ثم أوحى هؤلاء إلى صدام بغزو الكويت ؛ ليكون ذريعة لهم في التدخل بعساكرهم في أرض الجزيرة التي ما استطاعوا وطء أرضها على مر التاريخ الطويل رغم النكبات التي حلت بالعالم الإسلامي على أيدي الصليبيين والتتار ، وخال الأمر على الرجل ، فانطلقت قواته لتكون بعد ساعات في شوارع الكويت العاصمة ، وقبل أن يسعى المخلصون من المصلحين في إقناع صدام بالعودة إلى صوابه أطلق أشرار الأمريكان صيحتين معا ، الأولى تحذر ملوك وأمراء الخليج من زوال ملكهم على أيدي صدام , والثانية : أننا مستعدون للدفاع عنكم ضد هذا الوحش المفترس .
وانطلت الحيلة عليهم وبادروا بطلب المساعدة من الذين تحولوا بعد طرفة عين إلى أصدقاء ومحبين مخلصين ، وقدمت لهم كل التسهيلات للزحف بقواتهم تلقاء الخليج العربي ، وتبع ذلك فتاوى من بعض العلماء تبيح الاستعانة بهم في قتال الوحش صدام ، مرفوقة بفتاوى تخرجه ومن حوله من الإسلام نهائيا ، واستقبل الغزاة في جزيرة العرب استقبال الفاتحين ، وهلل لهم الكثيرون ، ورفعوا أعلامهم في بعض الشوارع في سابقة منقطعة النظير .
وجاءت الحيلة الثانية لدخول الأمريكان بلاد الأفغان الأبية التي طالما استعصت على الإنجليز ، وفتت الاتحاد السوفيتي ، وكانت تلك الحيلة بزعم التخلص من رءوس القاعدة هنالك , ومن العجب أنهم يوم أن أطلقوا هذه الصيحة لم يبدوا أي عداء أو يوجهوا أي اتهام لحركة الطالبان التي حلت محل حكومة المجاهدين هنالك ، وبمباركة من دول حليفة لأمريكا ، ومن شاء فليراجع كل البيانات التي صدرت وقتها ، ولكن بعد دخول الأمريكان ، وتعان بعض الأفغان معهم بمن فيهم ـ وللأسف ـ من كان من أمراء الجهاد السابقين تطور الأمر تلقائيا إلى مدافعة الطالبان ومن انضم إليهم ، ووظف الجيش الأفغاني لمحاربة الإسلاميين هنالك بعد أن انطلت الحيلة عليهم وعلى العالم ، وهي أنهم لم يدخلوا أفغانستان لتتبع فلول القاعدة ، وإنما لأغراض أخرى .
وجاءت الحيلة الثالثة ، تلك الحيلة التي أعدت للقضاء على ما تبقى من العراق وتدميره نهائيا ، وتصفية من نبغ فيه من العلماء العراقيين ، وحرمان ملايين من المسلمين غير العراقيين الذين كانوا يتكسبون مصادر رزقهم من العمل بداخله ، هذه الحيلة التي تمثلت في القضاء على أسلحة الدمار الشامل التي زعموا أن صدام حسين يدفنها بأرض العراق ، ورغم تشكك بل قل تيقن الخبراء من عدم وجود تلك الأسلحة ، إلا أن الحيلة انطلت على الناس كما انطلت الحيل السابقة , ودخلت القوات الأمريكية العراق ترافقها القوات البريطانية وشراذم من القوات الأخرى , وبدخولها تناسى الناس أسلحة الدمار الشامل التي أخافوا بها القريب والبعيد ، وتحولت وظيفة القوات الغازية إلى مطاردة صدام وأعوانه ، ثم إلى مطاردة المتشددين الإسلاميين كما يزعمون ، ثم أخيرا إلى محاولة فرض الأمن والقضاء على الطائفية ، هذه الطائفية التي ليس لأحد يد في إشعالها على الإطلاق غيرهم ، لا من الداخل ولا من الخارج .
وبقيت الحيلة الرابعة التي بدأ الإعداد لها ، هذه الحيلة التي تتمثل في تجنيد عناصر الشيعة بالعراق ، وبث كراهية أهل السنة في قلوبهم ، وحثهم على الانتقام منهم ، ثم تدريبهم على تنفيذ أغراضهم بكل قسوة , وتزويدهم بكل ما يحتاجون من أسلحة ومعلومات استخبارية وخطط لتنفيذ مهامهم ، وبالفعل حقق هؤلاء كل ما طلب منهم ، حيث قتل جراء ذلك مئات الآلاف من المسلمين السنة , من ضمنهم صفوة العلماء في كل التخصصات ، وخاصة النادرة , وهجر مئات الآلاف من ديارهم .
وصاحب ذلك تسريب معلومات بأن الإيرانيين يقفون وراء ما يحدث في العراق ، والذين لا نستبعد وقوع بعضهم في هذا الفخ ، هذه المعلومات بدأت تزداد يوما بعد يوم حتى انتقلت بعد الفراغ من صدام إلى التصريح العلني من الإدارة الأمريكية ، مشفوعة بتهديدات غير مسبوقة ، مع إقناع الشعوب العربية السنية أن عداوة الشيعة لهم لا تقل عن عداوة اليهود ، بل هم أعظم خطرا منهم ، والأدلة أمامكم وهي ما يحدث في العراق ، وما هذا إلا تمهيدا لضرب إيران وتدميرها كما دمرت العراق من قبل ، وسيستقبل العالم العربي هذا الفعل بالترحيب ، وستنطلي عليهم الحيلة الرابعة , وسنجد من يقدم الشكر للإدارة الأمريكية ؛ لأنها خلصتهم من إيران كما خلصتهم من صدام .
وأما الحيلة الخامسة فلا أستطيع التنبؤ بها ، ولا بمن تحاك حوله ، وإن كانت لا محالة ستكون حبالها حول دولة من الدول ذات الشأن بالمنطقة العربية .