بتـــــاريخ : 9/24/2009 6:52:05 AM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 909 0


    الحجاب المشوه مرآة لمجتمع مشوه!

    الناقل : mahmoud | العمر :35 | الكاتب الأصلى : د. خالد سليمان | المصدر : www.islamlight.net

    كلمات مفتاحية  :
    الحجاب المشوه مرآة
    يفرز الحجاب، بطرزه وأشكاله وتقاليعه وألوانه المختلفة، وبتواضع مستوى التزام ثلة من صاحباته بما ينبغي أن يتسم به الحجاب الشرعي من التسامي عن أن يشف أو يصف تفاصيل الجسد الأنثوي، سلسلة من الخطابات الاجتماعية، التي لا تخلو من التعارض، وربما التناقض، التي تفصح بدورها عن عديد من سمات التشوه والاعتلال، سواء الخاصة التي تتعلق بشخصية المتلفعة به، أو العامة التي تتصل بطبيعة المجتمع الذي ينتج ويؤطر التجليات الواقعية المتعينة لمفهوم الحجاب.
    في الأصل، وبعيداً عن الإغراق في مناقشة المقاصد الدينية التي تقف خلف الحجاب، فرض هذا الأخير في مسعى إلى حجب مفاتن المرأة عن تلصص الأعين التي لا ينبغي لها الاطلاع على تلك المفاتن؛ حمايةً للمجتمع وأبنائه من اللهاث خلف مثيرات الشهوة وبواعث الفتنة.
    فالإسلام ـ مثبتاً بذلك حقيقة بشرية واضحة لا سبيل إلى إنكارها ـ يذكّر الناس بأن جسد المرأة يمثل كياناً فاتناً يمشي على الأرض، وأن عدم إخفاء التفاصيل المثيرة في ذلك الكيان عن المجال العام لمجتمع المرأة من شأنه تحويلها إلى مجرد \"موضوع جنسي\" في المقام الأول والأخير، وتسويغ النظر إليها والتعامل معها على هذا الأساس، مع كل ما يتمخض عن ذلك من مفاسد وأضرار واختلالات  نفسية واجتماعية، لا تبدأ عند امتهان المرأة وتسليعها وتهشيم إنسانيتها ككائن مكرم، ولا تنتهي عند فتح المجال لإطلاق سعار الرغبات المكبوتة الباحثة عن إشباع مريض ومجاني ومختلس!
    وُجد الحجاب، الذي ينبغي أن لا يشف أو يصف تفاصيل جسد المرأة ـ كما تقدم القول ـ كي يربأ بحواء عن أن تكون جسداً يسعى إلى لفت الأنظار إليه، وهذا هو جوهر مفهوم الحجاب: أي ارتداء ما من شأنه عدم لفت الأنظار إلى محاسن الجسد؛ الأمر الذي يجرّد، وبصورة عادلة لا تعسّف فيها أو شطط، كل أشكال الحجاب التي لا تراعي ذلك الشرط الأساسي من الحق في الانتماء إلى عائلة الحجاب الشرعي. فمثلاً، الحجاب الملون الذي يستقطب الأنظار ويجعل من صاحبته لوحة براقة تخطف بألوانها الزاهية الأبصار لا علاقة له حتماً بمفهوم الحجاب الشرعي، والحجاب الذي يخفي شعر المرأة ويترك بقية تفاصيل جسدها مبذولة عبر ملابس ضيقة تتيح ترسيم قسمات البدن وحدوده لا يندرج إطلاقاً تحت مفهوم الحجاب الشرعي، والحجاب الذي يغطي تفاصيل الجسم بينما يجعل من وجه لابسته مسرحاً لتداخل ألوان جذابة تبرز جماله وفتنته لا يلتقي بالتأكيد مع مفهوم الحجاب الشرعي.
    لقد فُرض الحجاب لحماية المجتمع من نزوعاته الشريرة، ودفع الناس للنظر إلى المرأة ككائن إنساني محترم، والتفاعل معها من هذا المنطلق، بعيداً عن التفكير فيها كموضوع جنسي يفرضه عريها أو إبرازها لتفاصيل جسدها المثيرة، إلا من جانب بعض مرضى النفوس طبعاً، الذين يرون المرأة محض موضوع جنسي بغض النظر عما ترتديه، وكذبة لعينة كبرى هي الزعم بأن عري المرأة وكشف معالم جسدها لا يزيغ أعين الرجال قبل قلوبهم، ولا يطلق العنان للأفكار الشبقية الآثمة النائمة في أعماقهم.
     إن الحجاب يمنح المرأة الفرصة للتفاعل في محيطها الاجتماعي كإنسان، لا كجسد، وشاسع وجوهري هو الفرق بين المفهومين. فارتضاء المرأة السفور وجعل مفاتن جسدها الواجهة الأولى والأهم التي لا تجد حرجاً في إظهارها لعموم الناس يعني الإقرار الضمني بنقصها وقلة قيمتها الإنسانية، والتـسليم بأنها مخلوقـة دونيـة تحاول اسـتغلال كـل الأسلحـة المشروعـة وغير المشـروعة ـ ونتحدث هنا عن جسدها ـ حتى يتم الانتباه إليها ومنحها بعض الاهتمام!
