بتـــــاريخ : 6/28/2009 1:51:43 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1702 0


    صَدِيقَتِي الَّتِي أُحِبُّهَا وَتُحِبُّنِي

    الناقل : elmasry | العمر :42 | المصدر : www.9ll9.com

    كلمات مفتاحية  :
    قصة صديقتي احبها تحبني قصص

    «رَمْلُ الشَّاطِىء حَارٌّ جِدًّا… أَشْعُرُ بِحَرَارَتِهِ الشَّدِيدَةِ رَغْمَ حِذَائِي السَّمِيكِ…».
    «أَشِعَّةُ الشَّمْسِ مُحْرِقَةٌ.. رَغْمَ أَنِّي أَحْمِلُ مِظَلَّتِي الصَّغيرةَ الْمُلَوَّنَةَ».
    «لَمْ أَسْتَطِعْ تَنَاوُلَ الْآيس كريم اللَّذيذِ.. ذَابَ قَبْلَ انْتِهَائِي مِنْهُ.. كَادَ يُبَلِّلُ ثِيابِي..».
    «الْقَمَرُ أَلْطَفُ مِنَ الشَّمْسِ.. لاَ يُزْعِجُنِي».
    عَادَتْ مُسْرِعَةً إِلى الْبَيْتِ… قَالَتْ:
    «أُمِّي.. مَنِ الْأَكْبَرُ وَمَنِ الْأَنْفَعُ.. الشَّمْسُ أَمِ الْقَمَرُ؟».
    تَبَسَّمَتِ الْأُمُّ… قَالَتْ:
    «الشَّمْسُ أَكْبَرُ بِكَثِيرٍ مِنَ الْقَمَرِ، لِكُلٍّ مِنْهُمَا فَوائِدُهُ وَمَنَافِعُهُ، ولِلشَّمْسِ فَضِيلَةٌ عَلى الْقَمَرِ؛ نُورُهُ مُستَمَدٌّ مِنْ ضَوْءِ الشَّمْسِ».
    اسْتَغْرَبَتْ سُعاد..
    قَالَتْ ضَاحِكةً: «هَلْ تَقْصُدِينَ أَنَّ الشَّمْسَ مَحَطَّةُ كَهْرُباءٍ.. بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْقَمَرِ أَسْلاَكٌ كَهْرُبَائِيَّةٌ..».
    الْأُمُّ: «بِالتَّأْكِيِد، لَيْسَ كَمَا تَقُولِينَ يَا سُعَادُ..
    الشَّمْسُ بَعِيدَةٌ جِدًّا عَنِ الْقَمَرِ..
    لَكِنَّ الْقَمَرَ مِثْلُ مِرْآةٍ عَاكِسَةٍ، يَسْتَقْبِلُ ضَوْءَ الشَّمْسِ ثُمَّ يُرْسِلُهُ مِنْ جَديدٍ إِلى الْأَرْضِ..
    لَكِنْ دُونَ حَرَارَةٍ..».
    «لَكِنَّ الشَّمْسَ لا تَكُونُ فِي اللَّيْلِ.. وَالقَمَرُ يَأْتِي فِي الظَّلامِ..».
    «هذا صَحِيحٌ يَا سُعَادُ، الشَّمْسُ تَبْقَى فِي مَكَانِهَا، تُرْسِلُ ضَوْءَهَا، نَحْنُ لا نَراهَا لِأَنَّها تَكُونُ فِي الجِّهَةِ الْأُخْرَى مِنَ الْأَرْضِ.. أَنْتِ تَعْلَمِينَ أَنَّ الْأَرْضَ تَدُورُ والشَّمْسُ ثَابِتَةٌ، الْقَمَرُ يَدُورُ وَيَتَحَرَّكُ مِثْلَ الْأَرْضِ.. نَرَاهُ يَكْبرُ وَيَصْغُرُ.. وَأَحْيَاناً يَخْتَفِي..
    الشَّمْسُ والْقَمَرُ نِعْمَتَانِ عَظِيمَتَانِ لَوْلاَهُمَا لِمَا عَرَفْنَا اللَّيْلَ وَلاَ النَّهارَ، وَلاَ عَرَفْنَا حِسابَ السِّنينَ والأعوامِ.
