توقفنا في المرة السابقة عزيزي الشاب في حديثنا عن مضار طغيان فكر الشهوة على العقل عند انتشار الزنا والزواج العرفي واليوم نكمل معك تلك القائمة السوداء من الأضرار التي تلحق بمن يسيطر على كيانه اتباع شهوته بأي طريقة حتى وإن كانت محرمة.
2- الأمراض الجنسية:
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن؛ لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها؛ إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ... )).
هذا الحديث من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم الباهرة، وكأنه ـ بأبي هو وأمي ـ يعيش معنا، ويعلم حالنا، وما وصلنا إليه اليوم من مصائب.
( هل سمعت عن مرض الزهري، والسيلان؟ في إحصاء عام 1977م: يبلغ المصابون بالزُّهْري سنويًا (50 مليون).
أما السيلان فخمسة أضعاف حيث يبلغ (250 مليون) سنويًا، وفي عام 1981م بلغ عدد المصابين بمرض آخر؛ هو الهِرْبِس التناسلي (20 مليون) في الولايات المتحدة وحدها.
وأخيرًا: جاء في الملحق السنوي لمجلة البيان لسنة 1422هـ، ما نصه: أن الله ابتلى من عصاه بطاعون الإيدز الذي انتشر وينتشر بشكل متوالية هندسية, ويبلغ عدد الذين ينقل إليهم المرض يوميًا على مستوى العالم (10 آلاف) شخص!! وفي كل دقيقة يصاب ستة أشخاص دون سن الخامسة بعدوى الإيدز، وفي عام 2000م لقي ما يقرب من ثلاثة ملايين شخص من حاملي المرض مصرعهم.
وقد تسبب الإيدز في إضافة (13.2 مليون) طفل إلى قائمة الأيتام، ويقدر عدد المصابين به في عام 2000م بـ(34.4 مليون) ثلثهم من الشباب من بين (15 ـ 24) سنة.
بقي أن تعلم أن (73%) من المصابين بهذا المرض هم من الذين يعملون عمل قوم لوط ).
3- زيادة الشهوة:
عزيزي الشاب، إذا رأيتَ حريقًا يندلع في أحد الأجهزة في المنزل، ثم سارع أخوك إلى إطفائه مستخدمًا زجاجة ممتلئة بالبنزين، ماذا ستفعل؟
بالتأكيد ستنتزعها منه وتصيح فيه بعصبية شديدة: أمجنون أنت؟ هل هناك عاقل يطفئ نارًا ببنزين؟
للأسف، أنت تفعل ذلك ـ عزيزي الشاب ـ مع شهوتك، فحين تريد أن تطفئها في الحرام من زنى أو عادة سرية؛ فكأنك تضع البنزين على النار فتزيدها اشتعالًا.
ولهذا قال العلماء: ( من أحب شيئًا غير الله عُذِّب به ) ، فتجد الإنسان يُعذَّب من حيث يظن أنه يبحث عن إشباع غريزته وتهدئتها.
وهذا ملاحظ بكثرة وخاصة لمدمني العادة السرية؛ فهم في البداية يمارسونها لتهدئة الشهوة، ثم يجدون الأمر قد تطور بعد ذلك، فيستخدمونها لاستجلاب الشهوة؛ وبالتالي تزداد شهوتهم يومًا بعد يوم وهناك من ينتقل من سيء لأسوأ، فبعد أن يمل من العادة السرية تجده ينتقل إلى الزنا ـ والعياذ بالله ـ.
4- الحرمان من المتعة الحلال:
من أهم تداعيات الشهوة ـ أيها الحبيب ـ هو أنك تُحرم من المتعة الحلال، سواء لأنك تستمتع بالعادة السرية، أو لأنك تعودت على أن تشاهد النساء في كل مكان؛ وبالتالي حتى لو تزوجت ستقوم بعقد مقارنة بين ما تشاهده على التلفاز أو النت، وبين زوجتك المسكينة، التي لا تستطيع أن تجاري هؤلاء البغايا.
بل إن الكثير من الشباب يرفض فتيات كثيرة، والعكس أيضًا الكثير من الفتيات يرفضن شبابًا؛ لأنهم لا يشبهون فتى الأحلام أو فتاة الأحلام التي رسم صورتها في خياله، والتي لن يجدها أبدًا في أرض الواقع؛ لأنه ينظر إلى هذه الفتاة التي دخلت عليه، وفي ذهنه، وفي عقله، وفي قلبه، تلك الفتاة التي شاهدها في التلفاز أو الفيديو أو المجلة، فهو يقارن بالشكل، وكذلك الحال أيضًا بالنسبة للفتاة.
5- ضعف الصلة بالله عز وجل:
محبة الله عزيزة ولا تقبل شريكًا؛ فإذا شاركها في قلب العبد أي محبة أخرى من شهوات وغيرها؛ خرجت محبة الله مسرعة من قلب العبد، والقلب الذي يخلو من محبة الله لا يصلح أن يُطلَق عليه قلبًا من الأساس.