    إنها، بنبذها الحجاب الشرعي، تعطي المجال للمجتمع كي يشيّئها ويجعل منها سلعة برسم التسعير والتداول والترويج. فبسفورها واستهتارها بوجوب ستر مواضع الإغواء والجاذبية الجسدية فيها، تتقدم المرأة إلى المسرح الاجتماعي ولسان حالها يقول: إنني جسد للعرض والمزاودة، فليتنافس أهل النخاسة والموضة الرخيصة والإعلام الهابط والفن الساقط  وطلاب اللذة المحرمة في تقييم ثمني! إن عواقب مثل ذلك التوجه المنحرف نلمسها واضحة بفجاجة صافعة في مجتمعنا، وربما يجسد الإعلان الشهير \"مطلوب موظفة حسنة المظهر\" مثالاً صارخاً على هيمنة ذلك التوجه المهين للمرأة وللمجتمع، فالمجتمع الذي يرضى بترخيص بناته وإذلالهن، ويضغط من أجل تحويلهن إلى أدوات للمتعة بذريعة إدماجهن في سوق العمل، مجتمع مخدوش الكرامة!
    وبالتأمل في تجليات الحجاب الخارجة عن إطار ما هو شرعي، نكتشف أن مجتمعنا مولع بالشكليات والقشور على حساب الجواهر واللباب. فقد غاب جوهر مفهوم الحجاب تماماً عن الكثيرين والكثيرات، ليتعلقوا ويتعلقن بقشور ذلك المفهوم، وإلا فما الذي يعنيه أن تحرص المرأة على ستر شعرها، بينما تترك تفاصيل جسدها مباحة لكل ناظر!؟ كأننا نقرأ رسالة متناقضة هنا، تحاول دون نجاح يذكر الجمع بين مفهومين نقيضين لا يلتقيان: الحشـمة والتبذل! وفي هذا السياق، كثير من الناس لا يتورعون عن تحدي الجميـع بصفاقة مغيظة والتباهي بأن ابنتهم \"محجبة\"، لمجرد أنها تلقي خرقة متقزمة على رأسها، ربما لمجرد إخفاء شعرها الأشعث العصي على التصفيف! مع الاستفادة مما توفره تلك الخرقة من احترام الكثيرين من المتورطين بالبلية نفسها في مجتمعنا الهش المتشبث بالشكليات الزائفة، ناسين، أو متناسين بأن الخرقة نفسها تعجز عن فعل شيء لمواراة بقية المفاتن المحرمة المشرعة أمام أنظار عابري السبيل!
    ومجتمعنا، حسب ما توحي به توجهات الزهد بالحجاب، أو اللجوء إلى صيغ متهتكة منه، مجتمع منافق وجبان ومتنصل من تحمل المسؤولية بامتياز. فالرجل الذي يرضى لابنته أو شقيقته أو زوجته بأن تتحول إلى جسد معروض للنظرات الجائعة الوقحة، قد لا يتردد كثيراً في نحرها على مذبح الشرف المزعوم إذا ما تورطت بالسير في طريق الفاحشة، وكأنه لم يسهم في وضعها على أول تلك الطريق، عندما غض الطرف عن انكشافها، وعندما تغاضى عن حقيقة الدور الذي تلعبه ثيابها المتبرجة في جعلها موضوعاً جنسياً لا يمكن له إلا أن يدور ضمن مدارات قوى التجاذب غير المشروع!
    وقد يقول قائل، إن تعدد صور الحجاب وأنماطه يدخل في باب التعددية الثقافية الضرورية لكل مجتمع، بصرف النظر عن مدى امتثال تلك الصور والأنماط لمقتضيات الشرع! إذا كنا نتفق مع القول بأهمية التعددية الثقافية لإثراء المجتمع وإغناء التفاعلات فيه، فإن التعددية السائبة المتعلقة بالحجاب لا يمكن اعتبارها مظهراً إيجابياً أو صحياً في إطار الحديث عن التعددية التي يمكن الترحيب بها، فضلاً عن أن قضية الحجاب قضية دينية تتعلق بثوابت عقدية ـ نسبة إلى العقيدة ـ في المقام الأول، وليس للثقافة وأهلها التنطع وإقحام أنوفهم فيها. وعلى أية حال، وحتى إذا ما افترضنا جدلاً أن لقضية الحجاب امتدادات تتعلق بالتعددية الثقافية، فإن الأصل في التعددية أن تدور ضمن نطاق الوحدة، لا أن تسعى إلى كسر هذه الوحدة، أو إلى إنتاج مظاهر مقوضة لها.
