الرضاعة إن تناول الطفل الحليب يعد من المراحل الأولية التي يقوم بها في بداية حياته. وهذه المرحلة لا تقل خطورة عما قبل الولادة؛ فالتأثر الذي يظهر على الطفل من أثر الحليب تأثر واضح جداً لذا أولى الإسلام أهمية كبرى لهذه المرحلة فنظر إليها من عدة زوايا. الزاوية الأولى: لا يوجد أفضل من حليب الأم لطفلها وذلك لأن الطفل قبل الولادة كان بعد جزءاً من أجزاء الأم فتركيبته قريبة من تركيبتها وعند استقلاله عنها سوف يبقى ذلك الأثر فيه؛ فإنه يلقف ثدي أمه ويحس بالاطمئنان الذي لا يحصل عليه إلا عندها، فمن خلال لحظات الرضاعة يتغذى الطفل بأشياء كثيرة لا يجدها ذلك الطفل الذي تناول الحليب المجفف، وأهمها الحب والحنان والاطمئنان إلى غير ذلك. يقول ابن سينا في (القانون) : «أما كيفية إرضاعه وتغذيته فيحب أن يرضع ما أمكن بلبن أمه فإنه يشبه الأغذية بجوهر ما سلف من غذائه وهو في الرحم، أعني طمث أمه فإنه هو بعينه هو المستحيل لبناً وهو أقبل لذلك وآلف له، حتى إنه صح بالتجربة أن إقامة حلمة أمه عظيمة النفع جداً في رفع ما يؤذيه». فعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ليس للصبي لبن خير من لبن أمه». وعن أميرالمؤمنين علي عليه السلام قال: «ما من لبن رضع به الصبي أعظم بركة عليه من لبن أمه» . وهذا الذي أثبته العلم مؤخراً حيث علت الصيحات من كل جانب تطالب الأم بعدم إهمال الطفل، أو الاتكال على الحليب المجفف؛ فقد جاء في (موسوعة صحة العائلة) ما هذا نصه: «علماً أن الأبحاث الطبية قد أظهرت أن للإرضاع مزايا عدة لا شك أن الحليب الاصطناعي يشبه في تركيبه حليب الأم، وإذا أعطي الطفل بالكميات الصحيحة فإنه يكفي لتغذيته ومع ذلك يفتقر الحليب الاصطناعي إلى مكونات معينة قصيرة لطفلك توجد في حليب الأم فعلى سبيل المثال: يستطيع حليب الأم وقاية طفلك من أية التهابات يملك جسمك مناعة ضدها، كما أن تركيب حليب الثدي يتغير مع تغير حاجات الطفل في حين يظل تركيب الحليب الإصطناعي ثابتاً لا يتغير ... بالإضافة إلى ذلك يعزز الإرضاع الرباط العاطفي بين الأم والطفل). وكيفما كان فقد ثبت أن ارضاع الطفل بالحليب من خلال الروايات ونظر الوجدان وحث العلماء والأطباء على إرضاع الطفل بواسطة أمه، لما له من ديمومية الإشراف الروحية والبدنية على الطفل ولا يترك هذا الأمر إلا لعارض يمنع عن إرضاعه من أمه لمرض، أو إخلال في مزاجها، أو اضطراب في فؤادها إلى غير ذلك من الأمور الموجبة لعدم إرضاع الطفل من أمه . الزاوية الثانية: المرضعة: إن الحليب الذي يشب عليه الطفل ويتغدى حتى ينمو فيه خصائص تفوق مسألة النمو الظاهري، ومسألة الشكل الخارجي؛ إذ إن أثره على الطفل ينساب إلى شخصيته، وتكوين سلوكه وهذه المسألة لم يدركها العلم الحديث بعد وذلك لقصور نظره على الجانب المادي، وإن تحدث عنها الأطباء والحكماء القدماء من المسلمين متبعين الأثر مشاهدين ذلك بالتجربة. فإن اللبن الذي يتغذى عليه الطفل يساوي أثره تأثير الأم في حالة الحمل على جنينها وقت الحمل. لذلك يقول الإمام علي عليه السلام : «تخيروا للرضاع كما تتخيرون للنكاح؛ فإن الرضاع يغير الطباع». ولا يخفى الأثر الذي يخلفه الرضاع للطفل حيث إنه قورن بالنكاح الذي فيه ديمومة البقاء، ونصف الدين بما يشعر أن له نفس الأهمية في خلق نسل طاهر متكامل. ومنه أوجب الله على العبد أن يشكر الله ثم والديه الصلبيين أو المستحدثين بعملية الرضاعة إذا وقع وجوب الشكر بعد الحمل والإرضاع. قال تعالى: « ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصاله