حين تتأمل أحوال أسارى الشهوة المحرمة واللاهثين وراء إشباع غرائزهم وشهواتهم فستجد فيهم جميعا قاسما مشتركا يظهر جليا في حركاتهم وسكناتهم, وتشف عنه قسمات وجوههم, إنه ضعف الصلة بالله عز وجل.
فأنى لقلب اتصل بالله تعالى وعرفه, وذاق لذة القرب منه أن يحصل لذته أو يجد راحته في صور عارية أو في أفلام خليعة أو في نظرات خائنة, ولهذا فكل من وقع في ذنب من ذنوب الشهوة أو عاد إليها بعد توبة وتوقف, فإنما أوتي أول ما أوتي من قبل ضعف إيمانه, الذي سهل الطريق على نفسه الأمارة, وشيطانه اللعين فزلت قدمه في أوحال الشهوة بعد ثبوتها دهرا في حدائق الإيمان.
إن الإيمان بالله عز وجل هو العاصم ـ بعد توفيق الله سبحانه ـ للعبد من مواقعة الحرام, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن،...))[رواه البخاري].
إذًا فحين يعمر الإيمان قلبك، ويملأ فؤادك ومشاعرك, ثم ينساب إلى جوارحك ليقودها نحو مرضاة الله؛ فلن تتجرأ نفسك على تحديثك بالمعصية ولن تتجرأ عينك على اختلاس النظر ولن تتجرأ جارحة من جوارحك على مخالفة أمر الله عز وجل, ولهذا فإن بناء الإيمان في القلب ليس أمرا سهلا هينا ولكن من داوم قرع الباب يوشك أن يفتح له.
وإليك أخي الحبيب محاولة منا لمساعدتك في طريقك نحو إيمان قوي يحطم قيود الشهوة التي ربما تكون قد أذلت ناصيتك وأذاقتك الويلات تلو الويلات عبر خطوات:
(1) تقوية الخوف من الله:
((وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى))[النازعات:40-41].
فالخوف من الله هو الوازع الحقيقي الذي يمنعك من الوقوع في أسر الشهوة، وليس الخوف من الفضيحة أو الخوف من الأمراض فقط.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: (وإذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها) [مدارج السالكين، ابن القيم، ص(318)], وإليك أخي الشاب، برنامج عملي يساعدك على تقوية الخوف من الله في قلبك:
@ أكثر من ذكر الموت:
فكلما أكثرنا من ذكر الموت؛ كلما رق القلب، وامتلأ بالخوف من لقاء الله عز وجل ونحن على حالنا من المعاصي والذنوب، ولكي تداوم على ذكر الموت عليك بالآتي:
1- زيارة القبور: ليكن لك ورد أسبوعي أو كل أسبوعين لزيارة المقابر؛ لأن زيارة القبور تذكر بالآخرة، كما أخبر بذلك الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: ((كنت نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها؛ فإنها ترق القلب وتدمع العين وتُذَكِّر الآخرة)) [صححه الألباني].
2- تغسيل الموتى واتباع الجنائز: فمنظر الميت وهو يتقلب بين يدي المغسل لَحَرِيٌّ أن يرقق القلب ويزرع الخوف من الله.
3- كتابة الوصية ودوام مطالعتها: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده))[رواه البخاري], فكتابة الوصية ودوام المطالعة فيها يجعل الموت أمام عينيك دائمًا.
4- تذكر ساعة الاحتضار ومشاهدة المحتضرين.
@ كتابة الذنوب وإحصاؤها:
فيتذكر معاصي الجوارح؛ مثل: معاصي اللسان من غيبة ونميمة، ومعاصي العين كالنظر الحرام، ومعاصي الفرج من عادة سرية وغيرها، ومعاصي القلوب؛ كالكبر والعجب والحسد ... وغيرها.
والتقصير في القيام بالحقوق، كبِرِّ الوالدين وصلة الرحم وغيرها من الحقوق, والتقصير في الطاعات؛ من تضييع للخشوع، وترك للنوافل، وتساهل في الجمع والجماعات.
وبعد أن تكتب الذنوب, تكتب أيضًا نعم الله عليك، ثم تعقد مقارنة بين النعم التي ينعم الله بها عليك وبين المعاصي التي تبارزه بها ليل نهار؛ ومن ثم يمتلأ قلبك بالخوف من الله عز وجل أن يأخذك بذنوبك.
