إن تقديرنا لأنفسنا هو رفض الشعور بالذنب دون سبب، وأن نبذل قصارى جهدنا لتصحيح ما اقترفنا من ذنوب بالفعل.
إن تقديرنا لأنفسنا يعني أن نكون ملتزمين نحو حقوقنا في الحياة، والتي تأتي من معرفة أن حياتنا لا تنتمي للآخرين، وأننا لسنا مخلوقين على الأرض لكي نعيش من أجل تحقيق توقعات الغير، وبالنسبة للعديد من الناس فإن تحقيق توقعات الغير من بعضنا مسئولية مخيفة تقع على عواتقهم.
إن تقديرنا لأنفسنا هو أن نحب حياتنا وإمكانياتنا للتطور والاستمتاع بالحياة، وأن نحب اكتشاف قدراتنا الكامنة بداخلنا والتي وهبها الله تعالى عز وجل لنا.
لكي نبدأ في تقدير أنفسنا يجب أن نمارس الأنانية ولكن بطريقة نبيلة وبأقل ما يمكن أن تعنيه هذه الكلمة، وهذا يتطلب المزيد من الاستقلال والشجاعة والنزاهة.
إننا بحاجة إلى أنفسنا والالتزام من أجلها، كما أننا بحاجة لمنحها الولاء الذي يستطيع العديد من المهتمين بشئون الآخرين منحه لغيرهم؛ وسوف ينبع من اعتزازنا الكبير بأنفسنا جميع تصرفات العطف والحب والخير وليس الأنانية، وسوف يكبر الحب الذي نمنحه ونتلقاه من الآخرين عن طريق الحب الذي نمنحه لأنفسنا.
إن تقديرنا لأنفسنا يعني أن نعيش بصدق وأن نتحدث ونتصرف بالطريقة التي تمليها علينا معتقداتنا ومشاعرنا.
لا يوجد حكم من الأحكام السارية علينا في الحياة، مثل أهمية حكمنا على أنفسنا، فهذا الحكم يمس وجودنا نحن.
إن أول تصرف لتقدير الذات هو تأكيد لوعينا مثل اختيار التفكير والإدراك وإرسال ضوء إلى العالم الخارجي وإلى ما بداخلنا، فإذا ما قصرت في بذل هذا المجهود فإنك بذلك تقصر في حق نفسك في معظم مستوياتها الأساسية.
إن تقديرنا لأنفسنا يعني أننا نريد أن نفكر باستقلال، وأن نعيش بعقلنا وأن تكون لدينا الشجاعة للتقدير وإصدار الأحكام الصحيحة.
إن تقديرنا لأنفسنا لا يعني فقط أن نعرف ما نفكر فيه ولكن أيضا ما نشعر به ونريده ونحتاجه ونرغبه ونعاني منه ونخافه ونغضب منه، وأن نتقبل حقنا في تجربة تلك المشاعر، أما السلوك المضاد لذلك فهو الإنكار والجحود والكبت ونبذ الذات.
إن تقديرنا لأنفسنا يعني أن نحافظ على تقبل الذات، والذي يعني أن نتقبل حقيقتنا بدون ظلم أو تعنيف، وبدون تظاهر أو تبديل لحقيقتنا، فإن الهدف من التظاهر إما خداع أنفسنا أو خداع الغير، يقول الشاعر الإنجليزي وليول: "لا تحاول أن تكون شيئا آخر غير نفسك، لأنك بذلك تفقد نفسك، وتفشل في حياتك".
ما رأيكم نستمع معا إلى القصة التالية من زمن الحب الرومانسي الجميل، وفي الإسكندرية بمصر، وعلى شاطئ البحر، والتي جرت تفاصيلها وأحداثها خلال النصف الأول من القرن الماضي.
كن نفسك ولا تكذب ولا تتجمل:
كان الأديب السكندري المعروف نيقولا يوسف يجلس دائما في كازينو كليوباترا العامر بالزوار في موسم الصيف، وأكثر قصصه مستوحاة مما كان يرى ويسمع من رواد الكازينو، وكانت أطرف حكاية سمعها هي: أن فتاة حسنة المظهر وفدت إلى الكازينو فكانت قبلة الأنظار، ولم تسمح لأحد بالتحدث أو التودد إليها إلا في حدود المجاملة اليسيرة، وقد سألنا عامل الكازينو عنها فقال إنها ابنة أحد الأثرياء الكبار جدا وذوي النفوذ في الدولة!.
