أ. مها العبدالرحمن .
تتمرحل فترات الزواج وتمر بعمر كسنوات بني البشر إلا انها أسرع في الانتقال من سن لآخر، وتعدو وتسرع في التحول من الصبا، للشباب والنضج، وسريعاً شيخوخة وهرم.
سنة أولى زواج..
أصحابها تعرفهم بسيماهم فهما الثنائي المعروف حتى في السوق والشارع تجدهما متماسكي الأيدي في تلاحم وتقارب وحوار خجول، وابتسام وسعادة مرسومة على وجه الزوج، واثبات واضح لاجتماع القلوب، لأنه شعر فجأة ان الصداقة داخل بيته أفضل، والصديق ليس من أساسيات الحياة وإنما كماليات يمكن الاستغناء عنها، وهي لا تعني لها زيارة بيت أهلها إلا الواجب الثقيل الذي يخترق أوقاتها الجميلة بعد أن شعرت بالخصوصية والاستقلال في بيت يدعى "بيتها"، ومع زوج محب هو كنز وجدته واستغنت به عن كل شيء.
سنة ثالثة زواج..
لو اطلعت عليها لوجدتها مسلهمة في حيرتها من تغير طباع وسجايا حبيبها، وهي وحدها في البيت بعد أن (عادت حليمة لعادتها القديمة)، وعاد الطير يحلق خارج العش لفترات طويلة، ويرجع حيناً ببعض شوق لا يتذكره إلا بعد رؤية وجهها فيتجسد أمامه هاجس تكلفة القران وما دفع لذلك الزواج، فيمثل غيبوبة السعادة مادام قد عاد لها، بذكاء ودهاء "من حسبها بدقة"، فتخليه عنها يعني عودة جوع وحرمان (العزوبية)، وتركها له يعني تكبد أعباء تفاصيل جديدة مرعبة، فالمنطقية في ذهنه ستقول (خلك على قريدك لا يجيك أقرد منه)!.
عاشر سنة زواج..
يجوب الدار (بالفنيلة الداخلية والسروال الطويل)!، الزي الرسمي عندنا داخل أسوار البيوت وأمام بابها أحياناً، بعد أن هجرت بيجامات النوم لدواليبها بنهاية فترة (البزة)، والتكاسل عن لبس لباس الجلوس في البيت، واستحالة التفكير طبعاً بالتزين لأهل البيت او مراعاة نظرة عيونهم حتى ولو من باب القدوة، ليتعلم الصغار ويخجل الكبار فيحذو حذوه، وهي ببال مشغول بحال الأبناء الذي على عاتقها وحدها بجل معمعته، ومحاولة إشراكه بتلك التفاصيل واطلاعه عليها تعني أنها "نكدية"، لا يأتي من ورائها إلا المشاكل والهموم، وزيادة الالتزامات، وتركه البيت لها أسلم!.
بعد العشرين والثلاثين..
هو الانفصال الكامل غالباً، والالتقاء في الشجار وتنازع الملكية لبعض المسؤوليات، والتبرؤ من أخرى، مهما كانا دون سن المعاش الزواجي يصلاه اختيارياً، بزوجة يئست وملت كثرة الجدال وتحمل تقلب المزاج فاختارت الانشغال بالأحفاد ومتابعة من بقي في سن الحاجة لبعض الاهتمام، وزوج متأفف، ساخط، يبحث عن أي ثغرة للنقد وان ذكروه أن العمر لم يمض إلى ذاك الحد استرجع قوى تفكيره، وعزم طموحاته وذكرياته ليفكر في الزواج من أخرى صغيرة تناسب الفتى الذي استيقظ داخله ولن يقبل بعجوز وقديمة!.
.. وهكذا يمضي قطار الزواج بسرعة كبيرة لو واكبها تقدم مستوى قطاراتنا الحقيقية لربط جميع مناطق المملكة، واخترق الأرض ودخلها ليربط بين مناطق الرياض، ويجوبها داخل أنفاق تاركاً للسيارات الأعلى وهو في الأسفل!.
ركاب قطار الزواج لو فكروا إنها رحلة السعادة الأبدية إلى ما شاء الله، ولم يقفوا في محطات النكد والروتين والخلاف والإحباط، وعاشوا في تفاهم ووئام وود ومودة وسكينة ورحمة كي لا يقف القطار السعيد إلا في محطة العمر الأخيرة، بزوجة ترجو أن يكون سبباً لدخولها الجنة، فهي تعلم انه جنتها أو نارها من حديث شريف، وخاف الله بها وحكم شرعه في تعاملاته معها وأبنائها، فرزقه الله سعادة الدنيا، وسقط حمل الخوف من حساب الآخرة.
وتلك المواصفات للزوجين السعيدين من يؤكد رؤيتهما كمن قال انه رأى الغول او العنقاء في زماننا، وسينعت بخليفة "مسيلمة"، ولكن! الأمل موجود، والحياة مدرسة تعلم، وقد يخرج منها ناجحون بمراتب شرف، فالتعميم لا يصلح في "الناس الأجناس"!.
"هثولي" - أعني بها الرجل الذي
لا يهتم بهندامه وبالذات أمام الزوجة!!
المصدر : صحيفة الرياض ، العدد 14492 .
|