"إن حب الذات هو أعظم حب في الحياة على الأطلاق" هذه الكلمات الشهيرة التي قالتها النجمة الشهيرة "ويتني هيوستن" توضح الخطأ الكبير الذي يقع فيه كثير من الناس. فإذا كنت تجذب إلى حياتك رجالا ونساء يحتقرونك ولا يبدون نحوك أي احترام فمن السهل أن تلقي عليهم اللوم –خاصة عندما تصر الأسرة والأصدقاء- على أن شريك حياتك شخص فاشل وأنك كنت مخطئا من البداية عندما قررت الزواج منه أو منها.
في حلقاتي الدراسية عندما كان يطلب مني توضيح هذه الفكرة أشير إلى الطائرة طراز 747 . فلو أنك تقود طائرة على ارتفاع 35 ألف قدم , وهناك طائرة أخرى من طراز 747 تطير بمحاذاتك وبنفس الارتفاع فما الذي سوف تراه؟ إن الإجابة في غاية البساطة. أليس كذلك؟ سوف ترى الطائرة وكل الركاب المتواجدين داخلها. ولكن إذا كانت الطائرة تطير على ارتفاع أعلى منك مثلا 50 ألف قدم, أو ارتفاع أقل 10 ألف قدم فما الذي سوف تراه؟ إن الإجابة بسيطة أيضا! لن تتمكن من رؤية أي شيء.
فأنت الآن تحلق في الارتفاع الذي تعتقد أنك تستحقه، ويتحتم عليك إعادة تحديد هذا الارتفاع إذا أردت تحقيق المزيد من الأهداف في حياتك. وكما يوضح مثال الطائرة 747 فالتحليق على نفس الارتفاع يجعلك تقابل باستمرار نفس الأحداث والأشخاص الذين اعتدت عليهم. نفس الشيء ينطبق على الحياة. قرر أنك تستحق أفضل من ذلك، وابدأ في رفع تقديرك لذاتك وسوف تجد نفسك تحلق فجأة على مستوى جديد وارتفاع جديد، وتجذب إلى حياتك أشخاصا وأحداثا مميزة. إن الأمر بهذه البساطة فسلوكك في الحياة يتحكم في المستوى الذي سوف تصل إليه.
والآن وبعد أن قمت بالتخطيط والاستشارة واتخاذ القدوة المناسبة واستجمعت كل إمكاناتك وقواك النفسية والجسدية والمالية للتنفيذ لا تنس استخارة الله عز وجل؛ وكما قال صلى الله عليه وسلم "لا خاب من استخار ولا ندم من استشار"؛ فالاستخارة فيها إيمان بالقضاء والقدر، وكم رأينا أناساً يحسنون التخطيط ولكن لا يستطيعون الوصول إلى ما خططوا له لأسباب نادرة الحدوث، أو قل إن شئت لأسباب خارجة عن مفاهيم البشر وقدراتهم العقلية، والمؤمن إذا استخار بعد الأخذ بكل أسباب النجاح في تحقيق الهدف ثم فشل في إنجاز هدفه لا يُحبط ولا يحزن بل يحمد الله تعالى على ما قدر له؛ يقول تعالى: "لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ " (الحديد:23)، وأعجبني هذا البيت الهام من الشعر في معنى ما نمتلكه كأشخاص في حياتنا، وأننا علينا أن نحدد أهدافاً هامة لنا في حياتنا الدنيا وأن نخطط لإنجازها؛ لأن الله تعالى سيسألنا وسيحاسبنا على ذلك، وعن أخذنا بكل أسباب القوة والنهضة لأمتنا، ولكن إذا عجزنا عن تحقيق هدف، أو إذا فقدنا في مشوار حياتنا عزيز أو غال فعلينا ألا نغالي في الحزن ونحمد الله تعالى ونرضى بقضائه..... يقول الشاعر:
نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة فكيف أبكي على شيء إذا ذهبا
وما أجمل ما قيل: من وجد الله فماذا فقد؟؟!!، ومن فقد الله ماذا وجد؟؟!!"