في عامين أن اشكر لي ولوالديك إلي المصير». وقد جاء من الناحية المقدسة للرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته الكثير من الروايات التي تشير إلى هذه الحقبة الزمنية وإلى هذه المسألة بالخصوص فتعاملوا معها على نحوين: النحو الأول: الحث على تخير المرضعة وأن تكون من الكريمات الأصل الحسان الوجوه الوضاءة المؤمنة. عن الباقر عليه السلام قال: «استرضع لولدك بلبن الحسان وإياك القباح فإن اللبن يعدي». ومنه نستفيد أنه تخير المرضعة يكون في أصل النكاح إذ لابد أن تكون المرأة وضاءة وحسنة الشكل مؤمنة من أصل كريم حتى يوافق أن تكون أمه هي التي تقوم بإرضاعه، وأما إذا كانت أمه في غاية الجمال لكنها حمقاء أو قبيحة المنظر ـ لا سمح الله ـ يجب أن يعطى غيرها في إرضاع ولدها وإن شق عليها ذلك؛ حتى لا يخرج الولد صفر اليدين من ناحية الحمل والرضاعة؛ فإن الثاني قد يخفف أثر الأول. النحو الثاني: التحذير من بعض المرضعات اللاتي يتصفن بالحماقة، أو الكفر ، أو الزنا إلى غير ذلك والعلة واحدة في النحوين وهي التأثير على شخصية الطفل وسلوكه. عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «لا تسترضعوا الحمقاء ولا العمشاء؛ فإن اللبن يعدي». وعن أميرالمؤمنين عليه السلام : «توقوا على أولادكم لبن البغي من النساء والمجنونة؛ فإن اللبن يعدي». عن الباقر عليه السلام: «لبن اليهودية والنصرانية والمجوسية أحب إلي من لبن الزانية». وذلك أن اليهودية والنصرانية والمجوسية وإن يضر إرضاعهن الطفل، لكن الحليب الذي سيتناول الطفل هو من نتاج وطء شرعي صحيح في دينهم ومذهبهم. بخلاف لبن الزنا؛ فإن منشأ هذا الحليب كان من نطفة قذرة تكونت من حرام. فكل ما كان أساسه حرام ولا يوجد به شبهة الحلال كا أثره أشد. لذا لو كانت المرضعة يهودية أو نصرانية أو مجوسية وكان حليبهم ناشىء من الزنا ـ والعياذ بالله ـ تضاعف المنع، وإن انحصر فيهن وفي المرأة المسلمة الزانية قدمت عليهن، وإن فضل إعطاء الطفل من حليب البقرة، أو المجفف على إعطائهن إياه لإرضاعه. ومما تجدر الإشارة إليه هو أن تمنع الزانية من إرضاع ولدها من الزنا سواء كان الولد منشأه الزنا ـ العياذ بالله ـ أو الحلال ثم زنت وذلك حتى لا يجتمع عليه شقاءان. فعن الإمام الكاظم عليه السلام لما سأله أخوه علي بن جعفر عن أمراة ولدت من الزنا هل يصلح أن سترضع بلبنها؟ قال: «لا يصلح ولا لبن ابنتها التي ولدت من الزنا». إجابة الإمام أشارت إلى أن أثر الحرام باق في صلب ابنتها التي تغذت على لبن الزنا، أو نشأت من رحم زنا. وفي رواية : «أن ملعقة من الخمر تؤثر في أربعين جيلاً». ومنه نرى في الزيارة الجامعة «وأن أرواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض خلقكم الله أنواراً»، وفي زيارة وارث «وأشهد أنك كنت نوراً في الأصلاب الشامخة والأرحام المطهرة لم تنجسك الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسك من مدلهمات ثيابها . . .». فهذه إشارة إلى أن طهر الرحم لا ينحصر في الرحم المباشر بل ما قبله حتى آدم عليه السلام ونحن لسنا بصدد شرح مفاهيم ومعاني الزيارة. وعن الصادق عليه السلام: «رضاع اليهودية والنصرانية خير من رضاع الناصبة». وذلك لأن اليهودية والنصرانية لم يحصل لهم الإيمان بالإسلام إما لضعف الدليل القائم عندهم على صحة الإسلام، وإما لعدم قيامه أصلاً. بخلاف الناصبية ـ عليها لعنة الله ـ فقد قام عندها الدليل على صحة المعتقد والدين الإسلامي ولكنها كابرت وعاندت الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الولاية؛ فأبغضت الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام بغض إبليس للسجود لآدم فاستحقت اللعن والطرد، وإبليس يقول: (إني أخاف الله رب العالمين)؛ فهو أقر بالربوبية ولكنه عاند وكابر فلم ينفعه ذلك الإيمان غير التام، هذا أولا. وثانياً: أن الناصبة تحمل في طياتها وفي صميم فؤادها الأسود الحقد والكراهية لخيرة البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه الحالة ـ أعني الكراهية والحقد ـ لها الأثر الكبير والسلبي على نفسية الطفل؛ فإنها علاوة على كونها مرضاً يجب أن لا ترضع المرأة الطفل وهي في مثل هذه الحالة (الكراهية والحقد) لأي إنسان، فما بالك إذا كان ذلك البغض موجه لخيرة الناس محمد وأهل بيته صلوات الله عليهم أجمعين. وما ينقل في ذلك أن آية الله الشيخ فضل الله نوري في زمان المشروطة في إيران حكم عليه إقامة جبرية في بيته وسعت الدولة أن تعدمه، وفعلاً أخذته إلى السجن لهذا الغرض وابن الشيخ فضل الله كان من المساهمين بشكل جدي في أن يحكم على والده بالإعدام ... أحد العلماء الكبار لما رأى أن ابن الشيخ التقي يسعى لقتل والده تعجب واستحكمت عليه الحيرة والدهشة! فذهب هذا العالم إلى الشيخ في السجن وقال له : إن ولدك يجب أن يكون من حيث الوراثة في مرتبة عالية ويجب أن تكون لديه مقامات عالية . . . كيف صار ولدك لا يبالي بل يسعى من أجل إعدامك؟ أجاب الشيخ : نعم، الشيء الذي كنت أخاف وقع . . هذا الولد عندما ولد في النجف الأشرف كانت أمه مريضة، ولم تستطع إرضاعه لذا اضطررنا إلى البحث عن مرضعة له ووجدنا مرضعة، ولكن لم نكن نعرفها فأرضعت ولدي مدة من الزمان، ثم توجهت إلى أن هذه المرأة غير متقية وأيضاً ناصبية ومن هنا دق جرس الخطر وهذا الذي كنت أخافه وقع. وإذا تأملنا هذا الشيخ التقي الورع الذي لاشك في أن نطفته كانت طاهرة، ولكن كما قال الإمام علي عليه السلام : «الرضاع يغير الطباع». حتى لا يقع لك مثل هذا يا عزيزي عليك أن تراعي هذه الجوانب وأن لا تهملها فالسعيد من اتعظ بغيره. الزاوية الثالثة: غذاء المرضعة: لاشك أن الغذاء الذي تتناوله المرضعة لا يقل أهمية عن المرحلتين السابقتين، وذلك لأن الطفل سيكون غذاؤه وشرابه من هذه المرضعة فالأكل الحلال الخالي من الشبهة هو المصدر الأساسي الذي يجب أن تتغذى عليه المرضع، وإلا نشأ الولد على الحرام والعياذ بالله. عن الحلبي قال: «سألته عن رجل دفع ولده إلى ظئر يهودية أو نصرانية أو مجوسية ترضعه في بيتها؟ قال: ترضعه لك اليهودية والنصرانية في بيتك وتمنعها من شرب الخمر وما لا يحل مثل لحم الخنزير ولا يذهبن بولدك إلى بيوتهن. والزانية لا ترضع ولدك فإنه لا يحل لك. والمجوسية لا ترضع لك إلا أن تضطر إليها». لقد ذكرنا آثار الخمر وكيف أنه يولد إضعاف البنية وشرخ الخلايا في المخ إلى غير ذلك من الآثار. وأما لحم الخنزير فقد ثبت علمياً أنه يميت الغيرة عند الإنسان ومن لا غيرة له لا يساوي روث البهائم أجلكم الله. ونحن لسنا بصدد إثبات العلل لتحريم هذا أو ذاك . . ولكن كل ما لا يحل يجب على المرضعة أن لا تتناول منه شيئاً، ولا توجد خصوصية لليهودية والنصرانية والمجوسية في ذلك بل كل امرأة مرضعة. وأما لم يذكر الإمام المسلمة أيضاً؛ لأنه من المفروض أنها قد انتهت عن هذه الأمور المحرمة بإسلامها. وأما اشتراطه أن يرضعن في بيتك من أجل أن يكن تحت نظرك لا يحدثن شيئاً للولد سواء في مأكلهن، أو الطفل. فألا يأمن منهن على الولد بل يجب أن يتوقفن عن شرب الخمر مدة الرضاعة، ومدة الرضاعة