د. جمال عبد الله باصهي
سرطان البروستاتا هو ثاني سرطان يهدد الرجال بعد سرطان الرئة، وهو شائع الحدوث؛ ففي أمريكا مثلايصيب سرطان البروستاتا حوالي مئة وثمانين ألف شخص سنويًّا، فما هو سرطان البروستاتا؟ وما هي العوامل المساعدة على ظهوره؟ وهل نستطيع أن نقي أنفسنا من هذا المرض الخبيث؟ فى هذا المقال سوف نجيب على هذه الاسئلة
غدة البروستاتا إحدى مكونات الجهاز التناسلي للرجل (أي إنها لا توجد في المرأة) وهي مثل الليمونة أو التفاحة في حجمها وتقع أمام المستقيم وتحت المثانة البولية، ويمر وسطها الاحليل البولي الداخلي، والذي ينقل البول من المثانة إلى الاحليل البولي الخارجي في القضيب (أي العضو التناسلي للرجل) وفي داخل البروستاتا يلتقي مجرى البول والمني ليكونا مجرى واحدًا إلى الاحليل البولي الخارجي ، لذلك فإن أي التهاب أو تضخم أو ورم ب البروستاتا ينعكس سلبًا على كفاءة الوظيفة الجنسية للرجل، وكذلك أعراض تأخر وضعف سريان البول.
وظائف غدة البروستاتا
لم يتعرف العلماء حتى الآن على كل وظائف البروستاتا؛ إلا أن ما هو معروف منها هو إفراز البروستاتا لسائل لبني أثناء العملية الجنسية ويشكل حوالي الربع من الكمية الكاملة للمني و يساعد هذا السائل على تغذية الأمشاج المنوية للرجل و إمدادها بالطاقة التي تساعد على حركة الأمشاج للوصول إلى مكان تواجد البويضة في رحم المرأة، كما تحيط بغدة البروستاتا عضلات تنقبض أثناء قذف الرجل للمني عبر القضيب، ولأن كل هذه الوظائف متعلقة بالوظيفة الجنسية والتناسلية للرجل نسبت هذه الغدة للجهاز التناسلي ولم تنسب للجهاز البولي. وهناك فائدة أخرى هي إفراز البروستاتا لمضادات البكتريا والتي تساعد على الوقاية من التهابات البول الجرثومية.
ما هو سرطان البروستاتا؟
السرطان هو نمو عشوائي مستمر شاذ لنوع محدد من الخلايا المشاركة في تكوين عضو معين من أعضاء الجسم، وفي سرطان البروستاتا نجد أن الخلايا تنمو وتنقسم وتتكاثر بشكل غير مرغوب مكونة ورمًا في البروستاتا، وإذا لم يكتشف هذا الورم مبكرًا فإن هذه الخلايا السرطانية تنتقل إلى أعضاء أخرى كالعظام والرئة والكبد مكونة أوراما أخرى في هذه الأعضاء بما يعرف بسرطان البروستاتا المنتشر وهي حالة أخطر مقارنة بوجود الورم في البروستاتا فقط.
الفرق بين تضخم البروستاتا الحميد و سرطان البروستاتا
تضخم البروستاتا الحميد هو حالة تظهر عند جميع الرجال ممن تعدى عمرهم الخمسين سنة حيث تتضخم غدة البروستاتا محدثة أعراضًا مثل ضعف سريان واندفاع البول وتكراره وخاصة أثناء الليل، وهي حالة حميدة لم يعرف العلم سببًا لها حتى الآن، وتكاد أن تكون من متلازمات الشيخوخة التي لا مفر للإنسان منها، وتختلف حالة تضخم البروستاتا الحميد اختلافا كاملاً عن سرطان البروستاتا حيث إن الخلايا في تضخم البروستاتا الحميد لا تنقسم، وإنما يزداد حجمها فقط كما لا ينتشر المرض إلى أعضاء أخرى كما هو الحال في سرطان البروستاتا.
أعراض وعلامات سرطان البروستاتا
كثير من مرضى سرطان البروستاتا لا توجد عندهم أعراض وعلامات ولا يكتشف المرض عندهم إلا في حالات متأخرة يكون الورم قد زاد أو انتقل إلى أعضاء أخرى في الجسم. وهناك مرضى آخرون تظهر عندهم أعراض وعلامات مثل: وجود دم في البول أو المني – الحاجة للبول وخاصة أثناء الليل - ألم أثناء التبول – ضعف اندفاع ونزول البول- ألم مستمر في أسفل الظهر وأعلى الفخذين ( ملاحظة هامه: هذه الأعراض لا توجد فقط في سرطان البروستاتا، بل إنها قد توجد لأسباب حميدة كثيرة أخرى مثل التهاب البروستاتا المزمن أو تضخم البروستاتا الحميد).
