بتـــــاريخ : 3/13/2009 12:45:59 PM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1394 0


    كوكب الأشرار

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : كوكب الأشرار | المصدر : www.salafvoice.com

    كلمات مفتاحية  :
    اسرة امراة فتاه كوكب الأشرار
    كوكب الأشرار

    كتبه/ أحمد جميل

    الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

    يداك أوكتا... وفوك نفخ

    يضرب هذا المثل فيمن يقع في سوء عمله. وأصله أن رجلاً نفخ في قربة وربطها، ثم نزل بها يسبح في النهر، وكانت القربة ضعيفة الوكاء (أي الرباط) فتسرب هواؤها، وأوشك الرجل أن يغرق، فاستغاث برجل كان واقفاً على الشاطئ، فقال له: "يداك أوكتا وفوك نفخ ". يعني بذلك أنه هو الذي ربط ونفخ، فلا يلومن إلا نفسه.

    إن الحقيقة التي لا يريد أن يواجهها معظم الناس عند حدوث تقصير في أي أمر ديني أو دنيوي هي إرجاع التقصير لأنفسهم، وعدم إلقاء اللوم على الآخرين.

    لكن الطبع البشري هو دائماً البحث عن "شماعة" لتعليق الأخطاء عليها؛ هروباً من المسئولية، أو إسكاتا لصوت "الضمير"، أو الاثنين معاً.

    تأمل الأطفال عند عراكهم -أو حتى اختلافهم أثناء اللعب- تجد كل واحد يتهم الآخر، بل ربما يختلق الأكاذيب ليلقي عن عاتقه المتاعب.

    أهل المريض إذا ساءت حالته الصحية أو قدّرت له الوفاة، أول  من يشار إليه بسبابة الإهمال هم الأطباء ولا ريب.

    الآباء تكثر شكواهم من عقوق الأبناء، وسوء أخلاقهم، وتمردهم على كل نصح أو توجيه، فإن دققت النظر في الأمر وجدت تضييعاً من هؤلاء الآباء لأمانة التربية التي في أعناقهم، وإهمالاً جسيماً في رعاية النشء منذ البداية.

    أتبكي على لُبنى وأنت قتلتها             لقد ذهبت لُبنى فما أنت صانع؟

    وبالجملة فإن الهروب من واقع المسئولية وتبعاتها يدفع صاحبه إلى محاولة إقناع نفسه بأنه أدّى ما عليه، ولا عجب بعد ذلك أن تجد قائمة طويلة من الأعذار الواهية، أو التهم "المعلبة" التي يقذف بها الآخر.

    لكن هذه الإشكالية تضرب بجذورها في العمق حين تأخذ شكل الظاهرة، وتتفشى في المجتمع تفشي الأمراض الفتاكة، والتي ربما تكون كامنة في النفوس، لكنها ما تلبث أن تطفو على السطح مع أول فتنة أو مشكلة عامة تواجهها المجتمعات، فحينها -لاسيما مع غياب البعد الشرعي الديني- تنتشر انتشار النار في الهشيم، وتعصف بكل محاولة لوقفة تـَدَبُّر، أو لحظة تأمُّل، أو محاولة متريثة لاستقراءٍ سليمٍ منصف للأسباب الحقيقية لهذه الفتن أو تلك المشكلات، ومن ثمّ البدء في إيجاد مخرج من الفتن وحلّ للمشكلات.

    دعني أخي القارئ أدلل على مقصدي بمثال:

    "محاربة الفساد" هذا الشعار الذي يرفعه كثير من الناس وينادون به، بل تظهر التجمعات والهيئات التي تعمل من أجل تحقيقه على أرض الواقع، خاصة مع ما عمت به البلوى من الشكوى من الفساد على مستوى الأفراد والشعوب. ثم ترى العجب العجاب من اختلاف هؤلاء أنفسهم في تعريف الفساد وتحديد ضوابطه، وإن كانت الأغلبية تتفق في قصدها بالفساد أنه الرشوة والاختلاس و"المحسوبية"، وغسيل الأموال، والتواطؤ على خرق القانون، وتمييز بعض الناس في المجتمع بناءً على سلطة أو مال أو وجاهة اجتماعية،.... إلى غير ذلك من قائمة طويلة محفوظة.

    ووفق الشرع هنالك مفهوم أهم وأشمل لمعنى الفساد، وهو أن تُنحَّى الشريعة عن حياة الناس فتفسد حياتهم تبعاً لذلك، فلا تكاد تجد صلاحاً في أي ناحية من نواحي حياتهم، بل تجدهم يشار إليهم كرمز للتأخر والتخلف، فلا هم أرضَوْا ربهم باتباع شرعه، ولا رضي عنهم الناس حينما وجدوهم متحللين من دينهم.

