بتـــــاريخ : 6/29/2008 1:28:02 PM
الفــــــــئة
  • الاقتصـــــــــاد
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 2889 0


    الاستثمار في الفكر الاقتصاد- INPS

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : أحمد الوليد | المصدر : www.startimes2.com

    كلمات مفتاحية  :
    اعمال اقتصاد

    1- الإستثمار في المدرسة الطبيعية:

            يعتبر رواد المدرسة الطبيعية أمثال فرانسوا كيني( François Quesnay)، ماركيز دي ميرابو( Marquise De Mirabeau)، مرسييه دي لاريفيير( Mercier De La Reviere)، ديبون دي نيمور( Dupont De Nemours)، المؤسسين الأوائل للإقتصاد السياسي فهي أول مدرسة إقتصادية متكاملة. وقد ظهر المذهب الطبيعي في فرنسا في القرن الثامن عشر ومن أنصاره على الخصوص فرانسوا كيني الذي يعتبر أب المدرسة الطبيعية، وإذ كان رواد هذه المدرسة يعتبرون أن الأرض أي الزراعة هي المصدر الوحيد للإنتاج الصافي و أن النشاطات الإقتصادية الأخرى كالصناعة و الخدمات لا تعتبر نشاطات إنتاجية وهي في نظرهم عقيمة . فإنهم قدموا وطوروا العديد من المفاهيم الإقتصادية و على الخصوص الإستثمار و الإستهلاك. وقد أعطى كيني أهمية للإستثمار والذي يظهر عنده تحت تسمية التسبيقات الأولية، حيث يعطيه مكانته الحقيقية، ونجده يحتل مكانة معتبرة في جدوله الإقتصادي الذي يعتبر من أهم الإكتشافات الإقتصادية و بالخصوص في تلك الفترة، والذي يبين فيه  كيني كيفية تحقيق إعادة إنتاج الثروة على أساس علاقات إقتصادية و اجتماعية بين الطبقات المكونة للمجتمع الفرنسي آنذاك ( طبقة الملاك، الطبقة المنتجة والطبقة العقيمة [1]).

           وحتى نلمس أكثر أهمية الإستثمارات ( التسبيقات ) عند كيني، سنتطرق إلى كيفية توزيعها في جدوله الإقتصادي حيث نصنفها إلى الأصناف التالية :

           أ/ التسبيقات الأولية * :

           وهي حسب كيني المصاريف المتعلقة بالتجهيزات المخصصة من طرف طبقة الملاك و المتعلقة بالعملية الإنتاجية، مثل البنايات، أدوات العمل، المواشي الخاصة بالإنتاج الزراعي [2].

          ب/ التسبيقات العقارية * :

           وهي المصاريف المخصصة كذلك من طرف الملاك لتهيئة الأراضي ويمكن اعتبار كل من التسبيقات الأولية والعقارية أنها تكون ما نسميه بالرأسمال الثابت.

           ج/ التسبيقات السنوية:

           و هي عبارة عن المصاريف الجارية، مثل تلك المتعلقة بالعمالة، البذور وغيرها، ويتحمل أعباءها المزارعون، أي الطبقة المنتجة. وهذه الأخيرة تكون ما يسمى بالرأسمال الدائر أي العامل، ودون التعمق أكثر في تحليل الجدول الإقتصادي والذي يعتبر حوصلة الفكر الطبيعي، فإننا نشير على الخصوص للمكانة الهامة للتسبيقات ضمن هذا الجدول والتي تعتبر الضمان لإعادة الإنتاج في القطاع الزراعي الذي ينتج الناتج الصافي حسب وجهة نظر فرانسوا كيني [3].

