الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
يمر الإنسان بمراحل نمو مختلفة كما بينها الله ـ عز وجل ـ في قرآنه الكريم في مواضع كثيرة، تنتهي بالموت في الحياة الدنيا، ثم من بعد ذلك البعث والنشور، قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمّىً وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (غافر: 67).
وقد قسم علماء النفس مراحل نمو الإنسان إلى:
• مرحلة ما قبل الميلاد • الطفولة • المراهقة • الرشد • النضج • وسط العمر • الشيخوخة.
ويؤكد غالبية أولئك العلماء عدم وجود حدود فاصلة بين تلك المراحل.
غير أن ثمة من يتفق على خطوط زمنية عامة لتحديد فترتين متلازمتين
الأولى: فترة المراهقة المبكرة:
الثانية: فترة المراهقة المتأخرة:
فالمراهقة المبكرة (من سن 12 إلى سن 15)، حين يبدأ النمو العضلي وينشط عمل الغدد المختلفة، وينمو الإحساس بالولاء للجماعة لدرجة التعصب الأعمى أحياناً، ويبدأ الميل إلى التذمر والانسحاب من سلطة الوالدين، مع الإحساس بالتناقض والتعارض بين الرغبات والاختيارات والميول الشخصية والفردية وبين رغبات واختيارات الأسرة!!
ثم تأتي مرحلة المراهقة المتأخرة (من سن 15 إلى سن 18) حيث التطور الهائل في النمو الجنسي وفي نشاط الغدد، وما يصاحب ذلك من تحولات نفسية، وهنا يتعرض المراهق لقلق شديد - ينبع من عدم الاستقرار على هويته القديمة كطفل وعدم الوصول إلى الهوية التي يطمع إليها كشاب فلا هو طفل معدود في الأطفال ولا كبير معدود في الكبار!!
المراهقة والبلوغ
البلوغ عند علماء النفس يعني "بلوغ المراهق القدرة على الإنسال" أي اكتمال الوظائف الجنسية عنده وذلك بنمو الغدد الجنسية عند الفتى والفتاة وقدرتها على أداء وظيفتها، أما المراهقة فتشير إلى التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والاجتماعي، وعلى ذلك فالبلوغ جانب واحد من جوانب المراهقة، كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة.
وتقع هذه المرحلة عادة بين الثانية عشرة والثامنة عشرة أو العشرين من العمر، ويبلغ أطفال المناطق المعتدلة قبل أطفال المناطق الباردة والحارة فيما يبلغ أطفال المناطق الحضرية قبل أمثالهم في المناطق الريفية.
سمات المراهق في جوانب النمو:
أ- النمو الجسمي:
لما كانت المراهقة تعني بداية دخول الشاب عالم الرجال ودخول الفتاة عالم النساء، فمن سنة الله في خلقه أن يتهيأ جسمه لذلك فينمو بما يؤهله للانتقال إلى المرحلة الجديدة.
ويشمل النمو الجسمي مظهرين: النمو الداخلي (الفسيولوجي) وهو النمو في الأجهزة الداخلية غير الظاهرة للعيان، ويشمل ذلك بوجه خاص النمو في الغدد الجنسية، أما المظهر الثاني: فهو النمو العضوي، ويتمثل في نمو الأبعاد الخارجية للمراهق فيزداد طوله ووزنه وتبدو العلامات التي تميز الشاب من الفتاة، فيخشن صوت الشاب ويبدأ نمو الشعر في مواطن معينة من جسمه، وفي المقابل يبرز الثديان لدى الفتاة وتبدو لديها مظاهر الأنوثة، ويتميز النمو الجسمي في مرحلة المراهقة بسرعة كبيرة وقد ينشأ عنها عدم تناسق بين أجزاء الجسم المختلفة مما قد يسبب الحرج له، كما أن النمو الجسمي لا يسير في توازن مع سائر المظاهر فقد يسبق النمو الجسمي النمو العقلي أو الاجتماعي: فينتظر منه من حوله أن ينتقل إلى عالم الرجال وهو لما يزال طفلاً بعد وقد يحدث العكس فيتأخر النمو الجسمي ويعامل على أنه طفل بينما هو يشعر أنه قد تجاوز ذلك.
ب- النمو العقلي:
وتتميز فترة المراهقة بنمو القدرات العقلية ونضجها فينمو الذكاء العام وتتضح القدرات الخاصة حيث تزداد قدرة المراهق على القيام بكثير من العمليات العقلية العليا كالتفكير والتذكر والتخيل والتعلم.
ومن أبرز خصائص النشاط العقلي في فترة المراهقة أيضاً التبلور والتركز حول نوع معين من النشاط.
كذلك من خصائص تلك المرحلة بروز القدرات الخاصة ـ وهي متعددة ـ ومن أبرزها القدرة الرياضية التي تتعلق بالتعامل مع الأرقام والمعادلات، والقدرة اللفظية، والقدرة اللغوية، والقدرة المكانية التي تتعلق بالقدرة على التعامل مع المسافات والأحجام والاتجاهات.
