بتـــــاريخ : 5/19/2008 4:04:03 AM
الفــــــــئة
  • الأســـــــــــرة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1415 1


    العلمانيون حول المراة(الحجاب) 1

    الناقل : heba | العمر :43 | الكاتب الأصلى : عبد الله الداوود | المصدر : www.lahaonline.com

    كلمات مفتاحية  :
    العلمانيون حول المراة الحجاب

    ما أشبه الليلة بالبارحة، قبل أكثر من مائة عام أثار متزعمو إفساد المرأة قضايا حساسة وجاذبة للمرأة؛ كنزع الحجاب، والمساواة، وعمل المرأة، والاختلاط، والسفور، وحقوق افترضوها، وزعموا أنها حقوقاً مسلوبة لا بد أن تنتزعها المرأة.ش

    أثاروا هذه القضايا تحت غطاء من الدين، ثم خلعوا عنهم هذا الغطاء، وصاروا يناقشونها باسم التمدن والحضارة، فعلوا ذلك كله بتحريض من أيدٍ يهودية؛ وظاهرة أحياناً أخرى، ونجح اليهود إلى حد بعيد في استخدام هؤلاء المفسدين من المسلمين من تقويض مكانة المرأة المسلمة في كثير من البلدان الإسلامية، واليوم يعيد علمانيو هذا العصر طرح هذه القضايا بالسيناريو نفسه، والملامح نفسها، وأكثر ما يلفت الانتباه حول طريقة طرح العلمانيين لتلك القضايا؛ أنه طرح مكرور، واستجرار لكل التفاصيل الدقيقة التي كتبها قاسم أمين؛ في كتابيه (تحرير المرأة)، (والمرأة الجديدة)؛ حينما أصدرهما قبل حوالي مائة عام،

     

    يعرضون لتلك القضايا التي تحدث عنها، ويضربون الأمثلة نفسها التي أوردها، وينقلون الأدلة التي استشهد بها؛ بل أزعم أنهم أحياناً ينقلون منه حرفياً، وكعادة المفسدين عامة، والعلمانيين خاصة، فإنهم غير أمناء في النقل؛ حتى مع كبيرهم الذي علمهم الإفك والإفساد، فتراهم لا يشيرون إليه من قريب أو بعيد، وقد يكون عذرهم؛ أن أمرهم سيكون مفضوحاً عند العامة؛ ولن يتضح أنهم مستقلون مبدعون يأتون بآرائهم من عند أنفسهم، وإنتاج عقولهم، حيث يزعمون أنهم رواد التجديد والتطور، وهم في الواقع قراصنة بائسون، ولصوص أفكار.

    وفي هذه المناقشة، فأعرض لجملة من أبرز تلك القضايا؛ وهي: الحجاب، والمساواة، والاختلاط، وعمل المرأة، وأخص بالعرض قضية خامسة ظهرت في المجتمع السعودي؛ وهي قيادة المرأة للسيارة، وسأعرض لتلك القضايا من طريقين: الأول: إظهار مبرراتهم التي يحتالون بها على عامة الناس، ثم أرد عليها ردوداً عقلية وشرعية.

     

    القضية الأولى: الحجاب

    الحجاب عبادة من رب الأرباب، وميسم يذيق العلمانيين العذاب، فكلما رأوه يعلو وينتشر في بلد صرخوا، ونخروا، وولولوا، وزمجروا من شدة رعبهم واستيائهم منه، فهو راية المسلمين في معركتهم ضد العلمانيين، ومتى بقي الحجاب مرفوعاً على رؤوس المسلمات في بلد ما، فهو دلالة على انتصار الإسلام على العلمانية في ذلك البلد، ومتى ما أسقطوه، فهو علامة انتصار الباطل، ومؤشر على تراجع الإسلام في نفوس أهلها في الغالب.

     

    ومتى ما تحقق لهم ما أرادوا من نزع الحجاب، هان أمامهم ما أرادوه من إفساد، فغايتهم وأهم مطالبهم في البداية هو أن ينزعوه، فإن صعب عليهم ذلك، فتحقيق ما بعده من مطالبهم أصعب وأشد، وإن نجحوا في نزعه، فإنّ مطالبهم يهون تحقيقها.

