يمر علاج الإدمان على المخدرات والكحوليات بمراحل متتابعة كل مرحلة تسلم إلى التي تليها، وتستغرق المراحل كما ذكرنا في الجزء الأول من المقال وقتًا يعتمد بالأساس على نوع المخدر ومدة التعاطي وكميتها ومدى رغبة وإصرار المدمن على تحصيل العلاج والوصول إلى الخلاص من جحيم الإدمان.
وأول مرحلة في علاج الإدمان هي مرحلة إزالة السمية (Detoxification) وهي عبارة عن عملية سحب آمن للمخدر أو الكحول من الجسم وذلك فيما عدا المهلوسات، والمواد المتطايرة، فإن الاستخدام المزمن للمخدرات والكحول يصاحب بحدوث التحمل للجرعات المتزايدة من المخدر والمشروب الكحولي وبالتالي يزيد حجم الاعتماد الجسدي عليها.
وتختلف أعراض الانسحاب للمخدر من الجسم من نوع لآخر ففي حالة الانسحاب من تعاطي مثبطات الجهاز العصبي ـ مثل الباربتيوريت (Barbiturates) والبنزودايازبين (Benzodiazepines) تحدث الرجفة والتعرق والتشنجات والهذيان.
وعلى الرغم من أن الانسحاب من الأفيونات (Opiates) غير مهدد للحياة ولا يتسبب في الوفاة إلا أن المريض يشعر بعدم الارتياح ويتعرض لأعراض انسحابية شديدة الألم.
وأما الانسحاب من منبهات الجهاز العصبي (CNS Stimulants) فيصاحب باكتئاب، وتعب وإرهاق شديد وازدياد الحاجة للنوم وزيادة الشهية.
من ناحية أخرى توجد بعض العقاقير مثلها مثل الكحول تسحب بسرعة عادة خلال أيام ولكن المهدئات يمكن أن تأخذ أسابيع حتى تسحب من الجسم، وإن العقاقير التي غالبًا ما تسبب مشاكل جسدية خطرة أثناء الانسحاب هي المثبطات.
وتعد هذه المرحلة من أصعب مراحل العلاج كما هي أولها ويكون نوم المريض في هذه المرحلة على مدد قليلة متقطعة ودرجة الاشتياق لتعاطي المواد المخدرة شديد، ولهذا فإن العديد منهم في هذه المرحلة يتركون العلاج ويشعرون بأنهم لا يستطيعون أن يتحملوا هذه الأعراض.
والاحتياج الفسيولوجي والنفسي أي احتياج الجسم إلى مركبات الإدمان لتعوده عليها كما يحتاج إلى القيام بما تعود عليه من التعاطي للمادة وهذا هو القوة المحركة لعودة المدمن لاستخدام العقاقير مرة أخرى وهؤلاء المرضى يحتاجون للعلاج بالأدوية لتخفيف هذه الأعراض وأيضًا إعادة الطمأنينة وإعطاء الدعم لهم.
العلاج بالأدوية مثل الميثادون ومضادات الأفيونات علاج متوفر للأشخاص المدمنين على الأفيون ومستحضرات علاج النيكوتين مثل (اللصقات اللبان وبخاخ الأنف) ودواء البيبريون Buprion أيضًا متوفر للاشخاص الذين يدمنون على السجائر.
والمرضى الذين يعانون من اضطرابات نفسية مصاحبة للإدمان (مثل الاكتئاب والذهان والقلق واضطرابات المزاج ثنائي القطب) فمضادات الاكتئاب ومثبتات المزاج ومضادات الذهان يمكن أن تكون حاسمة في العلاج ولها تأثير أساس.
وتنتظم طرق العلاج في محاور متعددة يتمثل أهمها في:
العلاج السلوكي المعرفي(Cognitive Behavioural Therapy ): :
ويتضمن هذا العلاج تصحيح مجموعة المفاهيم الذهنية المتعلقة بالإدمان والتي لها بالغ الأثر في نجاح المدمن في التخلص من أسر الإدمان عن طريق تصحيح قناعاته فيتعلم المدمن من خلاله طرق واستراتيجيات التعامل مع الاشتياق للمخدر وآليات التغلب عليه.
كما يساعد في تطوير خطة شخصية شاملة للتعامل مع المواضيع التي تشكل خطرًا في المستقبل ويطبق مهارات حل المشكلات للتغلب على المشاكل النفسية والاجتماعية التي تشكل عائقًا في طريق العلاج ومبررًا قويًا للعودة إلى الإدمان من جديد لغلق باب العودة عليه.
يساعد العلاج المعرفي أيضًا في تعلم وممارسة مهارات اتخاذ القرار ومهارات رفض المخدر أو الكحول ويوفر صورة واضحة لكيفية تجنب ومنع الانتكاس نحو المخدرات ثانية والتعامل معه إذا حدث.
استراتيجيات زيادة الدافعية للتغير (Motivational Enhancement Approach)::
وهذه الاستراتيجيات مهمة للغاية إذ أنها تساعد على زيادة الدافعية الذاتية لدى المدمن لتقبل فكرة العلاج والانخراط والاستمرار فيه وترفع لديه القناعة بإمكانية التغيير بل وحتمية هذا التغيير وأنه لا استسلام حتى نصل إلى نهاية المطاف.
وتقوم هذه الاستراتيجيات كذلك على ضرورة مراعاة التعاطف مع المريض واحترامه وإقامة علاقة دافئة معه وتقديم الدعم والحماية له والاهتمام به والاستماع إليه وإسداء النصيحة في الوقت المناسب، وإزالة الحواجز التي تمنعه من الانخراط في العلاج وتقليل الرغبة في التعاطي، وذلك بالمقارنة بين فوائد وتكلفة التغيير وترجيح الكفة لصالح التغير والمساعدة في وضع أهداف واضحة ومعقولة يمكن تحقيقها.
وإلى اللقاء مع الجزء الثالث من علاج الإدمان