     

    2 – الإستثمار في المدرسة الكلاسيكية *:

           تنطلق المدرسة الكلاسيكية من فكرة أساسية هي أن تطور النظام الرأسمالي كان عبارة عن صراع بين نمو السكان من ناحية، والتقدم من ناحية أخرى، ويرى رواد هذه المدرسة بأن التقدم التقني يسبق في المراحل الأولى إلا أن معدل السكان لا يلبث إلا أن يجاري معدل التقدم التقني و بالتالي يسود الكساد. أما معدل التقدم التقني فيرى الكلاسيكيون بأنه يتوقف على معدل تراكم رأس المال الذي يتيح المزيد من استخدام الآلات وتقسيم العمل. وأما معدل تراكم رأس المال فيتوقف على حجم واتجاهات الأرباح ولتسهيل عرض النظرية الكلاسيكية في الإستثمار خصوصا وفي النمو عموما وسنعمد إلى استخدام الصيغ الرياضية للتعبير عن مفاهيمها الأساسية. وهي كالتالي :

          

       1- دالة الإنتاج:

           من المعلوم أن دالة الإنتاج هي العلاقة بين كميات عناصر الإنتاج المستخدمة وبين الناتج المحقق. ويرى كل من سميث و ميل و مالتوس بأن كمية الناتج ( Q) المتحقق تتبع كمية القوة العاملة المستخدمة ( L) وكمية رأس المال المستخدم ( K)، ومساحة الأرض المتاحة ( N) ومستوى التقنية ( T)

    أي أن:

     

    Q = f (L, K, N, T)

     

    ولابد من الإشارة أن هناك عددا من الإقتصاديين الكلاسيكيين الذين أدرجوا كافة الموارد الطبيعية الإقتصادية المتاحة كعنصر من عناصر الإنتاج مع الأرض إلا أن الغالبية العظمى منهم اقتصرت على إدراج الأرض.

     

        2- مفهوم تراكم رأس المال يؤدي إلى التقدم التقني:

           لقد اعتقد معظم الإقتصاديين الكلاسيكيين أن فرص التقدم التقني وإدخال السلع الجديدة متاحة باستمرار في المجتمعات الإقتصادية ولكنهم أوضحوا بأن معدل استغلال هذه الفرص في مجتمع ما إنما يتوقف على الإستثمارات الجديدة. وهذا بالطبع أن كافة أنواع التقدم التقني ستؤدي بالضرورة إلى استخدام المزيد من رأس المال. وبالرغم من أن بعض الكلاسيكيين استعرض حالات من التقدم التقني التي تؤدي إلى توفير في رأسمال المستخدم إلا أن ذلك كان في نواحي طفيفة القيمة بالنسبة للتقدم التقني ككل. لذلك أصر هؤلاء على حاجة المجتمع المستمرة إلى المزيد من الإدخارات حتى يتاح له الإستخدام المتواصل للأساليب والطرق التقنية الحديثة. و على هذا يمكن أن نكتب:

     

    T = f (I)

           

     حيث : Tتمثل مستوى التقنية.

            I : تمثل الإستثمار.

           وبالتالي فإن مستوى التقنية يتبع الإستثمارات، وهذا ما أدى بالطبع إلى تأكيد الإقتصاديين الكلاسيكيين على الحاجة إلى تراكم رأس المال و الادخار لا التقدم التقني كمتغير مستقل هام.    

     

        3- مفهوم حجم الإستثمارات يتوقف على الربح:

           لقد أيد الإقتصاديون الكلاسيكيون أقرانهم السابقين والمعاصرين لهم في الاعتقاد بأن حجم الإستثمارات يتوقف على الأرباح. وهذا الإعتقاد   ناجم عن التفكير الذي كان سائدا في ذلك الوقت والذي قضى بأن الرأسماليين يقدمون على الإستثمار لتوقعهم الحصول على الأرباح، وأن الأرباح المتوقع الحصول عليها في المستقبل تتأثر إلى درجة كبيرة بالأرباح المتحققة حاليا. ويمكن القول بأن الإستثمارات المعنية هنا هي الإستثمارات   الصافية ( Net Investment)   أو   الحقيقية ( Investment Real ) أي الزيادة الصافية أو الحقيقية إلى رأس المال، وعلى ذلك يمكن أن نكتب :

     

    I n = K = f (P)

     

    حيث I n: يمثل الإستثمار الصافي(الحقيقي)؛

       : ∆ Kيمثل التغير في رأس المال أو الإضافة الصافية إلى رأس المال؛

          : Pيمثل العائد ( Return) على رأس المال أو الربح ( Profit).

