ما يدركه ويؤمن به عقل الإنسان يمكنه أن يحققه؛ لذلك نجد أن للاعتقادات قوة كبيرة، فإن استطعت أن تغير اعتقادات أي شخص فإنك تستطيع أن تجعله يفعل أي شيء، والإرادة متى تمكنت من النفوس وأصبحت ميراثا يتوارثه الأبناء عبر الآباء، ذللت كل صعب ومحت كل عقبة وقهرت كل مانع مهما كان قويا، ووصلت عاجلا أو آجلا إلى الغاية المطلوبة؛
لذا لكي ننجح في حياتنا لابد أولا أن نؤمن بأننا نستطيع النجاح.
ما هي الأنواع المُخْتَلِفة للصعوباتِ المتعلقة ببرامج تأكيد الذات؟
كَيْفَ تَعْرفُ الاختلافَ بين تأكيد الذاتِ والعدوان ِ؟
متى يكون حقك في الُدفاع عن نفسك بتأكيد ذاتك صوابا ومتى يكون خاطئا؟
كَيْفَ تُطبّقُ مبادئ برامج تأكيد الذاتِ على سلوكِك الخاصِ؟
مثل كل شيء تقريباً في الحياةِ، فنوعية تأكيد الذات لا تكون سوداء أو بيضاء بل تَمتلكُ برامج تأكيد الذات الكثير من الأصناف الرمادية أيضا، فلابد أن يكون هناك طيف واسع من الألوان في لوحة الفنان. على كل حال، فهناك أنواعِ أساسية من صعوبات تأكيد الذات والتي قد تواجه بعض الناس أثناء تدريبهم على برامج تأكيد الذات:
أنواع المشاكل المتعلقة ببرامج تأكيد الذات
الروح الخجولة:
أسمح لنفسك لكي تدفَعها عنك، فهي تجعلك لا تَستطيعُ الكَلام، وتَبْقى سلبياً في كلّ الحالات ِ. فإذا قام شخص بالمشي على قدمِكَ، فلن تَقُول له "أَنا آسف"؛ فمن المفروض أن يقول لك هو "أنا آسف"، فإنك لَسْتَ صفراً في مجال تأكيد الذاتَ. فمهما كان عظيم خجلك وترددك، فهناك دائماً نقطة، والتي منها يُمْكِنك أَنْ تَبْدأَ التَغيير. ولكن هذا المفهوم يكون مختلفاً بالنسبة للقائد أو الحاكم؛ فمن العدل أن تكون أول صفة في الحاكم هي الحياء، وويل للناس من حاكم لا حياء له. يقول معاوية (رضي الله عنه): "إني لأستحي أن أظلم من لا يجد عليَّ ناصراً إلا الله". وكذلك بالنسبة للصبية والأطفال؛ فالحياء في الصبي خير من الخوف، لأن الحياء يدل على العقل، أما الخوف فيدل علـــى الجبن.
صعوبات التواصل الشخصي:
أُكرر بأن تأكيد الذات يحتاج إلى أربع خصائص سلوكية:
الانفتاح
والمباشرة
والأمانة
والتوافق
قَدْ يَكُون لديك القليل من تلك الخصائص الأربع، أو ثلاث مِنْ تلك الخصائص لهذه المناطقِ، لكن في أغلب الأحيان تَفتقرُ إلى تأكيد الذات.
