يا بنبى آدم "إن تعدوا نعمة الله لا تحصوها" "النحل آية 18" لهذا "اشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون" "النحل آية 114" لأن من بينكم من "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" "النحل آية 83". هؤلاء الذين لم يحمدوا الله ويشكروه "أفبنعمة الله يجحدون" "النحل آية 71" غريب سلوكهم، وعجيب أمرهم، رغم أن الله تعالى خاطبهم بقوله عز وجل "ألم تروا أن الله سخر لكم ما فى السموات وما فى الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة ومن الناس من يجادل فى الله بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير" "لقمان آية 20".
شتان بين هؤلاء الضالين المغرورين وبين الذين قال الله تعالى واصفا إياهم بقوله عز وجل "الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل" "آل عمران آية 173". وهم ممن قال كل واحد منهم مثل ما قال سليمان عليه السلام "رب أوزعنى أن أشكر نعمتك التى أنعمت عليّ وعلى والديّ وأن أعمل صالحا ترضاه وأدخلنى برحمتك فى عبادك الصالحين" "النمل آية 19". ومن نعم الله تعالى على الإنسان أنه جعله فى قمة الكائنات الحية، يتحكم فيها جميعها ويطوعها لمصالحه ورفاهه فكانت الأمانة التى حملها الإنسان تفوض عليه أن يهيئ خلفه لتحمل أعبائها، والقيام بمسؤولياتها، وبقاء الإنسان، ليس إلا الذى يحفظ على الإنسان دوره فى الكون وفاعليته فى كل شعب الحياة الدنيا. ولهذا كان على الآباء والأمهات أن يكونوا واعين لرسالتهم. فليست رسالتهم الإنجاب وحده والولادة والتناسل فقط ولكن مهمتهم هى إعداد هذا النسل وتهيئته لتحمل رسالة الإنسان فى الوجود، وقد نبه القرآن الكريم الآباء والأمهات إلى دورهم الحقيقي، وهو دور تربوي، يتمثل فى القيام على ما ينجبه الوالدان من أطفال بتربيتهم تربية صالحة، وإعدادهم للحياة إعدادا يساعد البشرية على الخلافة فى الكون.
فمن واجبات الوالدين توفير القوت، والغذاء، واللباس، والسكن، وقد أوجب الله على الزوج الوالد أن يتحمل هذه الأعباء. قال تعالى "وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف" "البقرة آية 233". ومعنى المعروف أن يتبع ما تواضع وتعارف عليه المجتمع، مما لا يخالف الدين، كما يتبع ذلك يسر الوالد وفقره. قال تعالى "لينفق ذو سعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما أتاه الله" "الطلاق آية 7" وعلى الزوجة الوالدة أن تتعاون مع زوجها، فى السراء والضراء، والعسر واليسر، فالزواج ارتباط بين شريكين، والأطفال ثمرة شركتهما فيجب الحفاظ عليهم من طرف الشريكين.
ومن واجبات الوالدين أيضا أن يربيا أبناءهما تربية صالحة، بأخلاق فاضلة وأن يكونا المثل الصالح لأولادهما، ذلك أن ما يتأثر به الناشئ من أسرته، هو أقوى فعالية من المدارس والمعاهد والكليات حيث أن المولود يتعلم من أسرته النظام أو الفوضى، والنظافة أو القذارة، والعفة أو الفجور، والصدق أو الكذب، والأمانة أو الخيانة، والرحمة أو الغلظة، والتواضع أو الكبرياء، والانضباط أو الانحلال، إن كل ما يطبع به سلوكه فى مستقبل حياته يعود فى معظمه إلى آثار التربية الأولى فى البيت. فليعلم الأب، ولتعلم الأم، أن حريتهما فى كثير من التصرفات، يجب أن تقيد بعد إنجاب الأطفال، وأن عليهما أن يقيما حسيبا رقيبا من داخلهما، على نوع السلوك، والمواقف المتخذة فى الحياة، وليتنبها إلى أن الطفل الناشئ، هو ذكى لا غبى وأنه يفهم كثيرا من الأمور التى يظن بعض الوالدين خطأ، أن أبناءهم لم ينضجوا بعد لفهمها.
ومن واجب العائلة أن تعود أبناءها وبناتها على التمتع بالدين الحقيقى الصافي، وأن لا تحرمهم الصفاء، والطمأنينة التى يجدها من يخشون الله، وأن ينشأ الأبناء على التحابب والتناصر، وأن لا يعامل أحدهم بمزيد من التكرمة، تغيض إخوته، فإن الحسد يفرق بين الأخوة، نتيجة ميل الوالد إلى أحد أولاده، فاتقوا الله أيها الولدان، وأحسنوا تربية أولادكم على سنن الله وشريعته النيرة الهادية إلى الصراط المستقيم. فمن الأمانة تهيئة الأولاد لحمل المسؤولية فى هذا الكون وتحمل رسالة الإنسان فى الوجود بما يرضى الله تعالى.