     

       4- مفهوم الربح يتوقف على عرض القوة العاملة و على مستوى التقنية:

            لقد اعتقد الكلاسيكيون بأن الريع يتوقف على السباق بين التقدم التقني ومعدل نمو السكان. فمع نمو السكان لابد من مواجهة قانون الغلة المتناقصة ( The Low of Diminishing Return) في الزراعة ؛ الأمر الذي يؤدي إلى زيادة تكاليف العمل و بالتالي تنخفض الأرباح. ولكن بالمقابل أشار الكلاسيكيون إلى ظاهرة الغلة المتزايدة ( Return Increasing) التي بدت تاريخيا، خاصة في قطاع الصناعة، وأدت إلى مقابلة قانون تناقص الغلة عن طريق التقدم التقني. أما بالنسبة لمن ستكون الغلبة في النهاية، لقانون تناقص الغلة، فقد رأى الكلاسيكيون بأن ذلك أمر سيكشفه الواقع في المستقبل وسيختلف من زمان إلى آخر، ومن مكان لآخر. وبذلك يكون لدينا المعادلة التالية:

      

    P = f (T, L)

     

    أي أن مستوى الأرباح يتوقف على مستوى التقنية وحجم القوة العاملة. ولا بد من التنويه بأن الإقتصاديين الكلاسيكيين ربطوا ربطا مباشرا بين حجم القوة العاملة وحجم السكان، إذ اعتقدوا بأن زيادة السكان ستؤدي حتما إلى زيادة القوة العاملة بالرغم من تسليمهم بوجود عطالة جزئية أو كاملة في بعض الحالات.

           يفهم مما تقدم سابقا بأن مستوى التقدم التقني يتوقف على مستوى الإستثمار، ومستوى الإستثمار يتبع الربح، والربح يتوقف جزئيا على المستوى التقني وعلى هذا يمكن أن نكتب:

     

    T = f (I) = f (P) = f {I [P (T, L)]}

     

    وهذا التسلسل يشير إلى ناحية هامة في التنمية الإقتصادية، وهي أن النمو يجلب النمو، فالتقدم التقني يتطلب المزيد من الإستثمارات التي بدورها تتيح مجالا آخرا للتقدم التقني وهكذا [4].

     

       5- مفهوم حجم القوة العاملة يتبع حجم قائمة الأجور:

           لقد اعتقد الكلاسيكيون بأنه إذا زادت كمية النقد المدفوعة كأجور ورافق ذلك إرتفاع في الأجر القاعدي الحقيقي فإن حجم القوة العاملة سيزداد ومن ثم يعود الأجر الفردي الحقيقي إلى ما كان عليه. فزيادة الأجور النقدية قد تؤدي إلى تحسين مؤقت في مستوى الحياة إلا أن هذا التحسن لا يلبث أن يزول نتيجة لزيادة السكان. أي أن هنالك اتجاها عاما لبقاء مستوى الأجور حول مستوى الكفاف * ،

           و استنادا إلى ذلك يمكن أن نكتب:

    L = f (W)

     

    حيث ( L) تمثل حجم القوة العاملة.

        (W)تمثل قائمة الأجور أو نصيب القوة العاملة من الدخل الوطني.

     

     

       6- مفهوم حجم قائمة الأجور تتوقف على مستوى الإستثمارات:

           إعتقد الكلاسيكيون بأن جزءا من رأس المال على الأقل يتكون مما يخصص للأجور، أي النقود المعدة لاستخدام العمال، فإذا كان الأمر كذلك فلا بد أن تأتي الأموال المخصصة للدفع كأجور عن طريق الإدخارات. وقد رأى معظم الكلاسيكيين بأن سائر الإدخارات تنتج عن طريق زيادة الإستثمارات .

