بتـــــاريخ : 7/26/2010 6:36:46 PM
الفــــــــئة
  • الآداب والثقافة
  • التعليقات المشاهدات التقييمات
    0 1488 0


    فقيد أمة

    الناقل : SunSet | العمر :37 | المصدر : www.altareekh.com

    كلمات مفتاحية  :

    بعد ثمانية عقود من العطاء , ومسيرة طويلة من العمل الخيري رحل عن دنيانا الشيخ عبدالله العلي المطوع رئيس جمعية الإصلاح الاجتماعي الكويتية , ورئيس مجلس إدارة مجلة "المجتمع" عن عمر يناهز ثمانين عاما،قضاها في الخير حتى آخر لحظة , إذ توفي أثناء ممارسته مهام عمله اليومي في مكتبه.
     

     

    فقد ذكر المسؤولون في مجلة "المجتمع" أن وفاته حدثت في الساعة الثانية عشرة والنصف بعد الظهر خلال متابعاته اليومية لقضايا العالم الاسلامي، بعد حوار أجراه مع إدارة تحرير المجلة، راجع خلاله موضوعات العدد الجديد ، وقد شيع إلى مثواه في هدوء كما أمضى عمره في هدوء , وترك الفقراء والمساكين في كثير من بلدان العالم ولسان حالهم ينادي بمن يسد الفراغ الذي تركه .

     

     
    فمن هو الشيخ عبدالله العلي المطوع ؟

     

    هو العالم العابد الزاهد الشيخ عبد الله العلى المطوع , ولد عام 1926م ، ونشأ في أجواء عائلية ملتزمة، وحرص والده على تربيته على الأخلاق الحميدة والقيم الإسلامية العظيمة، واشتغل في العمل التجاري وتنمية الموارد وهو في سن الـرابعة عشر من عمره.

     

    وتلقى تعليمه مع أبناء جيله في مدرسة "ملا عثمان" ومدرستي المباركية والأحمدية، وكان يتمتع بصلات قوية مع الجميع في داخل الكويت وخارجها , خاصة المنتمون للحركات الإسلامية , وفي مقدمتها حركة الإخوان المسلمين.

     

    وكان لشقيقه الأكبر المرحوم عبد العزيز المطوع صلة وطيدة بالحركات الإسلامية والعمل الإسلامي خاصة حركة الإخوان المسلمين، فتأثر المطوع بهذا التوجه، ومنذ ذلك الحين انخرط في النشاط الإسلامي,  وتنميته من خلال استضافة العلماء والمحاضرين.

     

     
    كما أسهم في إصدار مجلة الإرشاد الإسلامي، و كان داعية إسلاميا دءوبا، تمتع بخبرة واسعة وتجربة ثرية في العمل الدعوي والخيري.

     

    التقي عبد الله المطوع وشقيقه المرحوم عبد العزيز بمؤسس جماعة الاخوان المسلمين حسن البنا عام 1946م في مكة المكرمة والمدينة، وحضر له محاضرة في المدينة المنورة ، وأهدى لهما البنا كتابين، الأول: كتاب «حضارة العرب» للمؤلف الفرنسي غوستاف لوبون , وهو كتاب جيد يشيد بالحضارة العربية والإسلامية , ومزود بالرسوم , وكان من نصيب أخيه عبد العزيز، والثاني كتاب «الرحلة الحجازية» وهو كتاب قيم نادر الوجود , وكان من نصيب الشيخ عبد الله ، وكتب البنا بخط يده ذكرى طيبة تحث على الأخوة في الله , وتذكر بهذا اللقاء المبارك في الحرمين الشريفين ووقعه بتوقيعه.

     

    كما أسهم في تأسيس جمعية الإرشاد الإسلامي في عام 1950م كأول عمل إسلامي مؤسسي بالكويت، وجمعية الإصلاح الاجتماعي في مطلع الستينيات، وقد سارت الإصلاح على نفس أهداف ومبادئ جمعية الإرشاد، وظل رئيسا لمجلسي إدارة جمعية الإصلاح ومجلة المجتمع حتى وفاته.

     

    وكان من أبرز رجالات العمل الخيري، محبا له ومنفقا سخيا على جميع أوجه البر والخير، وكان يستقبل بمكتبه أصحاب الحاجات، ويسعى جاهدا إلى تلبية احتياجاتهم , حتى وصفه من كان يعايشه بأبي المساكين والأيتام، ووصف رحيله بأنه يمثل خسارة كبيرة لمساكين وأرامل وأيتام العالم وللفقراء والجوعى لأياديه البيضاء التي امتدت بالعمل الخيري في كل مكان.

     

    وكان له ـ رحمه الله ـ الفضل في تميز العمل الخيري الكويتي بالشفافية والوضوح وجعله عملا مؤسسيا، مما جعله في منأى عن الحملات التي انطلقت بعد 11 سبتمبر فيما عرف بتجفيف "منابع الارهاب".