وفي يوم رأيتها تجلس مع شاب وسيم تظهر عليه دلائل الثروة والجاه، وخرجت معه من الكازينو، فعرفنا بداهة أنه أحد أصدقائها من القاهرة وأن منزلته المادية مثل منزلتها تقريبا. ولكن بعد أسبوعين كان بعض الزوار يحدق في هذا الشاب وتحير في أمره لأنه يعرف ساعياً للبريد بمنطقة كرموز يشبهه تماما، ودفعه الفضول إلى الاستقصاء فذهب إلى كرموز وعرف من زملائه أن حاله قد انفلت فجأة منذ ثلاثة أسابيع، إذ باع منزله والذي كان من طابق واحد واشترى بالثمن حلتين وحذائين؛ وأخذ يظهر في مظهر الأثرياء!، قال الزائر لم أطق صبراً بعد ذلك فأسرعت إليه في مجلسه مع الفتاة وقلت له: إنك لم توزع البريد منذ يومين!، وأن الإدارة ستسألك. ففوجئ الشاب الأنيق بما لم يتوقع، ونادى صاحبته فخرجا من المكان.
علمت بعد يومين أنه أخذ يعتذر لها وقال إنه وقع في حبها فباع منزله ليحظى بالجلوس معها، وأنه كذب عليها حين ادعى أنه نجل ثري كبير.
وقال لها إن وعد الزواج الذي ارتبطت به معك أنت في حل منه الآن. حدث بعد ذلك ما لم يكن متوقعا!، وقالت له إنني متمسكة بهذا الوعد، ويكفي أنك بعت منزلك من أجل أن تجلس معي، ولعلمك أنا مثلك تماما، ولست ابنة عضو في مجلس الشيوخ؛ فأنا لا أملك شيئا، فأنا خياطة من حي شبرا!، وقد حرصت على أن أظهر بمثل هذا المظهر لأنه نمى إلى علمي أن اصطياد الأثرياء سهل في موسم الصيف بهذا المكان الذي كان فيه موعد لقائنا لأول مرة. وقد أحببتك وأنا طوع أمرك، فقال لها وما العمل؟!، وأنا قد بعت منزلي!، قالت له: اجتهد في النقل إلى القاهرة ونتزوج ثم تسكن معي في شقتي بشبرا!!.
بعد هذه القصة التي تحدث تقريباً كل يوم وفي الكثير من مدن العالم، والتي قد تحدث بالطبع مع بعض الاختلافات في التفاصيل؛ ولكنني شخصياً أعتقد أنه لا يوجد شيء في الدنيا كلها يستحق أن نكذب من أجله على أنفسنا أو على الآخرين؛ وذلك كي نحقق مصلحة أو فائدة دنيوية زائلة، فقد يكون المؤمن بخيلا، وقد يكون جبانا، وقد يزني، وقد يسرق، لكنه لا يكذب أبدا إلا في ثلاثة مواقف حددها لنا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: حديث الرجل زوجته و مدحه لها كذبا بما ليس فيها، وكذلك حديث الزوجة زوجها، وفي إصلاح ذات البين بين المتخاصمين، وذلك بالكذب على أحد منهما، أو على كلا الطرفين للتوفيق بينهما، ولتقريب هوة الخلاف بينهما، ولاسترضاء النفوس المتشاحنة ولو بالكذب، وفي الحرب بالكذب على العدو فإن الحرب خدعة.
وأندهش وأعجب من أشخاص يتخذون من الكذب هواية وتسلية ومهارة من مهارات العيش في الحياة!!، ويتفاخرون بالفشر والأشر على بعضهم البعض!، ولا تنتهي قصص الكذب دائما نهايات سعيدة كما حدث في القصة السابقة، فأحيانا ما تكون نهاية الكذب قاتلة لصاحبها، وإن ظن أن النجاة مع الكذب!.
تعلم فن القبول
لابد أن نقوم بعمل شيء ما يجعلنا نواجه الحقيقة.
إن معظم الحكماء يمكنهم تعليم قبول الحقيقة وتشجيعه. وهو هدف العديد من المُعالِجِين، ويجب أن يكون كذلك، إن مواجهة الأمر الواقع والتوافق معه يُعَد مفيدا. إن القبول يمنح السلام، وهو أكثر ما يكون نقطة التحول للتغيير، كما أنه من السهل قوله ولكن من الصعب تنفيذه.
يواجه كافة الناس يوميا مفاهيم قبول الحقيقة أو رفضها فيما يخص ذلك اليوم والظروف الحالية؛ فلدينا العديد من الأشياء التي يجب تقبلها طوال اليوم في حياتنا الطبيعية منذ الاستيقاظ صباحا وحتى الخلود إلى النوم مساء، والظروف الحالية تتضمن على سبيل المثال: من نحن؟! وأين نعيش؟!، ومع من نعيش؟!، وأين نعمل؟!، ووسيلة المواصلات التي نركبها؟! وكم لدينا من نقود؟!، ومن مسئوليات؟!.... إلخ. إننا نريد الأشياء كما كانت عليه من قبل، ونريد أن يتم حل المشكلة بسرعة، إننا نريد أن نشعر بالراحة مرة أخرى، نريد أن نعرف ما نتوقعه، إننا لا نشعر بالسلام مع واقعنا، فهو يبدو محيراً، لقد فقدنا توازننا.
