بعد تلك الجولة في واقع المرأة في الغرب وما آلت إليه قضيتها وما أخذته من أبعاد، وأسباب ذلك، ينبغي إجراء تقييم لهذا الواقع.
وبداية لابد أن نقول أننا لسنا ننكر أن المرأة استفادت من هذه الحضارة التي تعيشها البشرية اليوم، تقديراً لها مغايراً لعهود من الإنحطاط طويلة، وحضوراً في ساحات المجتمع أكبر مما تحقق من قبل، ولكن وقع في المقابل استغلال المرأة لأهداف عدة بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.. هذا وتكمن أبرز سلبيات النموذج الغربي لتحرير المرأة فيما يلي:
1- تشييء المرأة: أي أن الحضارة الغربية تنظر إلى المرأة كشيء لا كإنسان، إذ لا يخرج اهتمام الغرب بالمرأة في معظم الأحيان عن حدود جسدها، فأصبحت المرأة سلعة تستعمل لترويج البضائع وهذا ما يتجلّى بوضوح في الإعلانات والدعاية، فلا تكاد تخلو دعاية أو إعلان عن صورة لامرأة حتى أتفه الأمور والتي لا علاقة لها بالمرأة إطلاقاً مثل الدعاية لإطارات السيارات.. ومن ناحية أخرى فإن اضطرار المرأة إلى العمل -وإن لم تجد عملاً مريحاً اضطرت إلى ممارسة الأعمال الشاقة- أفقدها أنوثتها حيث إن كثيراً من النساء الأوروبيات يمارسن من الأعمال الشاقة ما ينوء بتحمله الرجال، وقد أذابت طبيعة تلك الأعمال
أنوثتهن وأحالتهن إلى كتل متحركة من قسوة العمل الآلي...
2- الشرخ الكبير والهوة الواسعة بين الشعارات والواقع: في الوقت الذي نرى ونسمع ونقرأ فيه الكثير عن المرأة من مؤتمرات وكتب واتفاقيات وقوانين ونلاحظ تطوراً ملموساً في التنظير لحقوق المرأة في مختلف المجالات، نرى في الوقت نفسه تراجعاً في تطبيق هذه الشعارات وتنفيذها، ذلك لأن هذا التطور الذي بلغ مداه من الناحية القانونية لم يبلغ المدى نفسه من الناحية التطبيقية في جميع البلدان، إذ ما زالت الكثرة الكثيرة من نساء العالم يعشن تجارب قاسية، وتكفي الإشارة إلى أن في هونغ كونغ وسنغافورة وإيطاليا وأسبانيا وإنجلترا تشكل الفلبينيات 80 إلى 100% من نساء الخدمة فيها، وهن يعملن في ظروف سيئة، حيث لا يأخذن عطلة أسبوعية، ويطالبن بالعمل ليل نهار، ويتعرضن للضرب والاغتصاب في كثير من الدول، وفي حال تقدمهن بالشكوى يتم حبسهن وترحيلهن إلى بلادهن فوراً..
3- فقدان التوازن وتحطيم روابط الأسرة: لقد أدى التحرير الغربي للمرأة إلى إرغامها على الخروج من المنزل ومزاحمتها الرجال في كل شيء، ولا يوجد توازن بين اهتمامات المرأة الداخلية من رعاية الأسرة وتربية الأطفال وبين اهتماماتها الخارجية من العمل والسياسة وغير ذلك. وفي هذا يقول الزعيم السوفيتي السابق \"ميخائيل غورباتشوف\" ... (لقد وضعت الدولة السوفيتية حداً للتمييز ضد المرأة الذي كان سائداً في روسيا القيصرية، ونحن نفخر بما قدمته الحكومة السوفيتية للمرأة، نفس الحق في العمل كالرجل، والأجر المتساوي للعمل المتساوي، والضمان الاجتماعي، و... ولكن طوال سنوات تاريخنا البطولي والشاق عجزنا عن أن نولي اهتماماً لحقوق المرأة الخاصة واحتياجاتها الناشئة عن دورها كأم وربة منزل ووظيفتها التعليمية التي لا غنى عنها بالنسبة للأطفال. لقد إكتشفنا أن كثيراً من مشاكلنا -في سلوك الأطفال والشباب وفي معنوياتنا وثقافتنا وفي الإنتاج- تعود جزئياً إلى تدهور العلاقات الأسرية، والآن بدأنا نتغلب على هذا الوضع، ولهذا السبب فإننا نجري الآن مناقشات حادة بخصوص مسألة ما يجب أن نفعله لنسهل على المرأة عودتها إلى رسالتها النسائية البحتة).
