يقول الشاعر:
إياك أن تعظ الرجال وقد أصبحت محتاجاً إلى الوعظ
ويقول الشاعر:
يا أيها الرجل المعلم غيره هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى كيما الشفاء به وأنت سقيم؟!
وقال أحد الحكماء: وجدت هذه الكلمات مكتوبة على مقبرة أحد الرجال: "عندما كنت صغيرا وحرا، ولم تكن هناك حدود لخيالي، حلمت بتغيير العالم، وعندما كبرت أصبحت أكثر وعيا ونضجا واكتشفت أن العالم لن يتغير، لذلك اختزلت أمنيتي إلى حد ما وقررت أن أغير وطني فقط، ولكن ذلك أيضا بدا لي صعبا، وعندما وصلت إلى مرحلة اكتمال النضج، وفي محاولة يائسة قررت أن أغير عائلتي فقط، ولكن لم أستطع أيضا تحقيق ذلك، والآن وبينما أنا راقد في فراش الموت أدركت فجأة أنه لو أنني قد غيرت نفسي أولا لكان بإمكاني أن أغير عائلتي؛ فمن إيحاءاتهم وبفضل تشجيعهم، كنت سأقدر على تحسين موطني وربما استطعت أن أغير العالم بأسره"؛ فطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس.
ويقول الحكماء في ذلك المعنى: "إذا أراد الله بعبد خيراً جعل له واعظاً من نفسه".
ويقولون أيضاً: "ليس الحكيم بكثرة العلم، إنما الحكيم في الانتفاع به في العمل".
الخلاصـــة:
عندما يكون لديك قضية أو مشكلة صعبة ترغب في إشراك الآخرين معك فيها، أو عندما تكون مقتنعا بأنك على صواب لدرجة قد تدفعك إلى فرض رأيك بالقوة على الآخرين، تذكر مهارات الحوار الخمس:
1 . شارك حقائقك مع الآخرين: أبدأ بالعناصر الأقل إثارة للخلاف وأكثرها إقناعا من عناصر مسارك نحو إبداء رد الفعل.
2 . أروي قصتك: بأن تشرح ما بدأت في استنتاجه.
3 . أطلب آراء الآخرين: شجع الآخرين على المشاركة بحقائقهم وقصصهم.
4 . تحدث بشكل احتمالي: عبر عن قصتك كقصة، ولا تقدمها على أنها حقيقة.
5 . شجع الاختبار: وذلك بأن توفر الشعور بالأمان للآخرين لكي يُعبِّروا عن وجهات النظر المختلفة أو حتى المضادة لوجهة نظرك.
قل ما تريد
"مَن يخاَفْ الألم يتألَّمْ ممَّا يخاف".
يرغب أصدقاؤك في أن يدعونك لعشاء وسهرة مسلية في ذكرى ميلادك بالطبع ستحب أن تذهب إلى مطعمك المفضل، وتحضر العرض الأول لفيلم سينمائي تحترق شوقا لمشاهدته. لكنك متخوف أن يكون هذا مكلف جدا ولربما لا يحبون الفيلم؛ لذلك فلا تقل أي شيء واترك المسألة لهم فيأخذونك إلى الأزقة المحلية لتناول سندوتشات الفول والطعمية أو طبق كشري في محل جديد مزدحم. وأنت في نفس الوقت تحاول أن تلتزم بحمية. لذلك تفاجأ بنفسك في ذكرى ميلادك غير سعيد وتجد نفسك متوترا تجاه أصدقائك ونفسك معا.
أليس من الأجدر بك أن تأكل ما تحبه أنت، وتريد أن تأكله، وبالذات في مناسبة خاصة بك، وهي يوم ميلادك؟!.
أليس من حقك أن تختار الفيلم الذي تحب أن تشاهده أنت؟!، ولو لمرة واحدة في كل عام؟!.
وإليك أيضاً هذا المثل الذي عبر فيه طفل صغير عن رأيه بصورة عملية واضحة:
لما تقدم والدي في العمر بدأ إلي حد نموذجي في استدعاء النكات والحكايات المفضلة من الماضي، فسمعت مرات عديدة عن حكاية عم "منير" الذي يمتلك متجرا للحلوى المحلية حيث يتوقف الأطفال في طريقهم للمنزل من المدرسة. وفي أحد الأيام تفشت إشاعة بأن عم "منير الرجل العجوز" كان يقدم كرات من العسلية بالسمسم المخزز مجانا لهؤلاء الأطفال، ولكنها إشاعة مُغرِِضة لشابين صغيرين من شباب الحي كانا حاقدين على حب الأطفال لصاحب محل الحلوى!؛ ولذا قررا أن يثبتا الإشاعة.
