عند الثانية التاسعة من الدقيقة التاسعة للساعة التاسعة في اليوم التاسع من الشهر التاسع من العام التاسع بعد الـ2000 ، وفي الموعد المحدد ، أدارت دبي محركات "مترو دبي" لتعلن عن انطلاق المشروع الأبرز والأضخم والأكثر تكلفة خلال العام الحالي .
وأعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، تشغيل "مترو دبي" في مرحلته الأولى، ليبدأ اعتباراً من أمس الأربعاء استقبال الراغبين في استخدام هذه الوسيلة التي تجد في الدول المتقدمة إقبالاً كبيراً، بل تعد أفضلها على الإطلاق وأكثرها سهولة وأماناً وأقلها تكلفة.
وقال حاكم دبي إن إطلاق المترو يعتبر حدثا خاصا بالنسبة إليه، فهو "مثل أول طائرة أقلعت لشركة طيران الإمارات ومثل أول حاوية تم إنزالها في مرفأ راشد بدبي"، معربا عن الاعتزاز بتنفيذ هذا المشروع، ومتمنيا أن يقل عدد الأشخاص الذين يستخدمون السيارة.
ومن جانبه أشار الدكتور عمر محمد أحمد بن سليمان محافظ مركز دبي المالي العالمي إلى ان مشروع "مترو دبي" يعد مكونا أساسيا من مكونات البنية التحتية في الإمارة، مؤكدا أنه سيسهم بشكل فعال في تعزيز النمو الاقتصادي في دبي ليس فقط من خلال كونه رابطا بين شمال وجنوب الإمارة ولكن أيضا لأنه يمثل حلقة وصل بين أهم المعالم والمراكز الحيوية مثل مطار دبي الدولي ومركز دبي التجاري العالمي ومركز دبي المالي العالمي وبرج دبي إضافة إلى مجمعات المناطق الحرة في تيكوم للاستثمارات وجبل علي مما سيعزز من أهمية وفاعلية هذه المعالم من الناحية الاقتصادية.
هروبا من الزحام
وفي الوقت الذي أصبحت طرقات دبي مضرباً للمثل في الزحام والضغط المروري، وما يصاحب ذلك من حوادث سير تلحق الضرر بأرواح الناس وممتلكاتهم، وخسائر مادية بمئات الملايين تتحملها الإمارة سنوياً جراء هذا الزحام جاء "مترو دبي" ليحدث نقلة في حركة المرور بالإمارة مؤكدا أنه ليس حافلات لنقل آلاف العمال، بل وسيلة نقل وترفيه للأفراد والعائلات، ينبغي أن يستفيد الجميع من هذا المرفق الحيوي وما يقدمه من خدمات وتسهيلات لمستخدميه، تضاهي بل وربما زادت على تلك التي تقدمها هذه الوسيلة في مختلف دول العالم.
ووفقا لما أفاد به رئيس هيئة الطرق والمواصلات في دبي مطر الطايرفأن إطلاق المترو يهدف إلى "تشجيع النقل الجماعي وتحقيق أحد الأهداف الاستراتيجية للهيئة، المتمثلة في تقليل استخدام المركبات الخاصة ورفع نسب الإقبال على النقل الجماعي من 6% في العام 2009 لتتجاوز 30% مع مطلع العام 2020".
وأشار الطاير إلى أن الدراسات العالمية أظهرت استحالة التغلب على الازدحام المروري في المنطقة من دون توسعة شبكة الطرق والمواصلات، لذلك طبقت الهيئة مجموعة من الحلول المتكاملة منها تطوير النقل الجماعي (حافلات، مترو، ترام، نقل بحري)، وأنظمة النقل الذكية، وتوفير مرافق المشاة والدراجات، إذ تم توظيف أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا في مجال صناعة القطارات في مشروع مترو دبي.
المجتمع في انتظار الفرصة
وفي استطلاع للرأي أجرته يومية "البيان" الإماراتية أجمع عدد كبير أفراد من المجتمع على أنهم يترقبون فرصة ركوب "مترو دبي" كما أنهم متحمسون إلى تجربته لما يرونه من متعة وراحة من حيث الاستخدام، كما أشار البعض إلى أنهم على استعداد إلى التنقل إلى أمكان عملهم بدلا من الذهاب بمركباتهم الخاصة كما انه سيوفر المال ويزيد من مدخراتهم بنسبة تصل إلى 50%.
