بتـــــاريخ : 6/5/2010 7:07:44 PM
الفــــــــئة
  • الأخبـــــــــــار
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1433 0


    عصر الإعلام الأسوأ

    الناقل : elmasry | العمر :42 | الكاتب الأصلى : د. طارق عباس | المصدر : www.almasry-alyoum.com

    كلمات مفتاحية  :
    عصر الاعلام الاسوء مقالات اراء

    تحاول بعض وسائل الإعلام العربية- كلماحلت ذكرى عدوان الخامس من يونيو عام ١٩٦٧م- تعرية مصر وفضح سلبياتها باعتبارها المسؤولة عما ترتب على هذا العدوان، والتشفى فى عبدالناصر ذلك البطل الوهمى المغامر من أجل تحقيق بطولات زائفة، ولولا تحركاته قبيل النكسة وإصراره على سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء، وإغلاقه لمضيق تيران، لما هزمت مصر والعرب، وفى مثل هذه المواقف الإعلامية الغريبة تغافل لعدة حقائق لا يصح نكرانها، منها:

    أولاً، أن إسرائيل ليست فى حاجة لذرائع كى تشن الحروب وسواء أقدم ناصر على خطواته التى قام بها قبيل النكسة أو لم يقدم، فإن إسرائيل كانت ستضربه حتماً لكونه الشريان الذى يغذى قلب التيارات الصامدة فى وجه الهيمنة الإمبريالية وتطلعات إسرائيل، والتى بحكم نشأتها كجيش ثم دولة، غالباً ما تعتمد سلاح القوة سبيلاً لفرض إرادتها فى وجه كل من تراه خطراً على أمنها، ويكفى للتدليل على ذلك ما قامت به من اعتداء آثم فجر الاثنين الماضى ضد أسطول الحرية أثناء محاولته تجاوز المياه الإقليمية الدولية إلى قطاع غزة لفك الحصار الإسرائيلى الغاشم على أهل القطاع وإمدادهم بما حرموا منه من أدوية ومواد تموينية وطبية ومواد بناء.. إلخ.

    وبدلاً من أن تفاوض الناشطين السياسيين وتوازن بين مطالبهم المشروعة وما يقتضيه أمنها، باغتت الأسطول بضربات من الجو، واقتحامات من البر، واغتيال للأبرياء بدم بارد وإصابة آخرين واقتياد البقية للسجون الإسرائيلية فى أكبر عملية قرصنة وإرهاب دولة حسبما وصف رئيس الوزراء التركى «رجب طيب أردوجان».

    ثانياً، كان بوسع ناصر أن يتفرج على ما يحدث حوله ويشجبه ويدينه، إيثاراً لسلامته وذويه وخوفاً على كرسيه، فيسعى لكسب المعونة أسرع من حرصه على الكرامة، وهو ما لم يفعله طبعاً، فكيف لمثله أن يتربى على موائد اللئام؟ لذلك جاءت مواقفه الصلبة انطلاقاً من قاعدته الشعبية، ومن تربعه فى القلوب وليس فوقها، فى عام ١٩٦٤ أحرق الطلاب الكنغوليون المكتبة الأمريكية فى القاهرة، احتجاجاً على عملية نظمتها الولايات المتحدة لإنقاذ المدنيين البيض فى الكونغو، وقع الحادث المؤسف رغم احتياطات الشرطة المصرية،

    وعندما بلغ الرئيس الأمريكى «جونسون» أنباء ما حدث، أرسل إلى سفيره فى القاهرة، يطلب منه إبلاغ الحكومة المصرية بتقديم اعتذار رسمى عن الحادث، ودفع التعويضات اللازمة لكن ناصر رفض الطلبين معاً، واكتفى بما أعلنه «محمود رياض» وزير الخارجية آنئذ، من (عدم رغبة مصر فى تدهور العلاقات مع الولايات المتحدة، وأن حرق المكتبة كان حادثاً مؤلماً لكل المصريين إلا أن ما قام به الطلبة الكنغوليون جاء كرد فعل طبيعى لما ارتكبته الولايات المتحدة فى الكونغو)، ولم يمض أكثر من شهر حتى وقع حادث آخر،