     

     
    كما أنه أسس جيلا واعيا من الدعاة المعتدلين انتشروا في جميع أنحاء العالم، وبفضل ذلك ظلت الكويت بعيدة عن الإرهاب والتطرف.

     

     
    ولعل أهم ما يمكن أن نقدمه للقارئ عن فضله في هذا المجال ما ذكره الداعية / أحمد القطان الذي كان أحد المقربين منه وإليه , حيث يقول : كلما قرأت قوله تعالى "مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا" رأيت هذه الآية تتمثل في شخص هذا الداعية الرباني حيث إنني كنت ملتصقا به خلال أربع سنوات، أسافر معه من نصف الشهر السابع إلى نهاية الثامن الميلادي، واستمر ذلك حتى هذا العام (2006) فرأيت من أمره عجبا.

     

    رأيته في ليله ونهاره، والاتصالات عليه لا تنقطع، ولما سافرت إلى أبها، أخذت لا أرد إلا على التليفون الذين يأتيني من الإعلاميين ؛ لتعم المنفعة فرآني على هذه الحال، فقال لي: يا شيخ أحمد أنت لست لنفسك ,  إنما أنت للناس ,  انظر إلي!! لا أرد أحدا كائنا من كان في ليل أو نهار على جميع خطوطي , فأرجوك أن ترد على كل الناس , في كل الأرض , في كل حين.

     

    واستطرد القطان: قلت سمعا وطاعة، ورصدت مبلغا , وأخذت أرد بالهاتف النقال على الناس، وعلى أصحاب الحاجات وأصحاب المشاكل, وكذلك أرد على المداخلات في برنامج على الخط في إذاعة الكويت على مدار خمسة أيام أسبوعيا من السبت إلى الأربعاء , كل ذلك تعلمته من هذا البطل الذي هو فوق الثمانين، والذي يتقاصر الشباب عن إدراك بعض أعماله.

     

    وأضاف: رافقته في الصيف خلال الأربع سنوات , فرأيته يحرص على صلاة الفجر ويحضر جميع أبنائه , ويكون من أول الناس حضورا إلى المسجد، ثم يجلس يستمع إلي في درس الفجر إلى الشروق كل يوم، ثم يصلي صلاة الشروق، ويدعو كل من في المسجد على مائدة إفطاره , وبعد الإفطار نتحدث معه في أمور الأمة , فيهدي إلينا الكتب والرسائل المطبوعة , ويرد على المكالمات، ثم بعد ذلك له في يوم الثلاثاء درس ثابت في ديوانه في أبها، يحتشد فيه الشعراء والعلماء والخطباء والأدباء، ويدلي كل واحد منهم بدلوه.

     

    وكان في هذا الموسم الصيفي لا حديث لنا إلا أحداث القدس والأقصى ولبنان، يدافع عن الأمة وعن مقدساتها ودمائها وأعراضها، وهو يحمل همها، ويبكي في الليل والنهار على الأرملة واليتيم والمسكين والفقير ويقول: يا ليتني تصلني أخبارهم كلهم , وبإمكاني أن أسد حاجتهم وعوجهم.

     

    وقال القطان: ذهبت معه يوما إلى السوق لنشتري حاجة فوقفنا عند البائع، فسأل البائع: بكم هذه الحاجة؟ قال بخمسة ريالات. فقال الشيخ المطوع: بأربع فأبى البائع , فتركه وذهب إلى بائع آخر، فسأله عن نفس البضاعة، فقال بأربعة، فاشتراها, فقلت له: تترك البائع الأول على ريال؟؟

     

    فرد: نعم , هكذا تكون التجارة , وهكذا تكون المروءة في البيع والشراء , ثم ركبت معه السيارة , وذهبت أصلي صلاة الظهر في المسجد، فقال: اجلس معي يا شيخ أحمد حتى تشهد أنني أوقفت الآن سبع عمارات في منطقة خيطان , وهي أكبر ثروة عندي في البلد تقدر بالملايين، للأرملة واليتيم والمسكين والفقير في أرض مصر وغيرها من الأمة العربية.

     

    يقول القطان : ذهلت لذلك، كيف أنه أخذ يراجع البائع على ريال، وفي نفس اليوم في صلاة الظهر يوقف سبع عمارات بالملايين. ما هذا؟! إني والله لأرى عجبا، إن هذا الإنسان ينفق إنفاق من لا يخاف الفقر، وقد كنا نقرأ في الكتب عن أمثال هؤلاء الرجال الأفذاذ الذين يبذلون ولا يبالون.

     

    وهذا مشهد واحد رأيته والذي لا أعلمه منه لا يحصيه إلا الله، فهو رئيس جمعية الاصلاح الاجتماعي، وهو الذي أسس مع أخيه عبد العزيز عليه رحمة الله جمعية الإرشاد في الكويت التي تحولت بمرسوم أميري إلى جمعية الاصلاح، ويشرف بنفسه على مجلة المجتمع.