(1) التواصل غير المباشر:
تَمِيلُ إلى أن يكون مسهباً، والإسهاب يكون مصحوبا في أغلب الأحيان بضحالةِ الشعور، ونقص في الرغباتِ الواضحة، وصعوبة في العلاقات الوثيقةِ؛ فبدلاً مِن سؤالكِ لزوجِك: "تدبّر ارتفاع ثمن قطعة صغيرة من لحم الضأن والتي عادة ما نتناولها في طعام الغذاء؟ِ، وكأنها تسأل زوجها زيادة المصروف الشهري للمنزل! و إذا كانت ترغب أن يشتري لها زوجها بعض الطلبات من السوق؛ فتقوم بتوجيه بعض الأسئلة إليه، بدلا من أن تطلب ما تريد بصورة مباشرة، فتقول: هل ستمر على السوق المركزي وأنت عائد للمنزل مساء اليوم؟ أو تَقُولُ لزوجها "ألا ترغب في الذهاب إلى الحلاق اليوم، لقد طال شعرك كثيرا؟، فالزوجة هنا لا تُقدّمُ طلبَاتها و بصورة مباشرة لزوجهاَ؛ وزوجهاَ لا يَعْرفُ ماذا تُريدُ، وهي لا تَحصلُ عَلى ما تُريد، مما قد يصيبها بالإحباط للتوقعات التي تدور في رأسها، وفي نفس الوقت لا يعلم بها زوجها، فالممارسة الأبسط هي جَعْل البيانات مباشرة وبسيطة، بدون مقدمات طويلة أَو إسهاب، وهذا يُمْكِنُ أَنْ يُغيّرَ كامل نمطِكَ في أغلب الأحيان.
وألاحظ من خلال عملي مع كثير من السيدات المصريات هذا العيب في التواصل، فالسيدة المصرية شديدة الإخلاص لأبنائها أولا، ثم لزوجها بعد ذلك، فتجدها حريصة على تعليم أبنائها وبناتها، وإن لم تكن تملك هي و زوجها إلا قدر الكفاف، وهي حنونة عليهم جميعا وبلا حدود، وأتذكر هنا سيدة من مكة تحكي لي باستغراب عن جدتها لأبيها، وكانت سيدة بسيطة من ريف مصر، أما الذي كانت تعجب منه هذه السيدة التي عاشت حياتها في مكة؛ فهو أن جدتها (المصرية) لأبيها كانت تأخذ أباهم، وهو ابنها الذي تخطى الأربعين عاما، في حضنها أمامهم وتربت برفق على ظهره ورأسه، كما تفعل الأم بصغيرها، والأم المصرية في أغلب الأحيان صبورة وطويلة البال، وعندما يكبر أبناؤها، ويوسع الله عليهم في الرزق، وعلى زوجها كذلك، تجدها تأبى أن تطلب من أحد منهم شيئا مما في أيديهم، وإن كانت محتاجة إليه، وتنتظر أن يعطوها هم، وهم غالبا غافلين عن ذلك، فقد عودتهم أمهم دائما أن تُعطي ولا تأخذ، وإن كانت محتاجة، ولكن يلاحظ أفراد الأسرة بعد ذلك مسلسلات من النكد في بيت العائلة، فأحيانا يدخل الأب البيت فيجد زوجته تبكي بدون سبب، وأحيانا تختلق الأم بعض المشاكل مع زوجات الأبناء بدون سبب واضح، إلى أن يفطن أحد الأبناء ويقوم بمبادرة جريئة، ويصر أن يأخذ أمه معه في نزهة لأحد الأماكن التي لم تزرها من قبل، وهذا طبعا بعد إلحاح وإصرار من هذا الابن الذكي وكأنه قد أخذها عنوة من بيتها، الابن يشتري لها بعض الهدايا البسيطة لجيرانها، وأقاربها المقربين. وتعود الأم إلى البيت بعد ذلك وهي أحسن حالا، وأكثر تفهما.
نلاحظ في المثال السابق وبوضوح التواصل غير المباشر بين الأم وابنها، وأن هذا الابن قد حل مشكلة كبيرة في بيت العائلة بتصرف بسيط!. ولقد ذكرني موقف هذه الأم بنكتة لطيفة قرأتها: "تظاهرت أم بأنها مريضة، فأخذها ولدها إلى الطبيب، فقال له الطبيب: يا بني إذا أردت شفاء أمك فزوجها، فتزوجت الأم وهي كبيرة في العمر، فطلقها زوجها، ثم تظاهرت بالمرض مرة ثانية، فقال لها ابنها: هل أجلب لك الطبيب، فقالت له: لا داعي لذلك، أنت تعرف الوصفة من المراجعة السابقة ".
