معلوماتي عن موضوع' في المشمش' هو أنه تعبير دارج يحاول تقديم رسالة بأن الشيء الذي يتم الحديث عنه لن يتم أبدا, وقد تم اختيار' المشمش' تحديدا للحديث
عن أن' المستحيل' يمكن أن يتحقق فقط فيه, لسبب أساسي هو أن موسم المشمش يأتي مرة واحدة في العام, كما أنه يكون قصيرا للغاية لدرجة أن المحصول يظهر ويختفي علي الفور, يضاف إلي ذلك أن مناطق زراعته محدودة. وبالطبع يمكن الرد علي كل ذلك, فتكنولوجيا الزراعة قد تجاوزت فلسفة المشمش بكثير, إلا أن التعبير ظل يكتسب دلالته الخاصة بقوة.
المشمش هنا يتعلق بواحد من الآمال والطموحات العربية التي مللنا من تكرارها لسنوات طويلة, وبدت وكأنها هي الحالة الطبيعية لعلاقات الدول, أو أنها المنقذ لكل ماهو عربي, فهناك عنوان يسمي التعاون الاقتصادي العربي المشترك, ويتخذ هذا العنوان أشكالا مختلفة ترتبط بتلك الإدارات أو المجالس التي تتبناه, علي غرار السوق العربية المشتركة, أو منطقة التجارة العربية الكبري, أو التعاون الثنائي بين الدول العربية, وفقا لأكثر التيارات واقعية.
هنا, لايمكن بالطبع القياس علي حالة مصر والجزائر, لكن لايمكن أبدا أن يتم تجاهل تلك الحالة, فإضافة إلي التاريخ المشترك الذي يقر بأن مصر قد هوجمت عام1956 لاعتبارات منها أنها كانت تدعم الثورة في الجزائر, وأن الفن المصري قد اهتم بتاريخ ومطربي الجزائر, فإن الواقع لم يكن يشير إلي أي مشكلة تتجاوز الحساسيات الجزائرية تجاه دور مصر في المنطقة أو القارة, قبل أن تنفجر مشكلة كرة القدم, التي كان يفترض في النهاية أنها كرة قدم, فالتجاوزات المصرية قد ارتبطت بصحف وبرامج, أما ماحدث في الجزائر, فإنه يتعلق بما هو أخطر, فقد قررت جماعة ما, بسعادة, فيما يبدو أن تتجاوز كل الخطوط.
في الواقع, يبدو أن تيار سيطرة الدولة علي كل شيء في الجزائر قد استأسد, لدرجة أنه قرر الاستيلاء علي الشركات المصرية التي تستثمر هناك بمئات الملايين من الدولارات, وفي المجالات التي كان من المفترض أنها تمثل صناعات ثقيلة تدعم علاقات الدول, وتدفع في اتجاه تقييد التوترات وليس تفجيرها, إلا أن النظريات الاقتصادية لاتعمل في المنطقة العربية, فصناعات ثقيلة مثل الاتصالات والصلب, يتم فعلا الاستيلاء عليها, ويقول الوزير المختص هناك في البرلمان, ان' كرة القدم' كانت عاملا مؤثرا فيما يحدث, دون أن يرمش له جفن, أو يفكر لحظة في التعاون العربي أو السوق المشتركة أو التجارة الحرة, التي يبدو حاليا أنه يتم النظر إليها في الجزائر العربية علي أنها' عبط عربي', يمكن أن يتحقق فقط في المشمش, فهل يرغب أحد في قراءة الفقرة الأولي مرة أخري ليعرف لماذا تم اختيار المشمش؟!.