ويمثل الجانب العقلي أكثر الجوانب التي يفتقر معظم المربين اليوم إلى معرفتها ـ وهو أكثرها غموضاً لديهم ـ ففئة كبيرة من المربين لا تعرف عن المراهقة إلا أنها مرحلة طيش وعناد وسفه، ومرحلة تظهر فيها مشكلة الشهوة، ويجهلون هذه الجوانب المهمة.
ولا شك أن إدراك هذه الجوانب له أثره الكبير في صياغة الأهداف والبرامج التربوية وأثره على اللغة التي ينبغي أن تسود في التعليم وفي الحوار والإقناع.
جـ- النمو الانفعالي:
المراهق غير مستقر انفعالياً وغير واقعي في التعبير عن انفعالاته فيغضب بسرعة لأسباب تافهة، وقد لا يستطيع التحكم في المظاهر الخارجية لحالته الانفعالية، وقد يلقي أو يحطم ما بيده ويمزق ثيابه، وإذا أحب أو كره بالغ في ذلك، ويضعف تحكمه في تصرفاته فقد يضحك في مواقف لا يليق فيها أن يضحك.
ومن سمات النمو الانفعالي الشعور بالأنا وذلك الكيان المستقل عن والديه إرادة وأحاسيس ومشاعر.
كذلك من السمات أن تبدو ظاهرة أحلام اليقظة لدى المراهق فينتقل فيها من عالم الواقع إلى عالم الخيال، وهي - ما لم تخرج عن حد الاعتدال - لا تمثل مشكلة، ويمكن مساعدة المراهق بتوجيه انفعالاته وعاطفته القوية وجهة صحيحة، وضبطها بمعالجات تربوية متزنة تخرج شباباً طموحاً قوياً منضبطاً متعلقاً بالمثل العليا والنماذج والقدوات الصالحة الرائعة في تاريخ أمته ماضياً وحاضراً.
د- النمو الاجتماعي:
من أهم مظاهر النمو الاجتماعي لدى المراهق:
1- الاهتمام بالمظهر الشخصي والاعتناء به.
2- تحقيق الذات والميل إلى الاستقلال الاجتماعي، والانتقال من الاعتماد على الغير إلى الاعتماد على النفس.
3- الميل إلى الأصدقاء والارتباط بهم والثقة الكبيرة بهم.
4- الميل إلى الزعامة والإعجاب بالشخصيات اللامعة ومحاولة محاكاتها.
5- زيادة الوعي بالمسئولية الاجتماعية والمكانة الاجتماعية والطبقة التي ينتمي إليها.
حاجات المراهق:
أ- حاجات نفسية:
وتشمل الحاجة للعبادة، والحاجة للأمن، والحاجة للقبول.
ب- حاجات اجتماعية:
وتشمل الحاجة للرفقة، والحاجة للزواج، والحاجة للعمل والمسئولية.
جـ- حاجات ثقافية:
وتشمل الحاجة للاستطلاع، والحاجة للهوية الثقافية.
المراهق والتدين
يميل المراهق إلى التفكير الديني، وإلى التدبر فيما وراء الطبيعة المادية، فهو يفكر في الله وفيما قبل الولادة وما بعد الموت.
إنها فطرة الله التي فطر الناس عليها: (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ • مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الروم: 30- 31).
وبيّن - صلى الله عليه وسلم - أن العوامل الطارئة هي التي تصرف المرء عن اتباع الدين فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء"، ثم يقول أبوهريرة - رضي الله عنه –: "فطرة الله التي فطر الناس عليها" (متفق عليه).
ويتجلى لدى المراهق حب المناقشة والجدل، كأنه يريد أن يكون لنفسه مبادئ عن الحياة والمجتمع وينزع إلى اتخاذ القرار بنفسه، واختيار الحل الذي يقنع به، لذا من المهم إحاطته بما يساعده على حسن اتخاذ القرار بطريقة غير مباشرة أو بطريقة مباشرة غير ملزمة ليتم استثماره الاستثمار الأمثل حتى تسهم في تربية الشاب وإصلاحه.
وعلى المربين عدم التسبب في إشعار المراهق بالهامشية أو الإهمال أو النبذ فهو قادر على الإحساس بذلك بناء على مستوى نضجه العقلي، ومن هنا يتجلى لنا حكمة البارئ ـ جل وعلا ـ حين اختار هذا السن للتكليف، فشخصية المرء بكافة جوانبها تقوده نحو الشعور بأنه دخل عالم الرجال ومن ثم يعيد النظر في ذاته ويتأمل حاله، فيدرك الغاية من خلقه ويسعى للالتزام بالعبودية لله ـ عز وجل ـ.
يتبع إن شاء الله
- مشاكل المراهقين وطرق علاجها.
- تربية الشباب تربية إيمانية.
- تقوية البناء العقلي والعلمي.
- إعداد الدعاة المؤهلين.
- تنمية الأخلاق الحسنة.