    كَمَا أَنَّ الْأَقْمَارَ وَالنُّجُومَ كانَتَا دليلَ الْمُسَافِرينَ فِي الصَّحْرَاءِ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْبُوصْلَةِ وَالطُّرُقَاتِ الْحَدِيثَةِ…».
    «أُمِّي..».
    «نَعَمْ..».
    «أُرِيدُ أَنْ أَقُولَ لَكِ شَيْئاً وَبِصَرَاحَةٍ..».
    «تَفَضَّلِي يَا حَبِيبَتِي..».
    «أَنَا أُحِبُّ الشَّمْسَ أَكْثَرَ مِنَ الْقَمَرِ.. لكِنَّ الشَّمْسَ لاَ تُحِبُّنِي، أُرِيدُهَا صَدِيقَتِي.. لكِنَّهَا لاَ تُحِبُّني..».
    تَضْحَكُ الْأُمُّ وَتَقُولُ:
    «الشَّمْسُ لاَ تُحِبُّكِ؟!
    مَنْ قَالَ لَكَ ذلِكَ يَا سُعَادُ؟
    الشَّمْسُ لاَ تَكْرَهُ أَحَداً.. هِيَ تَقُومُ بِوَاجِبِها بِكُلِّ إِخْلاَصٍ. إِنَّهَا تَحْرِقُ نَفْسَهَا، تُبَدِّدُ طَاقَتِهَا لِتَنْشُرَ الدِّفْءَ وَالنُّورَ عَلَى الدُّنْيَا..».
    سُعَاد: «كُلَّمَا خَرَجْتُ إِلَى الْحَدِيقةِ لِأَلْعَبَ، أشْعُرُ أَنَّ الشَّمْسَ تُؤْذِينِي بِحَرَارَتِهَا وَخُصُوصاً فِي فَصْلِ الصَّيْفِ..
    عِنْدَمَا أَخْرُجُ لِلتَّنَزُّهِ أضطرِ لِلاحْتِمَاءِ مِنْهَا بِالْمِظَلَّةِ أَوْ خَلْفَ سِتَارٍ أَوْ تَحْتَ الْأَشْجَارِ..».
    الْأُمُّ: «سُعادُ.. أَنْتِ تُثِيرِينَ عَجَبِي…
    أَتُرِيدِينَ مِنَ الشَّمْسِ أَنْ تَكُفَّ عَنْ عَمَلِهَا؟! هِي تَسِيرُ بِأَمْرِ اللَّهِ، تُنَفِّذُ أَوامِرَهُ بِدِقَّةٍ مُتَنَاهِيةٍ، لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُعْصِيهِ أَوْ تَتَمَرَّدَ عَلَيْهِ.
    كَيْفَ يُمْكِنُ لِلشَّمْسِ أَنْ تَكُونَ عَدُوَّتَكِ وَهِيَ تَمْنَحُكِ أَسْبَابَ الْحَيَاةِ؟! كُلُّ شَيْءٍ فِي الدُّنْيَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا.. هَلْ تَتَخَيَّلِينَ الدُّنْيَا مِنْ دُونِ الشَّمْسِ؟!
    سَوْفَ تَتَحوَّلُ الْأَرْضُ إِلَى كُرَةٍ جِلِيدِيَّةٍ ضَخْمَةٍ..
    لاَ تَبْقَى فِيها حياة..
    سُعَادُ: «أَنَا أُحِبُّ الشَّمْسَ.. أُرِيدُ أَنْ تَكُونَ صَدِيقَتِي.. لَكنَّهَا تُؤْذِينِي وَالْقَمَرُ لاَ يُؤْذِينِي..».
    الْأُمُّ: «هَلْ تَعْنِي الصَّدَاقَةُ أَنْ يَتَخَلَّى الْإِنْسَانُ عَنْ وَاجِبَاتِهِ؟.. وَكَذلِكَ الشَّمْسُ، لاَ بُدَّ أَنْ تَقُومَ بِدَوْرِهَا..
