شهر رمضان .. ماذا تغير؟
من المؤكد أن المسلمين قد تغيروا. أما شهر رمضان فسيظل دائماً كما قال عنه المصطفي @ "شهر رمضان شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة". يصبر المسلم فى شهر رمضان علي الجوع والعطش حــين يمسك فى نهاره عن الطعام والشراب. فما هى استحــقاقات هذا الصبر؟ هل هى فى الدعوة الجديدة لترك العمل فى شهر رمضان أم تخفيف ساعاته أم اللهث خلف الإجازات؟ هل اختلفت طبيعة المسلمين اليوم عن المسلمين الأوائل؟ كيف غابت عنا صورة المسلمين الأوائل وهم يستقبلون شهر رمضان بروح إيمانية وثابة تخلق فيهم زخم الصبر علي الجوع والعطش ولا تثنيهم عن العمل والعطاء والكفاح والقتال. ما الذى أصاب المسلمين اليوم؟ ولماذا تغيروا؟
إن من أهم أساب تخلف الدول الإسلامية فى العصر الحــديث هو ضعف إنتاجيتها بسبب سوء استغلالها لمواردها الاقتصادية المتاحــة ومنها ثروتها البشرية. وإذا كان متوسط إنتاجية الفرد فى الدول الإسلامية مقارنة بمثيله فى الدول الصناعية يعكس أحــد تلك الأسباب، فإن تعامل المسلمين ونظرتهم السلبية إلي العمل فى شهر رمضان يعمق المشاكل المتراكمة علي اقتصادات الدول الإسلامية من جراء تدنى الإنتاجية، ويزيد فى الوقت نفسه من الانعكاسات السلبية عليها لتنامى النزعة الاستهلاكية فى المجتمع وطغيانها علي النزعة الاستثمارية الكلية؛ فتكون النتيجة وبالاً حــتمياً علي أداء وكفاءة الاقتصاد.
ولا يمكن عملياً استغلال الموارد الاقتصادية المتاحــة بدون تفعيل عنصر العمل فى المجتمع. ولا يمكن لعنصر العمل أن يصهر بقية الموارد الاقتصادية فى بوتقة الإنتاج إن لم يكن هو قادراً علي تفعيل النزعة الفطرية التى وضعها الله عز وجل فى النفس البشرية لإعمار الأرض واستثمار مواردها. قال تعالي فى محــكم قرآنه المجيد >> هو الذى جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور << .
إن الذى يكوِّن هيكل الاقتصاد ويبلور آليات ومستويات إنتاجيته هو المجتمع. والمجتمع هو نتاج ذلك النسيج الذى يكونه الفرد بمعطياته الفكرية الكلية. ولعل من نافلة القول إن الشريعة الإسلامية هى الدين الأكمل الذى ارتضاه الله عز وجل لعباده ليكون نهجاً دنيوياً وطريقاً آمناً إلي عالم الخلود والبقاء. وجاءت تعاليمها لتحـضّ علي العمل وتحــقِّر الخمول والكسل. وفى هذه التعاليم مدلولات اقتصادية ترتبط بالضرورة بمسألة حــسن استغلال عناصر الإنتاج والانعكاسات الإيجابية لتوظيفها الكامل علي الاقتصاد الكلى.
وفى مضمون هذا النهج الربَّانى القويم، لا يجوز أن نتعامل مع شهر رمضان وكأنه عائق أمام العمل والإنتاج. شهر رمضان يجب أن يكون حــافزاً علي العمل والإنتاج. وما أجمل أن يقطف المسلم ثمار عمله فى الدنيا رفاهاً اقتصادياً وفى الآخرة جنة وارفة. إذا كان المسلمون قد تغيروا.. فما بالهم لا يتغيرون؟ أليسوا هم خير أمة أخرجت للناس؟