أشرت في بداية المقالة السابقة(الركن الفعال)، إلى إطارين يتحرك فيهما الشاب داخل نطاق الأسرة إطار عام وهو ما كان محور الكلام، وبين يدي هذه السطور يكون الحديث عن إطار خاص لا يغفل عنه حيث أنه من الأهمية بمكان. هذا الإطار إطار فردي يستوعب أحد أفراد أسرتك تمارس فيه بعض فنون الدعوة الفردية التي سأبين لك شيئاً منها. والهدف من ذلك صياغة هذه الشخصية وفق شرع الله تعالى بإحداث نقلة في مقدار تمسكه والتزامه بالإسلام بحيث تتحقق فيه سمات المسلم الصالح ويتوفر لديه الاستعداد للقيام بواجب الدعوة إلى الله. وهو في الوقت نفسه يمثل تقوية لموقفك وجبهتك في المنزل. ولا أخفي عليك سراً إن قلت أن هذا الموضوع قد صنفت فيه المصنفات ولا يتسع المقام لسرد مراحل وخطوات هذه الممارسة الدعوية بالتفصيل ولكني سأحاول إن شاء الله تعالى الاختصار والإحاطة قدر الإمكان بالخطوط العامة. غير أن القيام بها يفترض في صاحبه الوصول إلى درجة طيبة في الالتزام وممارسة الدعوة فإن كان بوسعك القيام بها فاحمد ربك، وإن كانت إمكاناتك لا تؤهلك فاستعن على هذه المراحل بأخ لك قد رسخت قدمه في الالتزام والدعوة يتابع معك الموقف خطوة بخطوة، وإن لم يكن فاستعن بالله أولاً وآخراً ولا تعجز وابذل الجهد. المهم ألا تقف مكتوف اليدين وسدد وقارب. والتحرك في هذا الإطار يمر بمراحل:-
المرحلة الأولى: الانتقاء
أي بمن تبدأ. فلتبدأ بأكثر الموجودين تفاهماً وأقواهم صلة بك وأقربهم إلى الاستجابة وفي أغلب الأحيان يكون الأخ أو الأخت هو ذلك الشخص. ولكن ليست هذه قاعدة ثابتة فربما كانت الأب أو الأم أقرب الموجودين لتحقق الشروط فيه.
- المرحلة الثانية: توثيق العلاقات
وجعلها تخرج إلى مستوى أعلى يفوق الحد الطبيعي. فلذلك أنصح باتباع جميع الإرشادات في الفصل السابق والتي تزيد وتقوي الألفة وذكرنا منها الهدية، والبشاشة، والمبادرة إلى الخدمة، والاستشارة، والتصريح بالمحبة، والمشاركة الإيجابية في حل المشاكل، والقدوة. ولكن ينبغي أن تكون درجة المعايشة أكبر، بالإضافة إلى الاهتمام بميوله وجعله يلحظ ذلك الاهتمام فإذا كانت اهتماماته مثلاً رياضية فتشير إلى العلاقة بين الإسلام والرياضة وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم التي تحث على الاهتمام بالقوة الجسمانية وذكر ما يتعلق بذلك كموقف النبي صلى الله عليه وسلم مع ركانة المصارع المشهور الذي لم يسلم إلا بعدما صرعه النبي، وإذا كانت اهتماماته بالشعر فبين له العلاقة بين الإسلام والأدب وأهمية الشعر الصالح وشعراء الصحابة ودورهم. ولكن هذه المشاركة في الاهتمامات والميول ينبغي أن تكون في إطار الانضباط الشرعي فلا يكون تأليف قلبه والتمكن منه على حساب الإخلال بالأحكام الشرعية.
* وهناك معايير لإنجاز هذه المرحلة :
- يحكي لك عن أخص أسراره والتي لا يبوح بها إلا لأقرب الأصدقاء.
- يشركك في قضاء حوائجه ويحرص على أخذ رأيك.
- يجتهد في تحقيق ما تطلبه منه.
- يظهر رغبته في حديثك والاستماع إليك.
المرحلة الثالثة: [ إيقاظ فطرته ]
فكل امرئ مهما كان تقصيره فله رصيد من الفطرة إلا أنها مخدرة تريد هزة إيمانية ينتبه على أثرها القلب من رقدته ودورك في هذه المرحلة بعدما هيأت الأرضية المناسبة أن تهز إيمانه ليهب من غفلته، والغرض من ذلك أن تتواجد عنده دوافع الأعمال التي تدفع العبد إلى الطاعة وهي الخوف من الله ومحبته ورجاؤه، فتلين جوارحه وتنقاد بسلاسة إلى درب الاستقامة.
