة الحرة
الهوامش:
(1) في المؤتمر الدولي الحادي عشر لمكافحة الإيدز، الذي انعقد بمدينة فانكوفر في كندا، والذي حضره 15 ألفاً من 125 دولة، قال د. توماس مستشال خبير الصحة العمومية في جامعة كاليفورنيا " إن نتائج الدراسة التي قام بها لدى 228 طبيباً مختصاً في مرض الإيدز، بينت أن 53% من هؤلاء الأطباء قد خالفوا القانون وعمدوا إلى مساعدة مرضاهم على الانتحار، من خلال إعطائهم جرعات كبيرة من الأدوية بدعوى الرحمة بهم من شدة الآلام الجسمية والنفسية.
(2) مرض منقول بالجنس يشبه فيروس معروف للعلماء، إلا أن علاجه صعب، ثم لا يلبث أن يعود مرة أخرى.
(3) وهو سرطان يصيب الجلد والأنسجة الضامة اكتشف عام 1872م من قبل طبيب هنغاري اسمه موريس كوت سلركوما وقد سمى هذا الاسم باسمه والمتعاد أنه لا يظهر إلا على كبار السن أو المصابين بالإيدز بغض النظر عن سنهم.
(4) خميرة الكانديدا: لا تسبب مرضاً خطيراً عند الإنسان إلا إذا كان جهاز المناعة قد تلف، عندها تنتهز الفرصة فتسبب التهابات .. أحياناً قاتلة.
(5) في الأحوال الطبيعية يترواح العدد بين 4500ـ 11000في المليمتر في المكعب الواحد من الدم، وهي مسؤولة عادة عن مقاومة الجراثيم المختلفة وتخليص الجسم منها . إلا أن فيروس الإيدز يهاجمها ويقضي عليها.. لذلك تضعف المناعة في الجسم بنقصها.
(6) علاجات السرطان لها آثار جانبية مؤذية للجسم خاصة في كريات الدم البيضاء ولذلك فيروس الإيدز من جهة والعلاجات السرطانية من جهة أخرى