    فمجتمعنا فيما نعرف وفيما هو مفترض مجتمع ينضوي تحت لواء هوية عربية إسلامية، والأشكال المارقة من الحجاب، التي تصر على الخروج على معايير الحجاب الشرعي، لا يمكن إلا أن توجه ضربة قاصمة إلى تلك الهوية، معبرة عن تشظي المجتمع وتيه أبنائه وافتقارهم إلى هوية عامة واضحة ومحددة.
    إننا إذا طلبنا من النساء في الوطن العربي أن يحددن هوياتهن، فإن كثيرات منهن، وربما معظمهن، لن يترددن ـ فيما أزعم ـ في التأكيد بأنهن ينتمين إلى الإسلام في معرض تعيينهن للمكونات التي تدخل في تركيب هوياتهن. غير أن الأغلبية الساحقة منهن لا تدري ما الذي يعنيه ذلك الانتماء، وما الذي يتوجب أن يترتب عليه من سلوكيات عملية، وذلك بالنظر إلى تخبط المجتمع كله ومعاناته من افتقار للهوية الواضحة. فأن تعرّف المرأة نفسها بأنها \"مسلمة\" يعني، نظرياً على الأقل، أن عليها أن تلتزم بما يأمر به الإسلام الصحيح، شكلاً ومضموناً، في زيها وأفعالها، وفي كل حركة أو سكنة في حياتها، بعيداً عن الفتاوى المشبوهة التي تغزو فضاءنا المعرفي بكثافة مريبة هذه الأيام، التي تريد اختلاق إسلام هجين مشوه بمواصفات تتلاءم مع إملاءات بعض الجهات الأجنبية وعملائها المحليين!
    غير أن المرأة العربية المسلمة تنظر إلى مجتمعها، فتجده يتخبط بين ثنائيات كثيرة تبدو عصية بهذا القدر أو ذاك على الحسم أو حتى التوفيق، كالاشتراكية والرأسمالية، والقطرية والقومية، والشرق والغرب، والعلمنة والأسلمة، والمقاومة والاستسلام، والتراث والحداثة، والأصالة والمعاصرة...الخ، فلا تملك إلا أن تتورط هي نفسها بالانزلاق إلى بحور تلك الثنائيات أو ما يتفتق عنها ويتصل بها من ثنائيات فرعية متعارضة. فهي تريد أن تعامَل معاملة الرجل بوصفه الأنموذج المثالي المعبر عن مفاهيم الكفاءة والاقتدار والقدرة على تحمل المسؤولية، ولكنها تريد في الوقت نفسه أن تدير رؤوس الرجال بالتركيز على إبراز فتنتها كأنثى! وهي تود أن تكون أماً عطوفاً وزوجة صالحةً تعتني بشؤون بيتها وأطفالها وزوجها على أكمل وجه، بيد أنها لا تتردد كثيراً في ذات الحين، وعن طيب خاطر أحياناً، في تخصيص جلّ وقتها وجهدها للإيفاء بمتطلبات وظيفتها خارج البيت! وهي تأمل أن ترضي الله، فترتدي ما تخاله حجاباً شرعياً يحظى برضاه سبحانه، إلا أنها ترغب في الآن عينه في أن تنال إعجاب الناس، فتلبس ما يبهر أعينهم، جاهلة، أو متجاهلة أن حجابها المفبرك ليس إلا محاولة تلفيقية بائسة لا يمكن أن يقيض لها النجاح!
    إن الحجاب الشرعي، مترافقاً بالطبع مع سلوك أخلاقي بعيد عن الميوعة والابتذال والإسفاف، يمثل رسالة رمزية مهمة وقوية توجهها المرأة لمجتمعها. إنها بحجابها المحتشم حقاً تقول له: إنني هنا، كائن كامل القدرات والأهلية والإمكانات، من غير تزويق أو تلفيق أو مظاهر تافهة مآلها الزوال، أحترم جسدي وإنسانيتي، وأحترمك، وأتعامل معهما ومعك على هذا الأساس.
    وفيما أرجح، ليس للمجتمع في سياق استجابته لتلك الرسالة الواضحة التي لا لبس فيها إلا أن يضطر راغماً إلى أخذ المرأة على محمل الجد، ومعاملتها بما يليق بها من احترام واعتزاز وتقدير، وإشراكها على نحو عادل في نيل الحقوق وتحمل الواجبات، كإنسانة مميزة اختارها الله كي تكون الأم المربية، والأخت الحانية، والزوجة الشريكة، والابنة البارّة، والزميلة الفاضلة، بدلاً من النظر إليها كمجرد سـلعة مبتذلة تباع وتشـترى، وتفقـد كـل قيمتهـا بمجـرد تغضن جسدها المنذور لا محالة ـ ولو بعد حين ـ للذبول والانطفاء!
    كلمات مفتاحية  :
    الحجاب المشوه مرآة

    تعليقات الزوار ()