           و عليه يمكننا أن نكتب:

    W = f (I)

     

      7- مفهوم الناتج الكلي يعادل الربح المأجور:

           وهذا المفهوم لا يدل عن أية علاقة سلوكية، إذا انه مجرد تعادل بين طرفين ويكتب على النحو التالي:

    Q = P + W

     

    حيث   P: تمثل الربح.

        : Wتمثل قائمة الأجور.

         Q : تمثل الناتج الكلي.

           و على ضوء هذه المفاهيم السبع و التي يمكن تلخيصها بالمعادلات التالية:

                                          Q = f (L, K, N, T)                                                                                 T = f ( I )

    I n = K = f (P)    

    P = f (T, L)

    L = f (W)

    W = f (I)

    Q = P + W

     

           يمكننا أن نفسر عملية التطور الإقتصادي كما رآها الكلاسيكيون كم يلي:

    فإذا ما بدأنا بالربح، الذي هو محور النظام الرأسمالي، يمكننا القول بأن زيادته تؤدي إلى زيادة الإستثمار، وزيادة الإستثمار تؤدي إلى تراكم رأس المال الذي يؤدي بدوره إلى تحسين مستوى التقنية.

             ولكن مع تزايد الإستثمارات تتزايد قائمة الأجور * ويتبعها تزايد في معدل نمو السكان ينجم عنه تناقص في المردود الحدي للعمال وارتفاع في التكاليف، وبالتالي إنخفاض في الأرباح. وإذا ما تابعنا هذه الحلقة يمكننا القول بأن إنخفاض الربح يؤدي إلى تناقص في الإستثمارات، الأمر الذي يحول

     دون التقدم التقني وتنخفض قائمة الأجور وبالتالي يتناقص معدل نمو السكان وهكذا...، حيث يقبل النظام في النهاية إلى ما يسمى بمرحلة الكساد [5].

     

    3- الإستثمار في المدرسة النيوكلاسيكسية * :

            لقد تميز الاتجاه النيوكلاسيكي بالتحليل الإقتصادي الجزئي الذي وضع على أسس المدرسة الكلاسيكية، بمعنى أن العرض يخلق الطلب، ومن هذه العبارة التوازنية يمكن استنتاج أن أي دخل غير منفق في شراء السلع الإستهلاكية سيغذي الإدخار المنفق في شراء السلع الاستثمارية، وهذا ما يؤدي للعبارة التوازنية الأخرى للكلاسيك وهي أن الإدخار يساوي الإستثمار.

           إعتماد النيوكلاسيك على الأسلوب الحدي في التحليل الإقتصادي، جعلهم يفترضون أن المؤسسات لها القدرة في تعديل رأس المال الفعلي بشكل آني وذلك حسب النموذج التالي:

     

    K t   = V(Q/i)

     

    حيث V: معامل رأس المال.

           Q: حجم المبيعات.

            i: معدل الفائدة الحقيقي.

           إن نموذج النيوكلاسيك مقارنة بالنموذج الكلاسيكي يربط أو يفسر مخزون رأس المال عن طريق متغيرين ( الدخل الإجمالي، معدل الفائدة) لا بمتغير واحد أي(الدخل الإجمالي) كما رأيناه في نموذج الكلاسيك. ونستخلص من هذا النموذج أن مخزون رأس المال في علاقة عكسية مع معدل الفائدة الحقيقي؛ وفي علاقة طردية مع حجم المبيعات [6].

           ويفترض في هذا النموذج الفرضيات التالية:

           أ- المؤسسات تسعى لتحقيق الربح الأقصى، بحيث يكون الربح الحدي للوحدة الأخيرة لرأس المال المستمر يساوي الصفر.

          ب- أسعار المنتجات لا تتأثر باتساع الإنفاق الإستثماري.

          ج- رأس المال( K t) مرتبط بالتطور المنتظر والدائم لحجم المبيعات ( Q) وكذلك لمعامل رأس المال ( V).

