|
|
|
لا شك أن الشعر الأندلسي هو صدى صادق للشعر العربي بكل أبعاده الثقافية والاجتماعية، فهو عربي اللغة والشعور والخيال ولكن هذا لا يمنع من أن يكون له خصوصياته وميزاته التي تمنحه مكانة متميزة في الشعر العربي.
و إن كان الأندلسيون قد شربوا من منابع الثقافة العربية وقلّدوا الشعر العربي وطوّروه إلا أن هناك أموراً خاصة بالأندلسيين قلما نجدها عند باقي الشعراء العرب، ومنها أنهم نظروا نظرة خاصة للطبيعة، نظرة العاشق الولهان والصديق الحميم المتفاعل مع رموز الطبيعة الخلابة والمنتشي من أريج أزهارها حيث جسَّدوا تلك اللوحات في صور ومعانٍ جميلة، واستخدموا كلمات سهلة تنساب مع أغراض القصيدة، وكذلك فعلوا مع الأوزان الشعرية حيث استخدموا الوزن الخفيف الغنائي. ولعل الموشح أصبح بصمة خاصة للشعراء الأندلسيين في الأدب العربي.
فهذا شاعرنا الأندلسي لسان الدين بن الخطيب المولود في لوشة قرب مدينة غرناطة سنة 1314م والمقتول سنة 1375م تجود قريحته بموشح كساه الخيال ثوباً، ولا أبهى وتنوعت فيه القافية بتنوع الطبيعة، فهو إسقاط للحنين والأشواق الكامنة في نفس الشاعر على الورد الغيور والروض الباسم والليل الساهر.
والقصيدة من بحر الرمل.
جادك الغيث إذ الغيث همى
يا زمان الوصل بالأندلسِ
لم يكن وصْلُك إِلأ حُلُمًا
في الكرى أو خُلسة المختَلِسِ
إذ يقود الدّهرُ أَشتاتَ المُنى
ينقلُ الخطوَ على ما يرسمُ
زُمَراً بين فرُادى وثُنًى
مثل ما يدعو الوفودَ الموْسمُ
والحيا قد جلَّل الرّوض سنا
فثغور الزّهرِ فيه تبسـمُ
وروى النُّعمانُ عن ماءِ السّما
كيف يَروي مالِكٌ عن أنَسِ؟
فكساه الحُسن ثوبًا معلما
يزدهي منه بأبهى مَلبسِ
في ليالٍ كتَمَتْ سرَّ الهوى
بالدُّجى لولا شموس الغُرَر
مال نجمُ الكأس فيها وهوى
مستقيمَ السير سَعْدَ الأثرِ
وطَرٌ ما فيه من عيبٍ سوى
أنّه مرّ كلمْح البصّــرِ
حين لذ الأُنس شيئًا أو كما
هجم الصّبحُ هجوم الحرَسِ
غارت الشهْبُ بنا أو ربّما
أثّرت فينا عيون النرجسِ
أَيّ شيْءٍ لا مرئٍ قد خلُصا
فيكون الروّض قد مُكَّن فيهِ
تنهب الأَزهار فيه الفُرصا
أمنَت من مكره ما تتقيهِ
فإذا الماء تناجى والحصى
وخلا كلً خليلٍ بأخيه
تبصر الوردَ غيورًا بَرِما
يكتسي من غيظه ما يكتسي
وتَرى الآس لبيبا فهِما
يسرقُ السمْع بأذنيْ فَرَسِ
يا أُهيْل الحيّ من وادي الغضـا
وبقلبي سـكَن أَنتـم بـه
ضاق عن وجدي بكُم رحْبَ الفضا
لا أبالي ي شـرقـه من غربهِ
فأعيدوا عَهدَ أنسٍ قد مضـى
تُعتـقوا عـانيكمُ من كـرْبه
واتقوا الله وأَحيوا مغرمَا
يتلاشى نفسا في نَفَسِ
حبَس القلب عليكم كَرما
أفترضون عفاءَ الحبسِ؟
وبقلبي منـكمو مقتـربُ
بأحاديث المنى وهو بعيـد
قمرٌ أطلع منه المـغرب
شَقْوة المُغرى به وهو سعيد
قد تساوى محسنٌ أَو مذنبُ
في هواه بين وعْدٍ ووعيد
ساحر المقلة معسول اللّمى
جال في النّفس مجالَ النفَسِ
سـدّدَ السّهمَ وسمّى ورمى
ففـؤَادي نهبـة المفتـرسِ