كما أكد عدد من السياح أنهم سيستغلون المترو في بعض رحلاتهم السياحية باعتباره أفضل وسيل للانتقال من منطقة إلى أخرى دون التأخر في مواعيد الوصول،و ومن جهة أخرى دعا عدد من الأفراد الجهات المسؤولين عن المشروع بتقديم المزيد من الحملات حول أهمية استخدام ومدى تقليله من الدخان المتصاعد من عوادم السيارات بالإضافة إلى التعريف بالمترو عبر الوسائل الإعلانية المختلفة كالانترنت والرسائل النصية من خلال الهواتف المتحركة، ودعت فئة أخرى المجتمع إلى التخلي عن عقلية التفكير بأن المترو لفئة معينة من المجتمع والسعي إلى بث روح الاجتماعية والترابط والمساواة بين الطبقات.
وفي استطلاعا أخر أجرته وفقاً لاستبيان أجرته شركة "لمتلس" للتطوير العقاري يرى سكان دبي أن المنزل القريب من مكان العمل أو من إحدى محطات"مترو دبي" أهم من ذلك الذي يتميّز بإطلالة جميلة، مشيرا إلى أن نحو 40% من سكان الإمارة يعتقدون أن إمكانية الذهاب إلى العمل سيراً على الأقدام تتصدر أولوياتهم عند البحث عن مكان للسكن، في حين أن قرب المنزل من إحدى محطات المترو تعد أهم عامل لواحد من كل ثلاث أشخاص 29%.
وبيّن الاستبيان أن السكان المشاركين مستعدون لدفع مبلغ أكبر مقابل مسكن يتمتع بتلك المميزات، كما أظهر الاستبيان الذي استطلع آراء أكثر من 600 شخص أن سائقي السيارات في دبي يعتزمون استخدام المترو في بعض رحلاتهم عند افتتاح الخدمة الجديدة.
"النهر المرتفع" حقائق وأرقام
فعليا، فإن عشر محطات فقط من أصل 29 من الخط الأول بطول 52 كلومترا، ستفتح أمام الجمهور اليوم (الخميس)، وستدخل المحطات الباقية حيز العمل تدريجيا بينما سيدخل الخط الثاني الخدمة في صيف 2010. وكانت التكلفة الأساسية لمشروع المترو الذي أطلق في العام 2005، تبلغ 4.4 مليارات دولار، غير أنها ارتفعت إلى 7.6 مليارات دولار، وفق ما أفاد رئيس هيئة الطرق والمواصلات في دبي مطر الطاير، لصحيفة "الوسط" البحرينية موضحا أن ارتفاع الكلفة ناجم عن توسيع الشبكة وبناء محطات جديدة.
وقام بتنفيذ المشروع كونسورتيوم تقوده مجموعة "ميتسوبيشي هيفي انداستريز" اليابانية، وتأمل السلطات أن يؤدي هذا المشروع إلى انفراج في ازدحام السير في المدينة وخفض التلوث.
ينطلق بـ 44 قطارا بين 10 محطات
ويبدأ مترو دبي أولى رحلاته، بين محطة الراشدية ومحطة نخيل هاربر أند تاور، على شارع الشيخ زايد، ويبلغ طول الرحلة 41 كيلومترا، بين 10 محطات، بـ 44 قطارا بزمن تقاطر 10 دقائق، بمعدل ستة قطارات في الساعة الواحدة.
وتم اختيار المحطات وفق الكثافة السكانية التي تخدمها كل محطة لتوفير الراحة لسكان المناطق، وتوفر الأنشطة الجارية في المنطقة التي تخدمها كل محطة، كما أنه يخدم مؤسسات حكومية ودوائر خدمية.
وهو يعمل بمواعيد ثابتة خلال شهر رمضان من السبت إلى الخميس من السادسة صباحا إلى 12 مساء، أما بعد رمضان فسيعمل طوال أيام الأسبوع من السادسة صباحا إلى 11 مساء، ويوم الجمعة من الثانية ظهرا وحتى منتصف الليل.
ويُعد مترو دبي أطول نظام مترو آلي في العالم، يعمل بقطارات كهربائية 100% وانبعاثات كربونية معدومة، ونظام متطور لحماية القطارات الآلية، فضلا عن نظام ذكي لرصد العقبات الجانبية على الطريق، وكاميرات أمامية وخلفية لمراقبة حركة القطارات طوال فترة التشغيل.
ويخصص المترو مقصورة ذهبية لرجال الأعمال ومقصورة للنساء والأطفال في كل قطار، إضافة إلى أربع مقصورات فضية، وجميع المقصورات والممرات المؤدية إليها مكيفة ومزودة بشبكة انترنت لاسلكية وتغطية كاملة للاتصالات الهاتفية، إضافة إلى نظام إرشادي ذكي مثل إشارات التوجيه النافرة على الأرضيات لمساعدة ذوي الاحتياجات الخاصة في التنقل.
كما زُود المترو بأنظمة الأمان من خلال وحدات الشرطة الخاصة، وكاميرات المراقبة في القطارات والمحطات البالغ عددها 3000 كاميرة، ونظام اتصال لاسلكي مدمج بين المترو ووحدات الطوارئ.