ما رأيكم في أن تعيشوا معي هذه القصة والتي حدثت في زمن التابعين رضي الله عنهم وأرضاهم
الأرزاق بيد الله
قال القاضي أبو علي التنوخي: خرج رجلان من المدينة يريدان عبد الله بن عامر بن كريز ليطلبا منه نفقة، وقد عُرف عنه الجود والكرم، أحدهما من ولد جابر بن عبد الله الأنصاري والآخر من ثقيف، وكان عبد الله عاملا بالعراق لعثمان بن عفان رضي الله عنه. أقبلا يسيران حتى إذا كانا بناحية البصرة قال الأنصاري للثقفي هل لك في رأي رأيته. قال: اعرضه. قال ننيخ رواحلنا ونتوضأ ونصلي ركعتين ونحمد الله عز وجل فيهما على ما قضينا من مسافة في سفرنا. قال له نعم هذا الرأي الذي لا يرد.
قال ففعلا. ثم التفت الأنصاري إلى الثقفي فقال له يا أخا ثقيف ما رأيك؟ قال وأي موضع رأي هذا؟ قضيت سفري وأمضيت بدني وأتعب راحلتي ولا مؤمل دون ابن عامر، فهل لك من رأي غير هذا؟.. قال نعم، إنني لما صليت فكرت فاستحييت من ربي أن يراني طالباً رزقاً من عند غيره!!!.... ثم قال اللهم رازق ابن عامر ارزقني من فضلك ثم ولى راجعا إلى المدينة.
ودخل الثقفي إلى البصرة فمكث على باب ابن عامر أياما فلما أذن له دخل عليه وكان قد كُتب إليه من المدينة بخبرهما. فلما رآه رحب به وقال لقد أخبروني أن ابن جابر خرج معك؟! فأخبره ما كان منهما. فبكي ابن عامر وقال: والله ما قالها أشرا ولا بطرا ولكن رأى مجرى الرزق ومخرج النعمة، فعلم أن الله عز وجل هو الذي فعل ذلك فسأله من فضله، واستحى أن يسألني، وله رب كريم رزاق، ثم أمر للثقفي بأربعة آلاف وكسوة وطُرف وأضعف ذلك للأنصاري.
ومن يتق الله يجعل له مخرجا، ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا
كان بمدينة مرو رجل اسمه نوح بن مريم، وكان رئيسا لمرو وقاضيها وكان له نعمة كبيرة وحال موفورة وكانت له ابنة ذات حسن وجمال وبهاء وكمال، قد خطبها جماعة من الأكابر والرؤساء وذوي النعمة والثرة فلم ينعم بها لأحد منهم، وتحير في أمرها ولم يدر لأيهم يزوجها، وقال إن زوجتها لفلان أسخطت فلانا. وكان له غلام هندي تقي اسمه مبارك، وكان يعمل في حقل له عامر بالأشجار والفاكهة والثمار، فقال للغلام أريد أن تمضي وتحفظ الحقل.
وبعد شهر ذهب لينظره فقال له يا مبارك ناولني عنقود عنب، فناوله عنقودا من العنب فوجده حامضا فقال له أعطني غير هذا. فناوله عنقودا آخر وكان حامضا أيضاً.
فقال له سيده ما السبب في أنك لا تناولني من هذا الكثير غير الحامض؟
فقال: لأني لا أعلم أحامض هو أم حلو.
فقال له سيده: سبحان الله لك في هذه الحديقة شهرا كاملاً ولا تعرف الحامض من الحلو؟!.
فقال: وربك أيها السيد إنني ما ذقته ولم أعلم أحامض هو أم حلو؟!.
فقال له: لم لم تأكل منه؟
فقال: لأنك أمرتني بحفظه ولم تأمرني بأكله، وما كنت لأخونك!.
فعجب القاضي منه وقال له: حفظ الله عليك أمانتك؟
وعلم القاضي أن الغلام غزير العقل وأمين.
فقال له: أيها الغلام قد وقع لي رغبة فيك وينبغي أن تفعل ما آمرك به.
فقال الغلام: أنا مطيع لله ثم لك. فقال القاضي: اعلم أن لي بنتا جميلة وقد خطبها كثير من الرؤساء والمتقدمين ولا أعلم لمن أزوجها فأشر علي بما ترى.
فقال الغلام: إن الكفار في زمن الجاهلية كانوا يريدون الأصل والنسب والبيت والحسب، واليهود والنصارى يطلبون الحسن والجمال، وفي عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان الناس يطلبون الدين والتقى. أما في زماننا هذا فالناس يطلبون المال، فاختر من هذه الأربعة ما تريد.
