استكمالا لمقالتي السابقة حول عيوب نظام جباية الضرائب المصري، أضع هنا رؤيتي لطرق التسويق المحتملة لمصلحة جباية الضرائب المصرية:
بداية، أرى أن لب المشكلة يكمن في انعدام الفهم لسبب جباية الأموال لدى عموم الناس، فهذه الأموال تذهب (افتراضا) في الحفاظ على النظام العام، ورغم اختلافنا مع بعض طرق حفظ النظام في مصر، لكنه يبقى محفوظا بشكل كبير، خاصة عندما نقارنه بالنظام المحفوظ على الطريقة الأمريكية في العراق، كما أن الضرائب تمول الجيش، خط الدفاع الأول ضد الديمقراطية المهداة على الطريقة الأمريكية، وضد تكرر سيناريو مقديشيو أو دارفور.
الضرائب تدفع فواتير علاج غير القادرين ماديا، وتستورد ماكينات الغسيل الكلوي، وتسدد مصاريف إجراء العمليات الجراحية للمحتاجين، ومع قبلونا لنسب الفساد الحالية في توزيع هذه المعونات العلاجية على عموم الناس، لكن يجب ألا ننسى أن هناك من يستفيدون بالفعل من هذه المزايا، حتى ولو قلت نسبتهم.
الضرائب تسدد فواتير إنارة الشوارع ورصف الطرق وصيانتها، وتتولى مساعدة قطاع نقل الركاب، الذي لا تحقق كل وسائله الأرباح الكافية، سواء نتيجة سوء الإدارة أو سوء النية. نعم، هناك طرقات لا تعرف الصيانة، وهناك أخرى غير ممهدة، لكن تخيل حال الطرق والكباري والجسور في العراق الحرة الآن.
نعم، يمكن لهذه الضرائب أن تنفق في أوجهها الصحيحة بشكل أكثر كفاءة، لكن هذا الافتراض يبقى رهين الحروف التي سطرته، فالبشر ليسوا جميعا صالحين، وليسوا جميعا أبالسة، بل مزيج بين هذا وذاك، ويجب التعامل مع جموع البشر على هذا الأساس، فالجنة لن تتحقق على ظهر هذا الكوكب.
بعدما نسلم بأهمية الضرائب، دون الدخول في نقاشات متى تجبى أو لماذا، فهذا ما لا يمكننا تغييره عبر مدونة متواضعة كهذه، لكننا سنتعامل مع الوضع الراهن. إذا كانت مصلحة الضرائب المصرية لتسوق لنفسها، لتخيلت لها التالي:
* عند افتتاح كوبري/جسر/طريق جديد، تجد لوحة ضخمة توجه الشكر لدافعي الضرائب على مساهماتهم المالية في بناء هذا الجسر من خلال الضرائب التي دفعوها.
* تقيم مصلحة الضرائب حفلات سنوية، تجمع فيها كبار الممولين من كل مدينة/محافظة، وتعرض أقل وأكبر قيمة ضرائب دفعها الممولين، وكذلك أسماء دافعيها. كما تعلن المصلحة عن تفاصيل إجماليات الضرائب المحصلة.
* تستعرض المصلحة أهم المشاريع التي مولتها تلك الضرائب المُحصلة، وفوائد هذه المشروعات، وكيف أن نقود الممولين هي التي جعلت مثل هذه المشاريع ترى النور وتفيد الناس.
* تتوقف المصلحة عن التلويح بيد الانتقام لكل من يتخلف عن دفع ضرائبه، ذلك أن الشعب المصري عبقري في اكتشاف الثغرات في القوانين، ولمحة بسيطة على التاريخ المصري توضح سبب ذلك، لكن على الجهة الأخرى، يتميز الشعب المصري بأنه ذو عواطف جياشة، يهب ويثور لأسباب عاطفية، وهذا هو الوتر الحساس الذي عليه تعزف أجمل الألحان! على المصلحة أن توضح أن التخلف عن دفع الضرائب سيزيد معاناة وآلام المرضى، وسيحرم سائقي المواطنين من وسائل النقل، وسيتسبب في تعطل العاملين بسبب تأخر بناء الكباري والجسور…
قد ترى مثالي هذا صعب التحقق، لكن الحياة تضعنا في مواقف كثيرة غريبة، ورب قارئ وجد نفسه ذات يوم في موقع سمح له بنقل أفكاري هذه إلى متخذ قرار فنفذها فنجحت فعمت الفائدة، ويبقى الأمل هو وقودي لمقالة مثل هذه! وأما مقالتي السابقة والتي بدت لا تشجع غلى التفاؤل، لكني كتبتها لأبعد عن نفسي شبهات التواطؤ مع أي مصلحة ضرائب عربية أو غير عربية
في الختام لا أملك سوى الدعاء بأن يقينا الله شرور هيئات جباية الضرائب في كل مكان وزمان!
هل لديك أفكار تسويقية أفضل تنفذها – إذا وجدت نفسك يوما مدير تسويق لمصلحة ضرائب عربية؟