سنتان لا يتخللها شرب الخمر، أو أكل المحرم لان ذلك يؤثر ـ كما أسلفنا ـ ومقدمة الواجب واجبة. أي قبل أن تسلمهن من أجل الرضاعة يجب أن يمتنعن عن المحرمات حتى يطهرن من الدنس. وذكره أن لا يذهبن بولدك إلى بيوتهن خوفاً من أن يطعمنه، أو يسقينه الحرام أو غير ذلك من مكرهن. ولقد أخبرني ممن أثق به حينما كنت في كندا أنه قد تزوج امرأة كندية مسلمة وأبواها ما زالا على كفرهما، وكان عنده ولد وكانت جدته الكافرة تصطحب الولد إلى منزلها لتطعمه لحم الخنزير، أو كل ما هو محرم في الإسلام حتى وقع الزوجان على معرفة الأمر مصادفة. فلهذا وأمثاله يمنعن. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه يجب الحذر من الخادمات اللاتي يأتين إلى البيوتات لا يعرف ديانتهن، ولا يؤمن منهن، ولا يسلم الأطفال لهن، ولا يتركن بمفردهن مع الأطفال، وكذا المعاهد والروضات غير الموثوقة، وكل ما يخشى على الولد، أو في دور الحضانة؛ فإن ذلك لا يحل للوالدين أن يضعا ولدهما فيه. فالولد أمانة أخذت على الفطرة ويجب أن ترجع على الفطرة وإلا خانا الأمانة والعياذ بالله. ولن يقبل الله عذر الوالدين إذا خرجا إلى العمل من أجل تحصيل الرزق وتركا فلذة كبدهما عند من لا دين له؛ فإن تربية الولد أوجب وأهم من السعي إلى تحسين المعاش؛ فالزوج هو الذي يجب أن يصرف على العائلة والمرأة تحفظ نفسها وعيالها فقط. جاء في أحد الكتب هذه القصة: «أصيب طفل من مدينة (لوزا) باختلاجات في أحد الأيام وكان اليوم هو الخميس ثم زالت هذه الاختلاجات، وإذا بها تعود للظهور في يوم الاثنين التالي وزالت مساء، ولكن لوحظ فيما بعد أن الطفل أصيب بهذه الاختلاجات في نفسها وأجريت الاعتناءات اللازمة والتفتيش عن الأسباب المؤدية لهذه الاختلاجات، وإذا بالأمر أن المرضع تخرج يومي الأحد والأربعاء ساعتين تتناول خلالها كمية لا بأس بها من الكحول، فأمرت بالامتناع عن هذ المواد وإذا بالإضطرابات والاختلاجات تزول وتعود صحة الرضيع جيدة حسنة». الزاوية الرابعة: كيفية الرضاعة: قد يتصور البعض أن الله خلق الثديين لزينة المرأة ولكي يتناول الطفل الحليب من أيهما كان، ولكن الحق أن لكل ثدي وظيفته الخاصة التي تختلف عن الآخر، وإن اشتركا في غاية واحدة وهي تغذية الطفل؛ فإن أحد الثديين يكون غذاء والآخر شراباً لذا لا يكفي أن يعطى من أحدهما دون الآخر، بل يجب من كليهما وينوع له في الرضاعة من هذا تارة ومن ذاك تارة أخرى. عن محمد بن العباس بن الوليد عن أمه أم إسحاق بنت سليمان قالت: «نظر إلي أبو عبدالله وأنا أرضع أحد ابني محمد وإسحاق، فقال: يا أم إسحاق لا ترضعيه من واحد، وارضعيه من كليهما يكون أحدهما طعاماً والآخر شراباً». قال ابن سينا في صدد الرضاعة وكيفيتها ما هذا نصه: «ويجب في كل إرضاعه وخصوصاً في الإرضاع الأول أن يحلب شيء من اللبن ويسيل، وأن يعان بالغمز لئلا تضطره شدة المص إلى إيلام آلات به الحلق والمريء فيجن به، وإن لعق قبل الإرضاع كل مرة ملعقة عسل فهو نافع، وإن مزج بقليل شراب كان صواباً»؟ كما يلزم ملاحظة أمر مهم وهو الحالة النفسية للمرأة في اثناء الإرضاع؛ فإن كانت حادة المزاج عصبية أو داهمها الهم والغم، أو أصابها مرض يجب أن تترك إرضاع الطفل؛ وذلك لأن كل ما سبق هو عبارة عن تغير المزاج مما يؤثر على نفس صحة البدن والنتيجة على الولد. يقول الدكتور صبيح الجزار: «ثم إن تعرض المرضع للصدمات النفسية والأحزان والمتاعب الفكرية قد يفضي إلى توقف إفراز الحليب عندها، كما حدث عند كثيرات من اللواتي أصابتهن صدمـة نفسيـة فـي رعـب أو حـزن أو بـأس في طـور الإرضـاع . . ». وأما مدة الرضاعة ، فإنها لا تتجاوز سنتين يتخللها إعطاء الطفل بعض الأغذية المقوية له. العياشي في تفسيره عن الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: «نهى أن يضار بالصبي أو يضار بأمه في رضاعه، وليس لها أن تأخذ في إرضاعه حولين كاملين ، فإن أرادوا الفصل قبل ذلك عن تراض بينهما كان حسناً والفصل الفطام». الزاوية الخامسة: حالة المرضع الروحية: ما زال هذا الولد الجديد يتغذى من ثدي أمه الغذاء المادي والروحي أيضاً للاتصال بها، وعدم استقلاله عنها؛ فكل الآثار التي تظهر على الأم تتجلى في الولد. لذلك تقول في زيارتك للإمام الحسين عليه السلام يوم عرفة: «غذتك يد الرحمة ورضعت من ثدي الإيمان وربيت في حجر الإسلام . . . ». حيث إن السيدة الزهراء عليها السلام تمثل الإيمان حقيقة فقد رضع الحسين عليه السلام هذا الإيمان من أمه الزهراء عليها السلام، وهكذا نكتشف أن الحالة الإيمانية التقوائية تؤثر في الرضيع، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: « وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله واعلموا أن الله بما تعلمون بصير». فعندما يأمر الله في أثناء الإرضاع بالتقوى والتي هي عبارة عن الابتعاد عن كل محذور وحرام والإتيان بكل واجب إشارة قوية إلى المطلوب. ينقل أن أحد العلماء الأبرار ـ رضوان الله عليه ـ ذهب إلى الخباز لكي يشتري خبزاً فرأى صاحب الخباز في حالة استماع إلى الغناء، فتركه وانصرف، ولاحظ الخباز ذلك فأوقف العالم، وسأله عن سر إعراضه عنه. فقام ذلك العالم: رأيت أو القوة التي تعطيك الطاقة في العمل هي استماعك للغناء. فهذه الحالة غير مرضية لله، وهذا الخبز يكون قد وصل إلينا في أثناء غضب الله فعندها لا نرى للطعام خيراً. فكذلك حالة المولود إذا كان يتناول الغذاء ، وأمه في حالة الإشراق الإلهي سيكون لهذا الحليب لذة. بخلاف هذا لو كانت أمه في حالة معصية ـ والعياذ بالله ـ كأن ترضع ولدها وهي تغتاب، فإن الحليب سيكون منشأ أكل لحم أخيه ميتاً أي محرماً فيؤثر على مزاج الطفل وروحيته المعنوية، وهكذا باقي حالات المعاصي حيث لها أثر على نفسية الإنسان. ومن اللطيف أنه لما وصلت زمام الأمور للشيخ الانصاري ذهب بعض الناس ليبارك لأمه على هذا المولود الذي أصبح من كبار العلماء. أم الشيخ أجابتهم قائلة: كنت أتوقع من هذا الولد أكبر من ذلك؛ لأني خلال سنتين كنت لا أرضعه إلا على الوضوء. حتى في نصف الليل إذا أفاق وأخذ بالبكاء قمت ـ أولا ـ بالوضوء ثم أرجع لكي أرضعه. الشيخ مظاهري أحد الأساتذة الكبار رجل إلهي يوصي الأم في حالة رضاع ابنها بقوله: «إن حق الولد أن يشرب حليباً سالماً. لذا أثناء ما تعطي الأم الحليب للولد يجب عليها أن تكون في حالة ارتباط مع الله، ولا تكون في صلة مع الشيطان أصلاً، ولتقل : باسم الله أولاً، وأن لا تتخيل الأمور السيئة الوساوس الشيطانية، وإذا كانت الأم تستطيع أن تعطي ولدها الحليب في حالة الوضوء والطهارة فلتفعل، وقبلاً التوبة من المعاصي أولاً عن أن تقول: (استغفر الله من كل قلبها بعد هذا كله تعطي الولد الحليب) ولك هذه الآداب التي لوحظ فيها الوضع والحال الإيمانية للوالدين حتى يخرج ولداً صالحاً طاهراً يكون قرة للعين، وكمثل شجرة أصلها ثابت وفرعها في السماء يقول تعالى: « ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء * تؤتي اكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون * ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار» .