أمام موقف كهذا لا يبقى إلا الأخذ بما جاء في "شروط النهضة" و"ميلاد مجتمع" لمالك بن نبي، فهو يعتبر الثقافة جسرا للحضارة وتعلما لها، لأنها نسق من التفكير و الإنتاج والسلوك والمعاملة. أما الحوار فهو الأرض الدائمة التي يتم فيها تلاقح الحضارات المختلفة، وكل حوار لا تعززه ثقافة إنسانية صلبة ذات بعد سلمي لن يكون مآله غير الفشل والخيبة للطرفين المتحاورين معا، وغير إحباط الإنسان التواق إلى الاتصال.
إذ من خصائص الإنسان أنه حيوان رامز، يسعى دائما إلى أن يتصل بمجتمعه الأصغر الذي هو أمته، وبمجتمعه الأكبر الذي هو الإنسانية جمعاء. وهذا التعاطف الاتصالي يسمو على اللغة، لأنها وسيلة المجتمع القومي. ولذلك يلاحظ أن الصلة الثقافية الحق هي التي تربط بين المفاهيم الإنسانية متجاوزة بذلك اللغة التي هي وسيلة لخدمة الإنسان في مجتمع ضيق نسبيا. ولهذا تجد في المجتمعات العربية والإسلامية استساغة لآراء سقراط و أفلاطون و أريسطو وهيراقليطس وروسو وفولتير ودي كارت وكانت وبنسر وكونت (1798م – 1857م) ونتشه وغوته Goethe (1749م – 1832م) وهيجل وهيدجر (1889م – 1979م) وماركس (1818م – 1883م ) وفرود (1856م – 1939م) وبرغسون (1859م – 1941م) وراسل (1872م – 1970م) وشوبنهاور (1788م – 1860م) وسبينوزا (1632م – 1677م) وسارتر (1905م – 1980م) أكثر من الاستساغة لآراء الباباوات ورجال الكنيسة، لتقارب الهدف الثقافي. وبالمقابل تجد صلة الغرب بابن رشد وابن خلدون ومسكويه والفارابي وإخوان الصفاء وابن سينا وابن باجة وابن طفيل وابن حزم والمعري والخيام والمتنبي وابن عربي والحلاج والسهروردي والرازي وابن سبعين وابن مسرة أكثر من صلته بأئمة المذاهب الفقهية وفقهائها.
__________________
نحن نصنع من أرواحنا خبزاً يأكله الجميع ؛ وبقايا الأيام نقتسمها معاً!!.