لقد عبَّر مالك المحل عن الترحيب بإيماءة عندما دخلوا المتجر ولكن عندما بقوا بعض الوقت أمام إناء زجاجي دائري ضخم مملوء بعسلية لذيذة وغنية بالسمسم الطازج، لم يقل عم منير شيئا، و لكن في النهاية تقدم تدريجيا واحد من الصبية بشجاعة ليسأل: ما إذا كان من الممكن أن يأخذ واحدة من كرات العسلية المجانية؟!!، ثم شرع ذلك الصبي في التلذذ بقضم قطعة العسلية المخلوطة بالسمسم الطازج أمام الجميع.
لقد عبر هذا الطفل أو الصبي عن جمال العسلية و طعمها الرائع بتناوله لواحدة منها بتلذذ شديد أمام الآخرين الذين أثاروا إشاعة أن عسلية عم منير غير طازجة و"مخززة"، وأن السمسم الموجود فيها غير صحي، لقد أبطل هذا الطفل الإشاعة بصورة عملية أمام الآخرين.
نماذج التعاملات:
خمسة نماذج من التعاملات تبعث على الصمت؛ بعضها يكون شخصيا بالفطرة والآخر يكون مكتسبا، البعض يكون مبتذلا ويبدو ذا أهمية ثانوية، بينما النماذج الأخرى هي نقد لسعادتنا الشخصية، وجميعها تكون تحت سيطرة القوى التي تخيفنا وتضعف سلطتنا.
1 . التعامل الذي سوف يكلف الآخرين شيئاً ما:
أنت لا تطلب من صديق أن يدفع ثمن عشاء غالي من أجلك في ذكرى ميلادك، أو لتقل أنك تعرف أن جارك الودود يعمل في وسط المدينة التجاري قرب مخبز للحلويات حيث طلبت كعكة، أو مسحوق البقسماط للطبخ، فيمكن بسهولة جلبها وإحضارها للمنزل من أجلك، فسوف تحب منه عمل ذلك، ولكنك لا تريد أن تتطفل عليه لذلك لا تطلب منه ذلك الطلب البسيط!، وتقضي التسعين دقيقة في رحلة شاقة تقود السيارة وأنت في قمة برنامجك المشغول لتحضرها بنفسك!.
وهنا أستطيع أن أقول: إذا أردت بعض الخدمات التي يمكن أن يقدمها لك الآخرون بدون أي إزعاج لهم -نظراً لأن تلك الخدمات قريبة منهم- أو متاحة لهم بسهولة، فعليك أن تسارع أنت بخدمتهم في المجالات المتاحة بالنسبة لك دون أن تكلف نفسك أو تكلفهم ما لا تطيق، وما لا يطيقون، وأظن أن تلك العلاقة جيدة وصحية.
2 . التعامل حين نكون خائفين من أن: ما نريده سوف يسبب صراعا من نوع ما!:
تفزعنا فكرة إغضاب الناس منا لكونها فكرة قبيحة، أو لكونها ستسبب قلب حياتنا رأسا على عقب، وبصورة مربكة، فمثلا أن يكون هناك ضيف في منزلك يدمن التدخين، ولديك أو لدى زوجتك أو لدى أحد أبنائك مشكلات صحية مثل الربو الشعبي أو حساسية في الصدر، أو إنك تكره (ببساطة) رائحة الدخان؛ فعندئذ ستشعر بأنك غير قادر أو غير راغب في أن تطلب منه ألا يدخن؛ لأنه ضيف، وإكرام الضيف واجب ديني واجتماعي!.
وهنا وقفة لابد منها وهي: أن على الضيف أن يراعي مشاعر وأحاسيس المُضيف له؛ ولكن إذا تجاهل الضيف مشاعر مُضيفه سهواً أو لسوء تقدير فعلى المُضيف عندئذ أن يوجه ضيفه ويلفت نظره إلى ما يؤذيه ويؤذي أهل بيته!، ومن الواجب على الضيف عندئذٍ أن يستجيب فوراً لمُضيفه مع تقديم الاعتذار المناسب، وهذا من علامات نضج الضيف.