إنه طريق واحد، وخيار فرد؛ فحدد مصيرك واختر أحد المحبتين، فإذا أردت محبة الله ولذة الإيمان؛ فلن تحصل لك حتى تطهِّر قلبك من محبة ما يسخطه، وإن تعلقت بغير الله فأنَّى لك لذة الإيمان وحلاوة الطاعة.
إن الذين تستغرقهم الشهوة المحرمة يتحولون إلى عبيد لها، تأمرهم فيطيعون، وتنهاهم فيخضعون، وقد تصل بأحدهم إلى الإشراك بالله عز وجل ـ أعاذنا الله وإياكم من الخذلان ـ وها هو أحدهم وقد أحب امرأة يقال لها (عَزَّة) يقول فيها:
رهبان مدين والذين عهدتُهم
لو يسمعون كما سمعتُ حديثها
|
|
|
يبكون من حذر العقاب قعودًا
خروا لـ "عزة" ركعًا وسجودًا
|
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله واصفًا حال أمثال هؤلاء: ( فلو خُيِّر بين رضاه ورضا الله؛ لاختار رضا معشوقه على رضا ربه، ولقاء معشوقه أحب إليه من لقاء ربه، وتمنيه لقربه أعظم من تمنيه لقرب ربه.
وهربه من سخطه عليه أشد من هربه من سخط ربه عليه، يُسخط ربه بمرضاة معشوقه، ويقدم مصالح معشوقه وحوائجه على طاعة ربه, فإن فَضُل من وقته، وكان عنده قليل من الإيمان، صرف تلك الفضلة في طاعة ربه، وإن استغرق الزمان حوائج معشوقه ومصالحه، صرف زمانه كله فيها، وأهمل أمر الله تعالى, يجود لمعشوقه بكل نفيسة ونفيس, ويجعل لربه من ماله ـ إن جعل له ـ كل رذيلة وخسيس.
فلمعشوقه لبه وقلبه، وهمه ووقته، وخالص ماله، وربُّه على الفضلة، قد اتخذه وراءه ظهريًا، وصار لذكره نسيًا, إن قام في خدمته في الصلاة فلسانه يناجيه وقلبه يناجي معشوقه، ووجه بدنه إلى القبلة ووجه قلبه إلى المعشوق ينفر من خدمة ربه حتى كأنه واقف في الصلاة على الجمر من ثقلها عليه، وتكلفه لفعلها، فإذا جاءت خدمة المعشوق أقبل عليها بقلبه وبدنه فرحًا بها، ناصحًا له فيها، خفيفة على قلبه لا يستثقلها ولا يستطيلها ).
ولن تحتاج دليلًا على ذلك أكثر مما يكتبه هؤلاء من أبيات وعبارات، وانظر إلى أحوال كثير منهم، وكيف جلب عليهم هذا الحب والعشق، الشقاء والنكد, والمعصية عمومًا أيها الحبيب ـ أي معصية ـ توجب قطيعة بين العبد وربه، يقول ابن القيم رحمه الله في عقوبات الذنوب:
( ومن عقوباتها: أنها تُضِعفُ سير القلب إلى الله والدار الآخرة، أو تعوقه وتوقفه وتعطفه عن السير؛ فلا تدعه يخطو إلى الله خطوة، هذا إن لم ترده عن وجهته إلى ورائه!
فالذنب يحجب الواصل، ويقطع السائر، ويُنَكِّس الطالب.
والقلب إنما يسير إلى الله بقوته؛ فإذا مرض بالذنوب؛ ضَعُفت تلك القوة التي تُسيِّره، فإن زالت بالكلية؛ انقطع عن الله انقطاعًا يبعد تداركه، والله المستعان.
ومن عقوباتها: أنها توقع الوحشة العظيمة في القلب، فيجد المذنب نفسه مستوحشًا؛ قد وقعت الوحشة بينه وبين ربه، وبين الخلق وبين نفسه، وكلما كثرت الذنوب اشتدت الوحشة, وأمرُّ العيش عيش المستوحشين الخائفين، وأطيب العيش عيش المستأنسين.
فلو فكر العاقل ووازن بين لذة المعصية وما توقعه من الخوف والوحشة؛ لعلم سوء حاله، وعظيم غبنه، إذ باع أنس الطاعة وأمنها وحلاوتها بوحشة المعصية، وما توجبه من الخوف والضرر الداعي له،
كما قيل:
فإنْ كُنتَ قدْ أوحشتْكَ الذُّنوبُ
|
|
|
فدَعْها إذا شِئْتَ واستأْنِس ).
|
ولم تنتهي القائمة هنا بل تستمر معنا في اللقاء القادم بإذن الله
فكن معنا