إن الصوفية الشعرية حفر في لغة العمق العاطل، ومجرًى للتأمل؛ غرضها استنارة الروح من أجل تحقيق الذات عبر الحياة اليومية وضبط النفس، والولوجُ إلى جوهر الأشياء بالحدس لا بالعقل. ومن ثم معرفة الحقيقة الأزلية. ورغم أن الحقيقة أو الواقع واحدٌ، إلا أنه يمكن معرفةُ هذا الواحد بآلاف اللآلاف من تجلياته، وبذلك يرتفع الكائن إلى مقام الكمال فيرى الكون والكائنات امتدادا له ونَفَسًا جماليا لا تشوه فيه ولا نقصان، فيحضنه بفرح واطمئنان وكأنه يحضن ياقوتة الحقيقة.
بهذا الفهم تؤسس الصوفية الشعرية الحرية الكاملة، وتجعل الحاضر أحد أسرارها الذي يتحد فيه المرئي واللامرئي، النسبيُّ والمطلق، ما يمضي وما يبقى. فهي تغوص بالكائن فيما وراء عالم المتناقضات الذي قِوامه التميز الذهنيُّ، دون أن تربطه بأي شكل من أشكال الطقوس والمعتقدات والقوانين واللغات التي تقص جوهره وتطمس عمقه، متوخية من ذلك تحريره ودعوته إلى مزيد من الصدق والحقيقة، وإلى عدم التمترس في خنادق الدُّوغْمَاطِيقِيَّات Dogmatismes، وإلى تجنب التصلب في طقوس بلا حياة.
إنها سراج مرفوع في بهيم الوجود.
وما من أحد يوقٍدُ سراجًا ويغطِّيهِ بوعاءٍ، أو يضعه تحت سريره، بل يضعه في مكان مرتفع ليستنير به الداخلون" فتعم الألفة والبساطة والتجرد وروح الاعتدالِ والتواضعِ والتسامح والرحمةِ والمحبةِ والتوازنِ والصفاء.
تلك هي الصوفية الشعرية.
نور يضيء ويحوِّلُ، ويغتبط بالواقع الحقيقي المتكلم لغةَ عمق الكائن، لا لغةَ قِشرته الوجودية.
__________________
نحن نصنع من أرواحنا خبزاً يأكله الجميع ؛ وبقايا الأيام نقتسمها معاً!!.