(2) المحافظة على العبادات وإتقانها:
فالإيمان: قول وعمل واعتقاد بالقلب، والعبادات هي وقود الإيمان، وهي التي تؤثر فيه زيادة ونقصانًا، لأن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وهذا ورد مقترح للعبادات:
1- لا تدع صلاة الجماعة في المسجد، وخاصة صلاة الفجر، فهي العلامة الواضحة على مدى انسحاب هذه المشكلة من حياتك؛ فكلما انتظمت في صلاة الفجر، كلما كانت هذه علامة على عدم تغلغل هذه المشكلة بداخلك.
2- عليك بالنوافل بعد الفرائض، وهي اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة؛ ليُبنى لك بيت في الجنة: أربع قبل الظهر، واثنتان بعده، واثنتان بعد المغرب، واثنتان بعد العشاء، واثنتان قبل الفجر.
3- عليك بصلاة الوتر وقيام الليل ولو ركعتين خفيفتين.
4- في كل الصلوات السابقة حاول دائمًا أن تستحضر قلبك في الصلاة، واجعل جوارحك تخشع بقدر الإمكان؛ لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ويمكن أن يساعدك على ذلك أن تستمع إلى شريط لأحد الدعاة يتكلم فيه عن الخشوع في الصلاة.
5- اهتم أكثر بالوضوء، وحاول أن تتأمل في أسراره؛ فمع كل قطرة ماء تنزل من أعضائك يغفر الله عز وجل لك ذنبًا قام به هذا العضو؛ فتخيل نفسك وأنت تتوضأ والماء يتساقط من وجهك؛ أن الله عز وجل يغفر لك الآن إطلاقك لبصرك، وسماعك للحرام، وأن الله يغفر لك رؤيتك للأفلام أو المواقع الإباحية.
وحين تتساقط المياه من أصابع يدك، يغفر الله لك كل مافعلته بها من حرام سواء عادة سرية، أو تصفح للمواقع، أو غيرها من المعاصي التي استخدمتها فيها.
وحين تتساقط المياه من قدمك، يغفر الله عز وجل كل موضع مشت فيه قدمك لمواعدة فتاة، أو للحصول على فيلم جديد من صديق سوء.
فلتكن هذه نفسيتك وأنت تتوضأ أخي الحبيب، وثق تمامًا بأن الله عز وجل عند حسن ظنك به؛ فإذا ظننت أنه سيغفر لك فإنه سيغفر لك؛ لأنه هو القائل في الحديث القدسي:
((أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني؛ فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم، وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إلي ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإنأتاني يمشي أتيته هرولة)) [رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري].
6- حافظ على أذكار الصباح والمساء، وأكثر من ذكر الله عز وجل عمومًا، لأن اللسان إذا انشغل بذكر الله؛ شغل معه العقل ثم القلب؛ فلا يجد الشخص متسعًا للتفكير في غير ذكر الله.
7- ليكن لك وِرد يومي من قراءة كتاب الله عز وجل بتدبر وخشوع، ولو صفحة واحدة.
8- ابدأ في حفظ كتاب الله تدريجيًا، فهو خير معين على التغلب على هذه المشكلة، وهذه الخطوة أيضًا أحد أهم العلامات على نجاح العلاج مثل صلاة الفجر، فإذا وجدت نفسك تحفظ كتاب الله بسهولة ولا تجد صعوبة في ذلك؛ فهذه علامة أيضًا على أن الشهوة ليست مسيطرة على قلبك، وهذا مُجرب في قطاع عريض من الشباب.
9- الدعاء الدعاء أخي الحبيب، فمن لم يسأل الله يغضب عليه، وأكثر من هذا الدعاء المبارك الذي كان يدعو به النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: ((اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى))[رواه مسلم].
10- عليك بالصدقة ولا سيما صدقة السر؛ فإنها تطفئ غضب الرب، فليكن لك صدقة يومية، وليس شرطًا أن تكون كبيرة ولكن على قدر استطاعتك، فرب درهم سبق ألف درهم.
11- صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وِجَاء)) [رواه البخاري].
ولكن عزيزي الشاب، ليكن صومك حقيقيًا؛ حتى يتحقق التأثير الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث من أنه سيكون لك وِجَاء، أي حماية ووقاية.
