فجأة صحت مصر، على أزمة مياه النيل، ظلت البلاد نائمة، حتى أيقظها التحرك الأفريقى بقيادة إثيوبيا، لإعادة تقنين كميات المياه التى تحصل عليها مصر ومع المطالبة بتخفيضها، ثم إعادة توزيع مياه النهر على الجميع بنسب عادلة ليس بينها تلك النسب التى وضع الاستعمار الإنجليزى اتفاقاتها عام ١٩٢٩.
فجأة استيقظنا، ولم لا؟ أليست البلاد نائمة بالفعل؟.. أليس هذا مواتاً فعلياً أن يستمر المسؤول السابق عن مياه الرى، أو الزراعة أو حتى الإعلام فى منصبه لأكثر من ربع قرن، فتبلد، وتبلدت معه الحياة، والقرارات والرؤى والأمن القومى الذى يصدعنا صبية الإعلام الحكومى كل يوم بالحديث عنه؟!
ألا تعيش البلاد فى ظل عورة اسمها قانون الطوارئ، وفى ظل عشوائية فى السياسات لأكثر من ثلاثين عاماً كاملة؟! فلماذا إذن العجب عندما نفاجأ بتمرد دول حوض النيل التى فرطنا فى العلاقات الدافئة معها، بسهولة لتحتل إسرائيل والسعودية وإيران مكاننا.. فلماذا نبكى ؟ هل سنكرر قولة عائشة لابنها الأمير عبد الرحمن عندما بكى على ملك غرناطة وهو يشاهده ينهار تحت سنابك الفرنجة بقيادة فرديناند وإيزابيلا «إبك كالنساء على ملك لم تحافظ عليه كالرجال!!».
مجمل موارد مصر المائية ٦٤ مليار متر مكعب، منها ٥٥.٥ مليار تأتيها من النيل، ٨٦% من مياهنا تأتى من النيل الأزرق وهو ينبع وتتحكم فيه إثيوبيا بنسبة كبيرة، ٦.١ مليار متر مكعب من مياهنا تأتى من المياه الجوفية، ١.٣ مليار من الأمطار. الزراعة فى مصر تستحوذ على ٨٣.٣% من هذه الموارد المائية، أما مياه الشرب فنستهلك ١٢.٩% من إجمالى هذه الموارد، والحقائق المستقبلية لمراكز الأبحاث العالمية، تؤكد أنه عام ٢٠١٧ ستكون حاجة مصر من المياه ٨٦.٧ مليار متر مكعب أى سنكون فى أزمة حقيقية، إذا لم نبن استراتيجية مائية جديدة، تنفتح بعلمية واحترام ووقف مشاريع مشتركة مع دول المنبع، وليس وفق (الفهلوة)، كما سادت تلك العلاقات خلال الأربعين سنة الماضية أى منذ حرب ١٩٧٣ وحتى اليوم!.
وتؤكد المعلومات الرسمية الصادرة من إثيوبيا (التى هى القائد الفعلى لهذه المعركة الجديدة ضد مصر) أن ثمة فاعلين رئيسيين يتحكمان فى مياه النيل هناك، ويقفان خلف إثيوبيا، الأول هو إسرائيل التى قاربت على الانتهاء من بناء ١١ سداً جديداً للمياه سوف تؤثر على نسبة المياه المتدفقة لمصر ومثال ذلك (سد تانابليز) الذى سيحجز ٧ مليارات متر مكعب من المياه القادمة لمصر.
اللاعب الثانى المهم هو (السعودية)، فهى تقف وياللغرابة خلف تمويل أغلب عمليات السدود والاستصلاح الزراعى فى إثيوبيا، فهل يعلم القائمون على شؤون (النيل) هذه الحقيقة؟ وهل سألوا يوماً أمراء تلك المملكة إذا ما كانوا قد تابعوا هذه المعركة التى تخوضها مصر من أجل شريان حياتها- النيل- ورغم ذلك يستمرون فى ضخ عشرات المليارات فى الاقتصاد الإثيوبى: هل نسمى هذا كراهية لمصر ودورها أم هو البزنس؟
وهل سألهم المسؤولون فى مصر: لماذا لم تستثمروا تلك المليارات فى توشكى؟ ولماذا يتعثر- الوليد بن طلال- عمداً عن استصلاح الـ١٢٠ ألف فدان التى حصل عليها هناك فى عهد يوسف والى؟ هل هو التواطؤ المشترك غير المباشر بين إثيوبيا وإسرائيل والسعودية للمزيد من إذلال مصر.. أم ماذا؟ وهل يمكننا أن نستفيد من هذه المعلومات للضغط على إثيوبيا، من بين وسائل الأسلحة الناعمة التى نفتقدها فى هذه المعركة الكبرى التى تمس جوهر أمننا القومى؟.
وعندما نعلم أن لمصر فى بلد مؤثر مثل أوغندا ٧ خبراء فقط.. بيانهم المضحك كالتالى: «خبير فى الشؤون الدينية- ممرض- طبيب أطفال- طبيب نساء وتوليد- طبيب ممارس عام- خبيران أمنيان» وأن لنا فى بلد خطير مثل إثيوبيا عدد ٨ خبراء: «خبير كيمياء- خبير هستولوجى- استشارى باثولوجى- خبير هندسة معلومات وحاسبات- خبير هندسة جيولوجية- طبيب جراحة- خبير أشعة- طبيب نساء وتوليد» (المصدر مجلة روزاليوسف الحكومية ٢٨/٥/٢٠١٠)،
وبالمقابل لدى إسرائيل والسعودية وغيرهما المئات إن لم يكن الألوف من الخبراء مع المليارات من الدولارات: هل بعد ذلك نسأل لماذا يبكى النيل؟ وهل بعد إغلاقنا- مثلاً- لشركة النصر للتصدير والاستيراد ذلك الصرح الاقتصادى العملاق وأحد أجنحة الأمن القومى الحقيقى لمصر فى أغلب دول المنبع وأحد أسلحتنا الناعمة فى حماية مياه النيل، هل بعد ذلك يجوز لنا أن نسأل: لماذا يبكى النيل؟ وعلى من يبكى؟