    وخلاصته أن: («جون ميتشوم» أحد كبار صناعة البترول فى تكساس وأحد المقربين من جونسون، كان قد بعث بطائرته من ليبيا إلى الأردن، دون أن تستكمل تراخيصها بطيرانها فوق الأراضى المصرية، وبينما هى محلقة فى الأجواء المصرية، اضطرت السلطات لإرسال طائرة ميج لاعتراضها وتوجيه الأمر إليها بالهبوط، إلا أن طائرة «ميتشوم» تجاهلت إنذارات الميج وربما كان ذلك بسبب اختلال جهازها اللاسلكى وتعطله،

    وبالتالى تابعت سيرها، ولتوجس السلطات المصرية فى الأمر، وتقديراً منها لوجوب احترام سيادة أجوائها، أعطت الأمر للميج بإسقاط الطائرة فوراً، وتمت المهمة بنجاح وسقطت الطائرة فى مستنقع خارج الإسكندرية، وقتل قائدها ورجل كان معه فى الحادث، وللمرة الثانية ينزعج الرئيس جونسون، ويبعث برسالة إلى ناصر يقول فيها:

    (أولاً تحرقون مكتبتى ثم تسقطون طائرة واحد من أقرب أصدقائى وتريدون أن نعطيكم قمحاً) ثم طالب جونسون الأمم المتحدة ببدء التحقيق فى الحادث، لكن ناصر رفض، وأعلن «محمود فوزى» نائب رئيس الوزراء، عدم مسؤولية مصر عن الحادث، لأن قائد الطائرة لم يلتزم بتعليمات الطيران، وأن السلطة المصرية استعملت حقها المشروع وقامت بواجبها نحو أمن بلادها، ولذلك لا يسعها قبول أى احتجاج من أحد،

    من هنا كان لابد لأمريكا أن تقتص من «ناصر» وتغتاله كفكرة فى العقول، وتسعى لتحطيمه فى عدوان يونيو عن طريق إسرائيل، لكنه رغم الهزيمة أعاد تنظيم نفسه بسرعة من خلال أكفأ القيادات، ونجح عبر «خطة بدر-١» أن يقدم ملحمة بطولية رائعة فى الصمود أمام الأعداء، وجاء السادات ليكمل الخطة «بدر-٢» حتى تحقق الانتصار العظيم فى السادس من أكتوبر ١٩٧٣م ويتحول الانكسار إلى انتصار.

    ثالثاً، لم يركز الإعلام العربى على الدور السلبى الذى لعبته الجيوش العربية أثناء المعركة ، والذى كان هزيلاً بسبب عدم وجودها تحت قيادة موحدة وهو ما جعل دورها منحصراً فى تلقى الصفعات والمزيد من الخسائر.

    رابعاً، بعض الإسرائيليين والمعتدلين الغربيين، يرون فيما نتج عن عدوان يونيو خسارة لإسرائيل أكثر من العرب، فبسبب نتائج هذه الحرب، نمت الحركات الإسلامية مما أدى لفوضى فى الشرق الأوسط، وازدياد وتيرة العنف وتصاعدها حتى يومنا هذا.

    والخلاصة، أن تصوير ذكرى العدوان الإسرائيلى على العرب فى الخامس من يونيو على أنها مجرد أخطاء من ناصر، وضعف من مصر، هو نوع من تسويق الوهم والتضليل، لأنه إذا كان ناصر المسؤول الأول عن الهزيمة، فأين هى الانتصارات من بعده؟ وأين موقع العرب الآن بعد مرور ٤٣ عاماً على هذه الهزيمة بين دول العالم؟ هل ظهر زعيم عربى يلتف حوله العرب ويصدقونه مثلما التفوا وصدقوا ناصر؟

    إن إسرائيل التى هزمت مصر فى الخامس من يونيو بدعم من الولايات المتحدة ومن رحم خداعها، هى نفسها إسرائيل التى هزمت العالم كله، بمهاجمتها لناشطى السلام، الراغبين فى كسر حصار غزة من أجل السلام، ومثل هذا لا يعنى أن مصر كانت ضعيفة، والعالم هو الآخر ضعيفاً، وإنما نحن فى عصر تطفو فيه الأكاذيب على السطح، وتتوارى الحقائق خلف أجندات همها تشويه الرموز، وهذه الأجندات التى لم تجد من يروج لها فى السابق، أصبحت الآن تنعم بما تحلم به وربما أكثر لأن العصر الذى نعيشه هو عصر الإعلام الأسوأ.

    كلمات مفتاحية  :
    عصر الاعلام الاسوء مقالات اراء

    تعليقات الزوار ()