يُقلق كثيرا من الآباء والأمهات أمر عد التهم في عقاب أولادهم، وكثير منهم يندم بعد إنزال العقاب، وهنا نتكشف سبل العدالة في العقاب من خلال الملامح التالية:
1- لا نوقع العقاب على طفل واحد ونترك بقية المخطئين، فهذا يهز في نفوسهم معاني العدالة والمساواة.
2- لا نوقع عقاباً على الطفل وهو بريء، وهذا يتطلب منا الحذر ومراعاة التيقن من أن الخطأ قد صدر من الطفل وليس من الآخرين؛ ذلك أن كثيراً من الأطفال يلجئون إلى الكذب الدفاعي أو الانتقامي، وقد يقدم الواحد منهم قصصاً مقنعة، فتتحول العقوبة إلى غيره بسببه ، لأنه أقوى حجة، وبعد أن يُعاقب الطفل البريء يجلس يجتر مشاعر الظلم والقهر، ولهذا عواقب وخيمة على نفسه.
وفي ومستقبله.
وفي ضوء مفاهيم الإسلام وأخلاقياته .. فإن أبسط حق لهذا المظلوم أن نعتذر له ونطيّب خاطره، لنزيل عنه آثار الظلم، ونعلمه خلق الاعتراف بالخطأ.
3- لا نعاقب الطفل على تصرفات صدرت منه على سبيل الخطأ والنسيان أو الإكراه، وهذا قد ورد عنه صلى الله عليه وسلم بقوله "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" رواه ابن ماجه، وهذه المواقف كثيراً ما يقع فيها الأطفال، كأن ينسى أحدهم ما كلفناه به، أو أن تطيش يده عفواً فينسكب الطعام على الأرض .. فالله تعالى عفا عن المكلفين في هذه الحالات، فكيف بالأطفال إذن؟؟
4- لا نعاقب الطفل على خطأ سبّب له ألماً؛ لأن هذه الآلام كانت وسيلة تأديب بالنسبة له، وبالتالي فليس من العدل توبيخه في هذه الحالة؛ فإن ذلك يزيد ألمه ألماً؛ خصوصاً إن خسر شيئاً آخر كتعطل لعبته مثلاً، فهذا يعدّ ألماً نفسياً أيضاً، ومع ذلك لابد أن نشرح له أن سبب ذلك عدم أخذه بتحذيراتنا، وأن عليه أن يتحمل نتيجة عمله، ولكن نؤجل قليلاً هذا الشرح إن كانت آلامه كبيرة .
5- لا نعاقب الطفل لكونه كثير الحركة، فهذا يدل على سلامة نموه بشكل طبيعي، بل وإيجابي أيضاً، فليس من العدل أن نعاقبه لذلك، أو نقيده بقوانين محكمة، ولكن هذا لا يعني أن نتركهم ولا نحاول إرشادهم أو ضبط سلوكهم .
6- لا نعاقب الطفل إن كان يعاني من مشكلات خارجة عن إرادته؛ فليس من العدل أن نعاقب طفلاً لكونه يعاني من مشكلات واضطرابات نفسية كالخوف والغيرة، أو كانت قدراته العقلية دون المتوسط، لأن العقاب في مثل هذه الحالات يزيد المشكلة تعقيداً، بل ويفرز مشكلات نفسية أخرى!
7- لا نعاقب الطفل أو على الأقل نخفف من عقابه إن اعترف بخطئه الصغير، وإلا فإن معاقبته ستدفعه إلى عدم الاعتراف بأي خطأ في المستقبل.
8- قبل أن نعاقب أطفالنا نتأكد من فهمهم للفرق بين السلوك الخاطئ والسلوك السليم .
9- نعاقبه على قدر الخطأ، فلا نوقع العقاب الصارم على الخطأ البسيط، كما لا يصح إهمال العقاب على خطأ جسيم .
10- إن أخفى الطفل سلوكاً خاطئاً عن والديه، ثم علما به فإن عليهما أن يتجاهلا الأمر، ويوجّهانه بطريقة غير مباشرة كالقصص والاستفادة من المواقف المماثلة .
11- لا نعاقبه على عدم إنجاز عمل يفوق قدراته .