     

    لذا تجد العلمانيين يسعون باستماتة في مناقشة موضوع الحجاب، وبالطريقة المكرورة التي يمارسونها؛ حيث يتناولون قضية الحجاب بالتشكيك في مشروعيته، والبحث عن الآراء الفقهية الشاذة، التي تبيح كشف الوجه، ويحاولون بكل ما أوتوا من قوة أن يوهموا الناس بأنّ الحجاب هو ما استدار حول وجه المرأة، وليس تغطية الوجه، وقد نجحوا فعلا في غالب بلاد المسلمين بنشر هذا التصور الخاطئ، فنرى كثيراً من المسلمين ـ للأسف ـ يتوهمون ذلك، ولم يبق من العالم الإسلامي إلى مجتمعات قليلة لا زالت متمسكة بالحجاب الشرعي، المتفق عليه طوال التاريخ، ورغم قلة المجتمعات المتمسكة بتغطية الوجه، إلا أنّ أمر هذه المجتمعات القليلة يقلق العلمانيين، ويقلق أولياءهم من اليهود والنصارى، فراحوا يعيدوا خططاً بدأ أسلافهم في طرح موضوع الحجاب والتشكيك في هيئته ومشروعيته.

    وأسوق هنا مجموعة من النقاط، طامحاً أن أقدم فيها جديداً للقارئ، نقاطاً ربما تخفى على الكثير في زماننا، وهي كالتالي:

     

    يزعم كثير من الكتّاب أن هيئة الحجاب الشرعي، لا تشمل تغطية الوجه، وأن الذين يرون وجوب تغطية الوجه، هم من المتشددين من علماء الحنابلة النجديين فقط، وقد أورد سليمان الخراشي في كتابه: (أسماء القائلين بوجوب ستر المرأة لوجهها من غير النجديين)، أكثر من (66) كتاباً لعلماء من شتى أنحاء العالم الإسلامي؛ من مصر، وتركيا، والعراق، وسوريا، والمغرب، والحجاز، وقطر، ونيجيريا، والهند، وباكستان، واليمن، وتونس، وموريتانيا، والجزائر، وعلماء السند، وغيرهم، جميع هؤلاء يقولون (بوجوب تغطية المرأة لوجهها)، والعلماء الذين لا يقولون بوجوب التغطية، يقولون: إن تغطية المرأة لوجهها؛ هو المستحب والأولى والأفضل، وبالرجوع إلى الصور الوثائقية المنثورة في الجزء الأول من الكتاب، تجد التأكيد المادي على أن هيئة الحجاب الشرعي في العالم الإسلامي كانت تغطية الوجه.

     

    يلهج العلمانيون بالحديث حول استنكار حكم (تغطية المرأة لوجهها) استنكاراً دينياً شرعياً، وتتوهم من حماسهم المتوهج أنّ (ارتداء الحجاب)، هو المعصية الكبرى في الدين، والذنب العظيم والضلال الكبير، في حين أنّ الحجاب ليس كبيرة من الكبائر، ولا هو بمحرّم، فيقودك التوهم إلى أنّ العلمانيين ربما يعانون من (إفراط في التقوى)، و(إسراف في الورع)، ولكن المفاجأة أن انفعالهم أمام الحجاب يقابله (صدودهم النافر) عن الحديث ولو بكلمة واحدة عن (الحرام الواضح)، الذي تظهر فيه السيقان، والشعر، والصدور، والنحور؛ وظهور النامصات والمسترجلات والكاسيات العاريات، رغم أنّ المساحة الكبرى من العالم الإسلامي لا تكشف فيه المرأة وجهها وحسب؛ بل ـ للأسف ـ ظهر ما هو أقبح من ذلك كما في الفيديو كليب، والرقص الماجن، وأمور أستحيي من كتابتها بين هذه الأسطر، ولم نعد نبصر من يلتزم بهذا الحجاب المستتر كاملاً إلا في جزيرة العرب، ومناطق قليلة في العالم الإسلامي ـ تقريباً ـ ، ولكن العلمانيين اللابسين عمائم الغيرة على الإسلام، تركوا الاستنكار على (الأكثرية المرتكبة للحرام الواضح والمتفق عليه)!! و(المستحقات للعن الإلهي)، واشغلوا أنفسهم، وشاشات القنوات، والصحافة، والمؤلفات، بالحديث عن (النسبة الأقل)، التي ترتدي الحجاب، مع أنه أمر يتفق العلماء والعقلاء على أنه عبادة وأمر مندوب له شرعاً، أو على الأقل يعد من الحرية الشخصية بمفهومهم البشري!

