المراهقة عبور بلا أزمات
إن مرحلة المراهقة مرحلة تتميز بالثورة النفسية، والتغيرات السريعة والتقلبات المزاجية والنفسية، مما قد يسبب للوالدين نوعًا من الاضطراب في التعامل مع أبنائهم في هذه المرحلة، وهذه المرحلة حيوية وهامة بالنسبة للشخص المراهق لأن فيها تكتمل ملامح شخصيته، وقد يكون الإخفاق فيها مدمرًا للشخص.
وأهم جزء في هذه المشكلة هو احتواء المراهق والمراهقة حتى تمر هذه الفترة بسلام وأمان، ونعود بالسفينة إلى بر الأمان، ولكي يتم هذا الإبحار والعودة بسلام لابد من التعرف على هذا المراهق عن كثب؛ ما هي طبيعته وسماته؟ وما هي حاجاته؟ وكيفية التعامل معها؟
من هو المراهق؟
المراهقة عند بعض علماء النفس هي المرحلة التي تبدأ من البلوغ إلى اكتمال نمو العظام، حيث تنتهي باستقرار النمو العضوي عند الفرد.
طبيعة المراهقة:
1] ثورة الجسد: إن ما يحدث في جسد المراهق يشبه الثورة، فكل شهر أو أقل تحدث تغيرات كثيرة في جسد المراهق، إن جسد المراهق يأخذ في الزيادة بصورة ملحوظة مع فروق جسمية واضحة بين الذكور والإناث، والذي يجمع بين جميع المراهقين هو الزيادة الملحوظة في الوزن مقارنة بالمراحل السابقة، ويبدأ النمو السريع في الأعضاء الخارجية وتبدأ التناسلية في إفراز الهرمونات الخاصة بها.
أما هيئة المراهق فتبدأ بالتحول إلى ملامح الرجولة أو الأنوثة بحيث يظهر الشعر في الوجه والعانة والإبطين، ويظهر على وجه البنت ملامح أخرى تتناسب مع أنوثتها، ويتبع ذلك تغير الصوت بين خشونة للمراهق ونعومة للمراهقة، ونزول المني والاحتلام للمراهق، وظهور الطمث والنهدين والنمو الذهني عند المراهقة, ونظرًا لهذه التغيرات الجسمية والشكلية للمراهق التي لا تجد لها تفسيرًا نظرًا لقوتها وسرعتها فإنه يكون حساسًا جدًا للنقد الجسمي والشكلي من حوله.
2] تأكيد الذاتية وعقل المراهق: هناك تحول مهم وجديد حدث في تكوين المراهق وعقله وحياته، لقد تحول المراهق أو المراهقة من التفكير المادي إلى التفكير المعنوي، ومن التفكير الفردي البحت إلى التفكير شبه الجماعي، ومن التفكير الخارجي فقط إلى نوع من التفكير ينظر إلى الذات ويرى المحيط الخارجي أيضًا، وقد تحول المراهق والمراهقة إلى الإيجابي الباحث عن المسئولية بدلًا من التفكير السلبي، وبدأ أيضًا يفكر في المستقبل بعد أن كان لا يفكر في الحاضر.
إن عقل المراهق يشهد تحولًا نوعيًا مهمًا حيث يبدأ الفرد بإدراك المعنويات، بعد أن كان أسيرًا للماديات والمحسوسات، ولا يستوعب الأشياء إلا بالتمثيل المادي فقط، ولا يستوعب القضايا إلا بعد اقترانها بالنماذج والأمثلة الموضحة.
إن التحول الجديد في المراهق يجعله يعي المعاني والقيم ويستطيع تفهمها، وتتجاوز تساؤلاته الإطار المادي القريب إلى الأبعاد المعنوية والنفسية والكونية.
ورغم ما تمنحه خاصية التفكير المجرد والتأمل المعنوي في نفسه ومن حوله والأحداث والكون وغير ذلك، إلا أن ذلك بعض المشاكل الذهنية والاجتماعية من أهمها، المثالية والحيرة والتردد.
المثالية: المراهق قليل الخبرة نظرًا لصغره وحداثة تجربته إلا أنه مع ذلك يفكر ويحاول أن يصل إلى حلول، ولكن هذه الحلول مع فقد الخبرة لا تكون واقعية في كثير من الأحيان مما يؤدي إلى رفضها ممن حوله، مما يجعله يدخل في صراع مع من حوله ممن يكبرونه وأكثر منه خبرة.
الحيرة والتردد: إن فقد الخبرة مع الطبيعة الانفعالية للمراهق مع إلزام المراهق نفسه باتخاذ القرار بنفسه، وهنا تبدأ مشكلة المراهق عندما يريد أن يأخذ قرارًا في أمر ما، فهو يستطيع أن يتصور المواقف المختلفة قبل حدوثها، ويستطيع أن يدرك الوجوه المختلفة لهذه المواقف والبدائل المتعددة لحلها، وعندما يواجه مشكلة ذات بدائل متعددة في حلها ولابد من اتخاذ قرار لتحويل الحل واختياره.