العوائد الاقتصادية
أكد الطاير أن "مترو دبي" له عوائد ايجابية على القطاعات الاقتصادية، منها ربط مناطق الإمارة مع بعضها، الأمر الذي يؤدي إلى تنشيط التجارة وتسهيل الأعمال، وتعزيز الأنشطة السياحية التي تعد مصدرا رئيسا من مصادر الدخل في القطاعين العام والخاص، ورفع قيمة الأراضي والعقارات في المناطق القريبة من محطات المترو، وزيادة القوة التنافسية لدبي في تنظيم الفعاليات الدولية، وتنمية الإيرادات الحكومية من خلال الأنشطة الإعلانية، والترويج للعلامات التجارية، وتأجير المواقع في المحطات، وتخفيض تكاليف خسائر الازدحام المرورية التي تجاوزت خمسة مليارات درهم العام الماضي.
ومن جانبها أجرت صحيفة "الإمارات اليوم" مقارنة بين استخدام "المترو" والسيارة الشخصية، من أولى نقاط تحرك المترو عند محطة (الراشدية) حتى آخر محطة يصل إليها (نخيل هاربر آند تاور) ، بإجمالي مسافة 35 كيلومترا وتبين من خلال المقارنة أن استخدام المترو يوفر للفرد وقتا ومالا، ويجنّبه حوادث الطرق والغرامات والمخالفات إضافة، إلى رسوم "سالك" والرادارات، كما يجنبه التأخر عن مواعيد الدوام، والإصابة بالأمراض الناجمة عن الدخان المنبعث من عوادم السيارات، فضلا عن رفع إنتاجيه الموظف من خلال إنجاز أعماله بوساطة خدمة الإنترنت اللاسلكية المزودة بها عربات المترو.
ويختصر مترو دبي 15 دقيقة من الوقت المستغرق للوصول إلى محطة نخيل باستخدام السيارة، إذ لا يتجاوز زمن الرحلة بوساطة المترو 42 دقيقة، فيما تستغرق السيارة الشخصية نحو ساعة، ولا يتحمل الراكب قيمة التشغيل إذ يعمل المترو بالطاقة الكهربائية مقارنة بمستخدم السيارة الذي ينفق ما بين 50 و80 درهما قيمة الوقود.
وتقلل كلفة الرحلة اليومية بوساطة مترو دبي، إذ تبلغ كلفتها في الدرجة الذهبية 11.60 درهما أما الفضية فتبلغ 5.80 دراهم، في المقابل تبلغ أقل كلفة للرحلة اليومية بواسطة السيارة 60 درهما.
المترو والأزمة
ولم يكن من قبيل الصدفة أن تنطلق أولى رحلات "«مترو دبي" في الوقت الذي تمر فيه الإمارة والعالم أجمع بأسوأ أزمة مالية من الكساد العظيم فى ثلاثينيات القرن الماضي، وبتعبير أدق أسوأ أزمة مالية في تاريخ الإماراة ،فمع انطلاق أولى رحلات "مترو دبي"، لم تكون هذه الانطلاقة لقطار سريع فحسب، لكن سيسجل مرحلة تاريخية في حياة هذه الإمارة، وهو ما يجعل مسؤوليها يأملون أن تكون انطلاقته مؤشرا على خروج دبي من أزمتها التي طال مداها.
وفي هذا الصدد نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" عن المهندس حمد بوعميم مدير عام غرفة تجارة وصناعة دبي إن افتتاح المترو هو أحد المؤشرات الرئيسية والإيجابية الدالة على تحسن المناخ الاقتصادي في الإمارة، مشيرا إلى استمرار مشروعات البنية التحتية وشبكة المواصلات دون تأثر في الفترة الأخيرة.
وفي الوقت الذي وضعت فيه حكومة دبي ثقلها خلف هذا المشروع وتمويله الذي جاء بشكل كامل من قِبل الحكومة ، يؤمل منه أن يثبت قدرة دبي على التعامل مع ديونها المقدرة بـ8 مليارات دولار، وفقا لتقرير صادر من المجموعة المالية "هيرمس".
وتقول الصحيفة أنه إذا كان مشروع المترو قد فاق التوقعات بارتفاع تكاليف بنائه إلى 28 مليار درهم إماراتي (7.6 مليارات دولار)، من 15.5 مليار درهم عند بداية المشروع، فإن دبي تأمل أن تجني من وراء إيرادات هذا المشروع 4.6 مليارات دولار خلال العشر السنوات المقبلة، وفقا لتصريحات صحافية لرئيس مجلس إدارة هيئة دبي للطرق والمواصلات مطر الطاير