والصوم الحقيقي ليس فقط الامتناع عن الطعام والشراب، ولكن أيضًا الامتناع عن الشهوات والمعاصي والذنوب طوال فترة الصيام، ولا تقل: أني أصوم ولا أشعر بشيء يتغير؛ فالعيب ليس في الصوم ولكن العيب فيك أنت، كما حدث مع النبي صلى الله عليه وسلم، حينما جاءه رجل يقول: إن أخي استطلق بطنه ـ أي يشتكي ألمًا فيها ـ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اسقه عسلًا))، فسقاه ثم جاءه، فقال: إني سقيته عسلًا فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال له ثلاث مرات.
ثم جاء الرابعة فقال: ((اسقه عسلًا))، فقال: لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صدق الله وكذب بطن أخيك))، فسقاه فبرأ[رواه مسلم].
(3) التعلق بالآخرة:
حرر نفسك من أسر الدنيا وقيودها، وانطلق إلى جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين، وأنت فيها من الخالدين.
فمن الحمق ـ أخي الحبيب ـ أن تبيع الذهب بالتراب، أن تبيع الحور الحسان اللاتي لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان بامرأة مهما بلغ جمالها في هذه الدنيا.
وتعال معي أخي الآن لنطرب مع الحور ساعة، قبل يوم الساعة، يروي الإمام الطبراني رحمه الله عن النبي r قوله: (( إن أزواج أهل الجنة ليغنين أزواجهن بأحسن أصوات سمعها أحد قط، إن مما يغنين به: نحن الخيرات الحسان، أزواج قوم كرام، ينظرن بقرة أعيان.
وإن مما يغنين به: نحن الخالدات فلا نمتنه، نحن الآمنات فلا نخفنه، نحن المقيمات فلا نظعنه ))[صححه الألباني].
واسمع أيها الغالي، واسمعي أيتها الغالية، إلى وصف الإمام ابن القيم رحمه الله للحور العين، إذ يقول:
( تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت، ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت، وإذا قابلت حِبَّهافقل ما تشاء في تقابل النيِّرَين، وإذا حادثتهفما ظنك بمحادثة الحبين؟ وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين؟
لو اطلعت على الدنيا؛ لملأت ما بين الأرض والسماء ريحًا، ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلًا وتكبيرًا وتسبيحًا، ولتزخرف لها ما بين الخافقين، ولأغمضت عن غيرها كل عين، ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم، ولآمن من على ظهرها بالله الحي القيوم.
ونصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها، ووصالهاأشهى إليه من جميع أمانيها، لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسنًا وجمالًا، ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالًا، مبرأة من الحبل والولادة والحيض والنفاس، مطهرة من المخاط والبصاق، والبول والغائط وسائر الأدناس.
لا يفنى شبابها، ولا تبلى ثيابها، ولا يخلق ثوب جمالها، ولا يمل طيب وصالها، قد قصرت طرفها على زوجها، فلا تطمح لأحد سواه، وقصر طرفه عليها، فهي غاية أمنيته وهواه.
إن نظر إليها سرته، وإن أمرها بطاعته أطاعته، وإن غاب عنها حفظته، فهو معها في غاية الأماني والأمان.
هذا ولم يطمثها قبله إنس ولا جان، كلما نظر إليها؛ ملأت قلبه سرورًا، وكلما حدثته؛ ملأت أذنه لؤلؤًا منظومًا ومنثورًا، وإذا برزت؛ ملأت القصر والغرفة نورًا.
وحـديثها السحر الحلال لو أنه لم يجن قتـل المسلـم المتحرز
إن طـال لم يملل وإن هي حدثت ود المحـدث أنهـا لـم توجز
وإن غنت؛ فيا لذة الأبصار والأسماع، وإن آنست وأمتعت؛فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع، وإن قَبَّلت؛فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل)[حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح, ص(129)].
أبعد كل هذا ـ أخي الحبيب ـ تسمح لنفس أمارة أو شيطان ضعيف أن يجعلك تتعلق بشهوة فانية ولذة عابرة، وتتنازل عن كل هذا الجمال!!!
أخي الفاضل, كن على يقين أنه كلما زاد الإيمان في قلبك؛ كلما قل تعلقك بالمعاصي والذنوب, وكلما ضعف سلطان الشهوة عليك.
فاعقد العزم وشمر عن ساعد الجد, فوالله ما اجتهدت في شيء أفضل من اجتهادك في القرب من الله تعالى, وتحصيل مرضاته.
أهم المراجع:
1- شهوة تبني مسجدا ................. محمد السيد عبد الرازق.
2- هزة الإيمان ....................... فريد مناع.
3- مدارج السالكين .................. ابن القيم.
4- حادي الأرواح إلى بلاد الأفرح ........ ابن القيم.