إن المهتمين بشئون الغير لا يعرفون أبدا ما يتوقعونه، خاصة إذا ما كانت هناك علاقة وطيدة تربطنا بمدمن ما، أو أي شخص آخر يعاني من مشكلة خطيرة أو اضطرابات خطيرة، إننا عندئذ سنعاني من مشاكل وخسائر وتغييرات، إننا قد نتحمل نوافذ مكسورة ومواعيد غير مضبوطة ووعود الكاذبة. إننا وبسهولة نفقد الأمان المادي والعاطفي والثقة في من نحن؟!، وفي أنفسنا أيضا، كما قد نخسر صحتنا واستمتاعنا بالحياة وسمعتنا وحياتنا الاجتماعية ومجالنا العملي وسيطرتنا على أنفسنا واعتزازنا بأنفسنا، كما يمكن أن نخسر أنفسنا أيضا.
لا يمكن أن يتواجد الحب بدون العدالة، كما أن مبدأ التعاطف يجب أن يصاحب الحب، وهذا يعني تحمل المشاكل مع الآخر والمعاناة من أجله، ولكن التعاطف لا يعني أبداً أن تُعَاني بسبب ظلم الطرف الآخر، إلا أن أسر المدمنين يعانون باستمرار من الظلم، وعلى الرغم من أن الظلم أيضا شائع إلا أن ذلك لا يجعله أقل إيلاما، فنحن يمكننا أن نشعر بالخيانة عندما يقوم شخص نحبه بعمل أشياء تجرحنا.
إن أكثر الخسائر التي يعاني منها المهتمون -مرضيا بشئون الغير- إيلاما هو فقدان الأحلام والتوقعات المثالية للمستقبل والتي يراها معظم الناس، فمثلاً البداية تكون مختلفة لكل زوجين، وعلى الرغم من ذلك فإن العملية التي تحدث في العلاقة الزوجية، والتي يعتمد فيها كل طرف على الآخر هي نفسها الموجودة في كل العلاقات، قد تتحطم آمال وأحلام البعض منا، قد يواجه البعض منا فشلا في غاية الأهمية بالنسبة له مثل الزواج أو أي شيء آخر!، ولا يوجد ما يمكننا قوله لكي نقلل من شدة الألم أو الحزن الذي نشعر به، وإنه لمن المؤلم حقا أن يتم تدمير أحلامنا بسبب إدمان الكحوليات أو أي مشكلة أخرى.
إن المرض مميت وهو يقتل كل شيء بما في ذلك أفضل أحلامنا، إن اعتمادنا على العقاقير يقتل ببطء ولكن بقوة، وحتى عملية الشفاء تجلب بعض الخسائر والمزيد من التغييرات يجب أن نبذل الجهد الكبير لكي نقبلها.
إن سمات الاهتمام المرضي بشئون الغير - والأسلوب الذي كنا نتأثر به هي خسائر يجب أن نواجهها -وعلى الرغم من أنها تغييرات جيدة إلا أنها مازالت تعد خسائر– خسائر لأشياء لم تكن مرغوبة إلا أنها قد أصبحت مريحة، فهذه الأساليب أصبحت حقيقة وضعنا الحالي، على الأقل فلقد عرفنا ما نتوقعه حتى إذا كان ذلك يعني عدم توقع أي شيء.
إذا استطعت قبول أنني كما أنا عليه، وأنني أشعر بما أشعر به وأنني أفعل ما أريد، إذا استطعت تقبل ذلك سواء أحببت كل هذا أم لا – فسوف أستطيع تقبل نفسي، إنني أستطيع تقبل قصوري، وشكوكي في نفسي، وعدم تقديري لذاتي، وعندما أستطيع تقبل كل ذلك فسوف أضع نفسي في جانب الحقيقة بدلا من محاولة محاربتها، إنني لن أقول بإغفال إدراكي لكي أتوهم أشياءً عن حالتي الحالية، وبذلك أكون قد مهدت الطريق لأولى خطوات تقوية تقديري لذاتي، فما دمنا لا نتمكن من قبول حقيقة أنفسنا كما هي في أي لحظة من وجودنا فلن نسمح لأنفسنا بإدراك طبيعة اختياراتنا وتصرفاتنا، ولن نعترف بحقيقة شعورنا، وبذلك لن نتمكن من التغيير!.
من خلال التجارب التي مرت علي فإن قواي كانت تتردد في التدخل في ظروفي حتى أستطيع تقبل ما يمكنني عمله. إن القبول ليس أبديا إنه للحظة الحالية فقط، ولكن يجب أن يكون شعورا صادقا.
كيف يمكننا الوصول إلى هذه الحالة؟!، كيف يمكننا أن نحدق في الحقيقة دون أن نغفل أو نغلق أعيننا؟!، كيف يمكننا تقبل جميع الخسائر والمشاكل التي تلقيها علينا الحياة والأشخاص من حولنا؟!.