12- لا نعاقبه لخطأ صدر منه لأول مرة؛ لأن الطفل الصغير لا يستطيع أن يعرف الآثار التي تترتب على فعله؛ وذلك لقلة خبرته، فلا نعاقبه إلا بعد تكرار الخطأ وعلينا محاولة إصلاحه بأساليب الثواب ، مع إرشاده للصواب والسلوك البديل . ، ثم بأساليب العقاب
13- ينظر الطفل إلى العقاب على أنه أمر ظالم ما لم يكن العقاب مرتبطاً به كنتيجة لعمله، لأن الولد يعيش دوماً تحت سلطة الكبار ، لذا فهو يولي اهتماماً كبيراً لقضية العدل في معاملة الكبار له ، ولذلك عندما تعاقب عاقب بدون إهانة، وعاقب واحتفظ له بالاحترام والمحبة .
14- أشار السلف الصالح إلى تأديب اليتيم بالضرب، رغم عنايتهم الفائقة به، قالت عائشة رضي الله عنها: "إني لأضرب اليتيم.." رواه البيهقي، وسئل ابن سيرين عن ضرب اليتيم، فقال: " اصنع به ما تصنع بولدك، اضربه ما تضرب ولدك" رواه البخاري، وقد قال العلماء: "اليتيم يؤدب ويُضرب ضرباً خفيفاً " .
وفي تقريب صحيح ابن حبان حديث: "قال رجل: يا رسول الله مم اضرب يتيمي؟ قال: اضربه مما كنتَ ضارباً منه ولدك" رواه البيهقي.
وفي هذه الآثار دلالة على جواز تأديب اليتيم بالعقاب العادل؛ وقد لاحظت – أثناء عملي لدورة تربوية تدريبية للمربيات في دار الأيتام - ما تردد فيه كثير منهن من ضرب اليتيم خشية الوقوع في الإثم، وربما نهتهم الإدارة عن معاقبتهم لعدم جواز ذلك، وقد تبين لنا أن العقاب من خلال الآثار السابقة جائز ما دام عادلاً .
هل الاعتذار بديل العقاب ؟
من واجبنا أن نعلّم الطفل أن يعتذر، وعلينا أن نشجعه على ذلك، لأن الاعتذار أمر مهم جداً في منظومة العقاب، ولكن بعد توقيع العقوبة وليس قبله؛ بمعنى أن جزءاً مهماً في توصيل رسالة العقاب التربوية هو الاعتذار؛ حتى يترسخ في ذهن الطفل سبب العقاب، ويكون الاعتذار هو التعبير العملي عن وصول رسالة العقاب إليه، أي أنه عرف خطأه ولذلك يعتذر عنه؛ وقد دفع ثمن هذا الخطأ، وهذا ما لا يحدث في حالة الاعتذار قبل وقوع العقاب، وبالتالي لا يصبح لهذا التهديد بالعقاب أو عدم الاستمرار في إنفاذه أي أثر تربوي، فبعد الاعتذار مباشرة يعود الطفل لنفس السلوك السيئ.
وبعد تجربة العقاب يشعر الطفل عادة برغبة في التسلل إلى أحضان من أنزل به العقاب من والديه؛ حتى يستشعر استرداد الحب والأمان، ويجب تشجيعه على ذلك والترحيب به؛ والتأكيد على أن الغضب كان من سلوكه الخاطئ، وليس من شخصه، ونشرح له كيف يمكن أن يتفادى الوقوع في الخطأ مرة أخرى، وبعد الاعتذار نبدأ بتلقينه السلوك السليم المناسب؛ فهذا أفضل وقت لذلك بعد أن هدأت نوبة الغضب لكلينا.
متى يكون العقاب خاطئا؟
1- نخطئ عندما نعاقبهم على فعل صدر منهم لمرة أو لمرات قليلة - والقلة تعتبر بحسب سن كل طفل - فإذا رفض الطعام فلا نرغمه على تناوله، أو نعاقبه لذلك؛ بل نحمله من أمامه ونتركه في متناوله، حتى إذا أحس بالجوع فلا مناص من أنه سيلجأ إلى تناوله في غفلة من والديه، أو على الأقل سيتعلم أن رفضه للطعام لن يجلب له سوى ألم الجوع وإهمال الوالدين .