(2) التواصل الزائف أو المغشوش:
تَبْدو باسم الثغر دائما، منفتحَ على الآخرين، فأنت مستعد دائما للقاء الناس، ومنفتح في أغلب الأحيان، ولكنك غير صادقَ في أحاسيسك، وهذا الإصرارِ الظَاهِرِ على إظهار الترحيب بالآخرين وفي أي وقت، يَخفي نقص أساسي في الأمانةِ لديك. فأنت تقول دائما لمن تراه "إنت واحشني قوي، فينك من زمان، وشك ولا وش القمر، ده أنا بأنام أحلم بيك"، و "أنت في قرارة نفسك وضميرك تتمنى أن تنشق الأرض وتبتلعه من أمامك"، ولكنك لا تَستطيعُ أَنْ تظهر مشاعرك الدفينة أمامه، ولو حتى بإيماءات وجهك، في تلك السلوكيات بعض الجبن والخور؛ وكما قيل: "الجبناءُ يهربونَ من وجهِ الخطر، والخطرُ يهربُ من وجه الشجعان". ويُقال أيضا: "الجبانُ شخصٌ يفكّرُ بساقَيْهِ عندَ الخطر".
في هذا بعض العجز عن تأكيد ذاتك، فأنت في هذا تشبه بعض النسخ النمطيةُ: مثل البائع في المحل والذي تقتضي وظيفته ذلك، أو الطفل الصغير الذي يُقبّلُ السياسيين ويقدم لهم الزهور كتقليد متبع في استقبالهم، ولو كانوا من الظلمة المستبدين. يقول أرسطو: "ليست الشجاعة في أن تقول كل ما تعتقده، بل الشجاعة في أن تعتقد كل ما تقوله".
أما هؤلاء الناس الذين يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم فهم يلبسون أقنعة زائفة على وجوههم، وبداخلهم القليل من الرضا عن الحياةِ، وشعارهم عند المواجهة: ("لا شيء يُثيرُني"). يقول إبراهام لنكولن: "بإمكانك أن تخدع بعض الناس كلَّ الوقت، وأن تخدع كل الناس بعض الوقت، ولكن ليس بإمكانك أن تخدع كلَّ الناس كلَّ الوقت".
وبعيداً عن الخداع والنفاق غير المرغوبين كصفات من صالحي البشر تعالوا معي نستمع إلى هذا الفكر الراقي والحوار الجذاب، والذين نفتقدهما كثيراً في وقتنا الراهن:
نموذج للفكر والحوار الراقيين:
يُروى أن ملكا كان يطوف على رعاياه متخفيا في مملكته الواسعة، فأصابه عطش شديد، فوجد داراً طرق بابها فخرجت إليه امرأة بالغة الحسن، ناولته كأسا من الماء فشرب، وقد عرفت أنه الملك، فوقعت المرأة في قلبه، ورجع الملك إليها بعد ذلك بعد أن تأكد أن زوجها بعيدا عن البيت لفترة من الوقت، وليس في البيت غيرها، فراودها الملك عن نفسها، فخشت على نفسها وأهلها إن زجرته وصدته أن يبطش بها وبأهلها، وكأنها استعدت لهذا الموقف، فألقت إليه كتابا واستحلفته أن يقرأه، حتى تدخل إحدى الحجرات لتصلح من شأنها؛ فقرأ الملك صفحات من الكتاب؛ فاقشعر جلد الملك عندما قرأ تلك الصفحات، والتي احتوت على زجر ونهي وتهديد ووعيد للزاني والزانية من الله تعالى في الدنيا قبل الآخرة، فتاب واستغفر الملك من فوره، وخرج من البيت، كارها العودة إليه أبدا.