    الشَّمْسُ تُحِبُّكِ.. لَوْ لَمْ تَكُنْ تُحِبُّكِ لَفَعَلَتْ مِثْلَمَا تُرِيدِينَ… وَخَفَّفَتْ مِنْ ضَوْئِهَا وَوَهْجِهَا.. سَوْفَ تَرْتَاحُ هِيَ وَتَمُوتُ الْكَائِنَاتُ الْحَيَّةُ ثُمَّ تَنْعَدِمُ الْحَيَاةُ فَوْقَ الْأَرْضِ.. وَهَذَا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا، فَالشَّمْسُ تَعْمَلُ مُنْذُ آلافِ السِّنِينَ… لَمْ تَتَوَقَّفْ عَنِ الْعَمَلِ لَحْظَةً وَاحِدَةً».
    سُعَاد بِانْدِهَاشٍ: «كُلُّ هذَا سَيَحْدُثُ؟!».
    الْأُمُّ: «رُبَّمَا أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ..
    أَرَأَيْتِ يَا سُعَادُ أَنَّ الشَّمْسَ تُحِبُّكِ عِنْدَمَا تُرْسِلُ أَشِعَّتَهَا الْقَوِيَّةَ؟!».
    سُعاد: «نَعَمُ.. كَلاَمُكَ حَقٌّ..».
    قَامَتْ سُعَادٌ مُسْرِعَةٌ..
    الْأُمُّ: «إِلى أَيْنَ يَا سُعَادُ».
    سُعَادُ: «إِلَى الْحَدِيقَةِ لِأَلْعَبَ مَعَ صَدِيقَتِي الشَّمْسِ الَّتِي تُحِبُّنِي».
    الْأُمُّ: «لكِنْ لاَ تُطِيلِي الْوَقْتَ.. حَتَّى لاَ تَشْغَلِي الشَّمْسَ عَنْ عَمَلِهَا..».
    صَدِيقَتِي الْمُخْطِئَة… عَفْواً
    «كُنْتُ مُخْطِئَةٌ بِالتَّأْكِيدِ عِنْدَمَا اعْتَقَدْتُ أَنَّهَا صَدِيقَتِي الْمُقَرَّبَةُ…».
    «هذِهِ الرِّحْلَةُ أَتْعَسُ رِحْلَةٍ فِي حَياتِي… لَيْتَنِي لَمْ أَذْهَبْ..».
    «الصَّداقَةُ.. أَيْنَ الصَّداقَةُ؟! لَمْ أَعُدْ أُرِيدُ مُصَادَقَةَ أَحَدٍ..
    لِأَكُنْ صَدِيقَةَ نَفْسِي فَقَطْ…».
    «لماذا فَعَلْتُ هكَذا؟! لَمْ أَضُرَّها يَوْماً فِي حَياتِي.. لَقَدْ خَذَلَتْنِي عِنْدَمَا احْتَجْتُ إِليها.. لاَ أُطِيقُ تَذَكُّرُ مَا حَدَثَ..».
    كانَتْ تَمْشِي خُطُواتٍ مُتَثَاقِلَةٍ..
    عَادتْ مِنْ رِحْلَةٍ إِلى حَدِيقَةِ الْحَيَوانِ؛ لَم تَكُنْ سَعِيدةً كَعَادَتِهَا..
    دَخَلَتْ غُرْفَتَهَا… أَغْلَقَتِ الْبَابَ دُون أَنْ تَتَكَلَّمَ مَع أَحَدٍ..
    أَحَسَّتِ الْأُمُّ أَنَّ ابْنَتَهَا لَيْسَتْ عَلى مَا يُرامُ..
    جَهَّزَتِ الْأُمُّ الطَّعَامَ… نَادَتْ:
    «مُنَى.. هَيَّا تَعَالَيْ.. الطَّعَامُ جَاهِزٌ.. أَلَسْتِ جَائِعَةً بَعْدَ نَهارِكِ الطَّويلِ؟».
    جَاءَتْ مُنَى وَجَلَسَتْ مَعَ أُمِّهَا تَتَنَاوَلانِ الطَّعَامَ، لكِنَّهَا لَمْ تَأْكُلْ بِشَهِيَّةٍ، بَدَتْ كَأَنَّهَا مُنْزَعِجَةٌ مِنْ أَمْرٍ مَا… بَعْد الغَداءِ قَامَتْ وَسَاعَدَتْها فِي تَنْظِيفِ الْأَطْبَاقِ.