           ومن بين رواد هذه المدرسة الذي وجهوا إهتماما خاصا لهذا المجال أي لدراسة النمو الإقتصادي ( Ensir) الذي استعاد مفهوم التغيرات الدائمة في الدخل من ( Fridman ) لتوضيح نوع العمليات التي تقوم بها المؤسسات عند تقدير وتقييم التغيرات الجارية في المبيعات.

           إن الصياغة البسيطة لنموذج ( Ensir) (نموذج المعجل) تفسر الإستثمار الصافي على أنه ذلك المقدار الذي يملأ أي فجوة تظهر بين رصيد رأس المال الأمثل الذي يرتبط بعلاقة تناسب مع ناتج الفترة الحالية وبين رصيد رأس المال الأمثل للفترة السابقة الذي يرتبط أيضا بعلاقة تناسب مع ناتج الفترة التي سبقته ونخلص في الأخير إلى العلاقة التالية:******

     

    I = aY t – (1-c) K t-1

     

          حيث تشير هذه العلاقة إلى أن الإستثمار في الفترة ( t) يعتمد على الدخل الوطني في نفس الفترة وعلى رأس المال في الفترة السابقة.

           وفي النهاية يمكن القول أن التحليل النيوكلاسيكي للإستثمار يرتكز على مفهوم المنفعة الحدية المكتسبة من المبلغ المستثمر، بمعنى منفعة الوحدة الأخيرة المستثمرة والتي يجب أن تقارن مع سعر الفائدة من أجل إتخاذ القرار الإستثماري.

     

    4- الإستثمار عند كيـنز:

           أعطى كينز أهمية كبيرة للإستثمار في مؤلفه " النظرية العامة في الدخل و التشغيل والنقد "، ومنذ 1936، أصبح هذا المفهوم محور التحاليل الإقتصادية في الإقتصاد الرأسمالي، فقبل ظهور كينز، وكما رأينا في المدرسة النيوكلاسيكية، كان يسود التحليل الإقتصادي الجزئي، باعتبار أن المنفعة الخاصة تؤدي إلى المنفعة العامة، وبالتالي فإن شروط نمو وتطور المؤسسة الفردية يؤدي ويطابق شروط النمو و التطور الإقتصادي الوطني ككل.

            أما بالنسبة للإستثمار و الإدخار، فلكينز نظرة مختلفة تماما عن النظرة السابقة حيث أعطى الكلاسيك أهمية كبرى لدور الإدخار في الإقتصاد باعتباره أساس نمو الإقتصاد الرأسمالي، ومنها يجب زيادة الإدخار بالإمساك عن الإستهلاك من أجل الإستثمار و الذي يتساوى تماما مع المدخرات، وبخصوص هذا التعادل يشير كينز أنه ليس كل ما يدخر يستثمر وبالتالي المعادلة التالية:

    S ( i ) = I ( i )   ليست صحيحة دائما، لأن الإدخار لا يكون دائما من أجل الإستثمار، حيث يمكن اكتناز هذه المدخرات أو جزء منها، وهكذا يمكن خروجها من المسار الإقتصادي، كما أنه وفي أغلب الأحيان ليس المدخرون هم المستثمرون.

           كما عمل كينز على قلب التصور الخاص بأن نمو الإقتصاد يكون على أساس نمو الإخار الناتج من الإمساك عن الإستهلاك غير أن هذا غير كاف بحد ذاته، فبالنسبة له العكس هو الصحيح، فالإرتباط بين نمو الدخل الوطني و الإستثمارات يكون تبعا لميل المجتمع للإستهلاك [7].

           وقد حلل كينز الإستثمار على مستويين:

     

       1- على مستوى الاقتصاد الجزئي:

           و هنا يرتكز الاستثمار على القرار الاستثماري المتخذ من طرف المستثمر الفردي، حيث يكون عبارة عن تحويل الأموال إلى أصول مادية ( آلات، أدوت، مخزون...الخ) ويضيف كينز أيضا " أن حجم المبلغ الاستثماري يرتبط بالعلاقة بين منحنى الفعالية الحدية لرأس المال ومعدل الفائدة لمختلف القروض [8]" .