     

    ولم يتبرعوا بأي برنامج، أو كتاب، أو إنتاج إعلامي يستنكرون الحرام، أو ينصحون النساء العاصيات؛ فالعلمانيون المفسدون يبحثون عن الأمور المستحبة لمهاجمتها وإبعاد الناس عنها، ويتركون الحديث عن المحرمات والكبائر التي يشيعونها في الإعلام والمجتمعات.

     

    ونراهم حين يحاربون الحجاب والستر، يتسترون بشعارات براقة: (كالحرية الشخصية)، و(التعددية)، و(الديمقراطية)، أو (الخلاف الفقهي)، وحينما نتتبع سيرتهم نجدهم يعلنونها حرباً شرسة على الحجاب في ندواتهم، وإنتاجهم الإعلامي، ومنتدياتهم، ونفوذهم الوظيفي، وقراراتهم حين يصلون للحكم، بصورة تدوس أبسط قواعد الحرية والتعددية، تلك الشعارات التي كانوا ينادون بها، ويصدق عليهم قول الشاعر:

    مباح أن ترى فخذاً ونهداً          

    ويحرم أن ترى جسداً مصوناً

     

    يعرف العلمانيون التفاصيل الخاصة بأقوال الفقهاء في مسألة (تغطية الوجه للمرأة)، وربما بعضهم يعرف الفقهاء الذين أباحوا كشف الوجه، ولكنك تتفاجأ بأنهم لا يعرفون في أحكام الفقه غيرها، فلو سألتهم عن الأحكام الخاصة بالمرأة، كالحيض والنفاس، أو أركان الصلاة، وشروط الوضوء، أو في الصلاة منفرداً خلف الصف؟ لوجدتهم لا يكادون يفقهون حديثاً، وذلك لأنهم أخذوا من الفقه الشرعي ما يغلفون به قرائحهم الجامدة ليفتنوا به الناس.

     

    لو صدقنا مزاعم العلمانيين في أنهم يبحثون عن الحق في مسألة الحجاب الشرعي ـ كما يزعمون ـ فإن هنالك ما يدعو إلى عدم تصديقهم، وهو إنتاجهم الإعلامي، حيث نرى قنواتهم التي يملكونها، ويتربعون عن كرسي القرار فيها، لا تظهر المرأة فيها متحجبة، ولا شبه متحجبة، بل يقومون بإخراج المرأة في وضع حرام متفق عليه، ولا يوجد عالم على وجه الأرض، أو في بطنها يقول بجوازه وإباحته، والأدهى والأنكى أنهم يمنعون أي محجبة من الظهور، ويحاربون خروجها على الشاشة، فتحال ـ أحياناً ـ إلى قسم الإذاعة الصوتية، تلافياً لخروجها متحجبة.

     

    مما يزيد المعضلة اشتداداً، أن يقف في صفهم مفكرون، وكتاب محسوبون على الفكر الإسلامي، والأكثر إيلاماً، أن ينخدع بهذه الدعوة بعض علماء المسلمين، وطلبة العلم اندفاعاً عجيباً، تحس فيه بالوهن، والتخاذل، والانهزام، والخجل الذميم الذي يمنع من التفاخر بالدين، وكأن قضية الحجاب منقصة في ديننا، وأن تغطية الوجه قباحاً يستحيون منها، وتخلف ينفونه عنهم؛ لأنه لا يليق في عصر التحضر والمدنية.

     

    فصار الناس للأسف يعتقدون أنّ العلمانيين على صواب في تلبيسهم، وخداعهم، وفهمهم لصورة الحجاب الخاطئ المنتشر في زماننا الشاذ، بينما حقيقة الأمر أننا نحن الذين نعيش في حالة الشذوذ، وهذا ما يدعو للاستغراب من عودة الحجاب السابغ الساتر لكل أجزاء الجسم في أنحاء العالم الإسلامي، مع أن المفترض أن يكون الاستغراب من اختفائه، ولكن في هذا دليل على (غياب الإدراك) لحالة (شذوذ هذا العصر)، من بين عصور (التاريخ البشري) عموماً، و(التاريخ المسلم) خصوصاً، فالحجاب الذي بدأ يعود بصورته الرائعة المحتشمة، هو من إعادة الحق إلى نصابه، فالروايات التاريخية لحال البلاد الإسلامية، والصور الفوتوغرافية المتوفرة، وأحاديث كبار السن الذين عاصروا نهاية الحجاب، وبداية السفور، كل ذلك يؤكد أن المرأة المسلمة تركت حجابها الساتر لوجهها، ولسائر جسدها خلال ما يقارب السبعين سنة الماضية فقط، خرجت من هذا الأصل (القاعدة)، واستدرجها اليهود، والنصارى، والعلمانيون، فأهملت حشمتها، وألقت حجابها عن وجهها، وبعد سبعين سنة رجعت مرة أخرى إلى الأصل، والوضع الفطري البشري المألوف، الذي تقبله النفوس، وتطمئن إليه الروح، وتسكن إليه الغيرة.