    سَأَلَتِ الْأُمُّ: «رِحْلَةُ الْيَوْمِ شَيِّقَةٌ.. أَلَيْسَ كَذلِكَ؟!».
    نَظَرَتْ مُنَى إِلى وَجْهِ أُمِّهَا.. وَانْفَجَرَتْ بِالْبُكَاءِ..
    حَضَنَتِ الْأُمُّ ابْنَتَهَا: «أَأَزْعَجَكِ سُؤَالِي إِلى هذا الْحَدِّ؟! آسِفَةٌ يا ابْنَتِي..».
    ــــ «حَديقَةُ الْحَيوانِ مُزْعِجَةٌ لا أُحِبُّهَا لاَ أُرِيدُ الذَّهَابَ إِليْهَا ثَانِيةً».
    ــــ «لَم يَكُن هذا رَأْيُكِ فِي السَّابِقِ..».
    ــــ «الآنَ رَأْيِي تَغَيَّر».
    ــــ «يَبْدُو لِي أَنَّ شَيئاً كَبيراً عَكَّرَ مِزَاجَكِ وَغَيَّرَ رَأْيَكِ..
    هَلْ تُخْفِينَ عَنْ أُمِّكِ الَّتِي تُحِبُّكِ شَيئاً يا حَبِيبَتِي؟!».
    ــــ «لا.. لَمْ أَقصِد ذَلِكَ..».
    ــــ «مَا الْخَبَرُ إِذَنْ؟!».
    قَالَتْ مُنَى بَعْدَ تَفْكِيرٍ: «أَتَذْكُرِينَ صَدِيقَتِي رَبَاب؟!..».
    ــــ «نَعَمْ، لَطَالَما حَدَّثْتِنِي عَنْهَا..».
    ــــ« أَتَذْكُرِينَ أَنِّي سَاعَدْتُهَا السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ فِي مَادَةِ الْحِسَابِ الَّتِي أُحِبُّهَا… شَرَحْتُ لَهَا الدُّرُوسَ الصَّعْبَةَ.. أَعْطَيْتُهَا عَدَداً مِنْ قِصَصِي الْجَمِيلَةِ لِأَنَّهَا لاَ تَمْلِكُ مِثْلَهَا.. وَعِنْدَمَا مَرِضَتْ قَبْلَ أَسَابِيعَ ذَهَبْتُ لِزِيَارَتِهَا فِي الْمُسْتَشْفَى وَأَحْضَرْتُ لَهَا هِدِيَّةً كَبِيرَةً؟!».
    ــــ «نَعَمْ أَذْكُرُ كُلَّ ذَلِكَ.. وَأَكْثَرَ.. بَارَكَ اللَّهُ بِكِ يَا ابْنَتِي.. هكذَا عَرَفْتُكِ دَوْماً.. تُحِبِّينَ جَمِيعَ صَدِيقَاتِك وَتَهْتَمِّينَ بِهِنَّ، لكِنِّي لَمْ أَفْهَمْ حَتَّى الْآنَ مَا الْمُشْكِلَةَ؟!».
    قَالَتْ مُنَى بِحِدَّةٍ:
    «رَبَابُ هذِهِ.. صَدِيقَةٌ مُخَادِعَةٌ! عِنْدَمَا تَحْتَاجُنِي أَرَاهَا مَعِي دَوْماً، وَعِنْدَمَا احْتَجْتُ إِلَيْهَا تَخَلَّتْ عَنِّي بِكُلِّ بَسَاطَةٍ، تَصَوَّرِي يَا أُمِّي…».
    تَوَقَّفَتْ مُنَى عَنِ الْكَلاَمِ… تَسَاقَطَتِ الدُّمُوعُ مِنْ عَيْنَيْهَا ثُمَّ تَابَعَتْ تَقُولُ:
    «عِنْدَمَا وَصَلْنَا إِلى حَدِيقَةِ الْحَيَوانِ، اكْتَشَفْتُ أَنَّنِي نَسِيتُ مَحْفَظَةَ نُقُودِي فِي الْمَنْزِلِ.. لَمْ أَنْسَهَا بِسَبَبِ الإِهْمَالِ، بَلْ لِأَنِّي كُنْتُ مَشْغُولَةٌ فِي التَّفْكِيرِ بِالرِّحْلَةِ.. طَلَبْتُ مِنْ رَبَابِ أَنْ تُسَلِّفَنِي قِيمَةَ تَذْكَرَةِ الدُّخُولِ لكِنَّهَا رَفَضَتْ.. لَوْ لَمْ تَتَفَهَّمْ مُشْرِفَةُ الرِّحْلَةِ مُشْكِلَتِي لَأَعَادَتْنِي إِلَى الْمَنْزِلِ..
