فى يوم ٢٣/٥/٢٠١٠ شاهدت برنامج «عفاريت» على قناة المحور، وكان الضيف الفنان المحبوب أحمد راتب، أخذ يحدثنا عن كتاب قديم فى السحر، ومنذ أن اشتراه، إذ برجل طويل القامة، يلاحقه فى المنزل، فى المسرح.. ثم يجد المقعد خالياً.. فيسأل فيقولون له: أحدهم حجز هذا الكرسى ولم يحضر المسرحية! وأحياناً يراه.. فى المرآة، يلتفت وراءه.. فلا يجد أحداً، فلما ضاق به الأمر.. ذهب لدار الكتب.. وأهداهم كتاب السحر هذا.. فاشتعلت النيران فى نفس القسم الذى كان فيه هذا الكتاب!
أخذ المذيع بعد ذلك يحذر المشاهدين من كتب السحر.. وعواقبها الوخيمة.. وأخطرها اشتعال النيران!
انتهت الحلقة بهذا التحذير، ولو كنت فى مكان السيد المذيع.. لأعددت.. إخصائى أمراض نفسية، ومدير دار الكتب المصرية، ومسؤولاً من وزارة الداخلية لمعرفة التقرير الجنائى عن سبب الحريق!
وأتصور إخصائى الأمراض النفسية الذى يبدأ تحليله لما سمع، بأن السحر موجود فى الكتب المقدسة، وأن الفنان أحمد راتب له كل التقدير والاحترام، ولكنه سيتحدث عن ظواهر مشابهة لأحداث السحر، وليست سحراً! هذه الظواهر تسمى بالهلاوس، ومنها الهلوسة البصرية.. أو الهلوسة السمعية، أو الهلاوس الحسية، أو الهلاوس الشمية، أو الهلاوس التذوقية Gastatory halluci nations، وقد يصاب المريض بأكثر من نوع من هذه الهلاوس، وقد تكون مؤقتة عابرة أو مزمنة ودائمة، ومن أسبابها الضغوط النفسية أو الصرع أو أورام المخ!
أما مسألة ظهور شخص بابتسامة خفيفة ثم يختفى أو استحضار روح من أرواح البشر الذين رحلوا عن عالمنا، فيحدثنا سايمون ادموندز، مؤلف كتاب «نظرة فاحصة فى مذهب الأرواح» spiritualism: a critical survey by simon edmonds، ويعرض فى هذا الكتاب خداع وليم رُوى لعلماء إنجلترا، وأخيراً قبض عليه، وحوكم أمام أولد بيلى، وكانت عقوبته ثلاث سنوات سجناً، وبعد أن خرج من سجنه.. كتب مذكراته فى الـ«ديلى ميرور»، معتذراً لمن خدعهم وأخذ أموالهم، ولكن كان يبغى راحتهم النفسية بأن أحباءهم الذين رحلوا مازالوا أحياء!!
أما هيلين دنكن التى كانت تجسد الأرواح بما تسميه الأكتو بلازم الخارج من فمها، فقد فضحها.. صيدلى وضابط، حين أعطاها الصيدلى صورة «ابنته» ـ سبع سنوات ـ والتى ماتت منذ سنوات، وفى ضوء خافت ظهرت طفلة، أخذت هيلين دنكن تبخ من فمها عليها الأكتوبلازم، وفجأة سطعت الأنوار من مولد كهربائى مع الصيدلى والضابط، وقبض على الوسيطة، الطفلة، وأخذت عينات من الأكتوبلازم، وقدمت هيلين للمحاكمة أمام محكمة old baily لندن.
اتضح أن الصورة لطفلة لم تمت (ابنة أخت الصيدلى)، وأن الأكتوبلازم ورق تواليت (دورات المياه).. ممضوغ ومخزن فى جيب للبلعوم، وقبل الجلسة كانت هيلين تمضغ هذا الورق وتشربه مع الماء، وتخزنه فى جيب البلعوم، وتحيط رأسها ورقبتها بحجاب، وأثناء الجلسة تضغط على جيب البلعوم، فيخرج الورق بالماء (جيلاتين) للفم، فتنثره على وجه الروح المزعومة!!
كانت العقوبة ثلاث سنوات سجناً!
العجيب.. أن العالم الكبير سايمون أدموندز.. ظل عشر سنوات عارضا عشرة آلاف جنيه إسترلينى لأى وسيط يدعى قدرته على تحضير الأرواح.. على شرط أن زمان التجربة ومكانها يحددهما سايمون إدموندز، فلم يتقدم لنيل هذه الجائزة أحد!!
أحسست أن هذا البرنامج يروج للإثارة والخرافة.. أكثر مما يروج للمنهج العلمى فى التفكير، نحن نفتقر للعقلية الجدلية.. العقلية التى بداخلها أنبوبة اختبار تحلل كل ما تسمع أو ترى.. أنبوبة عليها: how - when - why- where - what?! هذه العقلية التى طالما نادى بها الدكتور زكى نجيب محمود فى كتابه: مجتمع جديد أو الكارثة!
فى القرن الثانى الميلادى أى منذ ١٨٠٠ سنة مضت.. كان لجامعة الإسكندرية عميد للعلوم اسمه ستراتون.. قال: الدول تتقدم بالعلوم ولا تتقدم بالغيبيات التى لن تصل بشعوبها إلى بر الأمان.. مهما كانت دوافع أصحابها.. نبيلة! كان يوسف إدريس على صواب حين قال: أعطونى التليفزيون سنة.. وأنا أصنع لكم شعباً جديداً.