     

    أختم كلامي بسلوك متكرر من العلمانيين وأتباعهم من المطالبين بتحرير المرأة، وهو أنهم بالرغم من حماسهم العنيف لنزع الحجاب، إلا أن الأغلب منهم لا يسمحون بخروج نسائهم سافرات، بل يتصيدون المستغفلات والمغفلات لتمرير دعاواهم، دون أن يكون لزوجاتهم، أو لبناتهم أي دور في تأييد قضيتهم، وأول مثال على ذلك هو زعيمهم قاسم أمين، فقد كانت زوجته محجبة حجاباً كاملاً، ولم تكن تخرج لتقابل الضيوف الرجال، وحين طلب ضيوفه ذات مرة مقابلة زوجته استاء، وحزن، وامتعض من ذلك، وقد ذكرت زوجته في بعض تصريحاتها بعد وفاته: "إنه لم يكن يرغمها على السفور عندما كان ينادي إليه"، وتقول: "إنها ظلت ترتدي البرقع والحبرة".

     

    يقول مصطفى أمين متحدثاً عن واقع بيت سعد زغلول الذي كان إسلامياً، ثم انتكس، وتمت صناعته صناعة (عصرية) (تنويرية): (بل الأغرب من هذا كله أن قاسم أمين زعيم تحرير المرأة، كان يتردد باستمرار على بيت سعد زغلول، ويتناول الغداء معه ومع صفية، ولكن زوجة قاسم أمين لم تحضر هذا الغداء الدوري مرة واحدة).

     

    ويذكر الطفلان (أي مصطفى أمين نفسه وأخاه علي أمين) بعد وفاة قاسم أمين بعشر سنوات، أن زوجته كانت تأتي بين وقت وآخر لزيارة صفية زغلول، فلا تكشف وجهها أمامهما، بل إنها إذا تناولت الغداء مع صفية، كانت تعد لهما مائدة في غرفة أخرى، وتناول سعداً الطعام وحده، ذلك أن قاسم أمين الرجل الذي دعا المرأة المصرية إلى نزع الحجاب فشل في إقناع زوجته بأن تنزع حجابها، وظلت متمسكة بوضع الحجاب على وجهها.

     

    مما يؤكد أن الاحتشام فطرة بشرية، وسمة عالمية، تنزع إليها بنات حواء؛ أن التحول الذي حصل نحو السفور لم يكن بمبادرة منهن، أو من أهلهن، أو حتى من مجتمعاتهن، بل كان خلع الحجاب، والانحدار نحو السفور، يتم بإرادة سياسة، وقوة سلطانية من أمراء وملوك العصور المتأخرة، سواء كان ذلك في البلدان الإسلامية، أو البلدان الكافرة، يقول قاسم بك أمين: "أما مملكة روسيا فمركزها الجغرافي قضى بأن تتأثر بالعادات الشرقية، ولهذا فقد عاش نساؤها من أهل الطبقة العالية والطبقة الوسطى محجوبات، كنساء الشرق، مسجونات في البيوت، محرومات من التربية والتعليم، وليس لهن من الحقوق إلا ما تسمح به رحمة أزواجهن وأوليائهن، ولم تبطل هذه العادة من البلاد الروسية إلا في سنة (1726م)، حيث صدر أمر عال من (بطرس الأكبر) بإلغاء الحجاب مرة واحدة، ثم تولت بعده الإمبراطورة (كاترين)، فتممت عمله، واشتغلت من سنة (1762م) إلى (1797م) بتأسيس المدارس للبنات، ونشرت بينهن التربية العقلية والأدبية.

