الفتح الإسلامى فى العصر العثمانى
بينما كان العالم الإسلامي يعانى من آثار الغزو الصليبى المرير بحملاته السبعة, ومن الدمار الذى ألحقته به الهجمتان المغوليتان: الأولى بقيادة هولاكو, والثانية بقيادة تيمور لنك, وقف العالم الإسلامى يضمد جراحه التى نزفت كثيرا، فاستنزفت طاقته أو كادت, ودب بسبب ذلك الضعف فى الدولة الإسلامية, وتوقفت الفتوحات فى هذا الوقت من الزمان, وفى حالة من الضعف والهوان جاء العثمانيون ليحققوا واحدة من أكبر موجات الفتح والانتشار فى التاريخ, تلك التى يمكن تسميتها بالموجة الثالثة من موجات الفتح الإسلامى بعد موجة الفتح في الخلافة الراشدة, وموجة الفتح فى الدولة الأموية.
فقد انطلق العثمانيون على جناح الإيمان الشاب فى قلب القارة الأوربية, لا يلوون على شيء لتحقيق الهدف الذى عجز عنه المسلمون فى الأندلس, وهو تحويل القارة الأوربية إلى أرض إسلامية, فتهاوت أمام ضرباتهم دول ومماليك وكيانات, فصعدوا شمالاً حتى دخلوا بولاندا, ويمموا غربا حتى دقوا أبواب فيينا.
وقد بدأت الفتوحات بتسليم عثمان الدولة, وهو الذى تنسب إليه الدولة العثمانية, وذلك أنه لما تسلم زمام الحكم نادى بالجهاد, فتجمع حوله المجاهدون من آسيا الصغرى وقبائل الترك, فاستأنف الحرب ضد البيزنطيين, فاتجه إلى بحر مرمار والبحر الأسود, وواصل ابنه المهمة, فدخل أزمير سنة (1327م) وحاول البيزنطيون استخلاص نيقية على الأقل من أيدى المسلمين, ولكنهم هزموا سنة (1330م).
وفى سنة (1362م) اتجه اهتمام العثمانيين نحو شبه جزيرة البلقان, حيث كان عدد من صغار الحكام يتنازعون السلطان فراحوا يتساقطون واحداً إثر واحد فى قبضة العثمانيين الذين كانوا جادين فى تحقيق أهدافهم.
وفى نفس العام فقد البيزنطيون أدرنة, فاتخذها العثمانيون عاصمة لهم حتى فتحوا القسطنطينية وحاول البابا أوربانوس الخامس أن يدعو النصارى إلى صليبية تستنقذ أدرنة من أيدى المسلمين, ولكن عبثاً.
وفى سنة (1371م) شن الصرب هجوماً على العثمانيين, ولكنهم هُزموا هزيمة شنعاء على ضفاف نهر مريج, فانتهوا إلى أن يفقدوا ممتلكاتهم فى مقدونيا.
فى سنة(1385م) دخل العثمانيون صوفيا ونيسن وأتموا فتح مقدونيا, ثم فتحوا سالونيك وتوغلوا فى شمالى بلاد اليونان.
في سنة (1387م) عقد البلغار والصرب والبشناق حلفاً لمجابهة الفاتحين وحققوا انتصارا فى بادئ الأمر, ولكن ما لبث العثمانيون أن ثأروا لهزيمتهم فاكتسحوا مدينة ترنوة وشملا وطوقوا قيصر بلغاريا فى نيقوبوليس على نهر الدانوب, ولكنهم صالحوه على أن يدفع الجزية, فلما خرق هذا الاتفاق حاصروه وأكرهوه على التسليم دون قيد أو شرط.
وفى سنة (1389م) التقى العثمانيون بالقوات الصربية تساندها جيوش إضافية من المجر والبشناق والبلغار والألبانيين فى ميدان الطيور السود فى واحدة من أعنف المعارك وانتصر العثمانيون على القوات الصربية وأُسر ملك الصرب.
وفى سنة (1390م) فقد البيزنطيون آخر ممتلكاتهم فى آسيا الصغرى, وبعد ثلاث سنوات تم إخضاع البلغار خضوعاً تاماً.
وفى سنة (1443م) رحب النصارى بإعلان البابا أوجانيوس الرابع للحرب ترحيباً حماسياً فى المجر وبولاندا, وهما أقرب إلى الخطر من بلدان أوروبا الأخرى وأيضاً فى ألمانيا وفرنسا, وغادر الجيش الصليبى مدينة بودابست, وهُزم شر هزيمة فى فارنا, وقُتل الملك المجرى, وحاول الملك الذى جاء بعده أن يغسل عار فارنا بعد أربعة سنوات فسار إلى بلاد الصرب, فلقيه العثمانيون وهزموه بعد معارك حامية.
وفى سنة (1451م) تولى محمد الثانى الحكم وجعل هدفه فتح القسطنطينية, وقد تم له ذلك فى سنة(1453م) وصرع الإمبراطور البيزنطى فى هذه المعارك, ودخل محمد الفاتح بنفسه إلى المدينة وتوجه إلى كنيسة آيا صوفيا, واستولى عليها رسميا, واتخذ محمد الفاتح القسطنطينية عاصمة للدولة, ثم سعى بعد ذلك إلى فتح شبه الجزيرة البلقانية حيث كان المجر الأشداء فى الحرب لا يزالون يتهددونها بحكم قربهم من تلك الديار, فكان من المحتوم عليه أن يستولى على بلاد الصرب لكى يضمن لجيشه قاعدة ثابتة يستطيع الانطلاق منها لحرب المجر, وقد أتيح له تحقيق هدفه سنة (1458م) وبعد أقل من عشر سنين اكتسح ألبانيا وأضافها إلى دولة الإسلام وألحق بالبنادقة والجنويين هزائم فادحة, وجعل من الأرخبيل بحيرة عثمانية.
وفى سنة(1521م) كان الانتصار الحاسم على الساحة الأوروبية الذى تحقق بدخول العثمانيين بلجراد, واستأنف الحرب ضد المجر, وقتل ملك المجر الشاب لويز فى موقعة موهاك, وقتل معه صفوة رجاله.
وفى سنة (1526م) دخل المسلمون بودابست,ثم توجهوا إلى فيينا.
ومن هنا ترى أن أوروبا كانت قد أعدت العدة للانقضاض على الدولة الإسلامية لولا أن الله قيض لهذه الأمة الخلفاء العثمانيين, ففتح الله بهم البلاد ومَصَّر الأمصار.
لقد كانت الخلافة العثمانية قوة ترتعد لها فرائص أوروبا وكان ملوك أوروبا يخطبون ودهم ومكثت هذه الخلافة خمسة قرون تؤدى الدور الأول فى حياة المسلمين من إقامة الدولة وحماية البيضة, والدعوة إلى الله, والجهاد فى سبيله, وتطبيق شرع الله, وكان كثير من الخلفاء العثمانيون يشعرون بمسؤليتهم أمام الله, ويعملون ما استطاعوا من خدمة المسلمين كما كان هناك البعض الذى قصر فى مسؤولياته, وأخطأ فى التطبيق, ولكن مهما كانت أخطاء بعض الخلفاء العثمانيين فقد شكلوا قوة وصنعوا للإسلام هيبة فى الشرق والغرب, وصنعوا مجداً وعزاً للإسلام، وهذا ما دفع أعداء الإسلام إلى الخوف من الخلافة الإسلامية ـ فهل أوروبا تعاود الكرة وتنتقم للماضى؟ وهل للمارد الإسلامى أن يعود من جديد؟