           أما بالنسبة لمعدل الفائدة فإن لكينز نظرة تختلف عمن سبقوه، فمثلا بالنسبة للكلاسيك فإنه عبارة عن العامل الذي يوازن بين الطلب على الإستثمار و قبول الإدخار. حيث الإدخارات تمثل عرض الأموال، و الإستثمارات هي الطلب عليها.

     

       2- على مستوى الإقتصاد الكلي:

           إن الإستثمار على مستوى الإقتصاد الكلي بالنسبة لكينز يلعب دورا هاما في الإنتاج و ذلك بأن الإستثمار يعمل على خلق موجات متتالية من المداخيل والتي تتحول إلى إستهلاكات جديدة تحت المستثمرين على زيادة الإنتاج و بالتالي خلق مداخيل جديدة. وفي حالة إشباع الإستثمار الخاص قبل تحقيق العمالة الكاملة، فإن دور الدولة يكون حاسما في تنشيطه بزيادة الإستثمار الحكومي و الذي سيعمل على زيادة الإنتاج بغض النظر عن شروط المردودية التي كانت العنصر الأساسي الذي يوجه الإستثمار الخاص. هنا تكون آلية " مضاعف الإستثمار " [9] هي الموجه الأساسي للإستثمارات بصورة أكثر أهمية من مرونة العرض و الطلب، كما تعمل الدولة على تخفيض معدلات الفائدة مما يعمل على تنشيط الإستثمار الخاص والعام. و بتدخل الدولة في الحياة الإقتصادية يصبح لديها دورا فعالا في تنشيط الطلب الفعال بشقيه:  

    الطلب على السلع الإستهلاكية من جهة، و الطلب على سلع التجهيز من جهة أخرى.

     

     

           و كخلاصة، نرى أن كينز أعطى أهمية كبيرة للإستثمار في الإقتصاد الوطني   بحيث يعتبره أحد العنصرين الهامين المكوِنين للطلب بالإضافة إلى الإستهلاك وذلك وفق العلاقة التالية:

     

    D = C + I

     

    حيث D: تمثل الطلب.

         C : تمثل الإستهلاك .

    I: تمثل الإستثمار .

           إن جميع استنتاجات كينز تستند إلى الفكرة القائلة أن " تباطؤ الإستهلاك الشخصي يمكن أن يعوض بزيادة في الإستثمارات الرأسمالية [10] ".

           إن ما يؤخذ عن نظرية كينز هو محدوديتها التاريخية و طابعها السكاني. و يقصد من أنها تأثرت بالظروف الخاصة التي ميزت الثلاثينات و هي أزمة الكساد أي أزمة تصريف الإنتاج، و لهذا فقد أعطى لهذه المشكلة الأولوية المطلقة على جميع المسائل الأخرى.

    خلاصة:

          من خلال هذا الفصل إستطعنا إدراك مدى أهمية الإستثمار على المستوى الإقتصادي: فالاستثمار يتميز بكونه عنصرا محرضا على النشاط الإقتصادي وهذا ما جعله محور اهتمام مختلف الإقتصاديين عل مر العصور وفي مختلف النظريات الإقتصادية.

           فابتدءا من المدرسة الطبيعية فإن "فرانسوا كيني" الذي نجده قد سمى الإستثمار بالتسبيقات الأولية والتي تعتبر أرضية انطلاق إعادة الإنتاج في القطاع الزراعي، والذي يعتبره القطاع الوحيد المنتج في الإقتصاد.

           أما بالنسبة للمدرسة الكلاسيكية فلقد رأى روادها "آدم سميث" أن زيادة الإنتاج الوطني أي ثروة الأمة لا يتوفر إلا بالتراكم المسبق لرأس المال، وهذا التراكم الذي يعتبر الجزء غير المستهلك من الدخل والمدَخر مسبقا، ما هو إلا الإستثمارات، وهذا ما أكده في كتابه المشهور "ثروة الأمة".