     

    ارتباط الاحتلال بقضية خلع الحجاب:

    في جميع البلدان الإسلامية دون استثناء، تزامنت الدعوة لخلع الحجاب، مع وجود المحتل الأجنبي أو مندوبيه، وحاولوا تصويره بتشبيهات توحي بالتبشيع والتقبيح:

     

    فعن أثر الاستعمار في العراق على قضية خلع الحجاب، يقول خيري العمري: "وقد يرد إلى الذهن سؤال وهو: من هي أول امرأة عراقية رفعت النقاب عن وجهها، وخرجت سافرة؟ والحقيقة أن الجواب عن ذلك ليس من البساطة، بحيث يكفي أن نقول: إنّ فلانة هي من أسفرت في عام كذا، دون أن ندعم هذه الدعوى بما يقيم البينة عليها؛ لذلك فإني ألتمس من القارئ عذراً إذا قلت: إنني لا أريد أن أتورط كما تورط غيري في حكم قاطع بهذه المسألة.. إلى أن قال: الأمر الثاني الذي أريد أن أذكره: هو وجود قوتين كانتا تلعبان في تلك الأيام دوراً مهماً في توجيه الأمور، وهما: (البلاط)، و(دار الاعتماد البريطاني).

     

    ذكر الأستاذ أنور الجندي أن حركة السفور في العراق تأخرت (حتى عام 1921) عندما حمل الإنجليز لواءها على يد الإنجليزية (ألمس كلي)، حيث أسست أول مدرسة للبنات 19/1/1920م احتفل بها العميد البريطاني).

     

    أما ما يخص مصر، فبعد سنوات قليلة من الاحتلال البريطاني عام (1882م)، صدر كتاب (المرأة في الشرق)، وكان مؤلفه مسيحياً مصرياً كان صديقاً للورد "كرومر" المعتمد البريطاني في مصر، وكان يدعى (مرقص فهمي)، وقد دعا هذا الكتاب للقضاء على الحجاب باعتباره حجاباً للعقل، وفي عام (1893م) صدر كتاب آخر لمناهضة الحجاب، كان من تأليف كاتب فرنسي، يدعى (ألكونت داركور)، وقد هاجم فيه المثقفين المصريين لقبولهم الحجاب، وصمتهم عليه، وفي عام (1899م) صدر كتاب (تحرير المرأة) لقاسم أمين، الذي دعا فيه إلى سفور وجه المرأة، ورفع النقاب عنه؛ لأنه ليس من الإسلام في شيء، وقد حظي الكتاب رغم الهجوم عليه من عامة المصريين بتأييد عدد من الزعماء والمفكرين المصريين؛ من بينهم أحمد لطفي السيد، والزعيم سعد زغلول، وكان من بين المعارضين للكتاب الزعيم مصطفى كامل، الذي وصف كتاب (تحرير المرأة) بأنه مهين لها، وبأنه يروج للبريطانيين، كما أصدر الاقتصادي المصري طلعت حرب كتاباً للرد على كتاب (تحرير المرأة) لقاسم أمين، كان عنوانه (تربية المرأة والحجاب)، قال فيه: إنّ رفع الحجاب وإباحة السفور كلاهما أمنية تتمناها القوى الاستعمارية على مر العصور، وهو ما دفع بقاسم أمين إلى تأليف كتابه (المرأة الجديدة)، عام (1900م) أكد فيه آراءه مستدلاً بآراء عدد من علماء الغرب.

     

    ومع اندلاع ثورة عام (1919م) التي شهدت بداية الحركة النسائية السياسية في مصر، عاد الحديث عن رفض الحجاب وحق المرأة في عدم ارتدائها، وكانت البداية في ميناء الإسكندرية عند عودة سعد باشا زغلول من منفاه في جزيرة سيشل، حين قامت نور الهدى محمد سلطان الشهيرة بهدى شعراوي، بنزع الحجاب من على وجهها، وتبعتها زميلاتها سيزا نبراوي، وفي عام (1924م) تأسس الاتحاد النسائي المصري برئاسة هدى شعراوي التي شجعت المصريات على خلع الحجاب، وقد عادت هدى شعراوي من فرنسا لتكوّن الاتحاد النسائي المصري عام (1923م)، وتضع الحجر الأساس له في أبريل عام (1924م)، فانفضحت تلك المظاهرة التي نزعت فيها الحجاب عام (1919م)؛ بكونها مجرد مسرحية من قبيل (صناعة الأبطال)، فلا بد أن يكون للبطل مجد ومآثر، حتى يتأثر به الناس ويبتلعوا سمومه.

     

    وأما ما يخص تركيا، فحينما ألغى مصطفى كمال أتاتورك الخلافة عام (1924م) أصدر في أول قراراته التي أصدرها (إلغاء الحجاب)، ولعل الغرابة لا تنقضي من العجلة والسرعة في اتخاذ مثل هذا القرار في ظروف تأسيس الدولة الأولى، وتنظيم الوزارات، وترتيب أولويات البلد، فالاستعجال دليل على الأهمية.

