أيام الغضب فى مصر.. عنوان عريض لما يحدث الآن.. غضب يرتكن إلى القوة فقط.. جائز أن يكون عندك تفسير، وجائز أيضاً ألا يكون عندك تفسير.. ولكن لابد أنك تلاحظ مشهدين.. المشهد الأول، حسب الترتيب الموضوعى للأحداث، هو مشهد غضب البابا شنودة والكنيسة، بسبب حكم الإدارية العليا بشأن الزواج الثانى.. وفى هذا المشهد نجد البابا يهدد ويتوعد، ويمهل الدولة حتى تلغى حكم المحكمة.. ثم يقول إنه لا يريد أن يحرج الرئيس مبارك، ويذكرنا بتدخلات أقباط المهجر!
المشهد الثانى لا يختلف كثيراً عن المشهد الأول، وهو الصدام بين القضاة والمحامين.. المحامون فى الوقت نفسه، يهددون بإلغاء قرار النائب العام، وإلغاء المحاكمة، وربما لا يريدون إحراج الرئيس أيضاً، فقد يطلبون منه إلغاء المحاكمة واستعمال سلطاته الدستورية، حتى يفضوا الإضراب.. وفى المشهدين سبب الأزمة عضو من القضاء.. سواء كان قاضياً أصدر حكماً، أو وكيل نيابة متهماً بضرب المحامى!
معنى هذا أنه لا الكنيسة تقبل الاحتكام للقانون، ولا حتى المحامون، مهما كانت النقابة جاهزة للدفاع، وتستطيع أن تخرج المحامى «صاغ سليم».. الكنيسة لا تقبل لأنه من وجهة نظرها، لم يكن من الملاءمة أصلاً، عرض أمر دينى على قضاء مدنى.. والمحامون لا يقبلون المحاكمة بحجة التعسف، وأن المحامى مجنى عليه، فالانطباع أن الكنيسة والنقابة مجنى عليهما.. وأنهما فى موقع المفعول به وليس الفاعل.. ومن هنا كان الغضب!
المشكلة أن كلاً من الكنيسة والنقابة، وجهه فى الحائط.. خاصة أن قاضى الإدارية العليا، أصدر حكمه ومضى.. كما أن وكيل النيابة قد تحصّن بحصانته، واستعان بالشهود والتقرير الطبى، فتوفرت هذه المعلومات أمام النائب العام، بغض النظر عن صحتها.. ولم يكن أمامه غير إجراء محاكمة عاجلة، وهنا نفذ السهم.. فلا يمكن أن يتراجع النائب العام، ولا يمكن أن يتم إلغاء المحاكمة، ولا تقديم حل تحت ضغط.. إذن لا حل غير تنفيذ حكم الكنيسة، ومحاكمة المحاميين!
كيف نخرج من هذا المأزق؟.. هذا هو السؤال.. كيف نفتح باب التهدئة والتصالح وقبول الاعتذار؟.. أتصور أولاً أن تتوقف التصريحات النارية، وأتصور أيضاً أن نحتكم إلى صوت العقل، وبعد هذا فكل شىء وارد.. سواء كان اعتذاراً أو صلحاً فى جلسة عرفية، يحضرها رموز الدولة.. بحيث يكون المستشار عبدالمجيد محمود، والمستشار أحمد الزند فى جانب، ويكون حمدى خليفة ومجلس نقابته فى جانب آخر.. ويتحرر محضر يتم تقديمه إلى هيئة المحكمة فى الجلسة المقبلة!
هذا هو الحل لإنقاذ العدالة ومصالح العباد.. وإذا كنا نطالب أصحاب الثأر والدم، بأن يتنازلوا عنه لحقن الدماء، فمن باب أولى أن يتنازل القضاء، ويتنازل المحامون، دون أن يمس هيبتهم شىء.. وإذا كان الذى عليه الدم يحمل كفنه، فأظن أنه ليس بين المحامين والقضاة دم، ولا ثأر.. وإذا كانوا يعتبرون ما جرى جريمة لا يمحوها إلا الدم- كما يقولون- فليتقدم نقيب المحامين بالكفن!
ولكن هل يعفو النائب العام، وهو الحصن الباقى لنا؟.. وهل يتذكر القضاة أن الدفاع يملك رد المحكمة، لوجود خصومة؟.. وهل يتذكر القضاة أننا اليوم نقدم لهم الأكفان، وكنا بالأمس نبكى من أجلهم بالدموع، يوم خرجوا بالأوسمة والنياشين أمام دار القضاء العالى؟.. هل يتنازلون من أجل المصريين، إن لم يتنازلوا من أجل المحامين؟.. هل تكفى أكفاننا، حتى نتجاوز أزمة، تقف الكنيسة عند طرفها، ويقف المحامون عند طرفها الآخر؟!