           أما بالنسبة للمدرسة النيوكلاسيكية والتي تتميز بالتحليل الإقتصادي الجزئي، فإن الطلب على الإستثمار تحدد على أساس المردودية وهذا باستعمال المفهوم الحدي، وقد أشارت هذه المدرسة إلى بروز الإستثمار كمفهوم متميز عن الادخار وهذا عكس حال المدرسة الكلاسيكية والتي كانت تخلط بين المفهومين رغم أن التمييز بينهما بدأ يظهر لأول مرة في هذه المدرسة.

           أما "كينز" أبدى أهمية قصوى للإستثمار ودرسه بانتهاج نفس التحليل النيوكلاسيكي غير أنه تناوله بتحليل واسع على المستوى الكلي، فقد اختلف في تحليل الإستثمار عمن سبقوه والذين ربطوا زيادة الإستثمار حسب ميل المجتمع للاستهلاك و الادخار بمعنى أنه كلما قل استهلاك المجتمع زاد الإدخار ومنه يزيد الإستثمار، فبالنسبة لكينز فإنه كلما زاد الإستهلاك "إنفاق المجتمع" كلما حث ذلك المستثمرين على زيادة العملية الإنتاجية والذي يؤدي لخلق دخول جديدة وبالتالي زيادة الإنفاق و الإستثمار.

           ويرجع هذا الإهتمام بالاستثمار لكونه المحرك الأساسي لعملية النمو الإقتصادي



    [1] - P.A.Samuelson, les grands courants de la pensée économique, OPU, Alger 1995, p 370.

    * التسبيقات الأولية- Les avances primitives

    * التسبيقات العقارية- Les avances foncières                

    [2]- بشراير عمران: نمذجة قياسية لتأثير الإستثمار على التنمية الإقتصادية باستعمال أشعة الإنحدار الذاتي، مذكرة ماجيستير في الإقتصاد   والإحصاء التطبيقي، الجزائر 2005. ص 12.

    [3]- Quesnay François, tableau économique des physiocrate, édition claman-levy, paris 1985, p45 a 52.

    *- المدرسة الكلاسيكية، ظهرت منذ النصف الثاني من القرن الثامن عشر وحتى الشطر الأخير من القرن التاسع عشر، أهم روادها : آدم سميث، دافيد ريكاردو، جون ستيوارت ميل، روبيرت توماس مالتوس.

    [4]- بشراير عمران: نمذجة قياسية لتأثير الإستثمار على التنمية الإقتصادية باستعمال أشعة الانحدار الذاتي، مرجع سابق، ص 15.

    *- حد الكفاف(مستوى الكفاف): ما يكفي لسد رمق العامل.

    *- قائمة الأجور : نصيب القوة العاملة من الدخل الوطني.

    [5]- عمر صخري، محاضرات في التحليل الإقتصادي المعمق، المعهد الوطني للتخطيط والإحصاء 2003- 2004.

    *- المدرسة النيوكلاسيكية: أبرز مؤسسيها : جفونس، مانجر، فالراس ( Jevons- Menger- Walras) ، أوائل القرن 19م.

    [6]- بشراير عمران: نمذجة قياسية لتأثير الإستثمار على التنمية الإقتصادية باستعمال أشعة الانحدار الذاتي( VAR) . مرجع س بق ذكره ، ص 21.  

    [7]- بشراير عمران: مرجع سابق ، ص 22.

    [8]- جون م كينز: النظرية العامة في الاقتصاد، ترجمة نهاد رضا، دار موفم النشر، الجزائر 1991، ص 52.

    [9]- بشراير عمران: مرجع سابق، ص 26-27.

    [10]- فتح الله ولعلو: الإقتصاد السياسي، دار الحداثة، لبنان، الطبعة الأولى، 1981، ص 125.

    كلمات مفتاحية  :
    اعمال اقتصاد

    تعليقات الزوار ()