     

    وأما ما يخص الجزائر، فالاحتلال الفرنسي تعامل مع الحجاب بطريقة الإقصاء، والضرب بعنف وشراسة مستميتة، وخلعه بقوة في الشوارع من فوق رؤوس المسلمات.

     

    أما تونس ففي عام (1929م)، حين كانت البلاد تحت الاحتلال الفرنسي، دخلت معركة الحجاب في طور جديد اصطبغ بالسياسة، ذلك أن امرأة تونسية مثقفة تدعى حبيبة المنشاري، اعتلت سافرة منبر جمعية الترقي بالعاصمة، فألقت مسامرة في جمع غفير من الرجال ومن الأوانس والعقائل التونسيات، وقد بسطت فيها حالة المرأة التونسية، ونددت بالحجاب، ولثاني مرة في تونس جرؤت امرأة مسلمة على الوقوف أمام الجمهور ومخاطبته سافرة، مما أحدث رجة في القاعة، فصفق لها المعجبون، وعبس المستنكرون، وكان الجمهور خليطاً من الفرنسيين والتونسيين، وقد اعتلى عدد منهم المنصة، وتكلموا إما للترحيب بالمحاضرة السيدة حبيبة المنشاري، وإبداء الإعجاب بآرائها، ومهاجمة الآباء الجامدين المتزمتين، كما عبر عن ذلك المحامي محمد نعمان والمسيو "لافيت" رئيس تحرير جريدة "البتي ماتان" والمسيول "دوريل" رئيس الجامعة الفرنسية للعملة بتونس، والأستاذ في معهد كارنو، وفي هذه الأمسية أخذ الكلمة بعد محاضرة المنشاري المحامي الحبيب بورقيبة ـ رئيس تونس الهالك فيما بعد ـ وقال: "إنّ الوقت لم يحن بعد لرفع الحجاب؛ لعلمه أن المجتمع المسلم لا زال متماسكاً أمام دعاة التغريب".

     

    ثم أصدر الطاهر الحداد عام (1930م) كتابه الشهير (امرأتنا في الشريعة والمجتمع)، فأصبح ـ كما يقول بوعلي ياسين "بمنزلة قاسم أمين في مصر"، وقد قيل: "إنّ الكتاب ليس له، إنما ألفه أحد النصارى ـ الأب سلام ـ وجعله باسم، خداعاً للمجتمع المسلم)، وقد دعا الحداد في كتابه إلى أمور كثيرة منكرة، على رأسها مطالبته بنزع الحجاب وكشف الوجه ـ كخطوة أولى ـ يقول في كتابه مشوهاً النقاب الذي كانت تلبسه التونسيات: "ما أشبه ما تضع المرأة من النقاب على وجهها منعاً للفجور بما يوضع من الكمامة على فم الكلاب كي لا تعض المارين"، قلت: ولا أدري لماذا لم يشبه الحجاب الأسود الذي تلبسه المسلمة بالكساء الذي يكسو الكعبة، ويزينها؟! أو بالأصداف التي تصون الجوهرة وتحميها؟!

     

    ومما يعضد ارتباط الاحتلال بنزع الحجاب، أن أحد بنود المعونة الأمريكية لأحد البلدان العربية، تمويل بث نسخة عربية من برنامج الأطفال الأمريكي (شارع السمسم)، لتربية الأطفال على أنه لا فرق بين البنت والولد، وأن (البنت مثل الولد)!

     

    وأختم بكلام نفيس للدكتور أحمد مورو، يقول فيه: "وقد قام مفكرون إسلاميون مشكورون بفضح ورصد العلاقة بين الاستعمار وهؤلاء العلمانيين، فالعلامة محمد شاكر فضح لويس عوض، وأثبت ارتباطه بدوائر الاستعمار في كتابه الهام (أباطيل وأسمار)، وجلال كشك فضح ورصد العلاقة المريبة بين الأحزاب الشيوعية المصرية خصوصاً، والعربية عموماً، وبين الصهيونية وإسرائيل في كتابه (الحركة السياسية في مصر 1945 ـ 1952م)، وقال: إنّ تلك الأحزاب أنشأتها الصهيونية خدمة لمشروعها المرتقب وقتئذ في إسرائيل.