ما هو سبب سرطان البروستاتا؟
لم يكتشف العلم حتى الآن السبب الرئيس لسرطان البروستاتا؛ إلا أن الإنسان بما وفقه الله من علم ومعرفة استطاع أن يقلل من وفيات هذا المرض الخبيث وذلك من خلال آلاف الأبحاث العلمية التي تركز مجالها في محوريين: الأول دراسة العوامل المساعدة لظهور سرطان البروستاتا. و المحور الثاني الأساليب والطرق التي إما تساعد في الكشف المبكر عن هذا المرض أو تقلل من نسبة ظهوره، وبتجميع نتائج كل هذه الأبحاث نستطيع أن نلخص طرق ووسائل الوقاية من سرطان البروستاتا.
الوقاية من سرطان البروستاتا
1- الاكتشاف المبكر لسرطان البروستاتا
لما رأى الأطباء أن سرطان البروستاتا يبدأ بالظهور أكثر بعد سن الأربعين حيث يصيب في هذا السن واحد من كل 2500 شخص وفي سن الخمسين يصيب واحد من كل 470 شخص، وهكذا تزداد النسبة كلما زاد عمر الإنسان، لهذا السبب وضع برنامج للكشف والفحص المنتظم عند هؤلاء الرجال لغرض الكشف المبكر عن سرطان البروستاتا ويتمثل هذا البرنامج بالفحص الشرجي المنتظم من قبل الطبيب لكل رجل تعدى سن الخمسين سنة ورغم بساطة هذا الفحص فهو لا يحتاج من الوقت سوى عشرة دقائق ولا يحتاج إلى جهاز أو نحوه؛ إلا أننا نجد الكثير من كبار السن لا يلتزمون بهذا الفحص من باب الحياء ويقوم الطبيب من خلال الفحص الشرجي بملامسة الجدار الخلفي للبروستاتا ومعرفة ما إذا كان بها ورم أو كانت ذات سطح خشن غير ناعم. أما الفحص الثاني فيتم فيه قياس نسبة مادة بروتينية خاصة توجد في الدم وتفرز من البروستاتا ويعتبر زيادتها عن المستوى الطبيعي مؤشر أولي لاحتمالية إصابة البروستاتا بالسرطان أو بالالتهاب أو التضخم الحميد وتسمى هذه المادة بـ prostate specific antigen وكلا الفحصين لا يعطيان التشخيص النهائي في حالة وجود سرطان البروستاتا -لا سمح الله-، وإنما يعطيان الطبيب الدافع القوي لعمل فحوصات أخرى في حالة أن يكون هذان الفحصان غير طبيعيين.
2- الزنا أحد أسباب سرطان البروستاتا
إضافة إلى الأمراض الجنسية الكثيرة التي يسببها الزنا كالإيدز والهربس؛ فإن فاحشة ومعصية الزنا مصدر رئيس لإصابة البروستاتا بالتهابات جمة قد يكون بعضها صعب العلاج الأمر الذي يتلف أنسجة البروستاتا ويحولها بدلاً من عضو غض ورطب يسّهل عملية البول والاتصال الجنسي إلى صخرة خشنة صماء تحرم صاحبها من نعمة التمتع بالجنس وتحول حياته إلى جحيم مع زيادة أعراض صعوبة التبول أو احتباسه.
وفي بحث جديد وجد أن سرطان البروستاتا يزيد عند الرجال الذين يمارسون فاحشة الزنا، فقد وجد الباحثون في جامعة إلينوي الأمريكية بعد متابعة 1456 من الرجال تراوحت أعمارهم بين 40 - 64 عامًا, أن خطر إصابة الرجل بسرطان البروستاتا يزداد مع وجود عدة شركاء من الجنس الآخر, تمامًا كالنساء اللاتي يزيد خطر إصابتهن بسرطان عنق الرحم في حال وجود عدة شركاء من الرجال. ولاحظ هؤلاء أن خطر المرض عند الرجال الذين ارتبطوا بعلاقات محرّمة مع 30 شخصًا أو أكثر من الشركاء الجنسيين زاد بين سن الأربعين أو الستين حوالي الضعف، مقارنة مع الرجال في الفئة العمرية نفسها ممن كان لديهم شريكة واحدة فقط. وأشار باحثو إلينوي إلى أن تكرار الممارسات الجنسية المقصورة على شريكة واحدة لا يؤثر على تطور سرطان البروستاتا عند الرجال, بعد استبعاد عوامل الخطر مثل التقدم في السن والعِرق وسن الرجل عند الممارسة الجنسية الأولى، والاستعداد الوراثي للإصابة بالمرض. وقد حرم ديننا الحنيف الزنا؛ بل و حرم أيضا كل ما يؤدي إليه من مقدمات الزنا كالخلوة مع المرأة الأجنبية أو إطلاق البصر للمحرمات (قال تعالى :" ولا تقربوا الزنى إنه كان فاحشة وساء سبيلاً " [الإسراء: 32 ]) كما وضع الإسلام منهجًا فريدًا للوقاية من الفواحش الجنسية ويتمثل في حث الشباب على الزواج المبكر ورخصة تعدد الزوجات للرجل المقتدر ماليًا و جسديًّا.
