لم يظهر أثر لوزير العدل فى الأزمة المؤسفة بين القضاة والمحامين. فلا دور قام به جهراً أو سراً، ولا مبادرة قدمها لاحتواء الأزمة بين طرفى العدالة التى يفترض أنه المسؤول السياسى عنها. رأينا محاولات من جانب آخرين ليس من بينهم الوزير المسؤول عن العدالة التى شُوهت صورتها فى الداخل والخارج.
ولكن وزير العدل ليس الغائب الوحيد. الكثير من وزراء الحكومة يغيبون بأشكال ودرجات مختلفة حين يتوجب حضورهم. خذ مثلاً قضية مقتل الشاب السكندرى خالد سعيد، الذى شاع الاعتقاد على نطاق واسع فى أنه قُتل تعذيبا على أيدى اثنين من عناصر الشرطة السرية.
تقول وزارة الداخلية إنه توفى مختنقاً بسبب بلع لفافة مخدرة كانت فى حوزته. ولكن بيان الوزارة الروتينى لم يثبت ذلك.
فكان أن تدحرجت القضية إلى أن ملأت الآفاق فى الداخل والخارج، ورسمت صورة محزنة للشرطة.
ومع ذلك لم يتحرك وزير الداخلية سعياً إلى إنقاذ سمعة وزارته عبر إجراء تحقيق نزيه وشفَّاف ينتهى إما إلى تبرئة من توجه إليهم أصابع الاتهام أو معاقبتهم إذا ثبتت إدانتهم.
وليست هذه هى المرة الأولى التى يغيب فيها وزير الداخلية حين ينبغى أن يحضر لمعالجة تداعيات جرائم يرتكبها قلة من العاملين فى وزارته وتؤدى إلى تلويث سمعة جهاز يتفانى عشرات الآلاف من أبنائه فى حماية أمن الناس ليلا ونهارا.
ثم أين وزيرة القوى العاملة من الاحتجاجات العمالية المتلاحقة التى يهدف الكثير منها إلى حماية حقوق عمَّال فى شركات باعتها الدولة إلى مستثمرين مصريين وعرب وأجانب؟ وهذا هو أحد أهم واجبات المسؤول عن القوى العاملة فى أى بلد يمر فى مرحلة انتقال من اقتصاد عام إلى خاص، وخصوصا حين يحدث هذا الانتقال فى أجواء فاسدة.
وحتى الحالات التى يحصل فيها العمال على أحكام قضائية، مثل عمال «طنطا للكتان» ضد مستثمر سعودى قبل أيام، لا يجد أصحاب الحق الثابت قضائيا من يساندهم.
ولكن حقوق العمال تضيع عند حضور الوزراء أحيانا، وليس فقط حال غيابهم. فالارتباك الحاصل بسبب تضارب سياسات وزيرى الرى والاستثمار يهدد مستقبل عمال «الشركة العربية لاستصلاح الأراضى».
المعضلة، إذن، ليست فى غياب كثير من الوزراء فقط، ولكن فى حضورهم المرتبك أيضا وازدياد المسافات بين «الجزر المنعزلة» التى يجلس فيها كل منهم.
فعندما يرتبك نظام الحكم، يظهر هذا الارتباك فى أداء الحكومة ويأخذ أشكالاً شتى أحدها غياب بعض الوزراء فى لحظات ينبغى أن يحضروا فيها، وحضور آخرين فيما يجب أن يمتنعوا عنه بالمطلق.
فعندما تُباع منطقة سياحية بسعر بخس إلى شركة يساهم فيها الوزير الذى تتبعه هذه المنطقة، يكون حضوره غير المباشر فى هذه الصفقة نوعا من الفساد وخلطاً بين منفعة خاصة ومصلحة عامة وانتهاكا سافرا للدستور.
وليس هذا إلا القليل من الظواهر الدالة على ارتباك متزايد فى نظام حكم تتفكك أوصاله يوما بعد يوم لأسباب فى مقدمتها طول أمد الجمود السياسى وما يقترن به من تجريف، والطابع الإدارى لحكومة الموظفين الأكاديميين والتكنوقراط غير المسيسين، والأفق المغلقة أمام أى تجديد فى الوقت الذى يظل فيه السؤال عما بعد الرئيس حسنى مبارك بلا جواب.