     

    وفي الحقيقة فإنه أينما سرت وفتشت، تجد هذه العلاقة بين العلمانية وبين الإنجليز، أو الفرنسيين، أو الأمريكان، أو دوائر التبشير والاستشراق، وهكذا، فعلي عبدالرزاق مثلاً في دعوته لإلغاء الخلافة الإسلامية، والزعم بأنها ليست من أصول الإسلام، وإنكاره بأنّ الإسلام دين ودولة، لم يكن إلا ناقلاً لبحث قام به الإنجليز وعملاؤهم في الهند إبان الحرب العالمية الأولى، وذلك خوفاً من إعلان الخلافة العثمانية لفكرة الجهاد لتعبئة المسلمين ضد الحلفاء في تلك الحرب، فأرادوا التشويش على فكرة الخلافة ذاتها، ثم قبع البحث في أدراج الخارجية الإنجليزية، إلى أن تم نشره عن طريق علي عبدالرزاق، وكذا قاسم الأمين، فما هو إلا ناقل لشبهات المستشرقين.

     

     نفس الارتباطات المشبوهة تجدها عند أحمد لطفي السيد، رئيس تحرير جريدة حزب الإنجليز (حزب الأمة)، ونجدها في سلامة موسى، ولويس عوض، وغالي شكري، وشبلي شميل، الذي يعترف رفعت السعيد أنه يدافع عن الإنجليز، ويلتمس له العذر لذلك؛ لأنه كان هارباً من النفوذ العثماني في الشام! إلى أن قال: وهو الأمر الذي فضحه الدكتور: محمد عمارة، وجلال كشك، وغيرهما في أكثر من كتاب ومقال، أو مع مؤسسات أمريكية أوربية مشبوهة، مثل مؤسسة فورد كونديشن، التي تمول نشاطات ما يسمى بحركة تحرير المرأة (نوال السعداوي)، وقد افتضح الأمر على بعض عضوات هذه الحركة أنفسهن داخل أروقة المؤتمر الذي انعقد سنة (1986م)، حيث تساءلن عن تمويل المؤتمر، فاعترفت نوال السعداوي؛ بأن مؤسسة فورد كونديشن الامريكية، وكذا هيئة المعونة الأمريكية بالقاهرة، وجمعية نوفيك الهولندية، ومكتب أكستوان بالقاهرة هم الذين مولوا هذا المؤتمر.

     

    المظاهرات النسائية وخلع الحجاب

    المظاهرات النسائية وسيلة استعملها المحتل الغربي منذ مائة عام في عدة دول إسلامية؛ لإفساد المرأة من خلال (عقلية القطيع)، دون أن يكون من الناس أي اعتراض، وأعرض نماذج تاريخية لبعض البلدان الإسلامية:

     

    ففي مصر: انطلقت أول مظاهرة نسائية في العالم الإسلامي زمن الاحتلال الانجليزي عام (1919م) تحت إشراف سعد زغلول، وبقيادة زوجته (صفية) مع رفيقتها رائدة التغريب (هدى شعراوي) إضافة إلى مجموعة من النساء القبطيات، وذلك للتعبير عن رفضهن للاحتلال الإنجليزي ـ كما أشيع ـ إلا أن المظاهرة تحولت عن مسارها إلى (الهتاف بالحرية ونزع الحجاب).

     

    وفي الجزائر يقول محمد سليم قلالة: (حدث هذا في مثل هذا الشهر من سنة 1958م يوم الاثنين 27 مايو، فبعد أن ألقى إمام مسجد سيدي الكتاني آنذاك في مدينة الشيخ ابن باديس بالجزائر أمام نحو 100 ألف شخص بحضور سوستيل وسالان. (الجنرالان الفرنسيان)، وصعدت فتاة جزائرية مسلمة إلى الميكرفون لتقول: لا ندع الفرصة تضيع، إنها الفرصة الوحيدة التي تمنح لنا للسيرة في طريق التحرير الكامل والمطلق، أرجوكن أن تقمن بعلم رمزي يكون دليلاً على بداية وجودنا الجديد وعلاقتنا الأخوية الكاملة تجاه أخواتنا من جميع الديانات في وطننا المشترك فرنسا، أطلب منكن أن تفعلن مثلي، وفي حركة رائعة (يقول المعلق) نزعت الآنسة بنت الباشا آغا حائكها الأبيض ثم حجابها، ورمت الكل من الشرفة وسط دوي من التصفيق والصياح: هورا!! هورا!! برافو!! برافو!! وتتبعها فتيات أخريات تنزعن أحجبتهن وتنطلقن الصيحات المدويات وسط دوي آخر من الصباح: هورا! هورا! برافو! برافو!.