* وهناك جوانب أساسية لابد من مراعاتها والطرق عليها في هذه المرحلة:
أولاً : الوقوف على دلائل عظمة وقدرته ويشمل الموضوعات الآتية:
1- التعرف على عظم خلق الله كالسموات والأرض والملائكة والكرسي والعرش.
2- مظاهر الإعجاز العلمي في الكون وخلق الإنسان.
3- التعرف على أسماء الله المتضمنة لمعاني القدرة والإحاطة كالسميع والبصير والقدير.
ثانياً : إلهاب القلب بسياط الخوف ويشمل الموضوعات الآتية:
1- انتقام الله ممن عصاه وأعرض عن سبيله.
2- التحذير من سوء الخاتمة.
3- سكرات الموت وشدائده.
4- الحياة البرزخية وأهوال القبور.
5- أهوال القيامة والبعث والحشر والحساب.
6- وصف النار
7- آثار الذنوب والمعاصي.
8- التعرف على أسماء الله المتضمنة للبطش والقوة كالجبار والعزيز.
ثالثاً : إيقاظ معاني محبة الله ورجائه ويتناول الموضوعات الآتية:
1- رحمة الله بعباده.
2- توبة الله على التائبين.
3- حسن الخاتمة ونعيم القبر وأحوال الصالحين يوم القيامة.
4- وصف الجنة.
5- التعرف على أسماء الله المتضمنة للحلم والعفو كالغفور والرحيم والتواب.
رابعاً : معرفة الغاية من الخلق وهي عبادة الله وحده واجتناب عبادة ما سواه.
أخي الحبيب:
بالتأكيد سوف تحتاج إلى مصادر ومراجع تغطي هذه الموضوعات وحتى لا يتشتت ذهنك فأوصيك بكتاب يغطي كل هذه الموضوعات تستعين به في هذه المرحلة وهو كتاب (هزة الايمان) لمؤلفه فريد مناع. سوف يوفر عليك الكثير من الجهد.
وهناك بعض الوسائل العلمية التي تفيد جداً في هذه المرحلة كاصطحابه إلى الجنائز، وحضور تغسيل الموتى، وزيارة المستشفيات وخاصة عنبر الحروق ومشاهدة أفلام مصورة عن عالم الفضاء والحيوان والنبات والبحار والإعجاز العلمي.
* ومعايير الإنجاز تتلخص في أن يبدو عليه التأثر عند ذكر الموت وشعوره بالتقصير وعدم الرضا عن نفسه والابتعاد عن أماكن اللهو وحرصه على إجابة سؤاله كيف النجاة؟ والبدء بخطوات عملية كالمحافظة على الصلوات.
المرحلة الرابعة: الدفع نحو الالتزام الشامل
وتهدف في هذه المرحلة إلى ما يلي:
1- إقامة الفرائض والسنن المؤكدة والمحافظة عليها.
2- الابتعاد عن المعاصي صغيرها وكبيرها.
3- الاهتمام بتزكية النفس.
4- الاهتمام بتصحيح السلوك والأخلاق.
5- إدراك شمولية الإسلام والمفهوم الصحيح للعبادة.
6- الاهتمام بالهدي الظاهر.
* وهناك في هذه المرحلة جانبان ينبغي مراعاتها في هذه المرحلة جانب علمي لا بد من تحقيقه عن طريق التلقين والقراءة والاستماع فمن ذلك:
1- التأكيد على أهمية الفرائض وخصوصاً الصلاة.
2- أهمية قيام الليل حيث أنه مدرسة العابدين وزاد المتقين.
3- الاهتمام بالقلب وإصلاحه حيث منه صلاح الجوارح.
4- الارتباط بالقرآن الكريم وأهمية تلاوته وحفظه وتدبر معانيه والعمل بأحكامه.
5- تعلم أخلاقيات الإسلام وأهمية حسن الخلق.
6- إدراك أهمية التوحيد ومعنى لا إله إلا الله وشروطها.
7- إدراك شمولية الإسلام وأنه منهج متكامل لابد وأن يحيا العباد في كنفه ووجوب هيمنته على جميع جوانب الحياة.
8- تصحيح مفهوم العبادة حيث لا تقتصر على الفرائض والأركان الخمس وأنها كما يعرفها شيخ الإسلام " اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة".
9- طريق الدنيا والآخرة هو طريق واحد أوله في الدنيا وآخره في الجنة وأن الجمع بينهما هو سبيل الصالحين المصلحين.
10- التأكيد على أن الدين ليس منه قشر ولباب ومن ثم فلابد من الاهتمام بالأصول والإهتمام كذلك بالفروع فالدين كله لب لمصائبه وشرائعه مع اعتبار ترتيب الأولويات.
11- التركيز على قضية التسليم للحكم الشرعي.