فقال القاضي: قد اخترت الدين والأمانة وجربت منك العفة والصيانة.
فقال الغلام: أيها السيد أنا عبد رقيق أسود ابتعتني بمالك كيف تزوجني ابنتك وترضاني؟!
فقال له القاضي: قم بنا إلى البيت لندبر هذا الأمر.
فلما صارا إلى المنزل قال القاضي لزوجته: اعلمي أن هذا الغلام دين تقي وقد رغبت في صالحه وأريد أن أزوجه ابنتي فما تقولين؟ فقالت : الأمر إليك ولكني أمضي إلى الصبية وسوف أخبرها وأعيد عليك جوابها.
فجاءت المرأة إلى الصبية وأدت إليها الرسالة، فقالت البنت: مهما أمرتماني به فعلته ولا أخرج من تحت حكمكما ولا أعاندكما بالمخلفة بل أبركما. فزوج القاضي ابنته بالمبارك وأعطاهما مالا عظيما فأنجبت ولدا وسمياه عبد الله. وهو المعروف في جميع بلدان العالم الإسلامي بعبد الله بن المبارك صاحب العلم والزاهد، والراوية المحدث، والمتصدق الجليل، والمجاهد البطل، وصاحب واحد من أفضل مراجع الزهد والرقائق كتابه:"الزهد والرقائق". وهو الذي أرسل إلى عابد الحرمين "الفضيل بن عياض" رسالة من بيتين من الشعر يستحثه فيهما على الرباط والجهاد في سبيل الله قائلاً:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا لعلمت أنك في العبادة تلعب
من كان مخضبا خده بدموعه فنحورنا بدمائنا تتخضب
والآن لنختتم معاً هذا الفصل بهذه القصة اللطيفة، والتي تعلمنا أن قدرة الله عز وجل قد تتدخل مخترقة كل القواعد والأسباب المادية المعمول بها –وهذا استثناء لأولياء الله عز وجل– عندما تعجز الأسباب المادية التي اعتادها البشر من تخطيط وتحديد للهدف وغيرهما!!.
صدق أو لا تصدق!! الشيخ والتاجر السكندري
هو العلامة الشيخ محمد العربي العزوزي –أمين الفتوى بالجمهورية اللبنانية آنذاك– رحمه الله تعالى. أستأجر في بيروت دارا له ولأهله من رجل من نصارى بيروت إلى أجل ضربه له الشيخ لا يحيد عنه. ظل الشيخ في داره تلك وكانت قريبة من محل عمله وكان بها سعيدا حتى قرب الأجل الذي حدده الشيخ، وجاء صاحب الدار إلى شيخنا يطلب إليه داره في الموعد المضروب حسبما جاء في العقد.
استمهل الشيخ الرجل ريثما يجد دارا يستأجرها تتسع لعزاله وأثقاله، فلم يرض صاحب الدار إمهال الشيخ دقيقة واحدة بعد الموعد المحدد، فهو في حاجة لداره، وإذا لم يف الشيخ بوعده جاء إليه بالشرطة يلقون أثقاله وعزاله خارج الدار في الطريق ويخلونها بقوة القانون.
بقي من الموعد المحدد أيام، والشيخ يبحث عن دار فلم يجد طلبته وضاق الوقت حتى انحصر في أربع وعشرين ساعة وصاحب الدار يزور الشيخ كل يوم صباح مساء لا يكل، يطلب إليه إخلاء الدار في الموعد المحدد. ولما لم يصل الشيخ من جهة العباد إلى شيء لجأ إلى الله وحده.
كان الشيخ يحفظ من الأدعية والأذكار وأسماء اله الحسنى الشيء الكثير، فرجع إلى ذلك، وأغلق باب حجرته الخاصة عليه وجلس على سجادة الصلاة بالطهارة الكاملة يصلي ويدعو ودموعه تنحدر على لحيته وصدره غزارا ساخنات، وهو يقول بكل جارحة فيه: يارب يارب، أجل، ليس لها من دون الله كاشفة. وأذن المؤذن لصلاة العصر من يوم الخميس، وموعد صاحب الدار مع الشيخ لإخلاء الدار آذان المغرب.