    لكن الشاهد من هذا المثال السابق هو النظر كيف يحلل الناس ظاهرة الفساد، وكيف يعالجونها،... ومرة أخرى يقفز مرض الهروب من تحمل المسئولية ليتصدر في مناخ كهذا، فالكل يسب الواقع السيئ، والزمن الرديء الذي يعيش فيه، ولن تعدم عشرات الوقائع التي يدلل بها كل واحد على كلامه هذا.

    فإذا أردت أن تتأمل في حياة الكثيرين بعد ذلك، وجدت جُلّ القوم أنفسهم غارقين في الفساد -باصطلاحهم- حتى النخاع، وقد تعاطوه في معاملاتهم، وشربوا منه حتى الثُّمَالة.

    ومن العجائب والعجائب جمّة            أن تسخر القرعاءُ بالقرعاءِ

    في الوقت الذي لا يريد أحدهم أخذ خطوة إيجابية حقيقية لتغيير واقعه الذي يأباه، وبدلاً من أن يضيء شمعة، يكتفي بلعنه للظلام.

    بل وكأنّ "كوكباً للأشرار" في إحدى المجرات السماوية يقذف علينا كل أفعال الشر التي نرى صورها في الأرض، ويقذف معها الأشرار والمفسدين -ولا يخرجوا من بيننا نحن بني البشر-، ونغفل أو نتغافل عن وقفة مراجعة، أو لحظة محاسبة لأنفسنا، والناس تنتظر عدل العُمرَين -ابن الخطاب، وابن عبد العزيز-، وهم أظلم لأنفسهم ولبعضهم البعض من "الحَجّاج".

    أما النهج القرآني والنبوي فله مسلك آخر في شأن كهذا. دقق نظرك في نصوص الوحيين تجد الشرع يربط الابتلاء أول ما يربط بالذنوب والمعاصي بوصفه سبباً مباشراً لها، وأن ذلك من كسب بني آدم، واسمع إن شئت قول الله -تعالى-: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الروم:41)، وقوله -تعالى-: (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(آل عمران:165)،  وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(الأنفال:53)

    وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: (أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِى قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلاَّ فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِى لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِى أَسْلاَفِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا. وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلاَّ أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَؤُنَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ. وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلاَّ مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلاَ الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلاَّ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِى أَيْدِيهِمْ. وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ) رواه ابن ماجه، وصححه الألباني.

    وعن حذيفة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ) رواه الترمذي، وحسنه الألباني. وغير ذلك كثير...

    فإذا عُرف الداء سهل الأخذ بأسباب الدواء، ووضع اليد على سُبل الحل.

    بيد أنه المضحك -المبكي- في الوقت الحاضر أن تجد بعض الاتجاهات التي ترفع الراية الإسلامية، وتنشد "الإصلاح" تتكلم بنفس اللهجة وترتدي العباءة نفسها في معالجة خاطئة لواقع المجتمعات والشعوب، ففي حين يُنتظر منها عرضاً وتحليلاً وحلاً شرعياً لمعضلات الناس، إذ بك تُفاجأ بخطاب كلسان حال ومقال أهل الدنيا (علمانيين أو يمينيين أو يساريين)، في صورة هي أبعد ما تكون عن تطبيق شعار "الإسلام" الذي ترفعه، وتنحو هذه التيارات الإسلامية منحى اللعب بلعبة من صنع غيرها، بل ويحسنها الآخر أكثر منها.

    فتتكرر قصة إلقاء اللوم على الغير، والتنصل من المسئولية، في وقت كان يُنتظر ممن يرى البعض فيهم "أملاً للأمة" أن يتبوءوا مكانهم المرتقب، ويأخذوا بيد هذه الأمة نفسها للتغيير الحقيقي، والذي لا يُلتمس عند الشرق أو الغرب، بل يكون بادئ ذي بدء بإصلاح النفس، وتربية الجيل، والنقد الذاتي البنّاء، والمواجهة الشجاعة للأخطاء الداخلية لعلاجها، وتنشئة الأفراد على معاني العقيدة والإيمان، وعودة "روح الدين" لتُترجم واقعاً عملياً مشهوداً. (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ)(الرعد:11).

    وإلاّ.. فإذا أُهملت هذه المعاني الإيمانية، وحُقّر من شأن التربية الإسلامية، وعشنا معرضين عن ربط الأرض بالسماء، فوقتها مهما تغيرت "شماعات الاتهام"، وسقطت أصنام الفساد المصطنعة، فإنه سيحل محلها الجديد والمزيد من الفساد والمفسدين "الحقيقيين"، والذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا،

    ووقتها -وفقط- سيوجد بالفعل "كوكب الأشرار" حقيقة لا خيال، وإن حمل مجازاً اسم "كوكب الأرض".


    كلمات مفتاحية  :
    اسرة امراة فتاه كوكب الأشرار

    تعليقات الزوار ()