* وهناك كذلك جانب آخر عملي لتحقيق أهداف تلك المرحلة:
1- القدوة : فلابد أن تكون قدوة له في جميع ما ترشده إليه وتكون سباقاً إلى العمل بما تقول.
2- اصطحابه إلى الصلاة في المسجد وخاصة الفجر.
3- تفقد أحواله في قيام الليل.
4- ترتيب إفطار من صيام الإثنين والخميس.
5- ربطه بمواعيد حفظ القرآن مقترناً ببيان بسيط لمعاني الآيات.
6- التذكير المستمر بأخلاق النبي وصحابته والتعليق بذكرها على الأحداث والمواقف.
7- توفير المناخ الطيب بإبعاده عن رفاق السوء والتحذير من صحبتهم وإيجاد البديل الطيب وهم صحبة الخير رواد المساجد.
8- اصطحابه إلى دروس العلم.
9- مراعاة الجانب الترفيهي.
* ومن الكتب التي تغنيك في هذه المرحلة كتاب (حياة النور) لمؤلفه فريد مناع فأحسبه كتاباً جامعاً لكل الموضوعات التي تتطلبها تلك المرحلة.
* معايير الإنجاز:
1- إزدياد حرصه على العبادات والمحافظة عليها.
2- ظهور آثار تغيير واضحة عليه في ألفاظه وتعاملاته.
3- محافظته على دروس العلم.
4- التجاوب مع الصالحين.
5- الالتزام بالقيام وصيام الاثنين والخميس وثلاث من كل شهر.
6- الابتعاد عن الإصرار على المعاصي.
7- الالتزام بالهدى الظاهر.
المرحلة الخامسة: الدفع لحمل هم الإسلام.
أهداف المرحلة :
1- تفاعله مع قضايا الأمة وتأثره بها.
2- اقتناعه بضرورة الإصلاح والعمل من أجل الإسلام.
3- المشاركية الفعلية في العمل للدين.
* الموضوعات التي تهتم بتوصيل معانيها إليه في هذه المرحلة:
1- المحن التي يتعرض لها المسلمون في كل بقاع الأرض.
2- العزة التي كان يتمتع بها المسلمون من قبل.
3- الاسلام منهج شامل و دستور للحياة.
4- نشاط أهل الباطل في باطلهم.
5- فضل الدعوة إلى الله وعظم أجرها.
6- أهداف رسالة الإسلام وهي تعبيد الناس لله تعالى وإصلاح المجتمعات وفق شريعة الله.
وهناك بعض الوسائل تستعين بها في هذه المرحلة:
- قادة الغرب يقولون دمروا الإسلام أبيدوا أهله ( جلال العالم ).
- الهزيمة النفسية عند المسلمين عبد الله الخاطر.
- حتى لا تغرق السفينة (ناصر العمر).
- من يحمل هم الإسلام سلمان العودة (محاضرة مسجلة).
- العمل للدين واجب الجميع عبد الوهاب الطريري ( محاضرة مسجلة ).
- ما الهم الذي تحمله ناصر العمر ( محاضرة مسجلة).
- مطالعة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فإنها مليئة بمواقف التضحيةوحمل هم الإسلام.
* معايير الإنجاز:
1- وضوح الفهم والاقتناع بالعمل من أجل الإسلام والدعوة إلى الله تعالى.
2- الشعور بالمسئولية تجاه الدين.
3- قيامه بالفعل بالنصح ودعوة الآخرين.
4- تأثره بأي نازلة تحل بالمسلمين.
هذه باختصار شديد أهم مراحل الدعوة في النطاق الفردي. أسأل الله لي ولك السداد في القول والعمل.
ولاح الوداع
وكأني أرى في نظراتك الإعياء لتصور العمل بهذا السيل من التوجيهات والنصائح والإرشادات، من خلال هذه السلسلة، وكأنها مشارف الحرب. قد نتفق على أن المهمة صعبة ولكن أليس الأمر يستحق العناء والبذل لتحقيق هذا الواقع الأسري المنشود، فإذا كنت تتفق معي في ذلك فشمر عن ساعد الجد وضع الصورة المشرقة التي ابتدأت بها أول الصفحات نصب عينيك اجعلها هدفاً تسعى إليه. وإني لأعلم جيدا عظم المسئولية الملقاة على عاتقك ولكني أحسبك أهلاً لها يا فتى الإسلام وأعلم أن هناك قلباً يبتهل إلى الله من أجلك فامض مستعيناً بالذي يقول للشيء كن فيكون وبيده مقاليد السموات والأرض. وأستودع الله دينك وخواتيم عملك.
أنت نشء وكلامي شعل عل شدوي مضرم فيك حريقاً
ليس في قلبي إلا أن أرى قطرة فيك غدت بحراً عميقاً
لا عرى الروح هدوءٌ ولتكن بحياة الكد والكدح خليقا