د. إبراهيم بن حسن الخضير .
الحركات اللاإرادية عند الأطفال موضوع مهم، وله علاقة وطيدة بالطب النفسي. فكثير من الحركات اللاإرادية ذات ارتباط نفسي، نظراً لأن بعض هذه الاضطرابات الحركية لها جذور عضوية بسبب خلل في الدماغ أو بسبب اختلال في الإفرازات الكيميائية في الموصلات الكيميائية العصبية في الدماغ، وبالتالي تقود إلى هذه الحركات اللاإرادية، والتي تعتبر أمراً مزعجاً لكل من الطفل ووالديه وجميع أفراد عائلته.
إن الحركات اللاإرادية تسبب اضطراباً نفسياً لدى الطفل مما قد يجعله يمتنع عن أشياء كثيرة مفيدة له، بل إنه قد يمتنع عن الدراسة في المدرسة، وربما تجنب الاختلاط بزملائه وحتى أقاربه، وانعزل في المنزل، فلا يختلط بأحد ولا يلعب أو يمارس ما يقوم به أقرانه من أنشطة تساعده في المستقبل على اكتساب خبرات من الضروري أن يمر بها في مرحلة الطفولة ويتجاوزها إلى مرحلة المراهقة ثم إلى مرحلة النضج.
إن الحركات اللاإرادية التي يعاني منها بعض الأطفال، لها تأثير سلبي كبير على نفسية الطفل إن لم يُعالج ولم يُشرح لأهله ما هذه الحركات اللاإرادية، وما مسبباتها وكيفية التعامل معها وكذلك إمكانية علاجها.
الحركات اللاإرادية قد تكون جزءاً من طبيعة الطفل، أي أن هذا الأمر ليس مرضاً عضوياً، وإنما هو عادة أو حركات لا يستطيع الطفل السيطرة عليها. هناك حركات مثلاً بالعين، فالطفل يُغمض عينيه بطريقة عفوية، بشكل مكرر ولا يستطيع السيطرة على هذا الأمر، ويزداد الوضع سوءاً عندما يكون هذا الطفل تحت ضغط نفسي أو يكون خائفاً، وقد يعرضه هذا الأمر إلى سخرية زملائه في المدرسة وربما أقرانه في الحي أو بين أقاربه.
عادة تكون مثل هذه الأمور ليست أمراً خطيراً، أو جاداً، وكذلك لا يكون لها أساس عضوي، وإنما هي عادة لا إرادية، وقد تستمر مع الطفل حتى مرحلة المراهقة وربما تستمر بعد ذلك حتى سن متقدمة.
هناك حركات في أجزاء معينة من الوجه وأحياناً يكون في جزء واحد فقط من الوجه. قد يُحرك الطفل عضلات جانب فمه الأيمن أو الأيسر بطريقة قد لا تكون لائقة، وقد تُسبّب له حرجاً أمام زملائه وأقرانه، خاصة إذا كانت واضحة بشكل كبير، وملفتة للنظر، وقد يتخذها رفاق الطفل في المدرسة أو خارج المدرسة، كحركة للسخرية منه. أيضاً هذه الحركات قد لا تكون ذات أساس عضوي، وإنما حركة قسرية لا يستطيع الطفل الامتناع عنها، وربما يكون هناك أساس عضوي في بعض الحالات القليلة النادرة. لذلك يجب دائماً استبعاد الأسباب العضوية لمثل هذه الحركات، فيجب على الأهل إجراء الفحوصات اللازمة للتأكد من أنه لا توجد أسباب عضوية وراء هذه الحركات اللاإرادية في الوجه، سواء كانت في جزء واحد معين من الوجه أو في أجزاء عديدة من الوجه.
هناك ارتباط وثيق بين الحركات اللاإرادية وبعض الاضطرابات النفسية والعصبية، لذلك يجب على الأهل إجراء الفحوصات العصبية والنفسية لأطفالهم حتى يتم التأكد من عدم وجود شيء من هذه الاضطرابات العضوية كمسبب لهذه الحركات.
اضطراب الوسواس القهري، واحد من الاضطرابات النفسية التي قد يصاحبها بعض الحركات اللاإرادية عند الأطفال. وعادة يكون هذا الأمر حركات يقوم بها الطفل، كأن يلمس شيئاً معيناً بصورة غريبة، تُثير الضحك والسخرية عليه ممن يراه، سواء كان من كبار السن أو الأطفال. هناك طفلٌ كان يقوم بحركة بكلتا يديه طوال الوقت، فيعقدهما خلف ظهره ثم يرفعهما فوق رأسه بطريقة غير مألوفة، بل ربما تكون طريقة تُثير الشعور بأن هذا الطفل به نوع من الغباء..!
يجب التنويه بأن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، أي الأطفال الذين يعانون من صعوبة التعلم ونقص في مستوى الذكاء، يعانون أكثر من الاضطرابات الحركية اللاإرادية، عمن هم في مثل سنهم من الأطفال.
غالباً يكون ذلك ناتجاً لأن الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، والذين يعانون من انخفاض مستوى الذكاء لديهم بعض المشاكل العضوية أو إصابات في الدماغ، والذي يُعرف طبياً ب (organic Brain Syndromes)، وهي إصابات قد تكون نتيجة مرض منذ الولادة، أو بعد الولادة أو أن تكون هناك إصابات تعرّض لها الطفل مما جعله يقوم بحركات لا إرادية نتيجة هذا الخلل العضوي.
كثيراً ما يرافق هذه الحركات اللاإرادية الناتجة عن إصابات دماغية اضطراب الوسواس القهري، وهناك دراسات كثيرة تبين بأن أشخاصاً كانوا طبيعيين، ثم حدث لهم إصابات دماغية، فأصيبوا باضطراب الوسواس القهري. ولقد وصلتني رسالة من قارئ ل «عيادة الرياض» يروي لي فيها بأنه أصيب باضطراب وسواس قهري وحركات لا إرادية بعد حادث سيارة، فقد على أثره الوعي ثم بعد أن تشافى أُصيب باضطراب وسواس قهري شديد، أدى إلى أن يُعيق عمله وأنشطته الاجتماعية وعلاقته، بسبب انشغاله بوسواس النظافة والأفعال القهرية التي ترافق هذا النوع من الوساوس.
المصدر : صحيفة الرياض ، العدد 13934.
|