فصلى الشيخ وأطال السجود ونادى [أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ] (النمل:62). ثم انطلق يجأر إلى الله بصوته الأجش المختنق من العبرات: "يا حيٌ يا قيوم برحمتك أستغيث". وأدركت الشيخ سنة من النوم وهو ساجد، فرأى النبيً صلوات الله عليه وسلامه يمر عليه بطلعته المهيبة مسرعا، وهو يقول له: (جاء الفرج فأبشر).
بقي لآذان المغرب دقائق والشيخ منعزل في حجرته ينتظر الفرج وصاحب الدار قد أعد عدته لرمي ثقل الشيخ في الطريق، وهو ينتظر حلول الوقت حين يؤذن المغرب وهو قريب، وكل شيء يبدو أنه رٌتٍب ولكن ليس في صالح الشيخ بل في صالح غريمه. ومع أول كلمة من الآذان (الله أكبر) صاح بها مؤذن الحي، وعندئذ قُرِع الباب وسأل أهل الشيخ مسرعين: من الطارق؟ فجاء الجواب: أهذه دار الشيخ العزوزي؟ قالوا نعم فمن أنت؟ قال أريد الشيخ. قالوا لا سبيل إليه فهو قابع في حجرته لا يكلم أحداً ولا يبغي عنها حولا. قال لابد من سبيل إليه فلديّ أمر خطير يحتاج إلى مقابلته. فاستأذنوا الشيخ فرفض أن يستقبله؛ إذ هو مشغول عنه بما هو أكبر. قال الرجل: فقولوا للشيخ أن الذي أرسلني هو الله إليك بالفرج الذي بشرك به سيدي رسول الله صلوات الله عليه.
وعلى الفور أذن الشيخ للرجل بالدخول فولج الدار حتى وصل إلى حجرة الشيخ فسلم عليه وقال له: أنا تاجر من الإسكندرية، وقد أرسلني الله إليك ولا وقت للحديث فقم معي حتى أشتري لك أية دار تعجبك فأملكك إياها مع فرشها ومئونة سنة. لم يصدق الشيخ في بادئ الأمر ما قاله الرجل وظنه مازحا ولكنه أكد له بالأيمان صدق ما يقول.
استأذن الشيخ من صاحب الدار ساعة من الزمن بين العشاءين وذهب مع التاجر السكندري في عربة كان قد وضعها الرجل لهذا الغرض وظلوا يبحثون عن دار طيبة تسر الشيخ وتتسع لكتبه وحوائجه وأهله، حتى وجدوا ضالتهم فاشتراها التاجر بما معه من الذهب، وذهب قليلا وجاء لها بفرش جديد ومئونة سنة. كل ذلك تم في ساعة ما بين العشاءين، فلما أذن العشاء كانت الدار وما فيها ملكا للشيخ، معه مفتاحها وبيده حجتها.
وذهبا لينقلا ثقل الشيخ للدار الجديدة وسلم الشيخ مفتاح الدار القديمة لصاحبها قائلا له بصوت متهدج تخنقه عبرات ودموع (الله فرجها يا خواجه، هذه دارك وهذا مفتاحها فتسلم) ربنا أكرم وأرحم. بكى الشيخ وهو يدخل الدار الجديدة بكاء الفرح وأقسم على التاجر أن يقص عليه القصة من أولها، فلا يتم سروره حتى يعلم سر هذا الذي جرى أمام ناظريه مما لا قبل له به.
انطلق التاجر السكندري يروي للشيخ القصة من أولها فقال له: أنا لا أعرفك يا سيدي الشيخ ولا أعرف عنك شيئا، فأنا تاجر من تجار الإسكندرية وأنت مغربي نزلت بيروت من أراضي لبنان، وقد ابتلاني الله بوجع في خاصرتي اشتكى منه جسمي كله، ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام وأمرني بالذهاب إليك في بيروت لأشتري لك الدار ومئونة سنة لعل الله أن يحتسبه من الأجر ويكون سببا في شفائي!. وقد حضرت إليك وقمت بالبحث عنك حتى هداني الله إليك. صمت الشيخ وهو يحدق في السماء يتمتم بهذه الكلمات (الَّلهُمَ فَاطِر السَّمَواتِ والأرْضِ لَكَ الحَمدُ عَلَى مَا أَنْعْمتَ به عليَّ).