    اشْتَرَتْ لِيَ التَّذْكَرَةَ مِنْ جَيْبِهَا الْخَاصِ».
    ــــ «مَاذَا فَعَلْتِ بَعْدَمَا دَخَلْتِ إِلَى الْحَدِيقةِ؟».
    ــــ «قَاطَعْتُ رَبَابَ… لَمْ أَتَكَلَّمْ مَعَهَا.. لَعِبْتُ مَعَ صَدِيقَاتِي الْأُخْرَيَاتِ.. لَقَدْ قَرَّرْتُ مُخَاصَمَتَهَا طَوالَ حَياتي، سَوْفَ أَطْلُبُ مِنْ كُلِّ صَدِيقَاتِي عَدَمَ التَّحَدُّثِ مَعَهَا بَعْدَ الْيَوْمِ».
    الْأُمُّ: «أَلاَ يُوجَدُ حَلُّ آخَرَ.. أَتَظُنِّينَ أَنَّ هذَا هُوَ الْحَلُّ الْأَنْسَبَ؟».
    فَكَّرَت مُنى.. قَالَتْ:
    «قَد أكُونُ أَنَانِيَّةً بَعْضَ الشَّيْءِ.. أَعْتَقِدُ أَنَّ صَدِيقَاتِي لَنْ يَقْبَلْنَ مُقَاطَعَتَهَا مِنْ أَجْلِي… فَهِيَ لَمْ تُخْطِىءْ بِحَقِّهِنَّ».
    الْأُمُّ: «أَلاَ يُوجَدُ حَلُّ آَخَر؟».
    مُنَى: «سَأَطْلُبُ مِنْهَا أَنْ تُعِيدَ إِليَّ جَمِيعَ الْأَغْرَاضِ الَّتِي أَعْطَيْتُهَا إِيَّاهَا.. وَلَنْ أُعْطِيهَا شَيْئاً بَعْدَ الْيَومِ..».
    الْأُمُّ: «هَلْ تَعْتَقِدِينَ أَنَّهُ حَلٌّ مُنَاسِبٌ؟».
    فَكَّرَتْ مُنَى.. قَالَتْ:
    «رُبَّمَا قَالَتْ عَنِّي صَدِيقَاتِي إِنِّي طَمَّاعَةٌ.. وَلاَ أُحِبُّ الْخَيْرَ وَالْعَطَاءَ..
    وَقَدْ يَبْتَعِدْنَ عَنِّي وَلاَ يَثِقْنَ بِي بَعْدَ ذلِكَ.. وَأَنَا فِي الْحَقِيقَةِ أَكْرهُ الطَّمَعَ وَالرِّيَاءَ..».
    عِنْدَهَا قَالَتِ الْأُمُّ: «الْمُهِمُّ هُوَ ما يُرْضِي رَبَّكِ وَلَيْسَ مَا يُرْضِي صَدِيقَاتِكِ».
    مَا رَأْيُكِ لَوْ نُنَاقِشُ الْأَمْرَ بَعْدَ أَنْ تَهْدَئِي قَلِيلاً؟!.
    مُنَى: «نَعَمْ يَا أُمِّي.. سَأَذْهَبُ إلى غُرْفَتِي الْآنَ..».
    بَعْدَ سَاعَةٍ تَقْرِيباً، دَخَلَتِ الْأُمُّ غُرْفَةَ ابْنَتِهَا وَقَالَتْ: «هِيه… أَلَمْ تُوَفَّقِي إِلى حَلٍّ مُنَاسِبٍ؟».
    ــــ «لَيْسَ بَعْدُ يَا أُمِّي..».