مثال آخر:
قد تكون في مطعم ويزعجك أنت أو أي شخص سوء سلوك طفل صغير. سوف يود كل منكم أن يفعل الوالدان شيئا ما (أي شيء ليلجموا سلوك طفلهم العابث) ولكن لا أحد من الوالدين يقول كلمة واحدة!، وكأنهم راضون تمام الرضا عن سلوك طفلهم المشين!!، وأنت إذا قمت بتوجيه الطفل، وقلت له مثلاً: "لا تقل مثل هذا الكلام القبيح يا بني، عيب"، فتندهش أن أمه تتدخل حينئذٍ وتقول لك: "أعذره فهو ما زال صغيراً"، وهذا الرد من الأم مع كونه يحتوي على خطأ تربوي واضح -إلا أنه رد أفضل من ردود أخرى قد تسمعها في مواقف مشابهة لمثل ذلك الموقف!!- لأن هذه الأم تتقبل القول البذيء من طفلها بصمتها وعدم توجيهه ونهيه بهدوء عن القول البذيء، وهذا خطأ، أما الخطأ الأكبر والذي ألاحظه منتشراً بين أبناء أمتنا وهو: اللجوء إلى الدفاع بأي حجة عن أنفسنا عندما نرتكب الخطأ؛ فلا تجد شخصاً يرتكب أي خطأ صغيراً كان أم كبيراً؛ وتقوم بلفت نظره إلى خطئه إلا و تجده شاهراً كل أسلحته الدفاعية للدفاع عن موقفه أو فعله الخطأ؟!؛ وتجد ذلك رد الفعل الدفاعي متوافر لدى الطفل الذي لم يتعد الرابعة من عمره، وحتى الوزير في مجلس النواب عندما يناقشه أحد النواب في خطأ ظاهر ومتواتر في وزارته!!، وكأن الاعتذار عن الخطأ كارثة أو مصيبة تقع على رأس من يقدمه!!!؛ على الرغم أنه من المعروف تماماً في الشرق والغرب قديماً وحديثاً: أن الاعتذار عن الخطأ هو علامة من علامات النضج البشري، وتقديم الاعتذار أيضاً هو أول خطوة على طريق التصحيح، وعلامة من علامات الرقي والتقدم.
مثال ثالث:
قد تستضيف صديقاً للعشاء وتحضر النادلة الفاتورة التي تشير إلى مبلغ ضخم من الجنيهات مطلوب دفعه!، مع أن الطعام المقدم لكما رديء النوعية ولا يتناسب مع عراقة هذا المطعم وأسمه المرموق وشهرته المدوية، وتصبح متوتراً في داخلك، فلا تعرف سواء أراجعت الفاتورة أم ارتكبت خطأً؟ لكنك كشخص لطيف لا تريد أن تورط صديقك أو تورط نفسك، لذلك فإنك تدفع دون طلب تفسير!.
مثال رابع:
صديق قمت بتقديم قرض له، والآن فات موعد استحقاقه، ولا تشير إليه أبدا و لا تقول أي شيء أيضا. وسنتعرض –بإذن الله- لعلاج مثل هذين الموقفين المتشابهين بمناطق مختلفة من هذا الكتاب.
3 . التعامل الذي تشكله السلطة المستبدة أو من يستأسدون علينا:
يخيفنا المعقدون وأشكال السلطة القوية؛ فنكون مقتنعين بأن مواجهتهم لن تفيد، وتود أن يتوقف الرئيس عن فرض عمل كثير جداً عليك ولكنك تصر بأسنانك في صمت، أو وصف طبيبك الباطني (مسرعاً) دواءاً لن يفيدك، لأنه لم يستمع إلى الأعراض التي عندك جيدا، وكذلك لم يقم بالكشف الطبي عليك، مع أنك قد دفعت مبلغاً فلكياً ثمناً لاستشارتك الباطنية!. ولكنك لا تتفوه بكلمة واحدة!.
وفي هذا المقام أحب أن أذكر قصة كاتب أيرلندي شجاع مؤكد لذاته، لقد سخر هذا الكاتب من عنفوان بعض الوزراء وأصحاب السلطة والنفوذ في حكومات الامبراطورية التي لا تغرُب عنها الشمس -بريطانيا العظمى- وكانت كتاباته اللاذعة الجريئة الشجاعة سبباً في إقالة مسئولين كبار، بل ووزراء في تلك الحكومات، هذا الرجل الذي ناصر الفلاحين البؤساء في مصر بعد "حادثة دنشواي" في أوائل القرن الماضي، ولم يرض عن ظلم البؤساء عديمي الحيلة، رغم أن الظالمين كانوا من بني جلدته وجنسه، وليس له أي مصلحة في الدفاع عن هؤلاء المظلومين إلا محبة الإنصاف والعدل وكراهية الظلم بكل صوره؛ فكانت كتاباته الساخرة عن المندوب السامي لبريطانيا العظمى في مصر "اللورد كرومر" سبباً في عزل ذلك الرجل البغيض المتعجرف، والذي تسلط على شعب مصر وحكامه ما يقارب الربع قرن من الزمان، فتعالوا معي نعايش بعض معاني تأكيد الذات مع هذا الفيلسوف والكاتب والروائي البريطاني الرائع؛