ورغم ما يواجهه المراهق من حيرة بين البدائل إلا أنه ينزع إلى اتخاذ القرار بنفسه لكنه يفشل في كثير من الأحيان، وهنا كان لابد من الاحتواء، ووجود وسط يساعده على اتخاذ القرار المناسب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
القيمة: هذا ولدى المراهق مستوى من النضج العقلي يمكنه من الشعور بالهامشية عندما يكون مهملًا منبوذًا، وكذلك الشعور بالقيمة عندما يكون له وضعه ومسئولياته، وكذلك يستطيع أن يدرك وبقوة ارتباط صورته عند الناس بماله من قيمة وأعمال ودور وهذا بدوره يشير إلى إيجابية التفكير وانطلاقه في ميادين الحياة.
الوقت: ومما يتميز به المراهق عن الطفل إدراكه التام لقيمة الوقت وقدرته على التفكير المستقبلي إضافة إلى التفكير الآني، ويكون لدى المراهق استعداد للتفكير المستقبلي بالإضافة إلى نفسه كذلك في أسرته وفي مجتمعه وأمنه ومكانتها بين الأمم وكيفية النهوض بها.
3] انفعالات المراهق: قوة العاطفة وغزارة الوجدان؛ إن لدى المراهقين استعداد لسرعة الإثارة وهشاشة الانفعال، والفراغ النفسي المستعد للامتلاء، ولهذا فإن المراهق لا يستنفذ في انفعالاته ولا يكون واقعيًا في التعبير عنها فهو يغضب كثيرًا وسريعًا ولأسباب صغيرة ويتعجل في اتخاذ القرارات الخطيرة، وإذا أحب أسرف وبالغ وذلك من أسباب انتشار وشيوع الحب والغرام في سن المراهقة.
فالمراهق بسبب تكامله العضوي والعقلي يملك ما يملكه الكبار من أنواع الانفعالات ويدرك ما يدرك الكبار من الاستثارة العاطفية والشعورية، فهو يحب ويكره، ويهدأ ويغضب، ويتأنى ويتعجل، ويجرؤ ويخاف وهكذا صفات الرحمة والشفقة والشجاعة والأنفة، والمراهق تنقصه الخبرة والتجربة ويستولي عليه التغير السريع المتتابع، فهو من حيث النمو والنضج يعيش في أوضاع وسمات جديدة عليه من حيث البيئة والاكتساب ولم تصقله الخبرة.
الذاتية: وتعني إعجاب المراهق بنفسه، واعتزازه بها، والاعتقاد بأنه محط أنظار الناس وبؤرة اهتمامهم ويسيطر على بعض المراهقين الاعتقاد بأن الناس ينظرون إليهم كما ينظرون هم إلى أنفسهم ويجب أن تكون صورته عندهم كما هي صورته عند نفسه، وهذا ناتج عن فقد التوازن الانفعالي والعاطفي لديه، وعن التحولات الفجائية المؤدية للرجولة والأنوثة مما يشعره بالاكتمال والتمام.
الخوف والقلق: وقد يخاف المراهق ولا يعرف مم يخاف، حيث يدركه القلق من المجهول، ويتوقع أن شيئًا مؤذيًا سيحدث له ولا يدري ما هو هذا الشيء، وقد لا يكون لهذا الشيء وجود أصلًا، فهو مجرد توهم سببه الإفراط في الحساسية والعاطفة لديه.
فالمراهق غالبًا يخاف على ذاته ومستقبله ويخشى من احتمالات الفشل والنجاح، ويشعر بعدم الاستقرار نظرًا لعدم الثبات على شيء، ولفقد الرؤية الواضحة، وللغموض الذي يكتنف طريقه الجديد عليه، فهو يشعر بمشاعر الرجال ويملك بعض صفاتهم، لكنه لا يسلك طريقهم.
4] المراهق والمجتمع: يحتاج المراهق إلى المجتمع حوله ليحقق فيه ذاتية ووجوده وهذه طبيعة المراهق وغيره فهي حاجة إنسانية، والمراهق يحقق ذاته في المجتمع من خلال معرفة أهمية وحاجته إلى التقدير والمسئولية ويحتاج كذلك إلى اختبار قدراته وتحديد ميوله وتوجهاته.
وقد كلف الإسلام الإنسان بالتكاليف الشرعية بالبلوغ، وحمله مسئولية نفسه سواء في العبادات أو المعاملات، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمح لمن بلغ الحلم بالجهاد وهو من أشق الأمور وأعنفها، والمراهق يكره التبعية ويسعى إلى الذاتية، وهذه النقطة هي التي تحدد موقفه من الكبار وموقف الكبار منه.
وكما يشعر المراهق بالذاتية ويحب التقدير فهو كذلك يشعر بالحاجة إلى الانتماء إلى رفقة أو صحبة تشاركه مشاعره وتعيش مرحلته، وهذه الرفقة تتحد في المشاعر والأحاسيس وتسعى إلى إشباع الحاجات والرغبات، وهذه الرفقة تخلص لبعضها البعض ولو في الشر, وحاجة ماسة بالنسبة للمراهق نظرًا للتغيرات الفجائية التي تحدث له ويحتاج لها إجابات يستحي أن يسأل عنها الكبار.
والتغيرات المفاجئة التي تحدث للمراهق وتطور المراهق العضوي والعقلي والنفسي يؤذن ببداية رجولته واكتماله، ولكن الكبار يرفضون ذلك أو لا يأبهون به أو يصادمونه وهذا التصرف من الكبار يسيء إلى المراهق ويؤدي به إلى خيبة الأمل وبالتالي إلى المعاندة وضعف الارتباط والخروج عن الأعراف والتمرد عليها والارتماء في أحضان الرفقة.
|