    قَالَتِ الْأُمُّ بِهُدُوءٍ: «هَلْ فَكَّرْتِ أَنَّهَا رُبَّمَا لَمْ تَكُنْ تَمْلِكُ الْمَالَ الْكَافِي؟!».
    ــــ «لاَ.. أَبَداً.. لَقَدْ رَأَيْتُهَا تَشْتَرِي أَشْيَاءَ كَثِيرَةً دَاخِلَ الْحَدِيقَةِ، كَمَا أَنَّ قِيمَةَ التَّذْكَرَةِ رَخِيصَةٌ جِداً…».
    ــــ «إِنَّ مَا فَعَلَتْهُ أَمْرٌ مُؤْسِفٌ حَقًّا، لَمْ يَكُنْ مَوْقِفُهَا مُتَوَقَّعاً، لَكِنْ عَلَيْكِ أَنْ تَسْتَمِرِّي عَلَى مَوْقِفِكِ الطَّيِّبِ، فَأَنْتِ لَمْ تَفْعَلِي الْأَشْيَاءَ الْجَمِيلَةَ مَعَهَا مِنْ أَجْلِ الْحُصولِ عَلَى مُقَابِلٍ..».
    هزَّتْ مُنَى رَأْسَهَا مُوَافِقَةً وَقَالَتْ: «كَلاَمُكِ صَحِيحٌ.. لكن..».
    الْأُمُّ: «اسْمَعِي يَا مُنَى.. عَلَيْكِ أَنْ تَفْرَحِي لِأَنَّكِ تَمْلُكِينَ عَقْلاً تُمَيِّزِينَ بِهِ الصَّوابَ مِنَ الْخَطَأ..
    يَجِبُ أَنْ تَتَرَفَّقِي بِهَا.. لاَ أَنْ تُحَاسِبِيهَا وَتَغْضَبِي مِنْهَا».
    تَابَعَتِ الْأُمُّ قائِلةً:
    «أَرَأَيْتِ لَوْ أَنَّكِ وَاجَهْتِ خَطَأَ كُلَّ إِنْسَانٍ بِخَطَأٍ مِثْلِهِ لِتَشَابَهْتُمَا تَمَاماً، بَلْ عَلَيْنَا مُسَاعَدَةُ الْمُخْطِىء لِيَتَخَلَّصَ مِنْ خَطَئِهِ».
    ــــ «كَيْفَ؟».
    قَالَتِ الْأُمُّ بِهُدُوءٍ:
    «صَدِيقَتُكِ رَبَاب..».
    قَاطَعَتْهَا مُنَى… وقالت:
    «لَيْسَتْ صَدِيقتِي بَعْدَ الْآنَ..».
    ــــ «انْتَظِرِي لِأُنْهِي كَلاَمِي.. وَعِنْدَهَا اتَّخَذِي قَرَارَكِ الَّذِي تَعْتَقِدِينَ أَنَّهُ هُوَ الصَّوابُ؛ رَبَاب قَدْ تَكُونُ أَخْطَأَتْ فِعْلاً.. وَأَنَا أَتَّفِقُ مَعَكِ عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ عَلِمْتُ أَنَّكِ فَعَلْتِ كَمَا فَعَلَتْ لَحَزِنْتُ كثيراً، لَكِنِّي أَعْتَقِدُ أَنَّهَا لاَ تُدْرِكُ حَتَّى الآنَ أَنَّهَا أَخْطَأَتْ وَرُبَّمَا هِيَ الْآنَ سَعِيدَةٌ بِمَا فَعَلَتْ.. وَأَنْتِ حَزِينَةٌ وَغَاضِبةٌ.. بَيْنَمَا الْعَكْسُ يَجِبُ أَنْ يَحْصُلَ».
    ــــ «مَاذَا تَقْصُدِينَ بِالْعَكْسِ؟».
    ــــ «أَنْتِ تَعْرِفِينَ خَطَأَهَا.. وَهِي لاَ تَعْرِفُ صَوَابَكِ…
    فَافْرَحِي لِأَنَّكِ تَعْرِفِينَ الصَّوابَ وَالْخَطَأَ.. كَمَا أَنَّهَا سَتَحْزَنُ عِنْدَمَا تَكْتَشِفُ أَنَّهَا أَخْطَأَتْ مِنْ جَانِبَيْنِ: الْأَوَّلُ: الْخَطَأُ نَفْسُهُ وَالثَّاني: جَهْلُ مَا هُوَ صَوَابٌ!».
