ها قد أشرق الصباح ..إنه يوم مختلف عن بقية الأيام حتى في شروقه .. فالشمس تبدوا خجلة , ترسل أشعتها ببطء ..
قد وعدنا والدي بإفطار لذيذ , تمهيدا ليوم حافل , وربما شاق ..
الكل يستعد ..أبي ..أمي .. إخوتي لاستقبال
الضيوف الذين أتوا إلينا من كل مكان ..اليوم موعدنا معهم على الغداء.. سيجتمع الأهل والأحبة من قدموا من مسافات بعيده.. فقط تلبية للدعوة ..ورغبة في الأجر .. ومشاركة لنا في الفرحة الكبرى
الكل سيكون هناك ظهرا .. أما أنا فهو موعدي مع المزينة , حيث سأبقى عندها حتى المساء .. طقوس غريبة فرضناها وشددنا بهاعلى أنفسنا .
(هكذا تفعل كل عروس ).. كلمة تتكرر وكأنها تبيح لنا المحظور .. ليست حجة نرتكب بها المحرم من أجل أن نرضي الناس في هذا اليوم ..سأكون حذرة , لن أرضى بما يغضب الله , مثل كثير من الفتيات , ممن تتجاوز الخطوط الحمراء وترتكب كل قبيح بمناسبة ليله العمر ..
رنين الهاتف طوال الوقت لم يتوقف ..لا غرابه ..
حركة غريبة أسمعها وأنا أعد احتياجاتي للذهاب إلى المزينة .. كل شيء جاهز ..سأكون أفضل عروس ..هكذا خُيل إلي
صوت يعلو .. ضجيج ..صراخ ..
يا إلهي ماهذه الضوضاء !! ..كأني أسمع صوت بكاء ..
انقباض شديد في صدري ... رباااه ..ما عساه أن يكون
خرجت إليهم ..ما بكم ؟؟ ماذا حصل ؟؟
الكل يبكي .. يصرخ .. لا أرى سوى الدموع .. ولا أسمع سوى الآهات .. أسقط في يدي ...لااااا...لاااااا
لا تقولوا أخي الحبيب لن يحضر زفافي .. هل حصل له مكروه ..أجيبوني أرجوكم لم أعد أحتمل ..
أبي ..أنت أجبني .. يا رمز الصمود والقوة والشموخ .. مالي أراك الآن قد انهارت قواك .. أمسكه بقوة أرجوك يا أبي أجبني .. قل لي أنه بخير وسيحضر زواجي لأني لن أتزوج أبدا إن لم يحضر يوم زفافي .. أمي ..أجيبيني أنت !! مالك يشتد بكاؤك أهو خالي؟؟ .. ماذا حصل له ؟؟ ..أرجوكم ..ارحموني لا أقوى على المزيد !!
قلبي يرتجف .. دمعي ينهمر .. صوتي يرتعش ..رجلاي لا تقوى على حملي .. حصل مكروه لأحد أقاربي في يوم زواجي .. ولكن من ياترى ؟؟
ما ذا جرى؟؟ انعقدت الألسنة!! .. فالحدث أكبر من أن يحكى .. أبي وأمي منهارين !! من سيسندني إذا ؟؟ يحتضناني ويحيط بي إخوتي ..صوت ما أخبرني .. أنه ... زوجي .. من ؟؟؟
..أحتسبي زوجك .. سيُصلى عليه ظهرا وسيدفن اليوم !!..
لا أعلم ماذا حدث لي بعد ذلك !! أفقت ووجدت نفسي في المشفى وحولي أمي وأبي وإخوتي وجميع أحبتي ممن قد أتو لتهنئتي كلهم محيطين بي!! أسألهم هل أنا أحلم وأرجوهم أن يقولوا نعم ..فتزداد نبرة بكاؤهم معلنين بذلك تأكيد الخبر .. قلبي يتمزق عاجز عن احتمال الصدمة ..كلما أفقت وتأكدت من الخبر عدت إلى الإغماء ..
وفود المعزين أقبلوا من كل مكان ليعزوا العروس الصغيرة التي أصبحت أرملة قبل أن تدخل عش الزوجية .. يعزونها فلا تعي ما يقولون ..مازالت غير مصدقة .. اليوم يوم فرحي كيف ينقلب إلى عزاء؟؟
انتم واهمون !! ..هذا فستاني سأرتديه .. وسأذهب حيث جموع المهنئين ..حيث الدفوف والأناشيد الجميلة ليزفونني إلى حياتي الجديدة التي بقيت أحلم بها سنوات!! ..من أجلها اشتريت الغالي والنفيس ..أجمل الملابس والعطور ..كل جميل ادخرته لهذه الفرحة الكبرى ..عام من الاعداد وعندما يقترب الحلم من الحقيقة تقولون لي سراب .. أنتم لا شك واهمون!! مازلت أتذكر كلماته التي ترن في أذني .. الف مبروووك هنيئا لي بك .. ووعوده الكثيرة ..أمانيه في حياة سعيدة .. عهد الوفاء الذي قطعناه على أنفسنا بأن يحاول كل منا إسعاد الآخر ..
اين هو الآن ..
دفع المهر ...وأثث المنزل بكل نفيس وأعد ما يلزم لاحتفال بهيج ..
منزل لم يسكنه ..وأثاث لم يستعمله وزوجة لم يهنأ بها وثياب لم يلبسها وعطور لم يستخدمها ..
يوم فرحه انقلب إلى عزاء , يتوافد المهنئون إلى قاعة الإحتفال فيجدونها خاوية كئيبة قد أعلنت الحداد بلوحة تخبرعن وفاة من كانت ستقام الحفلة الليلة من أجله ..
في يوم زفافه .. سيشيع ويزف إلى قبره!!
يوم ..قد استعد له طويلا فلم يدركه!! وسبقه إليه اليوم الذي لم يستعد له !!
آآآآآآآآآآه من فرحة وئدت في مهدها .. وبيت هدم قبل أن يسكن ... وأحلام وأماني تحطمت بعد أن كادت تتحقق
كيف لقلب غض طري أن يحتمل هذه الصدمة !!
من لا يعرف عن الدنيا سوى الأفراح والأماني والأحلام السعيدة .. محفوف بوالدين لا يرضيان بحر الشمس عليه ولا ببرد الشتاء .. فكيف بهذا الخبر الذي يسحق الجبال الشامخة ..
ايه يادنيا الفناء ...مسكين من أغتر بك .. تسلبينه الفرحة في اسعد يوم في حياته ... تغرينه بزينتك وبهجتك ثم تأخذينه على حين غرة !! من ذا يأمنك!!..
مسكين من ركن إليك, وعمل من أجلك , وانشغل بك عن دار البقاء حيث لا كدر ولا هم ولا حزن ولا شقاء لمن سعى في دنياه لما يرضي الله ..
قد طال ليل الأنين .. وغار الجرح .. وانكسر القلب ..ثم أسدل الستار وعاشت العروس مجروحة القلب حينا!! لكن الزمان كان كفيلا بمداواة هذا الجرح ومن ابتلاها به صبّرها وأعانها عليه حتى تجاوزت أزمتها ووقفت شامخة من جديد .. كما كانت قوية الأيمان واثقة من رحمة الله التي سيمنحها أياها بعد هذا البلاء العظيم .. فيعوضها خيرا كما وعدها إن هي حمدت الله واسترجعت ..
وعلمت أن ما أصابها لم يكن ليخطئها ..ورضيت بقضاء الله..
( بقي أن نعرف ان عروسنا هذه بعد عظيم البلاء رزقها الله من حيث لا تحتسب وأقر عينها بالزوج والولد)o