     

    ويبدأ فاصل جديد في سياسة الاستعمار الثقافي لبلادنا.. وفي مدينة الشيخ ابن باديس، وفي الساعة السادسة مساء من يوم الثلاثاء 20 مايو 1958م حدث نفس الشيء أيضاً في مدينة وهران بمسرح الاخضرار، حيث تجمع أكثر من 50 ألف شخص.. ألقيت الكلمات من طرف السلطات المحلية يتقدمهم الجنرال ماسو، وعلقت اللافتات ثلاثية اللون، وقد كتب عليها: (الجزائر فرنسية)، (شعب واحد، قلب واحد)، (ديغول في السلطة)، وبعد ذلك فسح المجال للأهم، (وتوالت على المنصة فتيات مسلمات في سن الزهور، بلباس أوربي؛ ليطلبن من أخواتهن التخلي عن أحجبتهن التي تمنعهن من تحرير شخصياتهن)!

     

    وفي حماس فياض ـ يقول المعلق الصحفي ـ تقوم النساء الموجودات بين صفوف الجماهير، وأغلبهن ربات بيوت بنزع أحجبتهن، ودوسها بالأقدام في الوقت الذي ارتفعت فيه صيحات عديدة: تحيا الجزائر الفرنسية، وتبعها دوي من التصفيق الحار، ويستمع الجميع ويرددون (لامارساييز) النشيد الوطني الفرنسي، ثم ينتشرون في شوارع وساحات المدينة يلعبون، ويمرحون.. و.. إلخ.

     

    وروجت الصحافة الفرنسية الخبر، ونشرت صور النساء وهن يحرقن جلابيبهن، وعلقت إحدى هذه الصحف (درنيارو أور): (آخر ساعة) على صورتين نشرتهما على نصف صفحتها الأولى يوم الاثنين 19 مايو 1958م: (أمامكم وثيقتان نادرتان تنفرد (آخر ساعة) بنشرهما، (لقد نزعت أمس في المهرجان مجموعة من الشابات الجزائريات المسلمات أحجبتهن أحرقنها، إنه عمل يؤكد رغبة المرأة المسلمة في التفتح على فرنسا، وبعد هذا العمل العظيم، هل يبقى في فرنسا من يرفض سياسة الإدماج، ستتجمع النساء الجزائريات اليوم، وستكون هذه التظاهرة الفريدة من نوعها حدثاً بارزاً في هذه الأيام التاريخية التي تعرفها الجزائر، إنّ وجوه النساء الشابات التي يمكن لقرائنا رؤيتها هي عنوان مستقبل الجزائر).

     

    في سوريا (قامت مظاهرة نسائية عام 1926م احتجاجاً على سياسة الانتداب الفرنسي)، ولعلها هي المظاهرة التي ذكرها محب الدين الخطيب في مجلته: الفتح ـ السنة الأولى، 64.

     

    بعد المظاهرة الفاشلة السابقة بسنتين عام (1928م) قامت مظاهرة نسائية بقيادة (ثريا الحافظ)؛ التي كما تقول الدكتورة بثينة شعبان: (رفعت الغطاء عن وجهها كما فعلت مائة امرأة ونيف، كن يساهمن معها في المظاهرة نفسها".

     

    وفي الكويت، يقول الزعيم محمود بهجت سنان: "ويوم كنت في الكويت أقيمت مظاهرة من قبل قسم من طالبات المدارس يطلبن رفع الحجاب، وقد جمعن ما لديهن من البراقع (البواشي) وأحرقنها.

     

    وفي البحرين: تأخرت المظاهرات قليلاً لنظراً لتغير الأوضاع، حيث خرجت في الخمسينيات مجموعة من النسوة بمظاهرة نسائية (سياسية)، إلا أنه ـ كما يقول علي تقي ـ :"قامت إحدى الفتيات بنزع عباءتها، وأخذت تخطب في الجماهير".

     

    وفي عام 1990م بعد أن قدمت القوات الأمريكية إلى السعودية لتحرير الكويت، قامت مظاهرة نسائية في مدينة الرياض، خرجت فيها بعض النساء السعوديات، ليس لنزع الحجاب، بل لقضية أقل حساسية منها؛ لأن المجتمع لا يمكن أن يتقبل نزع الحجاب الآن، وكانت قضية قيادة المرأة للسيارة.

    كلمات مفتاحية  :
    العلمانيون حول المراة الحجاب

    تعليقات الزوار ()