استوقفني قولها:( إنهم يناقشون منع ارتداء الحجاب في برلمان كندا, اذا حدث ذلك, فربما أعود لأنهم سيمنعون مواصلة دراستي للدكتوراة هناك مادامت محجبة).
وكانت صديقتي قد سافرت إلي مدينة كيبك بكندا لدراسة الدكتوراة في جامعة( شربروك). ووجدتني أتساءل ما الذي يضير الكنديين من ارتداء بعض النساء العربيات وغيرالعربيات من المسلمات غطاء للرأس, وما مشكلتهم معه؟
منطقهم في ذلك أسوة بفرنسا وهي الدولة الأم للجزء الفرنسي الكندي, أنه لابد لهم من ذلك بعد منع الحجاب والبرقع في فرنسا ـ وقد نجحوا في منع غطاء الوجه بكندا ـ وجاء الآن دور غطاء رأس المرأة المسلمة ليمنعوه هو الآخر, وتبنت هذه الفكرة رئيسة أحد الأحزاب بالبرلمان الكندي. وبالرغم من أن كندا من البلاد التي تحترم الحريات فإن الدستور الكندي يتدخل إذا ماتعلق الأمر بارهاب وترويع الآخرين أو إيذائهم, ويري بعضهم أن الحجاب من شأنه أن يسبب إيذاء للآخرين, أو تمييزا للمسلمات عن غيرهن بشكل واضح, أو يسبب تعصبا لا داعي له. وأري أنهم يناقضون أنفسهم في تعنتهم هذا بمنع غطاء الرأس, فاذا كان البرقع يثير المخاوف أو الشكوك في نفوسهم نتيجة غرابته علي المجتمع, فما مشكلتهم مع الحجاب, أو غطاء الرأس؟
وهناك حقائق كثيرة عن غطاء الرأس:
* أول ذكر لغطاء الرأس جاء في القرن الثالث عشر قبل الميلاد في عصر الآشوريين في وثيقة قانونية ذكر فيها قصر غطاء الرأس علي النبيلات من النساء ومنع ارتدائه لعامة النساء, وعلي مدي السنين تغيرت أشكاله من قبعة لقنسوة لايشارب.
* في اليهودية والمسيحية والإسلام, اشترك مفهوم غطاء الرأس بالاحتشام والوقار, السيدة هاجر زوجة سيدنا إبراهيم كانت ترتدي الحجاب, وجاء في رسومات صورت السيدة العذراء أم المسيح أنها كانت ترتدي حجابا أو غطاء للرأس, وجاء في القرآن الكريم أن الله اختاره للمرأة المسلمة.
أيها المنادون بحظر الحجاب في الغرب, هل ستحقق لكم منافع عندما تترك المحجبات أماكنهن في صفوف العاملين بالهيئات الحكومية المختلفة؟ أن تتوفر لكم بذلك آلاف من فرص العمل لآخرين في بلادكم؟ مخطئون أنتم إن فكرتم في ذلك, لأنكم بذلك ستخسرون كفاءات عظيمة, وخبرات لا تضمنون أن تجدوا من يستطيع أن يحل محلها.
رجائي من هؤلاء أن يعيدوا النظر في الأمر, وأن يفتحوا أذرعتهم لكل الطوائف المختلفة محققين بذلك مبدأ احترام الحريات الانسانية الذي نادت به منذ عشرات السنين الثورة الفرنسية, واتبعها في ذلك بقية دول العالم واتخذتها منهجا للعدالة الانسانية.
ورجائي من أخواتي المحجبات أن يجتهدن لابراز صورة المسلمة كما أراد لها الاسلام من عزة وكرامة وسماحة وتفهم لثقافات الآخرين, وتفهم لثقافة أن الاختلاف في الرأي لايفسد للود قضية, وأن يكن نموذجا في حسن سلوكهن دائما مع الآخرين, صحيح أن التفتح الذهني وثقافة الاختلاف مع الآخر, والأخلاق الطيبة ليست حجرا علي ديننا, وأن جميع الأعراف والتقاليد والأديان تحث علي السماحة والخير وحسن معاملة الآخرين, لكنه أولي بنا أن نكون كذلك لنعطي صورة مشرقة تليق بالمرأة المسلمة.