وعندما عاد الزوج من رحلته قصت له زوجته الصادقة العفيفة ما وقع بينها وبين الملك، وكأن زوجها قد شك في قولها، وظن أن شيئا ما قد حدث بينها وبين الملك، ولعب الشيطان برأسه، والتفريق بين الزوجين من أرجى الأعمال بالنسبة لإبليس الخبيث وأبنائه، فلم يقرب الزوج زوجته لفترة طويلة؛ فأخبرت المرأة أهلها بكل ما حدث، فرفع أحد أقاربها أمر زوجها للملك قائلا له: إن هذا الرجل أستأجر منا أرضا؛ فزرعها مدة ثم عطلها ولم يزرعها وهو لا يتركها لنؤجرها لمن يزرعها، وقد حصل الضرر للأرض، ونخاف فسادها بسبب التعطيل؛ لأن الأرض إذا لم تُزرع فسدت، فأحضر الملك زوج المرأة وسأله: ما يمنعك من زرع أرضك؟ فقال الزوج: أعز الله مولانا الملك، إنه قد بلغني أن الأسد قد دخل أرضي (يقصد الملك)، وقد هبته ولم أقدر على الدنو منها لعلمي بأني لا طاقة لي بالأسد، ففهم الملك أن الزوج يقصده؛ فقال يا هذا إن أرضك أرض طيبة صالحة لزرعك، فإن الأسد لم يزرع فيها، ولن يعود إليها، فازرعها بارك الله لك فيها، وأمر لهما الملك بهدايا ومال.
ونجد في هذه القصة، والتي ذكرها الدميري في كتابه "حياة الحيوان"، العديد من الفضائل، وأولها هذه الزوجة التقية النقية الصادقة العفيفة، وفوق كل ذلك أقول الحكيمة، فبحكمتها زجرت الملك الغافل عن الفحشاء والمنكر، وأعادته إلى حظيرة الطاعة لله تعالى، وكما ذُكر من قبل: "ويل للناس من حاكم لا حياء له"، ثم أنظر وفاءها لزوجها، وكان من الممكن أن تُطلق منه، لتلحق بعد ذلك بقصر الملك إن أرادت، كزوجة له، ثم انظر بعد ذلك إلى التكنية وجمال وروعة التشبيه في الحوار الرائع بين قريب المرأة والملك، ثم بعد ذلك بين زوج المرأة الصالحة والملك، وأعتقد أن المرأة قد أكدت ذاتها تماما بلباقة وحكمة في كل مواقفها، والأجمل أنها أعطت الملك الفرصة لكي يستعيد احترامه لنفسه، بعد أن أوشك أن يقع في وحل المعصية، والذي قد يضر بالمملكة كلها!.
فالملك قدوة وكما قيل: "الناس على دين ملوكهم"، فإذا كان الملك دنيئا فاحشا فما بالك بالعامة قبل الخاصة من رعيته، في مثل هذه المرأة يقول الدكتور مصطفى السباعي –رحمه الله-: "من عجيب أمر المرأة أنها أقوى سلطاناً على الرجل، وهي أضعف منه، وأكثر وفاءً له، وهو أغدر منها، وهي أكثر شكوى منه، وهي أهدأ منه بالاً، وألصق منه بأولادها، وهم يُنسَبون إليه، وهو أكثر تخريباً للبيت، وأقل حرصاً عليه، واهتماماً به، وهو أقل منها سُكنى له، وهي أقل منه عبادة، وهو أضعف منها إيماناً". ما أوقع هذه الكلمات من هذا الفيلسوف الحكيم.
ثم تعالى لنناقش موقف زوجها الغيور على زوجته، فهو يحب زوجته؛ ولكنه يخشى أن يكون قد حدث بينها وبين الملك شيئا تأباه غيرته ورجولته؛ ولكن براءة الصالحين يضمنها الله لهم ولو بعد حين، فيعترف الملك للزوج أنه لم يقربها لصلاحها، وكما قيل الاعتراف هو سيد الأدلة، وقد ذكرتني هذه القصة بقول لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: "ما زنى غيور قط"، وهو قول إن تقلبه على شتى الوجوه تجده واقعيا، لأن الغيور يخشى أن يعتدي أحد على عرضه، لذا فهو يتجنب الوقوع على أعراض الناس خيانة وغدرا.... أليس كذلك؟!