     

    وكنت أجلس بجانبه الساعات يراجعها كلمة كلمة , وحرفا حرفا لا يمل ولا يكل، وهي تتبنى قضايا الأمة من مشرقها إلى مغربها , وعلى رأسها قضية الأقصى والإسراء والمعراج , ورأيته رحمه الله رحمة واسعة يشرف على العمل الخيري ويتابعه.

     

    وقال القطان: إن جمعية الإصلاح الاجتماعي التي كان الشيخ رئيسها تكفل أكثر من خمسين ألف يتيم، وقد بنت الجامعات والمدارس والمآوي والمستشفيات والملاجئ وآلاف المخابز في الدنيا.

     

    تنطلق بأمره الإغاثات السريعة حتى أصبح رجلا عالميا مميزا، لسنا نحن الدعاة في الكويت وحدنا الذين فقدناه، بل فقده المسكين على الأرض والأرملة واليتيم والمستضعف، وطالب العلم، والجوعى والحفاة والعراة يذكرونه. إنه والله أبو الأيتام.

     

    واستطرد بأنه عرف الحياة العامة والخاصة للشيخ عبدالله المطوع، أما حياته الخاصة فهو من أزهد الناس في حياته، بسيط، غير متكلف، يجمع أبناء الحي صغارا وكبارا، وأطفالا وصبايا صغارا ويأتي بهم إلى أهله وأم عياله لتحفيظ القرآن كل يوم طول الأسبوع، ولا يتضايق من وجود الأطفال في بيته، وإذا هموا بالخروج يعطيهم من جيبه المال الخاص ؛ تشجيعا لهم على حفظ القرآن الكريم , وفي نهاية موسم الصيف يعقد لهم احتفالا في مسابقة تحفيظ القرآن ويمنحهم الهدايا والمنح.

     

    وأضاف: رأيته أيضا عن قرب وهو يحيط به الفقراء والمساكين في كل فرض صلاة، فيجلس على الكرسي في باحة المسجد في أبها القريب من بيته , هذا يقدم عريضته، وهذا يقدم مشروعا للأيتام، وذاك يقدم مشروعا لتحفيظ القرآن في اليمن ومصر وسوريا ولبنان، يتلقاهم بالترحاب والابتسام.

     

    رأيته أريحيا في خروجه معنا هناك في غابات أبها, يبذل للناس من المال ما يسد العوج، أينما يتحرك، يتحرك الناس خلفه ـ رحمة الله عليه ـ ورأينا منه دماثة الأخلاق، يفرح لفرح الأمة ويحزن لحزنها.

     

    ورأيته يتابع قضايا الأمة في العراق يحمل هم هذا البلد الذي احتل الكويت , ويفكر في همومه ومشاكله ليل نهار, ويحثنا على ألا ننسى إخواننا هناك في العراق , وما يصيبه من تمزق، ويقول : احذروا من تقسيم العراق، فإن تقسيمه إلى ثلاث دول، سيعقبه السعودية ثم السودان فمصر، فلا يريد أبدا أن يكون للأجنبي قدم لتحقيق أهدافه رغم أنه في هذا العمر، عمر الراحة والهدوء، حيث كان يكفيه أن يقرأ في مكتبه , ويشرب فنجان قهوة أو شاي ويهدأ , أما هو فلا يهدأ.

     

    ويروي القطان وقائع أخرى حية من سيرة الشيخ المطوع قائلا: لقد رأينا أيام الاحتلال عجبا من أمره , كان بجوار أمير البلاد يتصل بقيادات العمل الاسلامي في العالم قائلا لهم: قفوا مع الكويت، إذ وقفت معكم في كوارثكم ومحنكم , ولا يدعهم حتى يأخذ تأييدهم.

     

    ثم نراه مع همه الوحيد قضية القدس والأقصى، وتبنى قضية الأكراد , وقضية حماس، وجنوب لبنان, جعل مجلة المجتمع تتكلم بنبض المسلمين في العالم أجمع , وليس بنبض الكويت فقط...

     

    وأوضح القطان أن "عبدالله العلي المطوع أسس الدعاة المعتدلين، فهذه الكويت خالية من التعصب والإرهاب، ودعاتها ينتشرون في مشارق الأرض ومغاربها يعلمون الناس، وهذا ليس فيه فضل ولا منة، وإنما الفضل لله سبحانه وتعالى.

     

    لقد كان من أسمى أمانيه أن يصلي في القدس والأقصى , وقبل نكسة عام 1967 كان مصيفه في الأقصى في القدس , وما فارقها إلا بعد أن تم احتلالها، وهو يبكي عليها منذ تلك الساعة , ويرجو أن يعود إليها وفوقها راية التوحيد خفاقة".

     

    تلكم إطلالة وجيزة عن بعض ما قام به الشيخ ـ رحمه الله ـ خدمة لدينه وأمته وفقرائها , فنسأل الله له كمال المغفرة , والنعيم المقيم في جنة الخلد , ومرافقة النبيين .

     

     
     
     إدارة الموقع

    كلمات مفتاحية  :

    تعليقات الزوار ()