الدورة الاقتصادية
الدورة الاقتصادية عبارة عن فترتين متعاقبتين من الرخاء والكساد، وعلي وجه الخصوص كصفة مميزة للنشاط الاقتصادى فى مجتمعات أوروبا الغربية إبان القرن التاسع عشر، إذ فى بلد كبريطانيا، مثلاً، حدثت الدورات الاقتصادية من هذا النوع علي فترات منتظمة نوعاً. ولقد قام لورد بيفردج فى مؤلفه "التوظف الكامل فى مجتمع حر" (1944م) ببحث دورات النشاط الاقتصادى فى بريطانيا من عام 1792م إلي عام 1913م، وكانت نتائج بحثه كاشفة عن فترات تتراوح من 5 إلي 11 عاماً بين كل رخاء وبين الرخاء التالى له، بمتوسط يبلغ 8 أعوام. وخلال فترة الرخاء، ترتفع سوياً كل من مستويات
التوظيف، والأجور، والأسعار، والأرباح، والإنتاج، إلا أنها تهبط جميعاً خلال فترة الكساد التى تأتى فى أعقاب نهاية فترة الرخاء. وبينما تزدهر جل الصناعات، أو كلها تقريباً، فى آن واحد، إلا أن التقلبات تحدث، بأعنف صورة، فى إنتاج السلع الرأسمالية. كما كشف بحث لورد بيفردج عن أن الكساد الذى طال مداه من عام 1920م إلي عام 1939م فى بريطانيا، أى فى فترة ما بين الحربين العالميتين الأولي والثانية، قد اختلف فى طبيعته عن الفترات السابقة. لقد كانت هناك فترة قصيرة من الرخاء فى أعقاب الحرب العالمية الأولي، وهى الفترة 1918-1919م، تلتها فترة من الكساد الحاد طويل المدي، إذ ارتفع متوسط البطالة خلال السنوات 1920-1928م إلي نحو مليون ونصف المليون عاطل.
وزاد الطين بلة أنه فوق هذا الوضع المتأزم، جاء الكساد العظيم (1929-1935م)، وفى غماره ارتفع متوسط البطالة إلي مستويات لم يسبق لها نظير، إذ بلغ قرابة ثلاثة ملايين عامل متعطل، ولم يتناقص هذا العدد الضخم من القوي البشرية المتعطلة إلا ببطء. وقبيل عام 1939م، أي قبل نشوب الحرب العالمية الثانية مباشرة، تقلص حجم البطالة إلي حوالى المليون وربع المليون عامل. والواقع أن الكساد العظيم كان أكثر حدة وأكثر شيوعاً فى ربوع العالم من أى كساد آخر، فقد تأثرت جميع الدول الرأسمالية بهذا الكساد. ولم يقتصر ذلك علي الدول الصناعية الغربية، بل إن آثار الكساد انتشرت إلي الدول المتخلفة المصدرة للمواد الأولية (نتيجة لهبوط الطلب علي هذه المواد بدرجة كبيرة من جانب الدول الصناعية فى العالم الغربى بسبب هذا الكساد منقطع النظير)، حتي أنه أطلقت فى ذلك الحين العبارة الشهيرة: "إن الدول المتخلفة تصدر المواد الأولية وتستورد الكساد". وعلي النقيض من ذلك تماماً، شهدت الفترة التى أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية رخاء بارز المعالم، إذ قلما تجاوز حجم البطالة فى بريطانيا فى ذلك الحين نصف المليون عامل، أى حوالى 2% فقط من عدد السكان المشتغلين. ويمكن إذن تعريف الدورة الاقتصادية بأنها "تقلبات منتظمة بصورة دورية فى مستوي النشاط الاقتصادى". ولقد وُصفت هذه التقلبات الاقتصادية بأنها دورات. لأن التقلبات الاقتصادية فى القرن التاسع عشر كانت قد كشفت عن درجة من الانتظام فى حدوثها علي عكس تقلبات القرن العشرين. وبهذا المعني يمكن القول بأن الدورات الاقتصادية متكررة، ولكنها تختلف بعضها عن البعض من حيث توقيتها وطول مداها
المصدر: الموسوعة الاقتصادية - دار الفكر العربى - جمهورية مصر العربية.