3- التدخين وعلاقته بسرطان البروستاتا
أثبتت كثير من الدراسات العلمية خطر التدخين على البروستاتا، حيث يشارك في التهابها وكعامل مساعد لأصابتها بالسرطان؛ لذلك.. فإن التوقف والإقلاع عن التدخين من الأمور المهمة في المحافظة على صحة البروستاتا، ولقد دعا الإسلام إلى حفظ خمسة أشياء: وهى النفس والعقل والمال والدين والعرض. والآن وقد أتفق الأطباء والعلماء على أضرار التدخين والتي تمس على الأقل الأربع نقاط الأولى التي دعا الإسلام لحفظها فإن الفقهاء لا يجدون حرجًا في تحريم التدخين معتمدين على كثير من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة ومنها قول الله تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث)، والدخان من الخبائث، و قال تعالى: ( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة) والدخان يوقع في الأمراض المهلكة كالسرطان والسل، وقال الله تعالى: (و لا تقتلوا أنفسكم) والدخان قتل بطىء للنفس، وقال الله تعالى:(وإثمهما أكبر من نفعهما) والدخان ضرره أكبر من نفعة, بل كله ضرر.
4- المبيدات الزراعية وعلاقتها بسرطان البروستاتا
قال باحثون أمريكيون إن المزارعين الذين يستخدمون مبيدات بعينها يعانون فيما يبدو من ارتفاع احتمال إصابتهم بسرطان البروستاتا. وأكد الباحثون الذين نشروا دراستهم في الدورية الأمريكية لعلم الأوبئة نتائج دراسات سابقة تظهر أن المزارعين يتعرضون أكثر من غيرهم لاحتمالات الإصابة بهذا السرطان. ويظهر هذا أن احتمال الإصابة بسرطان البروستاتا يزيد بنسبة 14% بين من يتعاملون مع المبيدات مقارنة مع بقية السكان. كما تهدد المبيدات الحشرية متعاطيين شجرة القات والتي تكون عادة مليئة بالمبيدات الحشرية و التي يحرص المزارعون على كثرة إضافة المبيدات والأسمدة الكيماوية عليها حتى تنمو وتحصد بأسرع وقت ممكن، ليحققوا أرباحًا مالية كبيرة على حساب صحة الآلاف من الناس الذين يتعاطون هذه الشجرة التي تعتبر زراعتها وتعاطيها محرمة دينيًّا ودوليًّا في كثير من بلدان العالم.
5- الغذاء للوقاية من سرطان البروستاتا
أوصى معهد السرطان الأمريكي بتناول الغذاء الذي يحتوي على الخضار والفواكه كعامل مساعد للوقاية من سرطان البروستاتا كما نصح بعدم الإكثار من أكل اللحوم الحمراء والكثيرة الدسم، كما أشار عدد من الأبحاث الأخرى إلى أن تناول أنواع من المواد الغذائية من شأنها التقليل من نسب حدوث سرطان البروستاتا ومن هذه الأبحاث الآتي:
أ- كشفت دراسة طبية جديدة عن فائدة مهمة للثوم والبصل في تقليل مخاطر إصابة الرجال بسرطان البروستاتا. ووجد العلماء أن الأطعمة الغنية بالثوم والبصل والكرّاث, تقلل تعرض الرجال للإصابة بسرطان البروستاتا بحوالي النصف, بسبب احتوائها على مركبات "آليوم" النشطة ضد الشوارد الحرة الضارة التي تتكون طبيعيًّا في الجسم بعد معالجة الطعام, وتؤدي إلى الشيخوخة المبكرة ونمو السرطان. ويرى العلماء أن على الرجال أن يتناولوا عشرة غرامات على الأقل من الثوم والبصل والكرّاث والخضراوات الشبيهة, يوميًّا للتمتع بأفضل حماية, مشيرين إلى أن هذا المقدار يعادل فصين ونصفا من الثوم النيئ, ولكنه غير مقبول للكثيرين، لذلك فإن فصًا واحدًا من الثوم المطبوخ قليلاً مع حصص جيدة من الخضراوات الأخرى قد يفي بالغرض.
ب- توصلت دراسة أجراها باحثون إلى أن الاستهلاك اليومي للشاي الأخضر يخفف من خطر الإصابة بسرطان البروستاتا. وقال البروفسور كولن بينز من جامعة كورتن في بيرث (غرب أستراليا) لصحيفة (west australian ): إن باحثين صينيين قارنا حالات 130 صينيًّا مصابين بسرطان البروستاتا مع 274 آخرين لا يعانون من هذا المرض. وأضافا أن النتيجة أظهرت أن خطر الإصابة بسرطان البروستاتا يتراجع ثلاث مرات لدى الرجال الذين يشربون الشاي يوميًّا مقارنة مع الرجال الذين لا يشربون الشاي.
ج- كشفت دراسة أن تناول السمك الدهني مثل السالمون والرنجة أو الماكريل قد يقلل بصورة ملحوظة من مخاطر الإصابة بسرطان البروستاتا. وقال باحثون فنلنديون من معهد كارولينسكا في ستوكهولم بالسويد: إن تحاليل أجريت لرجال لم يتناولوا سمكًا خلال فترة 30 عامًا أظهرت أنهم أكثر عرضة للإصابة بسرطان البروستاتا بمرتين أو ثلاث مرات ممن يتناولون السمك.