4- خلق التنافس والندية والصراع بين الرجل والمرأة: إن لله تعالى في هذه الدنيا سننا أقام الكون عليها، إحدى هذه السن هي سنة التكامل، فالليل يكمّل النهار والفصول الأربعة يكمل كل منها الآخر، وكذلك الحال بالنسبة للذكر والأنثى كما قال تعالى  بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْض آل عمران/195 أي الذكر من الأنثى والأنثى من الذكر، وكما قال الرسول  \"إنما النساء شقائق الرجال\" (أبو داوود/236) فالمرأة شقّ الرجل الذي يكمله، وهذا ما غفلت عنه الحضارة الغربية فتأسست العلاقة بين الجنسين على التنافس والصراع وأصبحت المرأة تقتحم كل الميادين التي يدخلها الرجل منافسة له لا تعاوناً معه، حتى في رياضة رفع الأثقال والملاكمة...
5- الفوضى الأخلاقية: أجرى الباحث الغربي \"كريس دي ستوب\" دراسة حول \"تجارة النساء في أوروبا\" كشفت بالفعل عمق الشقاء الذي تعيشه المرأة في الغرب وكشفت عن الوجه البشع للحضارة الأوروبية كما كشفت عن الفوضى الجنسية والأخلاقية المستشرية في تلك البلاد ويكفي إقتباس بعض الفقرات من هذه الدراسة:
(إيقدر عدد العاهرات في اسبانيا بحوالي خمسائمة ألف إمرأة) (تعرف الدانمارك بـ \"جنة الزواج الشكلي\".. أما سويسرا فتدعى \"جنة فتيات الملاهي\") (حسب تقدير السلطات المحلية في تايلند فإن هنالك سبعمائة ألف مومس) (بحسب قول سفير غانا في ساحل العاج فإنه ثمة حوالي مليون شخص غاني في ساحل العاج تسعون بالمائة منهم نساء حيث سبعون بالمائة منهن يعمل بالدعارة بغالبية من المراهقات بين 13 و 14 عاماً. وقد مات في إحدى قرى غانا في عام واحد ستون مريضاَ بالإيدز).
وفي ظل هذه الفوضى الجنسية من الطبيعي أن تظهر مظاهر سلبية كبيرة كما هو واقع الدول الغربية حيث أن نسبة الطلاق والخيانة الزوجية والعلاقات غير الشرعية والمواليد غير الشرعية في تزايد مستمر وتتزايد المطالبة بحق الإجهاض ورفض الإنجاب، ويتزايد الاهتمام بمستحضرات التجميل وغيرها من الأمور الشكلية وينفق عليها ما يعادل ميزانيات مجموعة من الدول النامية، ومما يجدر ذكره أن استهلاك الأمريكان لمستحضرات التجميل يبلغ ما يزيد عن \"4\" بليون دولار سنوياً.
هذا ولعمل مقارنة بين قضية المرأة في الغرب وقضيتها في العالم الإسلامي ينبغي تتبع هذه القضية في العالم الإسلامي ومراحل تطورها وهذا ما سنتطرق إليه في المقالات القادمة بإذن الله.
المصادر:
1. د. أحمد الأبيض, مقاربة إسلامية للإستلاب النسائي, منشورات الفرقان, الدار البيضاء، ط2, 1991
2. كريس دي ستوب, تجارة النساء في أوروبا, ترجمة \"ربى النحاس\", الأهالي, دمشق, ط1, 1997
3. ميخائيل غورباتشوف, البيرسيترويكا, ترجمة \"حمد بن عبد الجواد\", دار الشروق, بيروت, ط2, 1988
4. د. عبد الوهاب المسيري, الفردوس الأرضي, المؤسسة العربية للدراسات والنشر, بيروت, ط1, 1979