    قَالَتْ مُنَى بِهُدُوء:
    «كَلامُكِ مُقْنِعٌ حَقًّا يَا أُمِّي.. مَا أَعْظَمَكِ مِنْ أُمٍّ.. مَاذَا عَليَّ أَنْ أَفْعَلَ الآن؟».
    ــــ «مَا دُمْتِ مُقْتَنِعَةَ بِرَأَيِي تَمَاماً عَلَيْكِ مُسَاعَدَتُهَا لِتَكْتَشِفَ بِنَفْسِهَا سُوءَ تَصَرُّفِهَا..».
    ــــ «مَا رَأْيُكِ لَوْ أَتَحَدَّثُ مَعَهَا وَنُنَاقِشُ الْأَمْرَ فِيمَا بَيْنَنَا؟».
    ــــ «حَلٌّ مَعْقُولٌ جِدًّا.. اتَّصِلِي بِهَا الْآنَ.. قُومِي بِدَعْوَتِهَا لِتَنَاوُلِ الْغَدَاءِ مَعَكِ غَداً.. فَهُوَ يَوْمُ عُطْلَتِكُمَا مِنَ الْمَدْرَسَةِ وَأَنَا سَوْفَ أُعِدُّ لَكُمَا طَعَاماً شَهيًّا..».
    ــــ «لكن.. لكن..» شَعُرَتْ مُنَى بِبَعْضِ التَّرَدُّدِ.. فَهِيَ لاَ تَزَالُ حَزِينَةً مِنْ مَوْقِفِ رَبَابِ.
    ــــ «هَيَّا.. اتَّصِلِي بِهَا.. يَجِبُ أَنْ تَتَغَلَّبِي عَلَى غَضَبِكِ.. اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: { } لَيْسَ بِالْحُسْنِ فَقَط بَلْ بِالْأَحْسَنِ، وَبِذَلِكَ يُصْبِحُ الْعَدُوُّ صَدِيقاً وَالْخَصْمُ حَلِيفاً.. فَكَيْفَ بِصَدِيقَتِكِ الَّتِي تُحِبِّينَهَا؟1».
    قَامَتْ مُنَى فَوْراً، اتَّصَلَتْ بِرَبَابٍ وَدَعَتْهَا لِلْغَدَاءِ..
    تَعَجَّبَتْ رَبَابٌ.. كَانَتِ الدَّعْوَةُ مُفَاجِئَةً.. لَمْ تَتَوَقَّعْ أَنْ يَكُونَ مَوْقِفُ مُنَى عَلى هذَا الشَّكْلِ.
    قَالَتْ: «أَبَعْدَ كُلَّ مَا فَعَلْتُ مَعَكِ؟ إِنِّي آسِفَةٌ حَقًّا.. لَسْتُ أَدْرِي مَاذا أَقُولُ..».
    تَابَعَتْ رَبَابٌ:
    «أَنْتِ دَوْماً أَفْضَلُ مِنِّي… لاَ تَتْرُكِينَ أَحَداً يَتَفَوَّقُ عَلَيْكِ بِالْخَيْرِ… سَوْفَ آتي غَداً لأعتذر منك».
    وَضَعَتْ مُنَى سَمَّاعَةَ الْهَاتِفَ… كَانَتْ سَعِيدَةً لِلْغَايةِ…
    ظَهَرَتْ ابْتِسَامَةُ رِضَا كبيرةٌ عَلى وَجْهِهَا… قالت: لَقَدْ تَعَلَّمْتُ الْيَوْمَ يَا أُمِّي دَرْساً عَظِيماً..».
    قَالَتِ الْأُمُّ: «الْمَعْرُوفُ يَا ابْنَتِي لاَ يَضِيعُ أَبداً.. وَقَدْ قَال رَسُولُ اللَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يُدْرَكُ بِالرِّفْقِ مَا لاَ يُدْرَكُ بِالْعُنْفِ».

    كلمات مفتاحية  :
    قصة صديقتي احبها تحبني قصص

    تعليقات الزوار ()