كما يفضل أن يبتعد الوالدان عن الطفل في حالة الغضب والضيق منه حتى يهدؤوا؛ بدلاً من قبول تحدي الطفل ومواصلة الشجار معه، وليعلم الأبوان أن عقاب الطفل بسبب عناده لا يفلح معه.
2- نخطئ عندما نعاقبهم بشدة على إخفاقهم الدراسي، أو التأخر عن الحضور إلى المدرسة؛ أو عدم إحضار الكتب والأدوات اللازمة، أو إهمال الزي المدرسي .. وهذا مما يزيد تأخرهم وإخفاقهم في الامتحانات .
3- نخطئ عندما نعاقبهم على سلوك دون أن ندربهم على السلوك الصحيح أو السلوك البديل، ففي الطفولة المبكرة (من سن عامين إلى ستة أعوام) يتميز النمو الحركي بالشدة وسرعة الاستجابة والتنوع واضطراد التحسن، والسيطرة على الحركات بالتدريج، فالطفل في هذا السن يكتسب مهارات عديدة من دق وحفر ورمي وطي ورسم ..، فطفل الثالثة مثلاً يمكن تدريبه على استعمال السكين والمقص والملعقة والشوكة دون قلق عليه، على أن يكون ذلك تحت إشراف المربي، وبذلك نساعد الطفل على تطوير نفسه، ونجنبه مغبة التحذيرات المستمرة .
4- نخطئ عندما نعاقبهم تحت ضغط متاعبنا اليومية، أو الاحتكاك المستمر معهم، أو في المغالاة في فرض النظام قبل تهيئتهم له، وهذه الأمور تلقي اللوم على الوالدين بدل الطفل، الذي تنقصه الخبرة والتجربة، وتتحكم فيه أهواؤه، والمربي بجهله قد يستفز بمشاعر الطفل بطريقة خفية مبهمة؛قد ف يدفعه لأن يسلك السلوك الخاطئ دون أن يدري.
5- نخطئ عندما نعاقبهم لندعم ثقتنا بأنفسنا؛ فنغضب ونهز الطفل هزاً عنيفاً خشية أن يفلت زمامه من بين أيدينا، ولكننا إذا كنا نثق بأنفسنا، فإننا حتماً سنتناول المواقف بروح هادئة تعدّل سلوك الطفل .
6- نخطئ عندما نعاقبهم لممارسة السلطة عليهم، والخوف من الظهور بمظهر الضعف أمام الناس، ويتضح ذلك بجلاء عندما يخطئ الطفل في وجود الغرباء، فتكثر التعليمات وتزداد حدة، وربما يلجأ بعضهم للعقوبة القاسية، وإذا بكى الطفل فيرون أن هذا مقياساً لندمه، والحق أن هذا دليل على شعوره بالألم والمرارة والإحباط .
7- نخطئ عندما نعاقبهم بعد استفزازهم لنا فنجد في ضربهم متنفساً لتفريغ إحساسنا بالضيق، والشعور بالتشفي، ولذلك فإننا نرى أن بعض المربين يزيدون من شدة العقاب إذا رفض الطفل إظهار تألمه من العقاب.
8- نخطئ عندما نهدد بأمور لم نفكر بها مسبقاً، أو بأمور غير قابلة للتنفيذ.
9- نخطئ إذا عاقبنا الطفل بقول: "لا أحبك"، أو التهديد بعدم محبته، بل يجب أن يشعر دوماً بأن كل ما يفعله لن يمنعنا من محبته.
10- نخطئ عندما نعاقب الطفل بالبرود العاطفي بعد انتهاء الحدث، بل ينبغي إعادة الأمور بأسرع وقت، وإلا فإنه سيقابل برودنا بالتجاهل واللامبالاة.
11- نخطئ عندما نكثر من اللوم والنقد المستمر، فإن هذا يجعل الأبناء ينفذون بعد عشرات المرات؛ لأنهم اعتادوا اللوم الدائم .
12- نخطئ عندما ننزل عقابين بالطفل لأنه أخطأ؛ كأن نوبخه بشدة ونضربه أو نحبسه أو نحرمه، والصواب أن نمارس عقاباً واحداً فقط لكل خطأ؛ هذا إذا لم تفلح الوسائل الأخرى من ثواب وعقاب