|
|
|
شباب مصري في مقهى |
إن عدم تصور خطورة مصاحبة أصدقاء السوء لهو خطر عظيم محدق بصاحبه ، إذ يفقد بذلك عاملاً هاماً يقيم به وضعه، ويبصر به مواضع الخطى.وإذا أردنا الحديث عن هذه الأخطار والأضرار ، فإنما نجمعها من نص قرآني، أو حديث نبوي، أو قول صحابي، أو تابعي، أو عالم رباني، أو حكمة شاردة، أو درة خرجت من فم عاقل لا يلفظها المنطق السليم، أومن خلال قصة واقعية، من القديم أو الحديث.فنجلي لك أيها الحبيب شيئاً من هذه الأخطار والأضرار عبر هذه الوقفات:
1- شرخ في بنيان العقيدة:
لاشك أن عقيدة المسلم هي أغلى ما يملك، وهي مدار سعادته أو شقاوته وإن الصحبة السيئة لها تأثير مباشر وغير مباشر على عقيدة الصديق، الذي ضاق به أفقه عن استيعاب هذه القضية.ولا يخفى علينا ذلك الموقف الذي آلم النبي صلى الله عليه وسلم، وتألم له كل مسلم بألم الحبيب محمد ، إنه موت أبي طالب عم النبي على الكفر، أتدري بم خسر أبو طالب عقيدته ومات على الكفر؟ خسرها بجلساء السوء المحرضين على الباطل
فعندما حضرت أبا طالب الوفاة، جاء زعماء الشرك، وحرضوه على الاستمساك بدينه وعدم الدخول في الإسلام قائلين: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ وعرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام قائلا: قل لا إله إلا الله أشهد لك بها يوم القيامة ، ولكن أنى لأهل الضلال أن يدعوه فما زالوا به حتى مات على ملة الكفر.
وقد تعترض على كلامي متعللا بأن أبا طالب كان على الشرك أما أنت فمسلم فكيف يتصور هذا الإضرار بالعقيدة الذي تتحدث عنه؟
أجيبك أيها الحبيب:اعلم أن ذلك يتصور حدوثه بأكثر من وجه:
ا-مصاحبة غير المسلمين:
ولا نعني بذلك مجرد المعاملة الحسنة، فالله تعالى لم ينهنا عن الذين لم يقاتلونا في الدين أن نبرهم ونقسط إليهم، وخص أهل الكتاب منهم بعدة أحكام تنم عن عظمة هذا الدين وسماحته وعدله. ولكن جعل الإسلام لهذه العلاقة حدوداً تحافظ على عقيدة المسلم وهويته، وتمنعه من الذوبان في غير إطار المسلمين بغير بغي ولا ظلم للآخرين.
وقد يؤتى البعض من قبل اختراق هذه الحدود، عندما تأخذ العلاقة بينه وبين غير المسلمين شكل التعايش والولاء والتآخي ونحو ذلك مما لا يكون إلا للمسلم.هذا التعمق في العلاقة معهم قد يؤثر على عقيدة الولاء والبراء عند المسلم، فقد يميل إلى ملة الآخر، ويقتنع بها، أو يعتقد صحة باطلها، أو يرى أن الإنسان يسعه الدخول في هذه الملة، وقد تحدث الطامة الكبرى ويفارق دين الإسلام إلى الملة الأخرى، سواء كان بدافع التعلق والميل القلبي ، أو بدافع الاقتناع بهذه الملة.
ب-ويتصور ذلك أيضاً في وجود صديق متأثر بالأفكار والمذاهب الضالة-كالشيوعية مثلا-ويحاول بدوره أن يصنع الهيمنة لأفكاره –شأن صاحب أي فكرة-فيبدأ في التأثير على صاحبه وإثارة الشبهات لديه ، ويستغل جهله بالدين ليشككه في ثوابته.
ج-ويتصور ذلك أيضاً في مصاحبة من لا يخلو حديثه من سب الدين، فمن يصاحبه إنما هو على خطر في جميع الأحوال، فإما أن يكتسب هذا الجرم العظيم منه، ويتعود على سب الدين، وهو ذنب عظيم، وإما أن يجالسه دون أن يحذو حذوه، فحسبه في ذلك قول الله تعالى (وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم) يقول ابن كثير:" أي: إنكم إذا جلستم معهم وأقررتموهم على ذلك, فقد ساويتموهم في الذي هم فيه". فمع الأسف الشديد هناك عدد ليس بقليل من الشباب يتمازحون بسب الدين بعضهم لبعض ، أو يسبون الدين في أدنى درجات الغضب.
2-قطاع الطريق:
كثير من الشباب يحنون إلى العودة إلى الله، والتوبة والاستقامة، ولكنهم يحجمون بسبب أصدقاء السوء الذين يخذلونهم ويثبطونهم ويقطعون عليهم طريق الإنابة. لذلك فلا يسع مريد التوبة إلا الابتعاد عن الأوساط المضرة التي تؤثر حتماً فيمن يتواجد فيها.وليس أدل على ذلك من الحديث النبوي العظيم حديث قاتل المائة نفس : عن أبي سعيدٍ سعد بن مالك بن سنانٍ الخدري رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: كان فيمن كان قبلكم رجلٌ قتل تسعةً وتسعين نفساً, فسأل عن أعلم أهل الأرض, فدل على راهبٍ, فأتاه فقال: إنه قتل تسعةً وتسعين نفساً, فهل له من توبةٍ ؟ فقال: لا, فقتله فكمل به مائةً, ثم سأل عن أعلم أهل الأرض, فدل على رجلٍ عالمٍ فقال: إنه قتل مائة نفسٍ فهل له من توبةٍ ؟ فقال: نعم, ومن يحول بينه وبين التوبة ؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا, فإن بها أناساً يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم, ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوءٍ, فانطلق حتى إذا انتصف الطريق أتاه الموت, فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائباً مقبلاً بقلبه إلى الله تعالى, وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيراً قط, فأتاهم ملكٌ في صورة آدمي فجعلوه بينهم - أي حكماً - فقال: قيسوا ما بين الأرضين فإلى أيتهما كان أدنى فهو له, فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد, فقبضته ملائكة الرحمة.
فالرجل كان صادقاً في توبته، بدليل إرادة التوبة حتى بعدما أضاف جريمة أخرى إلى رصيده بفتوى جاهل، ولكنه لم ينتفع بهذه التوبة ، ولم تستتم له إلا بعدما استجاب لنصيحة العالم الذهبية، وترك الوسط السيء إلى ما هو أفضل.
ونحن نسأل صاحبنا:أتدري لم لا يروق لهم أمر توبتك ؟الإجابة باختصار :لأنهم يشعرون في قرارة أنفسهم بالنقص والعيب ، فإن فارقتهم إلى صراط مستقيم، حسدوك لأنك سوف تتحرر من قيود الذل، وتحيا حياة النور، وتصير أفضل وأنقى وأطيب منهم، وهو ما لا يرضونه لأنفسهم.وربما كانت هناك مصالح ومنافع يحصلونها بوجودك معهم ، ويخشون فقدانها بمفارقتك لهم، فيحاولون إقعادك عن سلوك درب الاستقامة بشتى الوسائل، بالتخذيل أو السخرية أو التذكير باللذات والمغامرات وربما وصل الأمر إلى التهديد بإفشاء الأسرار
ونكمل في المرة القادمة بإذن الله وإلى أن نلتقي لكم منا أطيب التحية والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته